علي بن عبد الرحمن بن هذيل الأندلسي
المحقق: عبد الإله أحمد نبهان و محمّد فاتح صالح زغل
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مركز زايد للتراث والتاريخ
المطبعة: دار البارودي للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 9948-06-105-5
الصفحات: ٤٠٦
وروي أنّ أبا حذيفة بن عتبة (١) بن عبد شمس وكان من فضلاء الصحابة شرفا وسابقة وهجرة دعاه أبوه يوم بدر إلى المبارزة وفيه تقول أخته :
فما شكرت أبا ربّاك في صغر |
|
حتى شببت شبابا غير معجوب |
قال مالك : ولا بأس بقتل الرجل ذوي رحمه من الكفّار مبارزة وغيرها.
وروي أنّ محيصة بن مسعود (٢) قتل رجلا من اليهود بأمر النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكان أخوه حويّصة أسنّ منه ولم يكن أسلم ، فجعل يضرب محيصة ويقول له : أي عدوّ الله ، قتلته؟!! أما والله لربّ شحم في بطنك من ماله!!
فقال / [م ٥٦] له محيصة : أما والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك.
قال : لو أمرك بقتلي لقتلتني؟!
قال : نعم ، والله لو أمرني بقتلك لضربت عنقك.
__________________
ـ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ..» وكان الواقدي ينكر هذا ويقول : توفي أبو أبي عبيدة قبل الإسلام. وقد رد بعض أهل العلم قول الواقدي.
(١) أبو حذيفة بن عتبة ٤٢ ق. ه ـ ١٢ ه ـ ٥٧٨ ـ ٦٣٣ م : أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، صحابي هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها وقتل يوم اليمامة. وهو خال معاوية بن أبي سفيان. الإصابة ٧ : ٤٢ برقم : ٢٦٣ والأعلام ٢ : ١٧١.
(٢) محيصة بن مسعود الأنصاري. قال ابن هشام : محيّصة ويقال محيصة ورد خبر له في السيرة فحواه أنه قتل يهوديا بأمر الرسول (صلىاللهعليهوسلم) فجرى له على يد أخيه ما هو مذكور هنا.
انظر السيرة ٢ : ٥٨١ والإصابة ٦ : ٦٨ برقم : ٧٨١٩.
قال حويّصة (١) : والله إنّ دينا بلغ بك هذا لعجب. فأسلم حويصة لذلك فقال محيصة :
يلوم ابن أمّي لو أمرت بقتله |
|
لطبّقت ذفراه بأبيض قاضب |
حسام كلون الملح أخلص صقله |
|
متى ما أصوّبه فليس بكاذب |
وما سرّني أني قتلتك طائعا |
|
وأنّ لنا ما بين بصرى ومأرب (٢) |
__________________
(١) حويّصة بن مسعود : أنصاريّ ، شهد أحدا والخندق وسائر المشاهد ، انظر السيرة النبوية ٢ : ٥٨١ و ٨١٤ والإصابة ٢ : ٤٨ برقم ١٨٧٧.
(٢) الخبر مع الشعر في السيرة النبوية ٢ : ٥٨١ ، ٥٨٢.
الباب السادس عشر
في الشجاعة والإقدام
في الشجاعة والإقدام
كان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أشجع الناس ، وكان يتعوّذ بالله من الجبن (١).
قال بعض العلماء : جسم الحرب الشّجاعة (٢).
وقالت الحكماء : أصل الخير كلّه في ثبات القلب (٣).
فالشجاعة هي أمّ الخصال الشريفة ، ومن فقدها لم تكمل فيه خصاله.
قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق (٤).
وكان عليهالسلام من الشجاعة والنجدة بالمكان الذي لا يجهل ، حضر
__________________
(١) كان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يتعوذ من خمس : من الجبن والبخل وسوء العمر وفتنة الصدر وعذاب القبر. ذكره السيوطي في فيض القدير ٩ : ٤٨٤٣ برقم ٦٩٧٢ وقال محققه : أخرجه أبو داود في سننه ٢ : ١٥٣٩ والنسائي في سننه ٨ : ٥٤٥٨ وابن ماجة في سننه ٢ : ٣٨٤٤ عن عمر وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ٤٥٣٣. أما قوله : سوء العمر فهو عدم البركة فيه بقوة الطاعة والإخلال بالواجبات. وأما فتنة الصدر فهي ما ينطوي عليه الصدر من نحو حسد وغل وعقيدة زائفة.
(٢) سراج الملوك ٢ : ٦٨٩
(٣) في سراج الملوك ٢ : ٦٦٧ : قالت الحكماء : أصل الخيرات كلها في ثبات القلب ، ومنه تستمدّ جميع الفضائل ، وهو الثبوت والقوة على ما يوجبه العدل والعلم.
(٤) الحديث في شرح السير الكبير ١ : ٩٧ وجاء في فيض القدير ٤ : ٢٢٠٦ برقم ٢٥٨٤ : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق. قال محققه : أخرجه أحمد ٢ : ٣٨١ وابن سعد ١ : ١٥١ والبخاريّ في الأدب المفرد ٢٧٣ والحاكم في مستدركه ٢ : ٦١٣ قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. وذكره البيهقي في شعب الإيمان ٦ : ٧٩٧٨ عن أبي هريرة. وصححه الألباني في صحيح الجامع ١ : ٢٣٤٩.
