إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٧

محيي الدين الدرويش

إعراب القرآن الكريم وبيانه - ج ٧

المؤلف:

محيي الدين الدرويش


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٠

والناس أبناء علات فمن علموا

أن قد أقل فمحقور وم

هجور والخير والشر مقرونان في قرن

والخير متبع والشر محذور

فأتى كسرى فأخبره فغمّه ذلك فقال : الى أن يملك منا أربعة عشر ملكا يدور الزمان فملكوا كلهم في أربعين سنة.

١٦١

سورة النمل

مكيّة وآياتها ثلاث وتسعون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦))

الاعراب :

(طس. تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) طس تقدم الكلام على اعرابها ومعناها في بحث فواتح السور. وتلك مبتدأ وآيات القرآن خبر وكتاب مبين عطف على القرآن ومبين صفة ، وسيأتي سر التنكير والعطف في باب البلاغة. (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) يجوز في هدى النصب على الحال والعامل فيها ما في تلك من معنى الاشارة أي هاديه ومبشرة ويجوز فيها الرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف أي هي هدى وبشرى ، ومعنى هداها للمؤمنين وهم مهديون زيادتها في هداهم.

١٦٢

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) الذين نعت للمؤمنين ولك أن تقطعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هم الذين وجملة يقيمون الصلاة صلة الذين وجملة يؤتون الزكاة عطف على يقيمون الصلاة وهم الواو للحال وهم مبتدأ أو للعطف وجملة يوقنون خبره وبالآخرة متعلقان بيوقنون وهم مبتدأ جيء للفصل بين المبتدأ وخبره ليتصل بالخبر في الصورة وسيأتي سر التغيير في النظم في باب البلاغة. (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) كلام مستأنف مسوق لبيان السبب في عدم إيمانهم وتحيرهم وتردّدهم في أعمالهم ، وان واسمها وجملة لا يؤمنون صلة الذين وبالآخرة جار ومجرور متعلقان بيؤمنون وجملة زينا خبر إن وزينا فعل وفاعل ولهم متعلقان بزينا وأعمالهم مفعول به والفاء عاطفة وهم مبتدأ وجملة يعمهون خبره أي يتحيرون ويترددون بين تركها لأنها واضحة البطلان ظاهرة السوء وبين الاستمرار عليها ، وقيل معنى يعمهون يستمرون من غير تردد إذ لم يدر في خلدهم لحظة الإقلاع عنها وهو جميل وقوي ولكن العمه هو كما يقول الزمخشري وغيره من أئمة اللغة التردد والتحير كما يكون حال الضالّ عن الطريق ، وعن بعض الأعراب أنه دخل السوق وما أبصرها قط فقال : رأيت الناس عمهين أراد مترددين في أعمالهم وأشغالهم ، وتكاد تجمع معاجم اللغة على أن العمه مصدر عمه يعمه ويعمه من باب ضرب وفتح عمها وعموها وعموهية وعمهانا أي تحير في طريقه أو أمره وتردد في الضلال فهو عمه وجمعه عمهون وعامه وجمعه عامهون وعمّه.

(أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أولئك مبتدأ والذين خبره ولهم خبر مقدم وسوء العذاب مبتدأ مؤخر

١٦٣

والجملة صلة وهم مبتدأ وفي الآخرة متعلقان بالأخسرون والأخسرون خبره وهم مبتدأ جيء به للفصل بين المبتدأ وخبره ليتصل بالخبر في الصورة وقد تقدم بحثه ، هذا ولا بد من الاشارة الى أن قوله «الأخسرون» يحتمل أنها على بابها من التفضيل وذلك بالنسبة للكفار ويحتمل أنها للمبالغة لا للتشريك لأن المؤمن لا خسران له في الآخرة البتة. (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) الواو استئنافية وان واسمها واللام المزحلقة وجملة تلقى خبرها ونائب الفاعل مستتر تقديره أنت والقرآن مفعول به ثان ومن لدن الجار والمجرور متعلقان بتلقى وحكيم مضاف اليه وعليم صفة.

