إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٨

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٧٩

اللغة :

(جِبِلًّا) : بكسر الجيم والباء وتشديد اللام كسجل ، وجبلا بضم الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام ، وجبلا بضم الجيم وسكون الباء ، وجبلا بكسر الجيم وسكون الباء وهذه اللغات في الجبل بمعنى الخلق أو طائفة منه أقلها عشرة آلاف والكثير لا يتناهى.

(اصْلَوْهَا) : ذوقوا حرّها.

(مَكانَتِهِمْ) : المكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام والمعنى لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون على مبارحته.

الاعراب :

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) كلام مستأنف مسوق لتشديد التوبيخ وتأكيد التقريع واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وأضل فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو ومنكم جار ومجرور متعلقان بأضل وجبلا مفعول به وكثيرا صفة والهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم وتكونوا فعل مضارع ناقص مجزوم بلم والواو اسمها وجملة تعقلون خبرها. (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) كلام مستأنف مسوق لمجابهتهم بالمصير الهائل الذي يصيرون اليه بعد أن بلغ الغاية في توبيخهم وتقريعهم. واسم الاشارة مبتدأ وجهنم خبره والتي صفة وجملة كنتم صلة والتاء اسم كان وجملة توعدون خبرها.

٢٢١

(اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) اصلوها فعل أمر وفاعل ومفعول به واليوم ظرف متعلق باصلوها وبما متعلقان باصلوها أيضا والباء للسببية وما مصدرية أي بسبب كفركم وكنتم تكفرون كان واسمها وخبرها وجملة كنتم تكفرون لا محل لها. (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) اليوم ظرف زمان متعلق بنختم ونختم فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره نحن وعلى أفواههم متعلقان بنختم أيضا.

(وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) وتكلمنا أيديهم فعل مضارع ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر وسيأتي سر تكليم الأيدي ، وتشهد أرجلهم عطف على تكلمنا أيديهم وبما متعلقان بتكلمنا وما مصدرية أو موصولة وكانوا كان واسمها وجملة يكسبون خبرها.

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) الواو عاطفة ولو شرطية ونشاء فعل مضارع وفاعل والمفعول به محذوف أي لو نشاء طمسها واللام واقعة في جواب لو وجملة طمسنا لا محل لها وعلى أعينهم متعلقان بطمسنا والطمس شق العين حتى تعود ممسوحة وفي المصباح «طمست الشيء طمسا من باب ضرب محوته».

(فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) الفاء عاطفة واستبقوا فعل وفاعل والجملة عطف على لطمسنا والصراط قال الزمخشري : «لا يخلو من أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل ، والأصل فاستبقوا الى الصراط أو يضمن معنى ابتدروا أو يجعل الصراط مسبوقا لا مسبوقا إليه أو ينتصب على الظرف ، والمعنى أنه لو شاء لمسح أعينهم فلو راموا أن يستبقوا إلى الطريق المهيع الذي اعتادوا سلوكه الى مساكنهم والى مقاصدهم المألوفة التي ترددوا إليها كثيرا كما كانوا يستبقون إليه ساعين في متصرفاتهم موضعين في أمور دنياهم لم يقدروا وتعايا عليهم أن يبصروا ويعلموا جهة السلوك فضلا عن غيره أو لو شاء

٢٢٢

لأعماهم فلو أرادوا أن يمشوا مستبقين في الطريق المألوف كما كان ذلك هجيراهم لم يستطيعوا أو لو شاء لأعماهم فلو طلبوا أن يخلفوا الصراط الذي اعتادوا المشي فيه لعجزوا ولم يعرفوا طريقا» وقال السمين : «والصراط ظرف مكان مختص عند الجمهور فلذلك تأولوا وصول الفعل إليه إما بأنه مفعول به مجازا جعله مسبوقا له وتضمين استبقوا معنى بادروا وإما على حذف الجار أي إلى الصراط» والفاء عاطفة وأنى اسم استفهام بمعنى كيف في محل نصب على الحال ويبصرون فعل مضارع وفاعل والاستفهام هنا معناه النفي أي لا يبصرون.