المواقف الصعبة والحروب الكبار فثبت إذ فرّ الكماة ، وأقبل إذ أدبر الأبطال الحماة ، كل شجاع سواه قد أحصيت له فرّة (١). وكلّ نجدة غيره قد حفظت عنه جولة ، وحضر ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قبل النبوّة حرب الفجار (٢) وهو ابن أربع عشرة سنة أو خمس عشرة فيما ذكر (٣).
وروي أنّه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال في ذلك : كنت أنبل على عمومتي إذ (٤) أردّ عليهم نبل عدوّهم إذا رموهم بها (٥).
قال ابن عمر رضياللهعنه : ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (٦).
وقال عليّ رضياللهعنه : إنّا كنّا إذا حمي النّاس واحمرّت الحدق اتّقينا برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فما يكون واحد أقرب إلى العدوّ منه ، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو أقربنا إلى العدوّ ، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأسا.
وقيل : كان الشجاع هو الذي يقرب منه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا دنا العدوّ لقربه منه.
__________________
(١) انظر أخبار فرار بعض الشجعان العقد ١ : ١٣٨ وما بعدها.
(٢) انظر في حرب الفجار : السيرة النبوية ١ : ١٢٤ والعقد الفريد ٥ : ٢٥١ وما بعدها.
(٣) انظر السيرة النبوية ١ : ١٢٤ والعقد ١ : ٢٥٣ وقد كانت حرب الفجار قبل مبعث النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بست وعشرين سنة. وقد شهدها النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو ابن أربع عشرة سنة مع أعمامه. عن العقد.
(٤) في السيرة : أي أردّ ...
(٥) السيرة النبوية ١ : ١٢٤ ، ١٢٥.
(٦) سنن الدارمي : المقدمة : الحديث برقم ٥٩ قال ابن عمر : ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود ولا أشجع ولا أضوأ وأوضأ من رسول الله (صلىاللهعليهوسلم).
وقال أنس (١) : كان النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أحسن الناس ، وأجود الناس وأشجع الناس. لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلقنا من قبل الصوت فتلقّاهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبى طلحة عري والسيف في عنقه وهو يقول : لن تراعوا لن تراعوا (٢).
وسأل رجل البراء (٣) : أفررتم يوم حنين عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ
قال : لا ، كرّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يفرّ ، ثم قال : لقد رأيته ـ صلىاللهعليهوسلم / [م ٥٧] على بغلته البيضاء وأبو سفيان أخذ بلجامها والنبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول :
أنا النبيّ لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطّلب |
__________________
(١) أنس بن مالك ١٠ ق. ه ـ ٩٣ ه ـ ٦١٢ ـ ٧١٢ أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجّاري الخزرجي الأنصاري ، أبو ثمامة ، أو أبو حمزة صاحب رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) وخادمه.
مولده بالمدينة وأسلم صغيرا وخدم النبي (صلىاللهعليهوسلم) إلى أن قبض ، ثم رحل إلى دمشق ومنها إلى البصرة فمات فيها وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة. عن الأعلام ٢ : ٢٤.
(٢) في كتاب الخيل لأبي عبيدة ١١٥ ... عن أنس بن مالك قال : كان فزع بالمدينة فركب رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) فرسا كان لأبي طلحة فلما رجع ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : لم نر شيئا غير أنا وجدناه بحرا أي : فرس أبي طلحة.
(٣) البراء بن مالك ـ ت ٢٠ ه ـ ٦٤١ م : ابن النضر بن ضمضم النجّاري الخزرجي ، صحابي ، من أشجع الناس ، شهد أحدا وما بعدها مع رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) ، وكتب عمر إلى عماله : لا تستعملوا البراء على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة يقدم بهم. وكان في مظهره ضعيفا ، قتل مئة شخص مبارزة عدا من قتل في المعارك. نقل ابن الجوزي أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين ، فجلس البراء بن مالك على ترس وقال : ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم ففعلوا فأدركوه وقد قتل عشرة منهم. كان على ميمنة أبي موسى الأشعري يوم فتح تستر فاستشهد على بابها الشرقي وقبره فيها وهو أخو أنس بن مالك. الأعلام ٢ : ٤٧.
قيل : فما رئي يومئذ أحد كان أشدّ منه.
وعن العباس (١) رضياللهعنه قال : لمّا التقى المسلمون والكفّار وولّى المسلمون مدبرين فطفق النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يركض بغلته نحو الكفّار وأنا أخذ بلجامها أكفّها إرادة أن لا تصرع ، وأبو سفيان أخذ بركابه ثم نادى : يا المسلمون.
قيل : وكان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا غضب ـ ولا يغضب إلا لله ـ لم يقم لغضبه شيء.
ولمّا رآه أبيّ بن خلف (٢) يوم أحد وهو يقول : أين محمد ـ لا نجوت إن نجا ـ وقد كان يقول للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين افتدي يوم بدر : عندي فرس أعلفها كلّ يوم فرقا (٣) من ذرة أقتلك عليها. فقال له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنا أقتلك إن شاء الله. فلمّا رآه يوم أحد شدّ أبيّ على فرسه على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فاعترضه رجال من المسلمين. فقال النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هاكذا ـ أي
__________________
(١) العباس بن عبد المطلب ٥١ ق. ه ـ ٣٢ ه ـ ٥٧٣ ـ ٦٥٣ م : ابن هاشم بن عبد مناف ، أبو الفضل ، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام ، وجدّ الخلفاء العباسيين وهو عمّ الرسول (صلىاللهعليهوسلم) ، كان محبا لقومه سديد الرأي واسع العقل ، مولعا بإعتاق العبيد ، وكانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام (وهي أن لا يدع أحدا يسبّ أحدا في المسجد ولا يقول فيه هجرا) أسلم بمكة وكتم إسلامه وأقام بمكة يكتب لرسول الله (صلىاللهعليهوسلم) أخبار المشركين ثم هاجر إلى المدينة وشهد وقعة حنين وفتح مكة. توفي بالمدينة الإصابة ٤ : ٣٠ برقم ٤٤٩٨ والأعلام ٣ : ٢٦٢. والأخبار المشار إليها هي في غزوة حنين.