البلاغة :

١ ـ التنكير :

التنكير فقد نكر الكتاب المبين ليبهم بالتنكير فيكون أفخم له ، ومثله في «مقعد صدق عند مليك مقتدر» أما عطفه على القرآن مع أنه هو القرآن نفسه فهو من قبيل عطف إحدى الصفتين على الأخرى كقولك : هذا فعل السخي والجواد الكريم ولأن المعطوف فيه صفة زائدة على مفهوم المعطوف عليه.

٢ ـ تكرير الضمير :

وفي قوله «وهم بالآخرة هم يوقنون» كرر الضمير حتى صار معنى الكلام ولا يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الايمان والعمل الصالح لأن خوف الآخرة يحملهم على تحمل المشاق ، وقد سبق لنا أن ذكرنا أن إيقاع الضمير مبتدأ يفيد الحصر كما مر في قوله

١٦٤

تعالى : «هم ينشرون» ان معناه لا ينشر إلا هم ، وأما وجه تكراره هنا فهو انه كان أصل الكلام هم يوقنون بالآخرة ثم قدم المجرور على عامله عناية به فوقع فاصلا بين المبتدأ والخبر فأريد أن يلي المبتدأ خبره وقد حال المجرور بينهما فطري ذكره ليلية الخبر ولم يفت مقصود العناية بالجار والمجرور حيث بقي على حاله مقدما ولا يستنكر أن تعاد الكلمة مفصولة له وحدها بعد ما يوجب التطرية.

٣ ـ التعبير بالاسمية والفعلية :

قلنا في مواطن من هذا الكتاب إن التعبير يكون أحيانا بالجملة الاسمية وأحيانا بالجملة الفعلية على أن ذلك ليس متروكا الى الاعتباط وإنما يعدل عن أحد التعبيرين لضرب من التأكيد والمبالغة والاستمرار والانقطاع ، فإن الايمان والإيقان بالآخرة أمر ثابت مطلوب دوامه ولذلك أتى به جملة اسمية وجعل خبرها فعلا مضارعا فقال «وهم بالآخرة هم يوقنون» للدلالة على أن إيقانهم يستمر على سبيل التجدد أما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مما يتكرر ويتجدد في أوقاتهما المعينة ولذلك أتى بهما فعلين فقال «الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة».

الفوائد :

أورد الامام الزمخشري سؤالا في هذا الصدد بناء على قاعدته الاعتزالية وهو «فإن قلت : كيف أسند تزيين أعمالهم الى ذاته وقد أسنده الى الشيطان في قوله وزين لهم الشيطان أعمالهم. وقد أجاب بقوله : «قلت : بين الاسنادين فرق وذلك أن إسناده الى الشيطان حقيقة وإسناده الى الله عز وجل مجاز ، وله طريقان في علم البيان أحدهما : أن يكون من المجاز الذي يسمى الاستعارة ، والثاني أن

١٦٥

يكون من المجاز الحكمي ، فالطريق الاول انه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق وجعلوا إنعام الله بذلك عليهم وإحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم وبطرهم وإيثارهم الروح والترفه ونفارهم عما يلزمهم فيه من التكاليف الصعبة والمشاق المتعبة فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم ، واليه أشارت الملائكة صلوات الله عليهم في قوله «ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر» والطريق الثاني أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين فأسند اليه لأن المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات. وقيل هي أعمال الخير التي وجب عليهم أن يعملوها زينها الله لهم فعمهوا عنها وضلوا ، ويعزى الى الحسن.