(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) عطف على ما ولو شرطية ونشاء فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن ومفعول نشاء محذوف أيضا أي لو نشاء مسخهم واللام واقعة في جواب لو وجملة مسخناهم لا محل لها وعلى مكانتهم حال أي لمسخناهم على حالتهم فهم ممسوخون في محالهم وفي منازلهم ، فما الفاء عاطفة وما نافية واستطاعوا فعل وفاعل ومضيا مفعول به ولا يرجعون عطف أيضا أي فما يبرحون مكاناتهم ولا يستطيعون الفرار منها بإقبال ولا بإدبار.

(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ

٢٢٣

مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦))

اللغة :

(نُعَمِّرْهُ) : نطيل أجله ، وعمره الله بالتشديد أبقاه وقد تقدم ذكر هذه المادة بتفصيل واف.

(نُنَكِّسْهُ) نقلبه أي فنجعله على عكس ما خلقناه فيتناقص حتى يرجع إلى حال شبيهة بحال الصبي. وفي القاموس وغيره «نكسه تنكيسا بالتشديد بمعنى نكسه ونكسه ينكسه من باب نصر نكسا قلبه على رأسه وجعل أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره» وفي المصباح :«نكسته نكسا من باب قتل قلبته ومنه قيل ولد منكوس إذا خرج رجلاه قبل رأسه لأنه مقلوب مخالف للعادة ، ونكس المريض نكسا بالبناء للمجهول عاوده المرض كأنه قلب الى المرض» وقد جمع بعضهم معاني هذه المادة فقال :

قلب على رأس فهذا نكس

والرجل الفسل الضعيف نكس

٢٢٤

رجوع داء بعد برء نكس

والناكس المرخي لرأس فادر

ومن ريب أمر النون مع الكاف أنهما إذا وقعتا فاء وعينا للكلمة دلت على أثر في الشيء ويكون مصحوبا بالايلام والايجاع : فنكأ القرحة قشرها قبل أن تبرأ فنكسها قال :

ولم تنسني أوفى المصيبات بعده

ولكنّ نكء القرح بالقرح أوجع

ونكب عنه عدل ونكب الإناء أراق ما فيه والنكبة المصيبة وأثرها بليغ ومنه الريح النكباء وهي التي تهب بين الصبا والشمال خاصة. ونكت الأرض بقضيبه أو بأصبعه ومرّ الفرس ينكت إذا نبا عن الأرض في عدوه ونكت العظم أخرج مخه وفلان نكّات في الأعراض أي طعّان فما يستعمله العامة قريب من الصحيح. ونكث الحبل والسواك والسأف في أصول الأظفار وقد انتكث بنفسه أي انتقض واختل وهذه نكاثة الحبل : لما انتكثت من طرفه ونكاثة السواك لما تشعّث من رأسه ، ومن مجازه نكث العهد والبيعة نقضهما وهو نكاث للعهود. ونكح المرأة واستنكحها. قال النابغة :

وهم قتلوا الطائي بالحجر عنوة

أبا جابر واستنكحوا أم جابر

واستنكح النوم عيونهم. قال عمر بن أبي ربيعة :

٢٢٥

واستنكح النوم الذين تخافهم

ورمى الكرى بوّابهم فتجدّلا

ونكد فلانا حاجته منعه إياها أو لم يعطه إلا القليل منها ونكد الغراب استقصى في شحيحه ونكد العيش بكسر الكاف اشتد وعسر ونكد عيشه بالتشديد أي جعله نكدا وعطاء منكود ومنكّد أي قليل غير مهنأ. قال :

وأعط ما أعطيته طيبا

لا خير في المنكود والناكد

ونكّد عطاءه بالمنّ. وأنكر الشيء ونكره واستنكره وقيل نكر بالكسر أبلغ من أنكره وهذا غريب وقيل : نكر بالقلب وأنكر بالعين ، قال الأعشى :

وأنكرتني وما كان الذي نكرت

من الحوادث إلا الشيب والصلعا

ونكزت الحية تنكز بأنفها ونكز البحر غاض. ونكش البئر نزفها أو أخرج ما فيها من الطين فما تستعمله العامة لا غبار عليه.

ونكص على عقبيه معروف ويقال : فلان حظه ناقص ، وجده ناكص.

ونكف منه بكسر الكاف واستنكف : امتنع وانقبض أنفا وحمية.