(٢) أبيّ بن خلف ت ٣ ه ـ ٦٢٥ م : أبيّ بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، كان يحارب رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) ويتعرّض له ويمنع الناس من مجالسته. وكان من سادة قريش.
وكان يهدد الرسوله (صلىاللهعليهوسلم) وحاول قتل الرسول ه (صلىاللهعليهوسلم) يوم أحد فقتله الرسول (صلىاللهعليهوسلم) بيده ذلك اليوم. السيرة النبوية ٢ : ٦٠٢ و ٦٠١ و ٦٣٦.
(٣) الفرق : مكيال بالمدينة يسع ثلاثة أصع أو ستة عشر رطلا عن حواشي السيرة ٢ : ٦٠٢.
خلّوا عن طريقه ـ وتناول الحربة من الحارث بن الصمّة (١) فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير (٢) الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض ، ثم استقبله النبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ (٣) منها عن فرسه مرارا. وقيل بل كسر ضلعا من أضلاعه ، فولّى نحو قريش وهو يقول: قتلني محمد. ثم احتقنت طعنته فمات لعنه الله (٤).
قال عمران بن حصين (٥) : ما لقي رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كتيبة إلا كان أوّل من يضرب. قال مالك بن عوف النّصري حين أسلم :
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله |
|
في الناس كلّهم بمثل محمّد |
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدي |
|
ومتى تشأ يخبرك عمّا في غد |
وإذا الكتيبة عرّدت أنيابها |
|
بالسمهريّ وضرب كلّ مهنّد |
فكأنّه ليث على أشباله |
|
وسط الهباءة خادر في مرصد (٦) |
واعلم أنّ الشجاعة هي اعتقاد القوّة على دفع المعترض بحسب
__________________
(١) الحارث بن الصّمة ت ٢ ه ـ ٦٢٤ م : الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك من بني عمرو ابن مالك بن النجار ، وهو من أهل بدر ، كسر بالروحاء فردّه النبيّ (صلىاللهعليهوسلم) وضرب له بسهمه ثلاثة نفر. الإصابة ١ : ٢٩٤ برقم ١٤٢٣ والسيرة النبوية ١ : ٥٢٣.
(٢) في السيرة النبوية ٢ : ٦٠٢ : تطايرنا عنه تطاير الشّعراء عن ظهر البعير إذا انتفض بها.
(٣) تدأدأ : تقلّب عن فرسه فجعل يتدحرج. السيرة ٢ : ٦٠٢.
(٤) انظر الخبر في السيرة النبوية ٢ : ٦٠١ ، ٦٠٢.
(٥) عمران بن حصين ت ٥٢ ه ـ ٦٧٢ م : عمران بن حصين بن عبيد أبو نجيد الخزاعي ، من علماء الصحابة ، أسلم عام خيبر سنة ٧ ه وكانت معه راية خزاعة يوم فتح مكة ، وبعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم وولاه زياد قضاءها وتوفي بها وهو ممن اعتزل حرب صفين.
الإصابة ٥ : ٢٦ برقم ٦٠٠٥ والأعلام ٥ : ٧٠.
(٦) الخبر مع الشعر في السيرة النبوية ٢ : ٩٢٧ ، ٩٢٨ والسمهريّ : الرمح ، والمهنّد : السيف.
والهباءة : الغبار الذي يثور عند اشتداد الحرب.
الإمكان ، وصورتها تظهر بالمغالبة والصبر ولذلك قال الأحنف (١) وقد سئل عنها فقال : صبر ساعة (٢) وسئل أبو جهل عنها فقال : الصبر على حدّ السيوف فواق ناقة (٣) ـ وذلك ما بين الحلبتين من مهلة ـ.
قال بعضهم : الشجاعة هي فضيلة قوة الغضب ، ويعني بالفضيلة الاعتدال وهو استعمال تلك الصورة حيث ينبغي ، واستعمالها حيث لا ينبغي هو طرف الجور والتهوّر حتّى إنه ربّما ألقى بيده إلى التهلكة.