وقد أجاب أهل السنة بأن هذا الجواب مبني على القاعدة الفاسدة في إيجاب رعاية الصلاح والأصلح وامتناع أن يخلق الله تعالى للعبد إلا ما هو مصلحة ، فمن ثم جعل التزيين الى الله تعالى مجازا والى الشيطان حقيقة ولو عكس الجواب لفاز بالصواب ، وتأمل ميله الى التأويل الآخر من أن المراد أعمال البر على بعده لأنه لا يعرض لقاعدته بالنقض ، على أن التزيين قد ورد في الخير في قوله تعالى : «ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم» على أن غالب وروده في غير البر كقوله :«زين للناس حب الشهوات» ، «زين للذين كفروا الحياة الدنيا» و «كذلك زين للمسرفين» ومما يبعد حمله على أعمال البر إضافة الأعمال إليهم في قوله : أعمالهم ، وأعمال البر ليست مضافة إليهم لأنهم لم يعملوها قط فظاهر الاضافة يعطي ذلك ، ألا ترى الى قوله تعالى : «ولما يدخل الايمان في قلوبكم» وقوله : «قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان» فأطلق الايمان في المكانين عن إضافته إليهم لأنه لم يصدر منهم ، وأضاف الإسلام الظاهر إليهم لأنه صدر منهم.

١٦٦

(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤))

اللغة :

(آنَسْتُ) أبصرت من بعيد ، ويقال آنست نارا وآنست فزعا وآنست منه رشدا ، فهو يطلق على المادي والمعنوي.

(بِشِهابٍ قَبَسٍ) يقرأ بالاضافة وتركها كما سيأتي في الاعراب ، والشهاب كل مضيء متولد من النار ، وما يرى كأنه كوكب انقض ، والكوكب عموما ، والسنان لما فيه من البريق ، وجمعه شهب وشهبان

١٦٧

وشهبان وأشهب ، ويقال فلان شهاب حرب إذا كان ماضيا فيها ، والقبس بفتحتين النار المقبوسة تقول خذ لي قبسا من النار ومقبسا ومقباسا واقبس لي نارا واقتبس ، ومنه ما أنت إلا كالقابس العجلان أي المقتبس وما زورتك إلا كقبسة العجلان ، وتقول ما أنا إلا قبسة من نارك ، وقبضة من آثارك ، وقبسته نارا وأقبسته كقولك بغيته الشيء وأبغيته ومن المجاز قبسته علما وخبرا وأقبست.

(تَصْطَلُونَ) : فيه الابدال لأن أصله تصتلون فلما وقعت تاء الافتعال بعد حرف الاطباق وهو الصاد قلبت طاء على القاعدة وهو من صلي بالنار بكسر اللام وفي المصباح «صلي بالنار وصليها صلى من باب تعب وجد حرها والصلاء بوزن كتاب حر النار وصليت اللحم أصليه من باب رمى : شويته» وفي الأساس : «وصلي النار وصلي بها» «يصلى النار الكبرى» وتصلّاها وتصلّى بها وأصلاه وصلّاه ، وشاة مصليّة : مشوية وقد صليتها».

(جَانٌّ) : حية خفيفة الحركة ، وقال في القاموس والتاج :«والجانّ اسم جمع للجن ، وحية أكحل العين لا تؤذي كثيرة في الدور» قالوا وهي كبيرة جدا وإن كانت خفيفة في سرعة الحركة.

(وَلَمْ يُعَقِّبْ) : ولم يرجع ، يقال عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار قال :

فما عقبوا إذ قيل هل من معقب

ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا

يصف قوما بالجبن وانهم إن قيل : هل من معقب وراجع على عقبه للحرب لم يرجعوا إليها ، ولا نزلوا يوم الحرب منزلا من منازلها ،

١٦٨

وفي المختار : «وتقول : ولى مدبرا ولم يعقب بتشديد القاف وكسرها أي لم يعطف ولم ينتظر».

(جَيْبِكَ) : طوق قميصك وسمي جيبا لأنه يجاب أي يقطع ليدخل فيه الرأس.

(وَاسْتَيْقَنَتْها) : الاستيقان أبلغ من الإيقان فلا معنى لقول بعض المفسرين أن السين لمجرد الزيادة.

