إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٩

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٨١

١

٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))

الإعراب :

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) كلام مستأنف للشروع في وصف الإنسان في حالتي شدته ورخائه. ولا نافية ويسأم الإنسان فعل مضارع وفاعل ومن دعاء الخير متعلقان بيسأم (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) الواو عاطفة وإن شرطية ومسّه فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والهاء مفعول به والشر فاعل والفاء رابطة للجواب ويئوس خبر لمبتدأ محذوف أي فهو يئوس وقنوط خبر ثان. والفرق بين اليأس

٥

والقنوط وكلاهما بمعنى قطع الرجاء من رحمة أن اليأس من منعات القلب والقنوط ظهور آثاره على ظاهر البدن وقيل هما مترادفان من غير فارق بينهما ، وفي المختار : «اليأس القنوط وقد يئس من الشيء من باب فهم وفيه لغة أخرى يئس ييئس بالكسر فيهما وهي شاذة ورجل يئوس ، ويئس أيضا بمعنى علم في لغة النخع ومنه قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) ، وآيسه الله من كذا فاستيئس منه بمعنى أيس» وفي المختار أيضا : «أيس منه لغة في يئس وبابهما فهم وآيسه منه غيره بالمدّ مثل أيأسه وكذا أيسه بتشديد الياء تأييسا» وفيه أيضا : «القنوط : اليأس وبابه جلس ودخل وطرب وسلم فهو قنط وقنوط وقانط فأما قنط يقنط بالفتح فيهما ، وقنط يقنط بالكسر فيهما فإنما هو على الجمع بين اللغتين» وعبارة الكشاف : «فيئوس قنوط بولغ فيه من طريقين من طريق بناء فعول ومن طريق التكرير. والقنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضاءل وينكسر أي يقطع الرجاء من فضل الله وروحه وهذه صفة الكافر بدليل قوله تعالى : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) ، (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وإن شرطية وأذقناه فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة في محل جزم فعل الشرط ورحمة مفعول به ثان ومن بعد نعت لرحمة أو متعلقان بأذقناه وضرّاء مضاف إليه وجرّ بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة واللام جواب القسم وجواب الشرط محذوف لسدّ جواب القسم مسدّه على القاعدة المشهورة وهذا مبتدأ ولي خبر واللام للاستحقاق أي أستحقه بعملي (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) الواو عاطفة وما نافية وأظن فعل مضارع والفاعل مستتر والساعة مفعول أظن الأول وقائمة مفعولها الثاني والواو عاطفة واللام موطئة للقسم وإن شرطية ورجعت في محل جزم الشرط وإلى ربي متعلقان برجعت وإن وما في حيزها جواب القسم

٦

ولي خبر إن وعنده حال واللام المزحلقة والحسنى اسم إن وجملة إن لي عنده للحسنى لا محل لها لأنها جواب القسم لسبقه الشرط (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) الفاء الفصيحة لأنها جواب لقول الكافر ولئن رجعت ، واللام موطئة للقسم وننبئنّ فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والذين مفعول به وجملة كفروا صلة وبما في محل نصب مفعول ثان لننبئنّ و «ما» يحتمل أن تكون موصولة أو مصدرية ولنذيقنّهم عطف على فلننبئنّ ومن عذاب في موضع المفعول الثاني وغليظ نعت (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة أنعمنا في محل جر بإضافة الظرف إليها وعلى الإنسان متعلقان بأنعمنا وجملة أعرض لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ونأى بجانبه عطف على أعرض والجار والمجرور متعلقان بنأى لأن اللام للتعدية وفيما يلي نص عبارة الزمخشري عن هذا التعبير قال :«فإن قلت : حقق لي معنى قوله تعالى : ونأى بجانبه ، قلت : فيه وجهان : أن يوضع جانبه موضع نفسه كما ذكرنا في قوله تعالى «على ما فرطت في جنب الله» أن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة الشيء نفسه ومنه قوله :

ذعرت به القطا ونفيت عنه

مقام الذئب كالرجل اللعين

يريد ونفيت عنه الذئب ومنه «ولمن خاف مقام ربه جنتان» إلى أن يقول : فكأنه قال : ونأى بنفسه كقولهم في المتكبر ذهب بنفسه وذهبت به الخيلاء كلّ مذهب وعصفت به الخيلاء وأن يراد بجانبه عطفه ويكون عبارة عن الانحراف والازورار كما قالوا «ثنى عطفه وتولى بركنه» وفي قراءة وناء بجانبه فالهمزة مؤخرة عن الألف (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة مسه

