شرح الرضيّ على الكافية

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي

شرح الرضيّ على الكافية

المؤلف:

محمّد بن الحسن الرضي الاسترآبادي


المحقق: يوسف حسن عمر
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات مؤسّسة الصادق
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥١٢

فإن تقدم ما هو جواب معنى ، على الظروف الزمانية ، أو المكانية من كلمات الشرط ، كمتى ، وإذ ما ، وأيان ، وأين ، وحيثما ، وأنّى ؛ فلا شبهة في تضمنها للشرط ، إذ لا تصلح للاستفهام ، ولا واسطة بين الشرط والاستفهام ، في هذه الكلمات الصالحة لهما ؛

وأمّا ما يصلح من كلمات الشرط لكونها موصولة ، أيضا ، نحو : من ، وما ، وأيّ : فإن جاء بعدها ماض ، احتمل عند سيبويه (١) كونها موصولة ، وشرطية ، نحو : آتي من أتاني ، فإن كانت موصولة ، فمنصوبة بالفعل المتقدم ، وإن كانت شرطية فمبتدأ ، والخبر مختلف فيه ، كما ذكرنا في باب المبتدأ ، والتقدير : من أتاني آته ، ولا محل للفعل بعد هذه الكلمات ، إن قدّرناها موصولة ، وهو في محل الجزم إن كانت شرطية ؛

وابن السّراج (٢) قطع بكونها موصولة ، عملا بالظاهر ، لأن جعلها شرطية يحتاج إلى حذف الجزاء عند البصرية ، وجعل المتقدم كالعوض منه ،

وإن جاء بعدها مضارع نحو : آتي من يأتيني ، فالوجه كونها موصولة ، ويجوز جعلها شرطية على قبح فينجزم المضارع ، وذلك لما تقدم من أن الشرط يكون ماضيا في الاختيار ، إذا تقدم ما هو جوابه معنى ،

وإن جئت بالظروف قبل من ، وما ، وأيّ ، على تقدير إضافة الظروف إلى الجمل ، فالواجب ، كما ذكر سيبويه (٣) : جعلها موصولة ، سواء ولي الكلم المذكورة ماض نحو : أتذكر إذ من أتانا أكرمناه ، أو مضارع نحو : أتذكر حين ما تفعله أفعله ؛

وقد يجوز في ضرورة الشعر جعلها شرطية ، قال لبيد :

٦٨٢ ـ على حين من تلبث عليه ذنوبه

يجد فقدها إذ في المقام تدابر (٤)

__________________

(١) انظر سيبويه ج ١ ص ٤٣٨ ؛

(٢) تكرر ذكره في هذا الشرح ؛

(٣) في الموضع السابق ؛

(٤) من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٤١ وهو من أبيات قالها لبيد بن ربيعة ، وكان له جار قد لجأ إليه فأهانه عم لبيد فغضب لبيد وقال في ذلك شعرا. منه هذا البيت ، ومنها شاهد تقدم في الظروف المبنية وهو :

فأصبحت أنى تأتها تشتجر بها

كلا مركبيها تحت رجليك شاجر

١٠١

فإن قيل : لم جاز في السّعة في نحو : غلام من تضرب أضرب ، ولم يجز في نحو : أتذكر إذ من يأتنا نكرمه ، و «إذ» مضاف إلى ما بعده ، كما أن «غلام» مضاف كذلك ؛