الاعراب :

(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ : إِنِّي آنَسْتُ ناراً) كلام مستأنف مسوق لذكر قصص خمس من قصص الأولين الأولى قصة موسى وتليها قصة النمل وتليها قصة بلقيس وتليها قصة صالح وتليها قصة لوط. والظرف متعلق بفعل محذوف تقديره اذكر وقد تقدم كثيرا تقرير ذلك وجملة قال في محل جر بإضافة الظرف إليها وموسى فاعل ولأهله متعلقان بقال وجملة إني آنست نارا مقول القول وان واسمها وجملة آنست خبرها ونارا مفعول به. وأهله عبارة عن زوجه بنت شعيب وولده وخادمه وذلك عند فقوله من مدين الى مصر ليجتمع بأمه وأخيه في مصر وقيل لم يكن معه غير امرأته وقد كنى الله عنها بالأهل وتبعا لذلك أورد الخطاب بالجمع. (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) الجملة استئنافية وآتيكم فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا والكاف مفعول به وجاء بسين التسويف للاشارة إلى أنه عائد وإن أبطأ فربما كانت المسافة بعيدة ، ومنها متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لخبر وبخبر متعلقان بآتيكم ، وأو حرف عطف ، وللعدول عن الواو الى أو سر سيأتي في باب البلاغة ، وآتيكم عطف على آتيكم الأولى وبشهاب متعلقان بآتيكم وقبس بدل من شهاب أو

١٦٩

نعت له على تأويله بالمفعول أي شهاب مقتبس من نار وقرئ بالاضافة لأن الشهاب يكون قبسا وغيره كالكوكب فهو من إضافة النوع الى جنسه كخاتم فضة وثوب خز وهي بمعنى من ، ولعلكم تصطلون جملة الرجاء حالية ولعل واسمها وخبرها أي راجيا تأمين الدفء لكم وتوفيره.

(فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) الفاء عاطفة على محذوف للاختصار ولما ظرفية حينية أو رابطة وجاءها فعل وفاعل مستتر ومفعول به وجملة نودي لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ونائب فاعل نودي ضمير مستتر تقديره هو يعود على موسى ، وأن هي المفسرة لأن في النداء معنى القول دون حروفه والمعنى قيل له بورك ويجوز أن تكون على حالها أي ناصبة للفعل المضارع وقد دخلت على الماضي ، أو مخففة من الثقيلة ، وأن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض أي بأن بورك ، وهناك أعاريب أخرى ضربنا عنها صفحا لأنها واهنة ، وبورك فعل ماض مبني للمجهول ومن نائب فاعل وفي النار جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة من أي في مكان النار ، ومن حولها عطف على من في النار والمراد بمن إما الله تعالى على حذف أي قدرته وسلطانه وقيل المراد موسى وقيل المراد بمن غير العقلاء وهو النور والأمكنة التي حولها.

(وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الواو استئنافية وسبحان مفعول مطلق لفعل محذوف والله مضاف اليه ورب العالمين بدل أو نعت.

(يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) يا حرف نداء وموسى منادى مفرد علم وان واسمها والهاء إما ضمير الشأن أو راجعة الى ما دل عليه ما قبلها يعني ان مكلمك ، وأنا مبتدأ الله خبر والجملة خبر إن والعزيز الحكيم صفتان. (وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) الواو حرف عطف وألق فعل أمر مبني على حذف حرف

١٧٠

العلة والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت والكلام معطوف على بورك لأن المعنى نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك وهذا ما يرجح كون أن مفسرة كما تقدم وعصاك مفعول ، فلما الفاء عاطفة على محذوف أي فألقاها فاستحالت حية فلما ، ولما ظرف بمعنى حين أو رابطة وجملة رآها في محل جر بإضافة الظرف اليه ورآها فعل وفاعل ومفعول به وجملة تهتز في محل نصب على الحال لأن الرؤية هنا بصرية ، وكأنها جان كأن واسمها وخبرها والجملة في محل نصب حال ثانية أو هي حال من ضمير تهتز فهي حال متداخلة وجملة ولى لا محل لها ومدبرا حال من فاعل ولى والواو حرف عطف ولم حرف نفي وقلب وجزم ويعقب فعل مضارع مجزوم بلم. (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) الجملة مقول قول محذوف لا بد من تقديره أي قال تعالى ويا موسى منادى مفرد علم ولا ناهية وتخف فعل مضارع مجزوم بلا وان واسمها وجملة لا يخاف خبرها والجملة تعليلية للنهي عن الخوف ولدي ظرف متعلق بيخاف والمرسلون فاعل. (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) إلا أداة استثناء بمعنى لكن لأن الاستثناء منقطع ومن اسم موصول مستثنى في موضع نصب ويجوز أن تكون شرطية فتكون مبتدأ والجملة مستثناة من أعم الأحوال وظلم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط ثم بدل عطف على ظلم وحسنا مفعول به وبعد سوء ظرف متعلق بمحذوف صفة لحسنا. (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) الفاء واقعة في جواب «من» على الوجهين وان واسمها وخبراها.