وطرف التقصير والذلّ هو الجبن ومعناه الخوف من غلبة المعترض والإلقاء بيد الذلّ مع إمكان الغلب ، وذلك أنّ تلك الصورة إمّا أن تكون طرفا أو واسطة والطرف مذموم. وهو أحد شيئين : إمّا إفراط / [م ٥٨] وجور وإمّا تقصير وذلّ. والواسطة هي صورة الخير وخير الأمور أوسطها. فإذا صحّ هذا فإنّما يحمد الفعل إذا صدر عن الرأي فيسمّى حينئذ حزما ومعناه فعل ما ينبغي كما قال أبو الطيب المتنبي (٤) :
__________________
(١) الأحنف بن قيس ٣ ق. ه ـ ٧٢ ه ـ ٦١٩ ـ ٦٩١ م : الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين المرّي السعدي المنقري التميمي أبو بحر ، سيد تميم وأحد العظماء الدهاة الفصحاء الشجعان الفاتحين ، يضرب به المثل في الحلم ولد في البصرة وأدرك النبي (صلىاللهعليهوسلم) ولم يره ووفد إلى عمر حين آلت الخلافة إليه في المدينة فاستبقاه عمر ومكث عاما وأذن له فعاد إلى البصرة وشهد الفتوح في خراسان ، واعتزل الفتنة يوم الجمل وشهد صفين مع علي ثم وفد على معاوية وولي خراسان وكان صديقا لمصعب بن الزبير فوفد عليه بالكوفة وتوفي عنده.
تهذيب التهذيب ١ : ١٩١ والأعلام ١ : ٢٧٦.
(٢) سراج الملوك ٢ : ٦٦٧.
(٣) سراج الملوك ٢ : ٦٦٧.
(٤) المتنبي ٣٠٣ ـ ٣٥٤ ه ـ ٩١٥ ـ ٩٦٥ م : أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي ، أبو الطيب المتنبي الشاعر الحكيم ، له الأمثال السائرة والحكم البالغة ، ولد في الكوفة ونشأ بالشام وتنقّل في البادية. وسجنه لؤلؤ أمير حمص لادّعائه النبوة ، حتى ـ
الرأي قبل شجاعة الشجعان |
|
هو أوّل وهي المحلّ الثاني |
فإذا هما اجتمعا لنفس حرّة |
|
بلغت من العلياء كلّ مكان |
ولربّما طعن الفتى أقرانه |
|
بالرأي قبل تطاعن الأقران |
لو لا العقول لكان أدنى ضيغم |
|
أدنى إلى شرف من الإنسان |
ولما تفاضلت الرجال ودبّرت |
|
أيدي الكماة عوالي المرّان (١) |
قال عليّ رضياللهعنه : رأي الشيخ خير من جلد الغلام (٢).
وقالوا : الحذر زمام الشجاعة والتهوّر عدوّ الشدة
ذكر أبو الفرج قدامة (٣) أنّ عناصر الفضائل الإنسانية أربعة : العقل والعفّة والعدل والشجاعة وجعل من أقسام الشجاعة : الحماية والدفاع والأخذ بالثأر والنّكاية في العدوّ والمهابة وقتل الأقران والسير في المهامه والقفار (٤) وركوب الأخطار وتقحّم الأهوال ، فالشجاعة هي أحد العناصر الأربعة من الفضائل الإنسانية ، وهي في المرتبة العليا منها لما تدلّ عليه من كمال الذكوريّة وما تقتضيه من الهيبة وحماية الحوزة والظّفر بالعزّ.
__________________
ـ تاب ثم خرج واتصل بسيف الدولة سنة ٣٣٧ ه ـ فمدحه ثم مضى إلى مصر فمدح كافورا الإخشيدي ثم هجاه ثم اتجه إلى العراق وفارس وقتل في طريق عودته من شيراز بعد أن مدح عضد الدولة. عن الأعلام ١ : ١١٥.
(١) ديوان المتنبي : العرف الطيب ٢ : ٢٥١ ، ٢٥٢ والأبيات مطلع قصيدة يمدح بها سيف الدولة.
(٢) العقد الفريد ١ : ٦٢ وفيه : رأي الشيخ خير من مشهد الغلام وانظر نهاية الأرب ٦ : ٧٥.
(٣) أبو الفرج قدامة ت ٣٣٧ ه ـ ٩٤٨ م : قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي ، أبو الفرج ، كاتب من البلغاء الفصحاء المتقدّمين في علم المنطق والفلسفة ، كان في أيام المكتفي بالله العباسي وأسلم على يديه وتوفي ببغداد ، يضرب به المثل في البلاغة. له كتب منها : الخراج ونقد الشعر وجواهر الألفاظ وكلها مطبوعة. عن الأعلام ٥ : ١٩١.
(٤) انظر كلام قدامة الذي ينتهي عند كلمة القفار في نقد الشعر ٦٧ ، ٦٨.
أو ليس من أعظم فضائلها أنّ الممالك العظيمة والدّول الكبار التي يضطرّ الخلق إلى وجودها إنّما تقوم وتثبت بأصحاب تلك الصّفة. وهذا دين الإسلام المؤيّد بنصر الله الذي غلب على الممالك جميعا وبلغ من أقصى الشرق إلى نهاية الغرب ، هل ذلك ممّا قام بغير الشّجاعة والعزّة والفتوّة.
كتب أنو شروان (١) إلى مرازبته : عليكم بأهل الشجاعة والسخاء فإنّهم أهل حسن الظنّ بالله (٢).
قال بعضهم : الشّجعان عند اللقاء ثلاثة (٣) :
(فالأول) ـ رجل إذا التقى الجمعان وتقارب الزّحفان واكتحلت الأحداق بالأحداق برز من الصفّ إلى وسط المعترك يحمل ويكرّ وينادي : هل من مبارز فهو أشرفهم(٤).
والثاني ـ إذا ناشب القوم الحرب وصاروا حرجة مختلطين لا يدري أحد من أين يأتيه الموت ، فيكون رابط الجأش ساكن القلب حاضر اللبّ ، لم يخامره الدهش ولا خالطته الحيرة ، فيتقلّب تقلّب القائم على نفسه المالك لأمره ، وهذا أحزمهم (٥).