قلت : لأن «غلام» اتحد بكلمة الشرط بسبب إضافتها إليه ، فصارا ككلمة واحدة فيها معنى الشرط ، إذ سرى معنى الشرط من المضاف إليه إلى المضاف ، فلذا يلزم تصدر المضاف ؛ وأمّا «إذ» ، فإنه مضاف إلى الجملة ، لا إلى «من» ، وهو في الحقيقة مضاف إلى مضمون تلك الجملة كما مرّ في الظروف المبنية (١) ، وذلك المضمون ، ههنا ، مصدر «نكرمه» واقعا على معنى «من» ، أي : أتذكر وقت إكرامنا من يأتينا ، فلم يصر مع «من» كالكلمة الواحدة ، ولم يكتس منه معنى الشرط ، إذ ليس مضافا إلى «من» كما كان «غلام» مضافا إليه ، فلذا لم يلزم تصدّر «إذ» ، كما لزم تصدر «غلام» ، بل هو معمول لتذكر ، المقدم عليه ، فلا يجوز جعل «من» شرطية ، حتى لا يسقط عن التصدر بتقدم «إذ» عليه ؛

فإن قلت : ف «من» مع دخول «إذ» عليه : في صدر الكلام ، ويكفي في كلمات الشرط والاستفهام كونها في صدر كلام ما ، كما في نحو : زيد من يضربه أضربه ، ونحو : جاءتني التي من يضربها تضربه ،

قلت : قد مرّ في باب المبتدأ ، أن كلمة الشرط والاستفهام لا يتقدم عليها ما يصير من تمام جملتها ، إذا أثرّ في تلك الجملة وزاد في معناها شيئا ؛ وأزيده ههنا شرحا فأقول :

لا يجوز أن يتقدم على كلمات الشرط والاستفهام ما يجمع أمرين : أحدهما : أن يتصل بتلك الكلمات بلا فصل ، والثاني : أن يحدث في الجملة التي هو من تمامها معنى من المعاني ، وذلك مثل : إنّ ، وكأنّ ، وظن ، وأخواتها ، وما ، النافية ؛ لا تقول : ما من يضرب أضرب ، وما إن تقعد أقعد ، وأمّا «لا» فليست كما ، لأنها تلغى في اللفظ ، نحو كنت بلا مال ، ومررت برجل لا كريم ولا شجاع ، فلذا تقول : لا من يعطك تعطه ، ولا من يكرمك تكرمه ، وكذا تقول : لا إن أتيناك أعطيتنا ، ولا إن قعدنا سألت

__________________

(١) في الجزء الثالث من هذا الشرح ؛

١٠٢

عنا ؛ والظروف المضافة إلى الجمل ، لا شكّ في إحداثها في الجمل معنى وهو تصييرها بمعنى المصدر ، ولا تبقى كلمة الشرط في الحقيقة في صدر الكلام ، لأن المصدر مفرد ، وليس الصلة وخبر المبتدأ كذلك ؛

فإن قيل : خبر المبتدأ ، أيضا إذا كان جملة يصير بسبب المبتدأ ، بتقدير المفرد ، قلت : لا نسلم ، وما الدليل على ذلك ، فإن هذا دعوى من بعض النحاة أطلقوها بلا برهان عليها قطعي ، سوى أنهم قالوا : الأصل هو الافراد ، فيجب تقديرها بالمفرد ، وهم مطالبون (١) بأن أصل خبر المبتدأ الإفراد ، بل لو ادّعي أن الأصل فيه الجملة ، لم يبعد ، لأن الاخبار في الجمل أكثر ، وكونها في محل الرفع لا يدل على تقديرها بالمفرد ، بل يكفي في تقدير الإعراب في الجمل : وقوعها موقعا يصح وقوع المفرد فيه ؛

وتقول : ما أنا ببخيل ، ولكن إن تأتني أعطك ، لأن «لكن» لا تغيّر معنى الجملة التي بعدها ، بل هي لاستدراك ما قبلها ، كما يجيء في الحروف المشبهة بالفعل ؛ قال :

٦٨٣ ـ فلست بحلّال التلاع مخافة

ولكن متى يسترفد القوم أرفد (٢)

وأمّا قوله :

٦٨٤ ـ وما ذاك أن كان ابن عمّي ولا أخي

ولكن متى ما أملك الضر أنفع (٣)