(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) الواو عاطفة وأدخل عطف على وألق عصاك ويدك مفعول به وفي جيبك متعلقان بأدخل وتخرج فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الأمر وفاعل تخرج ضمير مستتر تقديره هي وبيضاء حال من فاعل تخرج ومن غير سوء

١٧١

متعلقان ببيضاء لما فيها من معنى الفعل وقد تقدم هذا في «طه» واختار أبو البقاء أن يكون الجار والمجرور حالا أخرى واختار السمين أن يكون صفة لبيضاء. (فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) كلام مستأنف وحرف الجر يتعلق بالفعل المحذوف أي اذهب في تسع آيات الى فرعون ، وقدره بعضهم بمحذوف أي مرسلا فيكون محله النصب على الحال والأول أولى وله نظائر قال :

فقلت الى الطعام فقال منهم

فريق يحسد الإنس الطعاما

وهناك أقوال متشعبة للمعربين سنوردها في باب الفوائد لصقل الأذهان.

وقومه عطف على فرعون وجملة انهم تعليل للأمر بالذهاب وجملة كانوا خبر إن وقوما خبر كانوا وفاسقين صفة وقد تقدمت الآيات التسع.

(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) الفاء عاطفة على محذوف وقد تقدم ذلك كثيرا ومبصرة حال وسيأتي معناها في باب البلاغة وجملة قالوا لا محل لها وهذا مبتدأ وسحر خبر ومبين صفة والجملة مقول القول. (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) وجحدوا عطف على قالوا وبها متعلقان بجحدوا والواو للحال وقد بعدها مضمرة واستيقنتها أنفسهم فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر وظلما مفعول لأجله لأنه علة للجحد أو حال من فاعل جحدوا أي ظالمين مستكبرين. (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) الفاء الفصيحة وأنظر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر مقدم لكان وعاقبة المفسدين اسم كان والجملة معلقة لا نظر عن العمل فهي محل نصب بنزع الخافض لأن انظر بمعنى تفكر.

١٧٢

البلاغة :

١ ـ استعمال «أو» بدل الواو :

في قوله : «آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون» آثر «أو» على الواو لنكتة بلاغية رائعة فإن أو تفيد التخيير وقد بنى رجاءه على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعا فلن يعدم واحدة منهما وهما إما هداية الطريق وإما اقتباس النار هضما لنفسه واعترافا بقصوره نحو ربه ، وقد كانت الليلة شاتية مظلمة وقد ضل الطريق وأخذ زوجته المخاض ، وهذا موطن تزلق فيه أقلام الكتاب الذين لا يدركون أسرار البيان وخاصة في استعمال الحروف العاطفة والجارة وقد تقدمت الاشارة الى هذا الفن.

٢ ـ المجاز العقلي :

في إسناد الإبصار الى الآيات في قوله «فلما جاءتهم آياتنا مبصرة» ويجوز أن يكون المجاز مرسلا والعلاقة السببية لأنها سبب الإبصار وهذا أولى من قول بعضهم إن «مبصرة» اسم فاعل والمراد به المفعول أطلق اسم الفاعل على المفعول إشعارا بأنها لفرط وضوحها وإنارتها كأنها تبصر نفسها لو كانت مما يبصر.

الفوائد :

أقوال المعربين في «في تسع آيات» :

تشعبت أقوال المعربين في إعراب هذه الآية وهي «في تسع آيات الى فرعون وقومه» وقد اخترنا لك في الاعراب أمثلها وأسهلها ،

١٧٣

وسنورد بقية الوجوه لأنها واردة ومعقولة لتشحذ ذهنك وتختار منها ما تراه أدنى الى المنطق فالاعراب منطق قبل كل شيء.