ونكل عن اليمين وعن العدو نكولا ونكلته عن كذا فطمته ونكلت به بالتشديد أصبته بنازلة أو جعلت غيره ينكل أن يفعل مثل فعله والقعاب النكال. ونكهته تشممت ريح فيه ونكه الشارب في وجهه ولا يخفى ما يحدثه من أثر وقد يأتي بمعنى الطيب يقال هو طيب النكهة وقد

٢٢٦

استعملها أبو الشمقمق في المعنيين بقوله يهجو داود بن بكر وكان والي الأهواز :

وله لحية تيس

وله منقار نسر

وله نكهة ليث

خالطت نكهة صقر

ونكيت في العدو نكاية إذا أكثرت الجراح ، تقول : فلان قليل النكاية طويل الشكاية ، قال :

قليل النكاية أعداءه

يراعي الفرار يراخي الأجل

الاعراب :

(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) كلام مستأنف مسوق لاستعراض حال الإنسان كيف يستحيل إلى ضعف بعد قوة وإلى نقص بعد تمام. ومن اسم شرط جازم ونعمره فعل الشرط والفاعل مستتر تقديره نحن والهاء مفعول به وننكسه جواب الشرط والفاعل مستتر تقديره نحن والهاء مفعول به وفي الخلق متعلقان بننكسه أو بمحذوف حال والهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة على محذوف يقتضيه السياق ولا نافية ويعقلون فعل مضارع مرفوع وفاعله. (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) كلام مستأنف مسوق للرد على من زعموا أن القرآن شعر. وما نافية وعلمناه فعل ماض وفاعل ومفعول به والشعر مفعول به ثان وما عطف وينبغي فعل مضارع معطوف على علمناه وله متعلقان بينبغي وسيأتي مزيد بيان حول هذا الموضوع.

٢٢٧

(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) إن نافية وهو مبتدأ وإلا أداة حصر وذكر خبر وقرآن عطف على ذكر ومبين صفة. (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) اللام للتعليل وينذر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف تدل عليه قرينة الكلام أي أنزل عليه لينذر ومن مفعول به وجملة كان صلة واسم كان ضمير مستتر تقديره هو وحيا خبرها ويحق عطف على لينذر والقول فاعل والمراد به العذاب وعلى الكافرين متعلقان بيحق.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) الهمزة للاستفهام التقريري وقد تقدم أن في هذا التركيب وجهين صحيحين أو لهما أن أصل التركيب وألم يروا ولكن لما كان الاستفهام له الصدارة قدمت الهمزة

على الواو ، والوجه الثاني أن يكون الكلام على حاله والواو عاطفة على محذوف يقتضيه السياق وقد جرينا على هذا الوجه في أكثر ما قدمناه والتقدير ألم يتفكروا ولم يروا وقد أعدناه هنا لطول العهد به. ولم حرف نفي وقلب وجزم ويروا فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعل والرؤية علمية وأنا وما في حيزها سدت مسد مفعولي يروا وأن واسمها وجملة خلقنا خبرها وخلقنا فعل وفاعل ولهم متعلقان بخلقنا أي لأجلهم وانتفاعهم ومما متعلقان بمحذوف حال وجملة عملت صلة والعائد محذوف أي عملته وأيدينا فاعل وأنعاما مفعول خلقنا والفاء عاطفة وهم مبتدأ ولها متعلقان بمالكون ومالكون خبر هم وهي كالابل والبقر والغنم والخيل والحمير.

(وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) وذللناها فعل ماض وفاعل ومفعول ولهم متعلقان بذللناها والفاء للتفريع ومنها خبر مقدم

٢٢٨

وركوبهم مبتدأ مؤخر وفيها متعلقان بيأكلون ويأكلون فعل مضارع مرفوع وفاعل. (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) الواو عاطفة ولهم خبر مقدم وفيها حال ومنافع مبتدأ مؤخر ومشارب عطف على منافع وهو جمع مشرب مصدر ميمي واسم مكان والهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة كما تقدم ولا نافية ويشكرون فعل مضارع وفاعل. (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) الواو عاطفة على مقدر يستدعيه السياق أي ما فعلوا الشكر. واتخذوا فعل أمر وفاعل ومن دون الله في موضع المفعول الثاني لاتخذوا وآلهة مفعوله الأول ولعل واسمها وجملة ينصرون خبرها والواو نائب فاعل وجملة الرجاء حالية أي حال كونهم راجين النصر من آلهتهم.

(لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) لا نافية ويستطيعون فعل مضارع وفاعل ، أسند ضمير العقلاء إلى آلهتهم تنزيلا لها منزلة العقلاء ونصرهم مفعول به والواو للحال وهم مبتدأ ولهم حال من جند لأنه كان في الأصل صفة له وقدمت عليه وجند خبرهم ومحضرون خبر ثان لهم أو نعت لجند.

(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) الفاء الفصيحة أي ان علمت ما تقدم وأيقنت أنهم يعلّقون أطماعهم الفارغة على ما يستوجب الخسران ويستدعي تقويض الأحلام وتبديد الأوهام فلا يحزنك قولهم. ولا ناهية ويحزنك فعل مضارع مجزوم بلا والكاف مفعول به وقولهم فاعل ثم علل النهي فقال : إنا بكسر الهمزة ولو فتحت لفسد المعنى ، وان واسمها وجملة نعلم خبرها والفاعل مستتر تقديره نحن وما مفعول به وهي موصولة أو مصدرية وجملة

٢٢٩

يسرون لا محل لها على كل حال أي الذي يسرونه أو أسرارهم وما يعلنون عطف على ما يسرون أي والذي يعلنون أو واعلانهم وللزمخشري فصل ممتع بين كسر همزة إن وفتحها نورده في باب الفوائد.

الفوائد :

حاول بعض المنتصرين للنثر ، الطاعنين على الشعر ، أن يحتج بأن القرآن كلام الله تعالى منثور ، وان النبي صلى الله عليه وسلم غير شاعر لقوله تعالى : «وما علمناه الشعر وما ينبغي له» ويرى أنه قد أبلغ في الحجة ، ولكن الواقع أن الله تعالى لما بعث رسوله أميا غير شاعر إلى قوم يعلمون منه حقيقة ذلك حين استوت الفصاحة واشتهرت البلاغة آية للنبوة ، وحجة على الخلق ، وإعجازا للمتعاطين ، وجعله منثورا ليكون أظهر برهانا لفضله على الشعر الذي يترتب على صاحبه أن يكون قادرا على ما يحبه من الكلام ، وتحدي جميع الناس من شاعر وغيره بمثل مثله فأعجزهم ذلك ، فمن هنا قال الله تعالى «وما علمناه الشعر وما ينبغي له» أي لتقوم عليكم الحجة ويصح قبلكم الدليل ، ويدحض أباطيلكم البرهان ، والمعنى : ان القرآن ليس بشعر ، وما هو من الشعر في شيء وأين هو عن الشعر؟ والشعر إنما هو كلام موزون مقفى يدل على معنى فأين الوزن؟ وأين التقفية؟ وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء عن معانيه؟ وأين نظم كلا منهم عن نظمه وأساليبه؟

فإذن لا مناسبة بينه وبين الشعر ، قال الزمخشري : «فإن قلت فقوله :

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب

٢٣٠

وقوله :

هل أنت إلّا إصبع دميت

وفي سبيل الله ما لقيت

قلت : ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة ولا تكلف إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه أن جاء موزونا كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعرا ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر ، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز ، على أن الخليل ما كان يعد المشطور من الرجز شعرا».

قلت : وقد تقدم في موضع آخر بحث مستفيض عن الشعر فجدد به عهدا.

بين كسر همزة إن وفتحها :

وقال الزمخشري في صدد قوله تعالى : «فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون» : «فإن قلت : فما تقول فيمن يقول :إن قرأ قارئ أنا نعلم بالفتح انتقضت صلاته وإن اعتقد ما يعطيه من المعنى كفر؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما أن يكون على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن وفي الشعر وفي كل كلام وقياس مطّرد ، وهذا معناه ومعنى الكسر سواء ، وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الحمد والنعمة لك ، كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي وكلاهما تعليل. والثاني أن يكون بدلا من قولهم كأنه قيل فلا

٢٣١

يحزنك أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ، وهذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول فقد تبين أن تعلّق الحزن بكون الله عالما وعدم تعلقه لا يدوران على كسر إن وفتحها وإنما يدوران على تقديرك ، فتفصل إن فتحت بأن تقدر معنى التعليل ولا تقدر البدل كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدر معنى المفعولية ثم إن قدرته كاسرا وفاتحا على ما عظم فيه من الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على كون الله عالما بسرهم وعلانيتهم وليس النهي عن ذلك مما يوجب شيئا ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : «فلا تكونن ظهيرا للكافرين ، ولا تكونن من المشركين ، ولا تدع مع الله إلها آخر».