برفع أنفع ، لأن القوافي مرفوعة ، فعلى التقديم والتأخير ، لضرورة الشعر ، كما مرّ في قوله :

إنك ان يصرع أخوك تصرع (٤) ـ ٥٦٦

و «متى» ، شرطية بلا شبهة ، فتجزم «أملك» ، إذ لا تجيء موصولة كما ، ومن ، وأيّ ،

__________________

(١) أي مطالبون بإثبات ذلك ؛

(٢) من معلقة طرفة بن العبد. والتلاع جمعه «تلعة». وهي مجرى الماء من رؤوس الجبال يقول إني لست ممن يستتر في التلاع مخافة الضيق أو غدر الأعداء ولكني أظهر وأعطي من يطلب مني ؛

(٣) من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٤٢ وهو من قصيدة للعجير السلولي. وهي طويلة تتضمن قصة جرت له مع ابنة عم له كان يهواها ولكنها اختارت غيره حين خيّرت. وهي في خزانة الأدب ؛

(٤) تقدم ذكره قريبا ؛

١٠٣

وأمّا إذا المفاجأة ، فيصح مجيء من ، وما وأيّ ، شرطية بعدها ، نحو : مررت به فإذا من يأته يعطه ، كما يجوز : فإذا من يأتيه يعطيه ، على أنّ «من» موصولة ؛ وذلك لأن «إذا» المفاجأة ، لا تغيّر ما بعدها عن معناه ، على الصحيح ، إذ ليست بمضافة إليه ؛

وأما عدم وقوع نحو : أين ، ومتى ، من الظروف بعدها فلاختصاصها بالجملة الاسمية الخبرية ،

ومن كان مذهبه أن «إذا» المفاجأة ، مضافة إلى الجملة بعدها ، يجب ألّا يجيز وقوع كلمة الشرط بعدها ، إلا على اضمار المبتدأ بعدها ، أي : فإذا هو من يأته يعطه ، لما ذكرنا في امتناع : أتذكر إذ من يأتنا نكرمه ، والإضمار يحسن بعد «إذا» المفاجأة ، ألا ترى إلى حذف الخبر في مثل : خرجت فإذا السبع ؛

وأمّا «أمّا» ، فإن كان بعدها : من ، أو ، ما ، أو ، أيّ ، وبعدها فعل مضارع ، فإنه يصح جعلها شرطية ، لأن الجواب لأمّا ، دون كلمة الشرط التي بعدها ، كما يجيء في حروف الشرط ، ويقبح جزم الشرط مع أنه لا جواب له ظاهرا ، كما قلنا في : آتيك إن تأتني ؛ فالأولى جعلها موصولة ، نحو : أمّا من يأتيني فإني أكرمه ؛ وإن كان بعدها ماض ، جاز جعلها شرطية ، وموصولة ، نحو : أمّا من أتاني فإني أكرمه ، قال تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ)(١) ، ولا تكون (٢) بعد إنّ وأخواتها ، وكان وأخواتها ، وظن وأخواتها ، وهل ، إلّا موصولة ، لتأثيرها في معاني ما بعدها ؛

وكان قياس همزة الاستفهام ألّا تدخل على كلمات الشرط ، لكن لها في الاستعمال سعة ، ألا ترى إلى دخولها على الواو ، والفاء ، وثمّ ، فجاز : أمن يضربك تضربه ، و :

أمن لقيته شتمته ؛

فإن قدرت في «كان» ضمير الشأن ، جاز دخولها على كلمات الشرط ، وكذا لو

__________________

(١) الآيتان ٨٨ ، ٨٩ سورة الواقعة ؛

(٢) أي كلمات الشرط ؛

١٠٤

حذفت ضمير الشأن بعد «إنّ» ، على قبح فيه ، كما يأتي في باب الحروف المشبهة بالفعل ، كقوله :