أما الزمخشري فقد اكتفى بالوجه الذي اخترناه في الاعراب قال : «في تسع آيات كلام مستأنف وحرف الجر فيه يتعلق بمحذوف والمعنى اذهب في تسع آيات أي في جملة تسع آيات وعدادهن ، ولقائل أن يقول : كانت الآيات احدى عشرة اثنتان منها اليد والعصا ، والتسع :الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة والجدب في بواديهم والنقصان في مزارعهم».

وقال أبو البقاء : «في تسع» حال ثالثة ، وأراد بالحالين الأولى والثانية قوله بيضاء وقوله من غير سوء ، والى فرعون متعلقة بمحذوف تقديره مرسلا الى فرعون ويجوز أن يكون صفة لتسع أو لآيات أي واصلة الى فرعون.

وجعل الزجاج «في» بمعنى «من» وعلقها بألق قال : كما تقول خد لي من الإبل عشرا فيها فحلان أي منها فحلان.

وأما ابن عطية فقد أيّد الزجاج في تعليقها بألق وجعل «في» بمعنى «مع» لأن اليد والعصا حينئذ داخلتان في الآيات التسع وقال :تقديره يمهد لك ذلك وينشره في تسع. وقال آخرون هو كما قال ابن عطية وتكون اليد والعصا خارجتين من التسع.

واختار الجلال أن تتعلق بمحذوف حال أخرى من ضمير تخرج ، وقد صرح بهذا المحذوف في سورة «طه» حيث قال هناك : «تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى» فالمعنى هنا حال كونها آية مندرجة في جملة الآيات التسع.

١٧٤

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩))

اللغة :

(مَنْطِقَ الطَّيْرِ) المنطق مصدر نطق ينطق من باب ضرب نطقا ومنطقا ونطوقا أي تكلم بصوت وحروف تعرف بها المعاني ، والمنطق الكلام وقد يستعمل في غير الإنسان يقال : سمعت منطق الطير ، وقال البيضاوي : «والنطق والمنطق في المتعارف كل لفظ يعبر به عما في الضمير مفردا كان أو مركبا مفيدا كان أو غير مفيد وقد يطلق على كل ما يصوت به على التشبيه أو التبع كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد فإن الأصوات الحيوانية من حيث

١٧٥

أنها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات لا سيما وفيها ما يتفاوت بتفاوت الأغراض بحيث يفهمها ما هو من جنسه».

وزاد الزمخشري على ما قاله البيضاوي : «وقد ترجم يعقوب بن السكيت كتابه بإصلاح المنطق وما أصلح فيه إلا مفردات الكلم».

هذا ويبدو أن الأصل الاشتقاقي لكلمة المنطق يظهرنا على الصلة الوثيقة بين الفكر واللغة فإن الحيوان المفكر هو وحده الحيوان المتكلم وليست اللغة مجرد أداة اصطنعها العقل البشري للتعبير عن أغراضه ومراميه بل هي أيضا وسيلة الى التجرد عن الأعراض الحسية واصطناع بعض الرموز أو الدلالات المعنوية.

وعلم المنطق هو علم يبحث في صحيح الفكر وفاسده فهو يضع القواعد التي تعصم الذهن من الوقوع في الأخطاء وفي الأحكام كما انه يهتم بالتعرف على المناهج المختلفة في دراساتهم المتعددة وأبحاثهم المتباينة ، حقا ان موضوع المنطق هو التفكير الانساني بصفة عامة ولكن المنطق لا يقتصر على وصف العمليات الذهنية التي نقوم بها حين نفكر أو نحكم أو نجرد أو تتذكر أو نحل مشكلة بل هو يريد أيضا أن يعيننا على التمييز بين الحكم الصحيح والحكم الخاطئ ، بين الاستدلال السليم والاستدلال الفاسد.