٧

الشر في محل جر بإضافة الظرف إليها ، فذو : الفاء رابطة وذو دعاء خبر لمبتدأ محذوف وعريض نعت لدعاء وسيأتي في باب البلاغة معنى هذا النعت (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أرأيتم : أي أخبروني عن حالتكم العجيبة وقد تقدم القول في أرأيتم. ومفعول رأى الاول محذوف تقديره أرأيتم أنفسكم والثاني هو الجملة الاستفهامية وإن شرطية وكان فعل الشرط واسمها مستتر تقديره هو أي القرآن ومن عند الله خبر ، ثم كفرتم عطف على كان من عند الله وجواب الشرط محذوف تقديره فأنتم أضلّ من غيركم أو ليس ثمة أضلّ منكم وجملة الشرط اعتراض بين المفعولين الأول والثاني ومن اسم استفهام مبتدأ وأضلّ خبر وممّن متعلقان بأضل وهو مبتدأ وفي شقاق بعيد خبر والجملة الاسمية صلة الموصول (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) السين للاستقبال ونريهم فعل مضارع ومفعول به أول وآياتنا مفعول به ثان والرؤية هنا بصرية فلذلك عدّيت إلى اثنين فقط وفي الآفاق حال من الآيات والآفاق جمع أفق وهو الناحية وهو كأعناق في عنق أبدلت همزته ألفا ، ونقل الراغب «أنه يقال أفق بفتح الهمزة والفاء فيكون كجبل وأجبال والأفق الذي بلغ نهاية الكرم تشبيها في ذلك بالذاهب في الآفاق والنسبة إلى الأفق أفقي بفتحهما قلت : ويحتمل أنه نسبة إلى المفتوح واستغنوا بذلك عن النسبة إلى المضموم وله نظائر» وفي أنفسهم عطف على في الآفاق (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) حتى حرف غاية وجر ويتبين فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى وحتى وما بعدها متعلق بقوله سنريهم وأن وما في حيزها فاعل تبين (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي والواو حرف عطف على مقدر يقتضيه السياق أي ألم يغنهم ولم يكفهم والباء حرف جر زائد وربك مجرور لفظا مرفوع محلا والمفعول به محذوف أي أو لم يكفك ربك ، وأن وما في

٨

حيزها بدل من ربك فيكون مرفوع المحل مجرور اللفظ وقيل الباء مزيدة في المفعول وأن ما بعدها في محل رفع فاعل أي أو لم يكف بربك شهادته وأن واسمها وشهيد خبرها وعلى كل شيء متعلقان بشهيد (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) تقدّم إعراب نظيرتها.

البلاغة :

في قوله «فذو دعاء عريض» استعارة مكنية تخييلية فقد استعير العرض لكثرة الدعاء وديمومته وهو من صفات الأجرام ويستعار له الطول أيضا ولكن استعارة العرض أبلغ لأنه إذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله ؛ شبّه الدعاء بأمر يوصف بالامتداد ثم أثبت له العرض ، والطول أطول الامتدادين فإذا كان عرضه بهذه المثابة فناهيك بطوله.

الفوائد :

الرجل اللعين : شيء ينصب وسط الزرع لإخافة الطيور ، والبيت للشماخ وقبله :

وماء قد وردت لأجل أروى

عليه الطير كالورق اللجين

ذعرت به القطا البيت.

وأروى اسم حبيبة الشاعر واللجين : بفتح اللام وكسر الجيم ما يتساقط من الورق من اللجن وهو الدق لأنه يضربه الهواء أو الراعي فيسقط من الشجر وذعرت بفتحتين أي أخفت فيه القطا وخصّها لأنها أسبق الطير إلى الماء والرجل اللعين هو الصورة التي تنصب وسط الزرع تطرد عنه الطير والهوام ، يقول : ورب ماء قد وردته لأجل محبوبتي على أن تجيء عنده فأراها وشبّه الطير حول الماء بورق الشجر المتساقط في الكدرة والكثرة والانتشار وكالرجل اللعين حال من ضمير الشاعر فيفيد أنه سبق القطا والذئب وقعد هناك ، أو حال من الذئب أي على هيئة مفزعة وفيه دليل على شجاعة الشاعر وجرأته.