إنّ من لام في بني بنت حسّا

ن ألمه وأعصه في الخطوب (١) ـ ٣٩٥

وذلك لأن كلم الشرط لم تل ، إذن : تلك النواسخ في الحقيقة ؛

وكذا ، جاز كون المعمول الثاني لهذه النواسخ جملة مصدّرة بكلم الشرط ، نحو : كان زيد من يضربه أضربه ، ولو قدّمت ههنا الجزء الثاني على الأول فقلت : كان من يضربه أضربه زيد ، لم يجز ، لأنه ولي أداة الشرط : المؤثر في الجملة (٢) ؛ وأمّا قولك : علمت أيّهم زيد ، وعلمت أزيد في الدار أم عمرو ، فقد ذكرنا الاعتذار عنه في باب المبتدأ (٣) ؛

واعلم أن الجزاء يحذف عند قيام القرينة ، يقال : إن أتيتني أكرمك ، فتقول : وأنا إن أتيتني ، وكذا في «لو» ، قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ)(٤) .. الآية ؛

وإذا حذف جواب أداة الشرط الجازمة ، فالواجب في الاختيار ألّا ينجزم الشرط ، بل يكون ماضيا لفظا أو معنى ، نحو : إن لم أفعل ، لئلّا (٥) تعمل الأداة في الشرط ، كما لم تعمل في الجزاء ؛

قوله : «فإن كانا مضارعين ، أو الأول» ، يعني أو كان الأول مضارعا والثاني غير مضارع ، نحو : إن تزرني زرتك ، أو : فأنت مكرم ، فإن كانا مضارعين فهما مجزومان لا غير ، وأمّا قوله :

إنك إن يصرع أخوك تصرع (٦) ـ ٥٦٦

__________________

(١) تقدم في باب الضمائر ـ في الجزء الثاني. من هذا الشرح وهو للأعشى ، ومن شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٣٩ ؛

(٢) يعني أن الأداة وقعت بعد المؤثر ؛

(٣) في الجزء الأول من هذا الشرح ؛

(٤) الآية ٣١ في سورة الرعد ؛

(٥) يريد حتى لا تعمل الأداة في الشرط كما أنها لم تعمل في الجزاء لعدم وجوده ؛

(٦) تكرر ذكره. وقد تقدم قبل قليل ؛

١٠٥

فقد تقدم الجواب عنه (١) ؛ وإن كانا ماضيين فهما مبنيان في محل الجزم ، نحو : إن ضربت ضربت ؛ وإن كان الأول مضارعا والثاني ماضيا فالأول مجزوم ، ومثله قليل ، لم يأت في الكتاب العزيز (٢) ؛ وقال بعضهم لا يجيء إلا في ضرورة الشعر ، قال :

٦٨٥ ـ من يكدني بسيّء كنت منه

كالشّجا بين حلقه والوريد (٣)

والأجود كونهما مضارعين ، تطبيقا للّفظ بالمعنى ، ثم كونهما ماضيين ، لفظا نحو : إن ضربتني ضربتك ، أو ماضيين معنى ، نحو : إن لم تضربني لم أضربك ، أو أحدهما ماضيا لفظا والآخر معنى ، نحو : إن ضربتني لم أضربك ، وإن لم تضربني ضربتك ،

وإن تخالفا ماضيا ومضارعا ، فالأولى كون الشرط ماضيا والجزاء مضارعا ، كقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ ...)(٤) ، وعكسه أضعف الوجوه نحو : إن تزرني زرتك ، لأن الأداة ، إذن ، تؤثر في الفعل الأبعد ، بنقله إلى معنى المستقبل ، من غير أن تؤثر في الأقرب شيئا يغيّر المعنى ؛

ويجوز تخالف الشرط ومعطوفه مضيّا واستقبالا ، نحو : إن زرتني ، وتكرمني ، وإن تزرني واكرمتني ، والأولى توافقهما ، كالشرط والجزاء ، وكذا في الجزاء نحو : إن زرتني أكرمتك وأعطك وإن زرتني أكرمك وأعطيتك ؛

وإذا ذكر بعد الشرط فعل ليس من ذيوله ، أي لا يكون مفعولا ثانيا للشرط نحو : إن تحسبني أعصيك (٥) .. أو صلة نحو : أن تضرب الذي أضربه ، أضربك ، أو صفة نحو : أن تضرب رجلا أضربه يضربك ؛ فإمّا أن يتفقا لفظا ومعنى ، نحو : ان تزرني

__________________

(١) أي تقدم توجيه الرفع فيه ، عند ذكره.