والثالث ـ إذا انهزم أصحابه لزم السّاقة وضرب في وجه العدوّ
__________________
(١) أنوشروان هو كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان. انظر نهاية الأرب ١٥ : ٢١٥ وما بعدها.
(٢) الخبر في العقد ١ : ١٠٠.
(٣) النقل من سراج الملوك ٢ : ٦٧١ وفيه : واعلم أن الشجاعة عند اللقاء على ثلاثة أوجه :
(٤) عبارة «فهو أشرفهم» ليست في سراج الملوك.
(٥) عبارة سراج الملوك : والثاني : إذا التحم القوم واختلطوا ، ولم يدر أحد من أين يأتيه الموت ... وعبارة «وهذا أحزمهم» ليست في سراج الملوك.
وحال بينه وبين أصحابه ورجّى الضّعفاء وقوّى قلوبهم ، وأمدّهم بالكلام الجميل ، وشجّع نفوسهم ، فمن وقع أقامه ، ومن وقف حمله ، ومن كردس (١) عن فرسه كشف عنه حتّى ييأس العدوّ منه وهذا أحمدهم.
وعن هذا قالوا : المقاتل وراء الفارّين كالمستغفر / [م ٥٩] من وراء الغافلين (٢).
قال هشام بن عبد الملك (٣) لأخيه مسلمة بن عبد الملك (٤) : أبا سعيد ، هل دخلك ذعر قطّ لحرب أو عدوّ؟
قال : ما سلمت في ذلك من ذعر ينبّه على حيلة ، ولم يغشني ذعر فيسلبني رأيي.
قال هشام" صدقت هذه والله الشّجاعة (٥).
__________________
(١) كردس : هنا بمعنى وقع وهي في المعجم بمعنى كردس القائد الخيل أو الجيش أي جعله كراديس.
(٢) وبعد ذلك : ومن أكرم الكرم الدفاع عن الحرم. سراج الملوك ٢ : ٦٧١ وقد نقل عنه بتصرف.
(٣) هشام بن عبد الملك ٧١ ـ ١٢٥ ه ـ ٦٩٠ ـ ٧٤٣ م : هشام بن عبد الملك بن مروان من ملوك الدولة الأموية بالشام ، ولد في دمشق وبويع فيها بعد وفاة أخيه يزيد سنة ١٠٥ ه. وخرج عليه زيد بن علي بن الحسين سنة ١٢٠ ه بأربعة عشر ألفا من أهل الكوفة ، فوجّه إليه من قتله وفلّ جمعه ، ونشبت في أيامه حرب هائلة مع خاقان الترك في ماوراء النهر انتهت بمقتله واستيلاء العرب على بعض بلاده اجتمع في خزانته من المال مالم يجتمع في خزانة أحد من ملوك بني أمية في الشام. وبنى الرصافة قرب الرقة ، وكان يسكنها في الصيف وتوفي فيها.
كان حسن السياسة ، يقظا في أمره ، يباشر الأعمال بنفسه. عن الأعلام.
(٤) مسلمة بن عبد الملك ت ١٢٠ ه ـ ٧٣٨ م : مسلمة بن عبد الملك بن مروان ، أمير قائد من أبطال عصره ، من بني أمية في دمشق ، يلقب بالجرادة الصفراء ، له فتوحات مشهورة. سار في مئة وعشرين ألفا لغزو القسطنطينية في دولة أخيه سليمان. وولاه أخوه يزيد إمرة العراقين ثم أرمينية. وغزا الترك والسند سنة ١٠٩ ومات بالشام. الأعلام ٧ : ٢٢٤.
(٥) انظر الخبر في عيون الأخبار ١ : ١٧٢ والعقد الفريد ١ : ١٠٤
وقال عمرو بن معد يكرب :
الفزعات ثلاث ، فمن كانت فزعته في رجليه فذلك الذي لا تقلّه رجلاه. ومن كانت فزعته في رأسه فذلك الذي يفرّ عن أبويه ، ومن كانت فزعته في قلبه فذلك الذي يقاتل (١).
والأخلاق الطبيعية هي التي تصحب الإنسان في كافّة أموره ، وهي عسيرة الانتقال أو ممتنعته ، وذلك لأنّها من مقتضى تركيب الجسم وكيفية المزاج ، فإنّ الحكمة التي لا تفاوت فيها قضيت بمناسبة الحامل لمحموله وإتباع العرض لجوهره. فأمّا الأخلاق المتصنّعة والعرضيّة فلا اعتبار بها ، فقد نجد الجبان ربّما شجع والبخيل ربّما سخا. ، هؤلاء ليسوا في مثل هذا جارين على ما توجبه طبائعهم وتقتضيه كيفيّة أمزجتهم ، لكن الأمور حادثة إذا قدّر عدمها بطل ذلك التصنّع ، والنفس أقوى شيء إذا وجدت سبيل الحيلة ، وهي أضعف شيء إذا يئست من الحيلة.
فمن الأمور المشجّعة توهّم الخلاص قريبا ، وتوهّم الأمر المخوف إمّا مفقودا وإمّا بعيدا. ومنها أن يتوهّم العدة التي يلقى بها الأمر المخوف قريبة منه ، ومنها أن يتخيّل أنّ له أعوانا كثيرة أو قوما يمنعونه أن ينال بشرّ ، ومنها أن يكون قد أشرف على الأمر العظيم مرارا كثيرة وتخلّص منه فإنّ هذا يكسبه شجاعة التجربة.