٩

سورة الشورى

مكية وآياتها ثلاث وخمسون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦))

الإعراب :

(حم. عسق). تقدم القول في فواتح السور معنى وإعرابا (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الكاف نعت لمصدر محذوف ويوحي فعل مضارع مرفوع وإليك متعلقان بيوحي وإلى الذين عطف على إليك ومن قبلك صلة الذين والله فاعل والعزيز الحكيم نعتان لله وقرىء يوحى بالبناء للمجهول فنائب الفاعل هو الجار

١٠

والمجرور والله فاعل بفعل محذوف دلّ عليه يوحى كأن قائلا قال من الموحي فقيل الله (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) له خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وفي السموات صلة وما في الأرض عطف وهو مبتدأ والعليّ العظيم خبران لهو (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) تكاد فعل مضارع من أفعال المقاربة والسموات اسمها وجملة يتفطرن خبرها ومن فوقهنّ متعلقان بيتفطرن ومعنى من الابتداء أي يتبدئ الانفطار من جهتهنّ الفوقانية لأن أعظم الآيات وأدلّها على العظمة والجلال هو الانفطار من تلك الجهة ويعلم انفطار السفلى بطريق الأولى. واختلف في عودة الضمير في فوقهنّ فقيل هو عائد على السموات أي يبتدىء انفطارهنّ من هذه الجهة ومن للابتداء متعلقة بيتفطرن كما ذكرنا وقيل أنه عائد على الأرضين لتقدم ذكر الأرض قبل ذلك وقيل أنه عائد على فرق الكفار والجماعات الملحدين (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) كلام مستأنف والملائكة مبتدأ وجملة يسبّحون خبره وبحمد ربهم حال أو متعلقان بيسبحون (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ويستغفرون عطف على يسبحون ولمن متعلقان بيستغفرون وفي الأرض صلة من وألا أداة تنبيه وإن واسمها وهو ضمير فصل والغفور الرحيم خبر ان لإن (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) والذين مبتدأ وجملة اتخذوا صلة ومن دونه في موضع المفعول الثاني وأولياء مفعول اتخذوا الأول والله مبتدأ وحفيظ خبر وعليهم متعلقان بحفيظ وما نافية حجازية وأنت اسمها وعليهم متعلقان بوكيل والباء حرف جر زائد ووكيل مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما وجملة الله حفيظ عليهم خبر الذين.

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها

١١

وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩))

الإعراب :

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) الكاف نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الإيحاء أوحينا وأوحينا فعل وفاعل وإليك متعلقان بأوحينا وقرآنا مفعول أوحينا وعربيا نعت. واختار الزمخشري أن تكون ذلك إشارة إلى معنى الآية قبلها من أن الله هو الرقيب عليهم وما أنت برقيب عليهم ولكن نذير لهم لأن هذا المعنى كرره الله في كتابه في مواضع جمة والكاف مفعول به لأوحينا وقرآنا عربيا حال من المفعول به أي أوحيناه إليك وهو قرآن عربي لا لبس فيه عليك لتفهم ما يقال لك ولا تتجاوز حدّ الإنذار وهو إعراب وجيه جميل. واللام للتعليل وتنذر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وأم القرى مفعول به لتنذر ، وأم القرى مكة ، ومن عطف على أم القرى وحولها ظرف متعلق بمحذوف صلة من (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وتنذر عطف على لتنذر ويوم الجمع مفعول به ثان لتنذر والمفعول الأول محذوف أي وتنذر الناس يوم الجمع أي عذابه فحذف المفعول الأول من الإنذار الثاني كما حذف المفعول الثاني من الإنذار الأول وتقديره العذاب ولا نافية للجنس وريب اسمها وفيه خبرها والجملة حال من يوم الجمع أو مستأنفة واختار