(٢) استدل النحويون عليه بقوله تعالى : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) الشعراء الآية ٤ ـ لأنه عطف «ظلت» على جواب الشرط والمعطوف على الجواب جواب ، وفيه تكلف ؛

(٣) من قصيدة لأبي زبيد الطائي في رثاء ابن أخت له ؛

(٤) الآية ١٥ في سورة هود ؛

(٥) مثال لما هو من ذيول فعل الشرط لأنه مفعول ثان لتحسب ؛

١٠٦

تزرني أحسن إليك ، فيجب جزمه لكونه توكيدا لفظيا ؛ وإما أن يختلفا لفظا ومعنى ، نحو : أن تأتني تسأل ، أحسن إليك ، فيجب رفعه حالا ؛ وإن جاز أن يكون مفعول الشرط بتقدير «إن» نحو : إن تأمرني أذهب أطعك ، أي إن تأمرني أن أذهب ، فهو منصوب المحل على أنه مفعول ؛

وإمّا أن يتفقا معنى لا لفظا ، نحو : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ)(١) فهو بدل من الأول ؛

وإمّا أن يتفقا لفظا لا معنى ، نحو : ان تضرب تضرب ، أي تسير .. (٢) ، وحكمه حكم المخالف للأول لفظا ومعنى ،

وكذا الحكم إن جاء الفعل بعد الجواب ؛ فالمتفقان لفظا ومعنى نحو : ان تأتني أحسن إليك ، أحسن إليك ؛ والمختلفان لفظا ومعنى نحو : أن تزرني أكرمك أسرع ، والمختلفان لفظا لا معنى نحو : أن تبعث إليّ آتك أجئ ، والمختلفان معنى لا لفظا نحو : إن تأتني أضرب ، أضرب ؛ أي أسير ؛

وإن جاء مع المتوسط واو ، أو فاء ، أو ثمّ ، فالوجه الجزم ، ولك النصب مع الواو والفاء على الصّرف (٣) ، كما ذكرنا في فاء السببية وواو الجمعيّة ؛ وكذا في الفعل المتأخر ؛ وينضاف إلى ذلك في المتأخر جواز استئنافه أيضا نحو : إن تقم آتك فأحسن إليك ، أو : وأحسن إليك ، فيكون النصب على السببية أو الجمعية ، والجزم على العطف والرفع على الاستئناف ، أي : فأنا أحسن إليك ؛

قال ابن السرّاج (٤) : إذا قلت : تحمد إن تأمر بالمعروف ، فعطفت فعلا عليهما ، فإن

__________________

(١) الآيتان ٦٨ ، ٦٩ سورة الفرقان ؛

(٢) تفسير لأحد الفعلين ؛

(٣) أي على أن الواو للمعية ؛

(٤) تكرر ذكره ؛

١٠٧

كان من شكل الأول ، رفعته ، لا غير ، نحو : تحمد إن تأمر بالمعروف وتؤجر عليه ، وإن كان من شكل الثاني نحو : تحمد إن تأمر بالمعروف وتنه عن المنكر ، فلك فيه ، أي في المعطوف ، ثلاثة أوجه : الجزم على العطف ، والنصب على الصّرف والرفع على الاستئناف ؛