قال خالد بن الوليد عند موته ـ رحمة الله تعالى عليه ـ لقد لقيت
__________________
(١) الخبر في العقد ١ : ١٣٨.
كذا وكذا زحفا وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية ثمّ ها أنذا أموت حتف أنفي (١) ، فلا نامت أعين الجبناء (٢).
قال قطريّ بن الفجاءة (٣) :
لا يركنن أحد إلى الإحجام |
|
يوم الوغى متخوّفا لحمام |
فلقد أراني للرماح دريئة |
|
من عن يميني تارة وأمامي |
حتّى خضبت بما تحدّر من دمي |
|
أحناء سرجي بل عنان لجامي |
ثمّ انصرفت وقد أصبت ولم أصب |
|
جذع البصيرة قارح الإقدام (٤) |
وكذلك عدم التجربة أيضا مشجع للجهل بما في ذلك الأمر من
__________________
(١) في العقد ١ : ١٣٩ : أموت حتف أنفي كما يموت العير.
(٢) الخبر في العقد ١ : ١٣٩ وفي عيون الأخبار ١ : ١٦٥.
(٣) قطري بن الفجاءة ت (٧٨ ه ـ ٦٩٧ م) : قطري (أبو نعامة) ابن الفجاءة واسمه «جعونة» ابن مازن بن يزيد الكناني المازني التميمي من رؤساء الأزارقة (من الخوارج) وأبطالهم ، من أهل (قطر) كان خطيبا فارسا شاعرا استفحل أمره في زمن مصعب بن الزبير (ت ٧١ ه) لما ولي العراق نيابة عن أخيه عبد الله. وبقي قطريّ ثلاث عشرة سنة يقاتل ويسلّم عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين ، والحجّاج يسيّر إليه جيشا بعد جيش وهو يردّهم ويظهر عليه ، وكانت كنيته في الحرب أبا نعامة (ونعامة فرسه) وفي السلم أبا محمد. كان فصيحا مفوّها سيدا عزيزا. اختلف في مقتله. عن الأعلام ٥ / ٢٠٠ وقد جمع الدكتور إحسان عباس شعر قطريّ ضمن كتاب «شعر الخوارج» والأبيات في الكتاب المذكور ص ١١٢ برقم ١٠٩ وفي الحماسة بشرح المرزوقي ١ / ١٣٦ برقم ٢٠
(٤) الأبيات في شعر الخوارج ١١٢ برقم ١٠٩ ومعنى قوله : لا يركنن أي لا يميلن والإحجام النكوص. والدريئة هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن. وأحناء السرج : نواحيه والجذع : الشاب الحدث والقارح : هو الذي انتهى سنه ومعنى البيت كما فسّره أبو العلاء المعري أنه قد كان لم يزل شجاعا فإقدامه قارح وبصيرته محدثة لأنه كان فيما سلف لا يرى رأي الخوارج ثم تبصّر في آخر أمره فعلم أنهم على الحق. عن محقق شعر الخوارج وفي شعر الخوارج بيتان بعد هذه الأبيات وهي في الحماسة أربعة أبيات.
المخاطر ، ومثال ذلك ما يعرض للذين يركبون البحر عند ارتجاجه وهوله ، فإنّ الذين لم يجرّبوا أهوال البحر يكونون شجعانا لجهلهم بالعواقب ، والذين لهم تجربة به يكونون أيضا شجعانا لما اتّفق لهم من السلامة قبل ذلك.
قال عليّ رضوان الله عنه : من فكر في العواقب لم يشجع (١). فإذا كان ترك التفكّر فيها مشجّعا فالجهل بها أحرى ، قال ابن علّفة (٢) [م ٦٠] :
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه |
|
وأعرض عن ذكر الحوادث جانبا |
ولم يستشر في رأيه غير نفسه |
|
ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا (٣) |
ومما يشجع أن يعتقد الإنسان أنّه أفضل من الذي يغالبه ، والغضب أيضا مما يشجّع ، وممّا يحرك الغضب أن يكون مظلوما غير ظالم فإنّ المظلوم يشجّعه الغضب وثقته بأنّ الله ينصر المظلومين ، وكذلك أيضا يحرّك الغضب بذكر الضغائن والأحقاد.
__________________
(١) قول عليّ في العقد ١ : ٩٧.
(٢) هذه الأبيات لسعد بن ناشب بن مازن بن عمرو بن تميم وهو شاعر إسلامي كان من شياطين العرب ، وهو صاحب يوم الوقيط في الإسلام بين تميم وبكر بن وائل (انظر العقد ٥ : ١٨٢) وانظر خزانة الأدب ٣ : ٤٤٤ وسمط اللالئ : ٧٩٢ والشعر والشعراء ٦٧٧ وفي شرح التبريزي : أنه كان أصاب دما فهدم بلال داره. واشتقاق «ناشب» من قولهم : رجل ناشب : أي ذو نشب.
عن حاشية الحماسة بشرح المرزوقي ١ : ٦٧.
(٣) البيتان هما الثامن والتاسع من الحماسية العاشرة التي ذكرها أبو تمام برقم (١٠) وهي تسعة أبيات أولها :
سأغسل عني العار بالسيف جالبا |
|
عليّ قضاء الله ما كان جالبا |
انظر الأبيات مع شرحها في شرح المرزوقي للحماسة ١ : ٦٧ برقم ١٠ كذلك ذكرها ابن قتيبة في عيون الأخبار ١ : ١٨٧. ١٨٨.