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣))

٢٣٢

اللغة :

(خَصِيمٌ) : مخاصم مجادل والخصومة الجدل قال في القاموس :«خاصمه مخاصمة وخصومة فخصمه يخصمه غلبه وهو شاذ لأن فاعلته ففعلته يرد يفعل منه إلى الضم إن لم تكن عينه حرف حلق فإنه بالفتح كفاخره ففخره يفخره وأما المعتل كوجدت وبعت فيرد إلى الكسر إلا ذوات الواو فإنها ترد إلى الضم كراضيته فرضوته أرضوه وخاوفني فخفته أخوفه وليس في كل شيء يقال نازعته لأنهم استغنوا عنه بغلبته واختصموا تخاصموا والخصم المخاصم والجمع خصوم وقد يكون للاثنين والجمع والمؤنث ، والخصيم المخاصم والجمع خصماء وخصمان ورجل خصم كفرح مجادل والجمع خصمون ومن قرأ «وهم يخصمون» أراد يختصمون فقلب التاء صادا فأدغم ونقل حركته إلى الخاء ومنهم من لا ينقل ويكسر الخاء لاجتماع الساكنين وأبو عمرو يختلس حركة الخاء اختلاسا وأما الجمع بين الساكنين فلحن ، والخصم بالضم الجانب والزاوية والناحية وطرف الزاوية الذي بحيال العزلاء في مؤخرها والجمع أخصام وخصوم واخصام العين ما ضمت عليه الأشفار» وإنما نقلنا لك هذه المادة بطولها لفائدتها ولنبين لك مدى الوهم الذي وقع فيه صاحب المنجد فقد خلط فيها خلطا عجيبا وجعل الأخصام جمعا للخصم والخصيم وهو كما رأيت وهم من أوهام هذا الكتاب العجيب!! (رَمِيمٌ) : بالية وفي المختار «رم بالفتح يرم بالكسر إذا بلي وبابه ضرب» فهو اسم لا صفة ولذلك لم يؤنث وقد وقع خبرا لمؤنث ، ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول. وإيضاح هذا الكلام أن فعيلا

٢٣٣

بمعنى فاعل لا تلحق التاء في مؤنثه إلا إذا بقيت وصفية وما هنا انسلخ عنها وغلبت عليه الاسمية أي صار بالغلبة اسما لما بلي من العظام.

الاعراب :

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) كلام مستأنف مسوق لتقبيح إنكارهم البعث وقد سما الزمخشري في تقرير هذا المعنى كما سيأتي في باب الفوائد. والهمزة للاستفهام الإنكاري التعجبي ، والواو عاطفة وقد تقدم القول فيها مسهبا ولم حرف نفي وقلب وجزم وير فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والإنسان فاعل وأنا وما في حيزها سدت مسد مفعولي ير لأن الرؤية هنا علمية وأن واسمها وجملة خلقناه خبرها وخلقناه فعل وفاعل ومفعول به ومن نطفة جار ومجرور متعلقان بخلقناه والفاء حرف عطف وإذا فجائية وهو مبتدأ وخصيم خبر ومبين صفة وجملة إذا هو خصيم مبين عطف على جملة لم ير الإنسان داخلة معها في حيز الإنكار والتعجب. (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) الواو عاطفة وضرب فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو ولنا متعلقان بضرب ومثلا مفعول به ونسي عطف على ضرب وخلقه مفعول به والعطف داخل في حيز التعجب والإنكار أو الواو للحال بتقدير قد أي وقد نسي خلقه.

(قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) من اسم استفهام مبتدأ وجملة يحيي العظام خبر والواو حالية وهي مبتدأ ورميم خبر والجملة في موضع نصب على الحال. (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) جملة يحييها مقول القول وهو فعل مضارع ومفعول

٢٣٤

به والذي فاعل وجملة أنشأها صلة وأول مرة نصب على الظرف متعلق بأنشأها والواو استئنافية أو حالية وهو مبتدأ وبكل متعلقان بعليم وعليم خبر هو. (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) الذي بدل من الذي الآنفة الذكر وجملة جعل صلة ولكم في موضع المفعول الثاني ومن الشجر الأخضر حالا لأنه كان في الأصل صفة لنارا ونارا مفعول جعل الأول ، فإذا الفاء عاطفة وإذا فجائية وأنتم مبتدأ ومنه متعلقان بتوقدون وجملة توقدون خبر أنتم.

(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) الهمزة للاستفهام الإنكاري والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أليس الذي أنشأها أول مرة وليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا وليس الذي خلق السموات والأرض بقادر ، وليس فعل ماض ناقص والذي اسمها وجملة خلق السموات والأرض صلة والباء حرف جر زائد وقادر مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس وعلى حرف جر وأن وما في حيزها في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلقان بقادر وفاعل مستتر تقديره هو ومثلهم مفعول به.

(بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) حرف جواب لإثبات النفي والواو عاطفة على ما يفيده الإيجاب أي بلى هو قادر على ذلك وهو الخلاق ، وهو مبتدأ والخلاق خبر والعليم خبر ثان. (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) إنما كافة ومكفوفة وأمره مبتدأ وإذا ظرف مستقبل وجملة أراد مضاف إليها الظرف وشيئا مفعول به وأن وما في حيزها خبر أمره وله متعلقان بيقول وجملة كن مقول القول وكن فعل

٢٣٥

أمر تام وفاعله مستتر تقديره أنت والفاء عاطفة ويكون فعل مضارع مرفوع لأنه وفاعله جملة في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف والجملة عطف على أمره وقرىء بالنصب عطفا على يقول.

(فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) الفاء الفصيحة وسبحان مفعول مطلق لفعل محذوف والذي مضاف إليه وبيده خبر مقدم وملكوت كل شيء مبتدأ مؤخر والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول وإليه الواو عاطفة وإليه متعلقان بترجعون وترجعون فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.

البلاغة :

حسن البيان :

في قوله : «وضرب لنا مثلا ونسي خلقه» الآيات. حسن البيان ، وحقيقته إخراج المعنى في أحسن الصور الموضحة له وإيصاله إلى فهم المخاطب بأقرب الطرق وأسهلها ، وقد تأتي العبارة عنه من طريق الإيجاز وقد تأتي من طريق الإطناب بحسب ما تقتضيه الحال ، وقد أتى بيان الكتاب العزيز في هذه الآية من الطريقين فكانت جامعة مانعة في الاحتجاج القاطع للخصم ، وقد أتى منفصلا عما قبله لأنه سبحانه ذكر المثل وليس في الكلام كله لا قبله ولا بعده ما خرج مخرج المثل ولا ما يصح أن يكون مثلا وهو أن أمية بن خلف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم نخر في يده وقال يا محمد أنت تزعم ربك يحيي هذا بعد أن صار إلى هذه الحال فنزلت ، وفي رواية أنه العاصي بن وائل وقيل هو أبي بن خلف الجمحي.

٢٣٦

وقد آن أن ننقل الفصل البليغ الذي أورده الزمخشري في صدد هذه الآيات قال : «قبح الله عز وجل إنكارهم البعث تقبيحا لا ترى أعجب منه وأبلغ وأدل على تمادي كفر الإنسان وإفراطه في جحود النعم وعقوق الأيادي ، وتوغله في الخسة ، وتغلغله في القحة حيث قرر أن عنصره الذي خلقه منه هو أخس شيء وأمهنه وهو النطفة المذرة الخارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة ثم عجب من حاله بأن يتصدى مثله على مهانة أصله ودناءة أوله لمخاصمة الجبار ، وشرز صفحته لمجادلته ، ويركب متن الباطل ويلج ويمحك ويقول : من يقدر على إحياء الميت بعد ما رمت عظامه ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر إنشاءه من موات وهي المكابرة التي لا مطمح وراءها.