وإن عطفت ما يصلح للأول والثاني ، نحو : تحمد إن تأمر بالمعروف ، وتشكر ، ففيه أربعة أوجه : الرفع على وجهين : على العطف على الأول وعلى الاستئناف ، والنصب على الصّرف ، والجزم عطفا على الثاني ؛

قوله : «وإن كان الثاني فالوجهان» ، أي إن كان الثاني أي الجزاء مضارعا والشرط ماضيا ففي ذلك وجهان : الرفع والجزم ، والثاني أكثر ، وعند الكوفيين يجب الرفع ، لأن الجزم في الجواب للجوار ، فإذا لم ينجزم الشرط لم ينجزم الجواب ؛

فعند النحاة ، الرفع في ذلك الجواب لأحد وجهين : إمّا لكونه في نيّة التقديم ، وإمّا لنيّة الفاء قبل الفعل ؛ وفيه نظر ، لأن هذين الوجهين مختصان بالضرورة ، وكلامنا في حال السّعة ؛ والأولى أن يقال : تغيّر عمل «إن» وضعفت في هذه الصورة عن جزم الجواب ، لحيلولة الماضي بينها وبينه غير معمول فيه (١) ، فلمّا لم تعمل في الشرط ، لم تعمل في الجزاء ، فتكون الأداة جازمة لشيء واحد ، وهو الشرط ، تقديرا ، كما تجزم سائر الجوازم فعلا واحدا ، كلم ولمّا ، ولام الأمر ، ولاء النهي (٢) ، وهكذا يقول المبرد فيما تقدم عليه ما هو الجزاء في المعنى ، يقول : هو جزاء غير معمول فيه ، وذلك لضعف عمل (٣) «إن» عن العمل في المتقدم عليها ، فثبت أنها قد تنعزل عن جزم الجزاء بشيئين : بكون الشرط ماضيا والجزاء مضارعا ، وبكون الجواب مقدّما ، وهذا عند المبرد ؛

__________________

(١) يعني لم تؤثر فيه الأداة لأنه ماض ؛

(٢) تقدم توجيه هذا التعبير ؛

(٣) كلمة «عمل» لا وجه لها ويكفي أن يقال : لضعف إن عن العمل الخ.

١٠٨

الفاء

في جواب الشرط

[قال ابن الحاجب :]

«وإذا كان الجزاء ماضيا بغير قد لفظا أو تقديرا ، لم تجز الفاء» «وإذا كان مضارعا مثبتا أو منفيا بلا فالوجهان ، وإلا ،» «فالفاء» ؛

[قال الرضي :]

اعلم أن أداة الشرط ، سواء كانت «إن» أو ما تضمّن معناها ، أو «لو» ، لا يكون شرطها إلا فعلا غير مصدّر بشيء من الحروف ، لشدة طلبها للأفعال ، بلى ، يجيء مضارعا مصدّرا من جملتها (١) بلا ولم ، أمّا «لا» فلأنها لكثرة استعمالها ، يتخطاها العامل ، نحو : جئت بلا مال ، وأمّا «لم» فلأنها لتغييرها معنى المضارع إلى الماضي ، صارت كجزئه ، مع قلة حروفها ، أمّا «لمّا» أختها فكثيرة الحروف ؛ ولا يصدّر الماضي شرطا ، بلا ، فلا يجوز ؛ إن لا ضرب ولا شتم ، لقلة دخولها في الماضي ،

فعلى هذا ، لا تقول : إن ستفعل ، وإن لن تفعل ، وإن ما تفعل (٢) ، وإن قد فعلت وإن قد تفعل ، وإن ما فعلت ،

ولا يكون الشرط جملة طلبية ولا إنشائية ، لأنّ وضع أداة الشرط على أن تجعل الخبر الذي يليها مفروض الصدق ، إمّا في الماضي ، نحو : لو جئتني أكرمتك ، أو في المستقبل نحو : إن زرتني أكرمتك ، وأمّا الجزاء فليس شيئا مفروضا ، بل هو مترتب على أمر مفروض ،

__________________

(١) اي من جملة الحروف التي أشار إليها.