١٢

الزمخشري أن تكون معترضة والمراد بيوم الجمع يوم القيامة لأن الخلائق تجمع فيه وفريق مبتدأ وفي الجنة خبره وسوّغ الابتداء به التنويع والتفصيل وفريق في السعير عطف على ما تقدم ويجوز أن يكون فريق خبر لمبتدأ مضمر أي المجموعون (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) الواو استئنافية ولو شرطية وشاء الله فعل ماض وفاعل واللام واقعة في جواب لو وجملة جعلهم لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والهاء مفعول به أول وأمة مفعول به ثان وواحدة نعت لأمة أي على دين واحد (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) الواو حالية ولكن حرف استدراك مهمل ويدخل مثل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو ومن مفعول به وجملة يشاء صلة والعائد محذوف وفي رحمته متعلقان بيدخل والظالمون مبتدأ وهو من باب وضع المظهر موضع المضمر ومقتضى الظاهر أن يقول ويدخل من يشاء في غضبه ولكنه عدل عن ذلك إلى ذكر الظالمين تسجيلا عليهم ومبالغة في الوعيد وما نافية ولهم خبر مقدم ومن حرف جر زائد وولي مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر ولا نصير عطف على من ولي وجملة النفي خبر الظالمون (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) حرف عطف وهي منقطعة بمعنى بل واتخذوا فعل وفاعل ومن دونه في موضع المفعول الثاني وأولياء مفعول اتخذوا الأول (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اختلف في هذه الفاء فقال الزمخشري هي جواب شرط مقدّر أي الفصيحة كأنه قيل بعد إنكار كل ولي سواه إن أرادوا وليّا بحق فالله هو الوليّ بالحق لا وليّ سواه على شيء وقال أبو حيان في الردّ على الزمخشري : «لا حاجة إلى هذا التقدير لتمام الكلام بدونه» أي فهي لمجرد العطف أي عطف ما بعدها على ما قبلها وتبع أبا حيان أكثر المعربين وصرّح الجلال بأنها لمجرد العطف ، وعندي أن

١٣

رأي الزمخشري أسدّ وأقرب لملاءمة الكلام بعضه لبعض والله مبتدأ وهو مبتدأ ثان أو ضمير فصل لا محل له والوليّ خبر هو والجملة خبر الله أو خبر الله وضمير الفصل لا محل له وهو مبتدأ ويحيي الموتى خبر وهو على كل شيء قدير عطف على ما تقدم أيضا.

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢))

اللغة :

(يَذْرَؤُكُمْ) قال في القاموس : «ذرأ كجعل خلق والشيء كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين» وقال شارحه في التاج : «وقد يطلق على الآباء والأصول أيضا قال الله تعالى : إنّا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون والجمع ذراري كسراري» وقد تقدم القول فيه وسيأتي معنى تعديته بفي في باب الإعراب.

(مَقالِيدُ) تقدم بحثه في سورة الزمر فجدّد به عهدا.

الإعراب :

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) كلام مستأنف مسوق لحكاية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أي خالفكم فيه

١٤

الكفار في أمر من أمور الدين أو الدنيا فحكم ذلك المختلف فيه مفوّض إلى الله تعالى. وما شرطية في محل رفع مبتدأ ويجوز أن تكون موصولة أيضا واختلفتم فعل الشرط وفيه متعلقان باختلفتم ومن شيء حال والفاء رابطة وحكمه مبتدأ وإلى الله متعلقان بمحذوف خبر أي مردود وراجع إلى الله (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ذلكم مبتدأ والله خبر ويجوز أن يكون بدلا من ذلكم وربي خبر ثان وعليه متعلقان بتوكلت والجملة خبر ثالث وإليه متعلقان بأنيب والجملة خبر رابع (فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خبر خامس وقرىء بالجر قال أبو البقاء هو بدل من الهاء في عليه وقال الزمخشري نعت لقوله فحكمه إلى الله فتكون جملة ذلكم إلخ معترضة بين الموصوف وصفته (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) الجملة خبر سادس وجعل فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هو ولكم في موضع المفعول الثاني إن كانت بمعنى التصيير ومتعلقان بجعل إن كانت بمعنى الخلق ومن أنفسكم حال لأنها كانت صفة لأزواجا وأزواجا مفعول جعل الأول ومن الأنعام أزواجا عطف على سابقتها وجملة يذرؤكم صفة لأزواجا وفيه متعلقان بيذرؤكم والضمير يعود على الجعل أو التدبير قال الزمخشري : «فإن قلت فما معنى يذرؤكم فيه وهلا قيل يذرؤكم به؟ قلت جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير ، ألا تراك تقول للحيوان في خلق الأزواج تكثير كما قال تعالى «ولكم في القصاص حياة» (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) خبر سابع وليس فعل ماض ناقص والكاف زائدة ومثله مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر ليس وشيء اسمها وهذا الذي درجنا عليه قول أكثر المعربين وهو المشهور عند النحاة وهناك مباحث طريفة طويلة في صددها نرجئها إلى باب الفوائد وهو مبتدأ والسميع البصير خبران لهو (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) له خبر مقدم ومقاليد السموات والأرض مبتدأ مؤخر والجملة خبر ثامن (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ

١٥

يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) جملة يبسط الرزق خبر تاسع ويبسط فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو والرزق مفعول به ولمن متعلقان بيبسط وجملة يشاء صلة ويقدر عطف على يشاء وإن واسمها وعليم خبرها وبكل شيء متعلقان بعليم.