وقد اهتم فلاسفة اليونان الأقدمون بدراسة العلاقة بين صورة الفكر ومادته أي بين الناحية الشكلية للأحكام أو القضايا ومضمون التفكير نفسه فنشأت من ذلك مباحث جدلية كانت هي النواة الأولى لعلم المنطق ، وهكذا اهتم سقراط وأفلاطون بالبحث في مغالطات السوفسطائيين فوضعا للرد عليهم أصول التفكير الجدلي السليم ، ثم

١٧٦

جاء أرسطو فاستفاد من دراسات السابقين عليه في تكوين التصورات والقسمة المنطقية وطرق إيراد البرهنة ووضع هذا كله في كتاب مشهور أطلق عليه اسم «التحليلات الأولى» وان كان أرسطو لم يستعمل كلمة المنطق فإن المؤرخين قد أجمعوا على مبايعته بأمارة المنطق.

أما في العصور الحديثة فقد ثار كل من بيكون وديكارت على منطق أرسطو بدعوى أنه منطق صوري مجدب ، ثم فطن المناطقة أخيرا الى ضرورة تخليص الفكر من سحر الألفاظ وتحريره من سلطان اللغة فحاولوا أن يجعلوا من المنطق علما رياضيا يصوغ العمليات الذهنية في رموز جبرية.

(يُوزَعُونَ) : يحبس أولهم على آخرهم أي توقف سلاف العسكر حتى تلحقهم التوالي وسلاف العسكر يعني متقدميهم كما في الصحاح ، وفي المختار : «وزعه يزعه وزعا مثل وضعه يضعه وضعا أي كفه فاتزع هو أي كفّ ، وأوزعه بالشيء أغراه به واستوزعت الله شكره فأوزعني أي استلهمته فألهمني والوازع الذي يتقدم الصف فيصلحه ويقدم ويؤخر وجمعه وزعة ، وقال الحسن : لا بد للناس من وازع أي من سلطان يكفهم ، يقال وزعت الجيش إذا حبست أولهم على آخرهم».

(نَمْلَةٌ) : النمل والنمل بضم الميم : حيوان حريص على جمع الغذاء يتخذ قرى تحت الأرض فيها منازل ودهاليز وغرف وطبقات منعطفة يملؤها حبوبا وذخائر للشتاء ، الواحدة نملة ونملة للذكر والأنثى والجمع نمال.

وحكى الزمخشري عن أبي حنيفة أنه وقف على قتادة وهو يقول :سلوني فأمر أبو حنيفة شخصا سأل قتادة عن نملة سليمان هل كانت

١٧٧

ذكرا أم أنثى فلم يجب فقيل لأبي حنيفة في ذلك فقال كانت أنثى واستدل بلحاق العلامة ، قال الزمخشري : «وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على المذكر والمؤنث فيميز بينهما بعلامة نحو حمامة ذكر وحمامة أنثى».

ولا أدري أأعجب منه أم من أبي حنيفة ان يثبت ذلك عنه. وذلك أن النملة كالحمامة والشاة تقع على الذكر وعلى الأنثى لأنه اسم جنس يقال نملة ذكر ونملة أنثى كما يقال حمامة ذكر وحمامة أنثى وشاة ذكر وشاة أنثى فلفظها مؤنث ومعناه محتمل فيمكن أن تؤنث لأجل لفظها وان كانت واقعة على ذكر بل هذا هو الفصيح المستعمل ، ألا ترى الى قوله عليه الصلاة والسلام لا تضحى بعوراء ولا عجفاء ولا عمياء ، كيف أخرج هذه الصفات على اللفظ مؤنثة ولا يعني الإناث من الأنعام خاصة ، فحينئذ قوله تعالى «نملة» روعي فيه تأنيث اللفظ وأما المعنى فيحتمل على حد سواء. وسيأتي في باب الفوائد مزيد من هذا البحث.

(أَوْزِعْنِي) : ألهمني ، وحقيقته اجعلني أزع شكر نعمتك عندي واكفه وارتبطه لا ينفلت عني حتى لا أنفك شاكرا لك. وقد تقدم شرح هذه المادة.