كان أبو مسلم (١) صاحب الدولة العباسية يقول لقوّاده : أشعروا قلوبكم الجرأة فإنّها من أسباب الظّفر ، وأكثروا ذكر الضغائن فإنّها تبعث على الإقدام ، والزموا الطاعة فإنّها حصن المحارب ، وإذا عرض لكم أمران أحدهما أقرب إلى الموت فآثروه (٢).
ومما يشجّع قول العرب : الشجاع موقّى والجبان ملقّى (٣) ، قالوا ـ واعتبر ذلك ـ فإنّ من يقتل مدبرا أكثر ممن يقتل مقبلا. ولذلك قال أبو بكر رضياللهعنه لخالد بن الوليد : احرص على الموت توهب لك الحياة (٤) قال الحصين بن الحمام (٥) :
__________________
(١) أبو مسلم (١٠٠ ـ ١٣٧ ه ـ ٧١٨ ـ ٧٥٥ م) : أبو مسلم الخراساني ، عبد الرحمن بن مسلم ، مؤسس الدولة العباسية ، وأحد كبار القادة ، ولد في (ماه البصرة) مما يلي أصبهان ، اتّصل بإبراهيم الإمام (من بني العباسي) فأرسله إلى خراسان داعية فاستمال أهلها واستولى على نيسابور فخطب باسم السفاح العباسي وشارك في هزيمة مروان بن محمد ، وارتفع شأن أبي مسلم وبلغ منزلة عالية فقتله أبو جعفر المنصور.
كان أبو مسلم فصيحا بالعربية والفارسية مقداما داهية حازما راوية للشعر قصير القامة أسمر اللون رقيق البشرة ، حلو المنظر ، طويل الظهر قصير الساق ، لم ير ضاحكا ولا عبوسا ، خافض الصوت في حديثه قاسي القلب. عن الأعلام ٣ : ٣٣٧.
(٢) النص إلى هنا في عيون الأخبار ١ : ١٣٤.
(٣) في مجمع الأمثال : الشجاع موقى ٢ : ١٦١ برقم ١٩٤٩ قال : وذلك أنّه قلّ من يرغب في مبارزته ـ أي مبارزة الشجاع ـ خوفا على نفسه ، وهذا كما يقال : احرص على الموت توهب لك الحياة. وانظر شرح الحماسة للمرزوقي ١ : ١٩٧.
(٤) عيون الأخبار ١ : ١٢٦.
(٥) الحصين بن الحمام ت نحو (١٠ ق. ه ـ ٦١٢ م) : ابن ربيعة المرّي الذبياني أبو يزيد ، شاعر فارس جاهلي ، كان سيد بني سهم بن مرّة (من ذبيان) ويلقب «مانع الضيم» في شعره حكمة ، وهو ممن نبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية. مات قبل ظهور الإسلام. وقيل : أدرك الإسلام.
الأعلام ٢ : ٢٦٢. سمط اللالئ ٢٢٦ خزانة الأدب ٢ / ٩.
تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد |
|
لنفسي حياة مثل أن أتقدّما |
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا |
|
ولكن على أقدامنا يقطر الدما (١) |
وكذلك يشجع طلب التخلّص إذا انقطعت الآمال ، فمن أمثالهم في ذلك : مكره أخوك لا بطل (٢). وأصله أنّ بيهسا الفزاريّ الملقّب بنعامة حين قتل إخوته طلب بثأرهم ، وكان له خال يكنى أبا حشر ، فقال له بيهس : اخرج بنا إلى موضع كذا ، وكتمه ما يريد به ، ثم مضى به إلى الذين يطلبهم ، فهجم به عليهم فجأة ثم قال : ايه أبا حشر ، ضربا أبا حشر فلمّا رأى أبو حشر أنّه قد نزلت به البليّة جعل يذبّ عن نفسه ويقاتلهم بجهده. فقال الناس : ما أشجعه حين قدم على هؤلاء.
فعندها قال أبو حشر : مكره أخوك لا بطل ، أي ليس هذه الشجاعة مني ولكن حملت عليها.
ومّما يشجّع أيضا اعتقاد التمدّح والتشرّف بالموت في القتال كما قال عبد الله بن الزبير بن العوّام : إنّا والله لا نموت حتفا ولكن قعصا بأطراف الرماح وموتا تحت ظلال السيوف(٣).
__________________
(١) البيتان من حماسية وردت في ثلاثة أبيات ، وثالثها :
نفلّق هاما من رجال أعزّة |
|
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما |
والأبيات في الحماسية بشرح المرزوقي ١ : ١٩٧ برقم ٤١.
(٢) ورد هذا المثل في مجمع الأمثال للميداني ٣ : ٣٤١ برقم ٤١١٧ ويريد أنه محمول على ذلك ـ أي الشجاعة ـ لا أنّ في طبعه شجاعة. يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه. وقصة المثل وردت بالتفصيل في مجمع الأمثال ١ : ٢٦٨ برقم ٧٧١ عند تفسيره للمثل : ثكل أرأمها ولدا.
وقد أورد مؤلف تحفة الأنفس القصة موجزة.