الفوائد :

في قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) اختلاف كثير بين كبار النحاة وسنورد هنا مجملا لأقوالهم جميعا على أن أسهل الأوجه هو ما ذكرناه نقلا عن جمهرتهم ، وقال الشيخ بهاء الدين بن النحّاس في تعليقه على المقرب : قال أكثر الناس هي زائدة للتوكيد والمعنى والله أعلم ليس مثله شيء وقال جماعة من المحققين ليست بزائدة وإنما هي على بابها ومعنى الكلام والله أعلم نفي مثل المثل ويلزم من ذلك نفي المثل ضرورة وجوده سبحانه فإن قيل : لم توصل إلى نفي المثل بنفي مثل المثل وهلا نفى المثل من أول وهلة ، فالجواب إن نفي المثل بنفي مثل المثل أبلغ وأفخم من قولنا أنت لا تفعل هذا لأنه نفي الشيء بذكر دليله فهو أبلغ من نفي الشيء بغير ذكر دليله.

قلت : وقد قال بعضهم أنها ليست بزائدة ولم يعوّل على هذا الدليل بل قال مثل ومثل ساكنا ومتحركا سواء في اللغة كشبه وشبه فمثل هاهنا بمعنى مثل ، قال الله تعالى : «ولله المثل الأعلى» ويكون المعنى ليس مثل مثله شيء وهو صحيح.

وقال الشهاب الحلبي المعروف بابن السمين : «قوله ليس كمثله شيء في هذه الآية أوجه : أحدها وهو المشهور عند المعربين أن الكاف زائدة في خبر ليس وشيء اسمها والتقدير ليس شيء مثله قالوا : ولو لا ادّعاء زيادتها للزم أن يكون له مثل وهو محال إذ يصير التقدير على أصالة الكاف ليس مثل مثله شيء فنفى المماثلة عن مثله فثبت أن له

١٦

مثلا ولا مثل لذلك المثل وهذا محال تعالى الله عن ذلك ، وقال أبو البقاء : ولو لم تكن زائدة لأفضى ذلك إلى المحال إذ كان يكون المعنى أن له مثلا وليس لمثله مثل وفي ذلك تناقض لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل وهو هو مع أن إثبات المثل لله تعالى محال. قلت : وهي طريقة غريبة في تقرير الزيادة وهي طريقة حسنة الصناعة والثاني : أن مثل هي الزائدة كزيادتها في قوله تعالى بمثل ما آمنتم قال الطبري : كما زيدت الكاف في بعض المواضع وهذا ليس بجيد لأن زيادة الأسماء ليست بجائزة وأيضا يصير التقدير ليس كهو شيء ، ودخول الكاف على الضمائر لا يجوز إلا في الشعر. الثالث : أن العرب تقول مثلك لا يفعل كذا يعنون المخاطب نفسه لأنهم يريدون المبالغة في نفي الوصف عن المخاطب فينفونها في اللفظ عن مثله فيثبت انتفاؤها عنه بدليلها ، قال ابن قتيبة :العرب تقيم المثل مقام النفس فتقول مثلي لا يقال له هذا أي أنا لا يقال لي هذا. الرابع : أن يراد بالمثل الصفة وذلك أن المثل بمعنى المثل والمثل الصفة كقوله مثل الجنة فيكون المعنى ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره وهو محمل سهل».

وللراغب في مفرداته كلام لطيف يحسن إثباته هنا في المثل قال :«المثل أعمّ الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك أن الند يقال لما يشارك في الجوهر فقط والشبه يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط والمثل في جميع ذلك ولهذا لما أراد الله نفي الشبه من كل وجه خصّه بالذّكر قال تعالى : ليس كمثله شيء».

وقال ابن هشام الأنصاري في كتابه الممتع «المغني» : «قال الأكثرون التقدير ليس شيء مثله إذ لو لم تقدّر زائدة صار المعنى ليس شيء مثل مثله فيلزم المحال وهو إثبات المثل وإنما زيدت لتوكيد نفي المثل لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة ثانيا قاله ابن جنّي ولأنهم

١٧

إذا بالغوا في نفي الفعل عن أحد قالوا مثلك لا يفعل كذا ومرادهم إنما هو النفي عن ذاته ولكنهم إذ نفوه عمّن هو أخصّ أوصافه فقد نفوه عنه وقيل الكاف في الآية غير زائدة ثم اختلف فقيل الزائد مثل كما زيدت في «فإن آمنوا بمثل ما آمنتم» قالوا وإنما زيدت هنا لتفصل الكاف من الضمير انتهى والقول بزيادة الحرف أولى من القول بزيادة الاسم بل زيادة الأسماء لم تثبت».