الاعراب :

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) الواو استئنافية والكلام مستأنف للشروع في القصة الثانية وهي قصة داود وسليمان ، واللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وآتينا فعل وفاعل وداود مفعول به وسليمان عطف على داود وعلما مفعول به ثان. (وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي

١٧٨

فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) الواو حرف عطف وقالا معطوف على مقدر تقديره فعملا بما أعطيا بالقلب بالعزم وعملا به بالجوارح بالمباشرة وعملا به باللسان فقالا. والحمد مبتدأ ولله خبر والجملة مقول القول والذي اسم موصول صفة لله وجملة فضلنا صلة وعلى كثير متعلقان بفضلنا ومن عباده صفة لكثير والمؤمنين صفة لعباده.

(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) الواو استئنافية وورث سليمان داود فعل وفاعل ومفعول به وقال عطف على ورث ويا أيها الناس تقدم اعرابها وعلمنا فعل ماض مبني للمجهول ونا نائب فاعل ومنطق الطير مفعول به ثان. (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) وأوتينا عطف على علمنا ومن كل شيء متعلقان بأوتينا وإن هذا ان واسمها وهو كلام مستأنف مسوق على سبيل إيراد الشكر والمحمدة واللام المزحلقة وهو ضمير فصل أو مبتدأ والفضل خبر إن أو خبر هو والجملة خبر إن والمبين صفة للفضل.

(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) الواو استئنافية وحشر فعل ماض مبني للمجهول ولسليمان متعلقان بحشر وجنوده نائب فاعل ومن الجن والانس والطير حال من جنوده والفاء الفصيحة وهم مبتدأ وجملة يوزعون خبر وسيأتي في باب البلاغة ما يرويه التاريخ عن معسكر سليمان.

(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) حتى حرف غاية لمحذوف تقديره فساروا حتى إذا أتوا ، ويجوز أن يكون غاية ليوزعون لأنه مضمن معنى فهم يسيرون ممنوعا بعضهم من مفارقة بعض حتى إذا أتوا ، وعلى وادي النمل جار ومجرور متعلقان بأتوا وسيأتي سر تعليقه بأتوا في باب البلاغة ، وجملة قالت نملة لا محل لها ويا أيها النمل تقدم اعرابها وادخلوا مساكنكم فعل

١٧٩

وفاعل ومفعول به على السعة وسيأتي ما قاله السيوطي في الإتقان عن قول النملة. (لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) نهي مستأنف لا تعلق له بما قبله أي لا تكونوا بحيث يحطمونكم ويجوز أن يكون الكلام بدلا من جملة الأمر مثله وهو ادخلوا مساكنكم.

وقد تصدى الزمخشري لهذا التعبير فقال «فإن قلت لا يحطمنكم ما هو؟ قلت يحتمل أن يكون جوابا للأمر وان يكون نهيا بدلا من الأمر والذي جوز أن يكون بدلا منه أنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم على طريقه لا أرينك هاهنا» ولا ناهية ويحطمنكم فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم بلا والكاف مفعول به وسليمان فاعل وجنوده عطف على سليمان وهم الواو حالية وهم مبتدأ وجملة لا يشعرون خبر والجملة حالية. (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) الفاء عاطفة على محذوف يقتضيه السياق أي فسمع قولها المذكور فتبسم ، وضاحكا حال مؤكدة وسيأتي سر ما أضحكه في باب الفوائد ومن قولها متعلقان بضاحكا. (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ) وقال عطف على فتبسم ورب منادى مضاف الى ياء المتكلم المحذوفة وحرف النداء محذوف وأوزعني فعل دعاء وفاعل مستتر ومفعول به وأن وما في حيزها مفعول ثان لأوزعني لأنه مضمن معنى الإلهام أو نصب بنزع الخافض أي بأن أشكر نعمتك ، والتي صفة لنعمتك وجملة أنعمت صلة وعليّ متعلقان بأنعمت وعلى والدي عطف على عليّ. (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) جملة معطوفة.

(وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) الواو حرف عطف وأدخلني فعل دعاء وفاعل ومفعول به وبرحمتك متعلقان بمحذوف حال والباء للسببية وفي عبادك متعلقان بأدخلني والصالحين نعت لعبادك.

١٨٠