(٣) قال ابن الزبير ذلك لما أتاه خبر مقتل أخيه مصعب بن الزبير ، فخطب وقال : إن يقتل فقد ـ
وقال السّموأل (١) :
وما مات منّا سيّد في فراشه |
|
ولا طلّ منّا حيث كان قتيل |
تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا |
|
وليست على غير الظبات تسيل (٢) |
وقال الآخر :
إنّا لمن معشر أفنى أوائلهم |
|
قيل الكماة : ألا أين المحامونا (٣) [م ٦١] |
ويروى عن عليّ رضياللهعنه أنّه قال : بقيّة السيف أنمى عددا وأنجب ولدا. فاستدلّ على صدقه عليهالسلام بأبنائه وما عمل السيف فيهم وفي آل الزّبير وكثرة أعدادهم ونموّهم (٤).
وكذلك يشجّع خوف الذمّ بالفرار كما قال معاوية بن أبي سفيان :
__________________
ـ قتل أبوه وأخواه وعمه ، إنّا والله لا نموت حتفا ، ولكن نموت قعصا بأطراف الرماح وموتا تحت ظلال السيوف وإن يقتل مصعب فإنّ في آل الزبير خلفا منه. العقد الفريد ١ : ١٠١ ويقال : مات قعصا إذا أصابته ضربة أو رمية فمات مكانه.
(١) السموأل (ت ٦٥ ق. ه ـ ٥٦٠ م) : السموأل بن غريض بن عادياء الأزدي ، شاعر جاهلي حكيم ، من سكان خيبر شمالي المدينة ، كان يتنقّل بينها وبين حصن له سمّاه «الأبلق» أشهر شعره لاميته التي مطلعها :
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه |
|
فكل رداء يرتديه جميل |
وهي من أجود الشعر. والسموأل هو الذي ضرب به المثل في الوفاء ، الأعلام ٣ : ١٤٠ معاهد التنصيص ١ : ٣٨٨ السمط ٥٩٥ وانظر مجمع الأمثال ٣ : ٤٤٦ برقم ٤٤٣٢ وفيه المثل : أوفى من السموأل وفيه قصة المثل.
(٢) البيتان هما العاشر والحادي عشر من الحماسية (١٥) وهي التي أولها البيت المذكور في التعليق السابق. انظر شرح الحماسة للمرزوقي ١ : ١١٧ برقم ١٥.
(٣) هذا البيت الثامن من الحماسية ١٤ وهي لبشامة بن جزء النهشلي أو ابن حزن ويبدو أن الشاعر إسلامي انظر شرح الحماسة ١ : ١٠٠. ١٠٧ برقم ١٤.
(٤) الخبر في العقد ١ : ١٠٢ ، ١٠٣ وأشار محققوه إلى أن الخبر في البيان والتبيين ٢ : ١٦٨.
لقد رأيتني ليلة الهرير بصفّين (١) وقد أثبتّ بفرس أغرّ محجّل بعيد البطن من الأرض وأنا أريد الهرب لشدّة البلوى فما حملني على الإقامة إلا أبيات عمرو بن الإطنابة (٢) :
أبت لي شيمتي وأبى بلائي |
|
وأخذي الحمد بالثّمن الربيح |
وإقحامي على المكروه نفسي |
|
وضربي هامة البطل المشيح |
وقولي كلّما جشأت وجاشت |
|
رويدك تحمدي أو تستريحي |
لأدفع عن مآثر صالحات |
|
وأحمي بعد عن عرض صحيح (٣) |
فأمّا عليّ بن أبي طالب فروي أنّه كان يخرج كلّ يوم بصفّين حتّى يقف بين الصفّين ويقول :
أيّ يوميّ من الموت أفر |
|
يوم لا يقدر أم يوم قدر |
يوم لا يقدر لا أرهبه |
|
ومن المقدور لا ينجي الحذر (٤) |
__________________
(١) صفّين : موضع بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي ، وكانت حرب صفين بين علي بن أبي طالب ومعاوية سنة ٣٧ ه. وقد صنف في أخبارها نصر بن مزاحم كتابا كاملا نشر في مصر بتحقيق عبد السلام هارون. وليلة الهرير من ليالي القادسية واستعير الاسم هنا لبيان شدة القتال.
(٢) عمرو بن الإطنابة (ت؟) : هو عمرو بن عامر بن زيد مناة الكعبي الخزرجيّ ، شاعر جاهلي فارس ، كان أشرف الخزرج ، اشتهر بنسبته إلى أمه الإطنابة بنت شهاب من بني القين. وفي الرواة من يعدّه من ملوك العرب في الجاهلية ، كانت إقامته بالمدينة ، وكان على رأس الخزرج في حرب لها مع الأوس. وهو الذي استشهد معاوية بأبياته يوم صفّين. عن الأعلام ٥ : ٨٠ والسمط : ٥٧٥.
(٣) الشعر مع الخبر في عيون الأخبار ١ : ١٢٦ وقد زاد فيها بيتا خامسا والخبر مع هذا الشعر نفسه في العقد ١ : ١٠٤ ، ١٠٥ وهناك خلاف في رواية بعض الألفاظ. ومعنى قوله : جشأت وجاشت أي تطلعت ونهضت جزعا وكراهة.
قال المبرد في الكامل : ٥٣ : المشيح : الحامل الجاد ، يقال : أشاح يشيح إذا حمل. وانظر أيضا الكامل ٢ : ٣٥١.
(٤) انظر الخبر والشعر في العقد الفريد ١ : ١٠٥ وتكرر ذكر الشعر فيه ٥ : ٢٧٤.