ونختم هذا البحث بقول الزمخشري في كشافه وقد قطعت جهيزة قول كل خطيب قال : «قالوا : مثلك لا يبخل فنفوا البخل عن مثله وهم يريدون نفيه عن ذاته قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية لأنهم إذا نفوه عمّن يسدّ مسدّه وعمّن هو على أخصّ أوصافه فقد نفوه عنه ونظيره قولك للعربي : العرب لا تخفر الذمم ، كان أبلغ من قولك أنت لا تخفر ومنه قولهم قد أيفعت لداته وبلغت أترابه ، يريدون إيفاعه وبلوغه ، وفي حديث رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : ألا وفيهم الطيب الطاهر لداته ، والقصد إلى طهارته وطيبه ، فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله : ليس كالله شيء وبين قوله ليس كمثله شيء إلا ما تعطيه الكناية من فائدتها وكأنها عبارتان متعقبتان على معنى واحد وهو نفي المماثلة عن ذاته ونحو قوله عز وجل : «بل يداه مبسوطتان» فإن معناه بل هو جواد من غير تصوّر يد ولا بسط لها لأنها وقعت عبارة عن الجود لا يقصدون شيئا آخر حتى أنهم استعملوها فيمن لا يدله فكذلك استعمل هذا فيمن له مثل ومن لا مثل له ، ولك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت للتأكيد كما كررها من قال : وصاليات ككما يؤثفين ، ومن قال : فأصبحت مثل كعصف مأكول».

وعقب ابن المنير القاضي على كلام الزمخشري فقال : «هذا الوجه الثاني مردود على ما فيه من الإخلال بالمعنى وذلك أن الذي يليق

١٨

هنا تأكيد نفي المماثلة والكاف على هذا الوجه إنما تؤكد المماثلة وفرّق بين تأكيد المماثلة المنفية وبين تأكيد نفي المماثلة فإن نفي المماثلة المهملة عن التأكيد أبلغ وآكد في المعنى من نفي المماثلة المقترنة بالتأكيد إذ يلزم من نفي المماثلة غير المؤكدة نفي كل مماثلة ولا يلزم من نفي مماثلة محققة متأكدة بالغة نفي مماثلة دونها في التحقيق والتأكيد وحيث وردت الكاف مؤكدة للماثلة وردت في الإثبات فأكدته» إلى أن يقول : «والوجه الذي ذكره هو الوجه في الآية عنده وأتى بمطية الضعف في هذا الوجه الثاني بقوله : ولك أن تزعم فافهم».

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥))

١٩

اللغة :

(يَجْتَبِي إِلَيْهِ) يجتلب إليه ، والاجتباء افتعال من الجباية وهي الجمع. قال الراغب : يقال جبيت الماء في الحوض أي جمعته ومنه قوله تعالى : يجبى إليه ثمرات كل شيء. والاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال تعالى : قالوا لولا اجتبيتها ، واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بغيض إلهي لتحصل له أنواع النعم بلا سعي منه.

الإعراب :

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) لك أن تجعله خبرا عاشرا ، ولك أن تجعله كلاما مستأنفا مسوقا للشروع في تفصيل ما أجمله أولا. وشرع فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هو ولكم متعلقان بشرع ومن الدين حال وما مفعول به وجملة وصى صلة وبه متعلقان بوصي ونوحا مفعول به والذي عطف على ما وجملة أوحينا صلة وإليك متعلقان بأوحينا (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) عطف على ما تقدم أيضا وتخصيص هؤلاء الأنبياء الخمسة بالذكر لإنافتهم وعلو شأنهم لأنهم أولو العزم من الرسل (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) أن تفسيرية بمعنى أي لأنها سبقت بما فيه معنى القول دون حروفه وهو وصى ، ويجوز أن تكون مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر في محل رفع خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هو أن أقيموا ، أو في محل نصب بدلا من الموصول وهو ما ، أو في محل جر بدلا من الدين. وأقيموا الدين فعل أمر وفاعل ومفعول به والواو عاطفة ولا ناهية وتتفرقوا فعل مضارع مجزوم بلا وفيه متعلقان بتتفرقوا (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) كلام مستأنف وكبر فعل

٢٠