(٢) على أن «ما» نافية ، وكذلك في إن ما فعلت ؛

١٠٩

فجاز وقوعه طلبية وإنشائية ، نحو : إن لقيت زيدا فأكرمه ، وإن دخلت الدار فأنت حرّ ، ولبعده عن كلمة الشرط جاز وقوعه اسمية وفعلية ، مصدّرا بأي حرف كان ، فنقول :

إن كان الجزاء مما يصلح أن يقع شرطا ، فلا حاجة إلى رابطة بينه وبين الشرط لأن بينهما مناسبة لفظية من حيث صلاحية وقوعه موقعه ، وإن لم يصلح له فلا بدّ من رابط بينهما ، وأولى الأشياء به (١) : الفاء. لمناسبته للجزاء معنى ، لأن معناه : التعقيب بلا فصل ، والجزاء متعقب للشرط كذلك ، هذا إلى خفتها لفظا ؛ وأمّا «إذا» (٢) فاستعمالها قبل الاسمية أقلّ من الفاء لثقل لفظها ، وكون معناها من الجزاء أبعد من معنى الفاء ، وذلك لتأويله بأنّ وجود الشرط مفاجئ لوجود الجزاء ومتهجّم عليه ؛

فثبت بهذا ، أن الجزاء ، إن كان جملة طلبية كالأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والتحضيض والدعاء والنداء ، يجب مقارنتها لعلامة الجزاء ؛ وكذا إن كانت إنشائية ، كنعم وبئس ، وكل ما تضمّن معنى إنشاء المدح والذم ، وكذا : عسى ، وفعل التعجب ، والقسم ، وكذا إن كانت جملة اسمية ، سواء تصدّرت بالحرف (٣) نحو قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ)(٤) ، و : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ)(٥) ، أو ، لا نحو : إن جئتني فأنت مكرم ،

وأمّا قوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)(٦) ، فلتقدير القسم ، كما يجيء في بابه ؛ ويجوز أن يكون قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ، ما كانَ حُجَّتَهُمْ ...)(٧) ، مثله ، أي بتقدير القسم ، ويجوز أن تكون «إذا» لمجرّد الوقت ، من دون ملاحظة الشرط ،

__________________

(١) أي بأن يكون رابطا ؛

(٢) المراد «إذا» الفجائية التي تدخل في جواب الشرط في بعض الحالات بدلا من الفاء ؛

(٣) أي بحرف مما تصدر به الجمل الاسمية غير الفاء ؛

(٤) الآية ١٨٦ سورة الأعراف ؛

(٥) الآية ١١٨ سورة المائدة ؛

(٦) الآية ١٢١ سورة الأنعام ؛

(٧) الآية ٢٥ سورة الجاثية ؛

١١٠

كما لم يلاحظ في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)(١) ، وقوله : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)(٢) ،

وقد تحذف علامة الجزاء ضرورة في موضع اللزوم كقوله :

من يفعل الحسنات الله يشكرها (٣) ـ ٦٧٨

وروي : من يفعل الخير ، فالرحمن يشكره ، فلا ضرورة ، إذن ؛

وأجاز الكوفية حذف العلامة اختيارا ، استدلالا بقوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ)(٤) ، على قراءة الرفع (٥) ، وهي شاذة ؛

وتجب الفاء ، أيضا ، في كل فعلية مصدّرة بحرف ، سوى : لا ، ولم في المضارع ، سواء كان الفعل المصدّر بها ماضيا أو مضارعا ، فتجب في الماضي مصدّرا بقد ، ظاهرة أو مقدرة ، نحو قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ)(٦) ، و : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ)(٧) ، أو مصدّرا بما ، أو ، لا ، نحو : إن زرتني فما أهنتك ، وإن زرتني فلا ضربتك ولا شتمتك ، وفي المضارع مصدّرا بلن ، وسوف والسين ، و «ما» ؛ .. هذا كله لأن هذه الأشياء لم تقع شرطا ، فلا تقع ، أيضا ، جزاء إلّا مع علامة الجزاء ؛