وروي أن جماعة من قريش منهم أبي بن خلف الجمحي وأبو جهل والعاصي بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا في ذلك فقال لهم أبي ألا ترون إلى ما يقول محمد إن الله يبعث الأموات ثم قال : واللات والعزّى لأصيرن إليه ولأخصمنه ، وأخذ عظما باليا فجعل يفته بيده وهو يقول : يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ! قال صلى الله عليه وسلم نعم ويبعثك ويدخلك جهنم.

٢٣٧

سورة الصّافات

مكيّة وآياتها ثنتان وثمانون ومائة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠))

اللغة :

(دُحُوراً) : مصدر دحره أي طرده وأبعده وهو من باب خضع.

وللدال مع الحاء فاء وعينا للفعل معنى القذف والطرد والدفع فمن ذلك دح الشيء في الأرض أي دسه فيها ودح الطعام بطنه ملأه حتى

٢٣٨

يسترسل إلى أسفل ودح الرجل : دعّه في قفاه والعامة تستعمله بهذا المعنى فيقولون : دحّه على ظهره فهي من العامي الفصيح. ودحرج الشيء فتدحرج : أي قلبه وأداره على نفسه متتابعا في حدور فانقلب.

ودحس بين القوم أفسد بينهم ودحس الشيء ملأه ودحس برجله فحص ويقال ما بي من داحس وهو تشعث الإصبع وسقوط الظفر وما تسميه العامة ورم حار في طرف الإصبع فهي عربية فصيحة قال مزرّد :

تشاخت إبهاماك إن كنت كاذبا

ولا برئا من داحس وكناع

وخرج الحجاج في بعض الليلي فسمع صوتا هائلا فقال : إن كان هذا صاحب عائر أو قادح أو داحس فلا تحدث شيئا وإلا فأخرج لسانه من قفاه أي صاحب رمد أو وجع ضرس ، ويقال للرجل والدابة إذا أصابهما الجرح فارتكضا للموت : تركته يفحص ويدحص الأرض برجله. ودحضت رجله زلقت دحضا ودحوضا وأدحض فلان قدمه ومزلقة مدحاض وهذه مدحضة القدم ودحض الحجة أبطلها.

ودحقه يدحقه من باب فتح دحقا : طرده وأبعده ودحقت الرحم بساء الفحل رمت به فلم تقبله ودحقت الحامل بولدها أجهضته وولد دحيق وقيل : دحقت به : ولدته وأصابها دحاق وهو أن تخرج رحمها بعد الولادة وهي دحوق وداحق وأدحقه الله باعده من الخير وهو دحيق تقول : أسحقه الله وأدحقه وهو سحيق دحيق. ودحل : توارى في دحل وهو حفرة غامضة ضيقة الأعلى واسعة الأسفل تقول : طلبوا بالذحول فتواروا في الدحول ودحل البئر : حفر في جوانبها ونصب الصائد الدواحيل وهي مصائد للحمر الواحد داحول وبئر دحول

٢٣٩

ذات تلحف وهو تكسر جوانبها مما أكلها من الماء فما يستعمله العامة منها محرف ولم يرد في اللغة بهذا المعنى إلا على مجاز بعيد وتسميتهم أخيرا المدحلة بالمعنى الشائع فيه تسامح ولكننا نتسامح به أيضا.

ودحمه دحما دفعه دفعا شديدا فاستعمال العامة لها بهذا المعنى لا غبار عليه. ودحمس الليل أظلم أو ألقى بظلامه على كل شيء. ودحمل به دحرجه على الأرض. ودحا الله الأرض : افترشها وبسطها ودحا المطر الحصى عن وجه الأرض أي دفعها وبابه نصر وفتح يقال دحا يدحو ودحى يدحى وليس معنى البسط أنها ليست كالكرة ولكنها ممدودة متسعة كما يأخذ الخباز الفرزدقة فيدحوها. قال ابن الرومي :

ما أنسى لا أنسى خبازا مررت به

يدحو الرّقاقة مثل اللمح بالبصر

ما بين رؤيتها في كفه كرة

وبين رؤيتها قوراء كالقمر

إلا بمقدار ما تنداح دائرة

في لجة الماء يرمي فيه بالحجر

وهذا من أعاجيب لغتنا العربية الشريفة.

(واصِبٌ) : دائم وفي المختار وصب الشيء يصب بالكسر وصوبا دام ومنه قوله تعالى «وله الدين واصبا» وقوله تعالى «ولهم عذاب واصب».

٢٤٠