بقى الماضي غير المصدّر بحرف ، والمضارع غير المصدّر ، أو المصدّر بلا ، أو ، لم ،

أمّا الماضي غير المصدّر ، والمضارع المصدّر بلم ، فلا تدخلهما الفاء أصلا ، نحو :إن ضربتني ضربتك ، أو : لم أضربك ، لأن لهما مع مناسبتهما لفظا للشرط كما بيّنا ،

__________________

(١) الآية ٣٩ سورة الشورى ؛

(٢) الآية ٣٧ سورة الشورى ؛

(٣) الشاهد المتقدم قريبا ؛

(٤) الآية ٧٨ سورة النساء ؛

(٥) هي قراءة طلحة بن سليمان ؛

(٦) الآية ١١٦ سورة المائدة ؛

(٧) الآية ٢٦ سورة يوسف ؛

١١١

نعلقا بكلمة الشرط معنويا وذلك بانقلابهما إلى المستقبل بكلمة الشرط ، فلم يحتاجا ، إذن ، إلى العلامة ،

بقي المضارع المجرّد ، والمصدّر بلا ، فنقول : يجوز فيهما الفاء وتركه ، أمّا الفاء ، فلأنهما كانا قبل أداة الشرط صالحين للاستقبال ، فلا تؤثر الأداة فيهما تأثيرا ظاهرا ، كما أثرت في : فعلت ، ولم أفعل ؛ وأمّا تركه ، للتقدير تأثيرها فيهما ، لأنهما كانا صالحين للحال والاستقبال ، على ما تقدم في المضارع (١) : أن «لا» صالحة لهما على الصحيح ، فالأداة خلصتهما للاستقبال ، وهو نوع تأثير ، قال الله تعالى : (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ)(٢) ، وقال : «فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً» ؛ (٣)

وقال ابن جعفر (٤) : يجوز دخول الفاء وتركه في «لم» ؛ ولم يثبت ؛ وقال الله تعالى في المثبت : (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ)(٥) ، وقال (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(٦) ، ومذهب سيبويه : تقدير المبتدأ في الأخير (٧) ، وقال المبرد : لا حاجة إليه ، قال ابن جعفر : مذهب سيبويه أقيس ، إذ المضارع صالح للجزاء بنفسه ، فلولا أنه خبر مبتدأ ، لم تدخل عليه الفاء ؛

وعلى ما ذكرنا من تعليل دخول الفاء في مثبت المضارع (٨) ، يسقط هذا التوجيه للأقيسيّة ،

__________________

(١) في أول بحث الفعل المضارع في هذا الجزء ؛

(٢) الآية ١٤ سورة فاطر ؛

(٣) الآية ١٣ سورة الجنّ ؛

(٤) ابن جعفر. الأرجح أن المراد به : محمد بن جعفر بن أحمد الأنصاري المرسي البلنسي من علماء المغرب توفي سنة ٥٨٧ ه‍. وتقدم له ذكر ؛

(٥) الآية ٦٦ من سورة الأنفال ؛

(٦) الآية ٩٥ سورة المائدة ؛

(٧) يقصد المثال الأخير المقرون بالفاء ؛

(٨) أي المضارع المثبت ؛

١١٢

وإن ثبت نحو قولك : إن غبت فيموت زيد ، لم يكن لمذهب سيبويه وجه ، إذ لا يمكن في مثله تقدير مبتدأ ، إلا ضمير الشأن ، ولا يجوز (١) إلا بعد «أن» المخففة قياسا ، وبعد «إنّ» وأخواتها للضرورة ؛

وإذا كان جواب الشرط مصدّرا بهمزة الاستفهام ، سواء كانت الجملة فعلية أو اسمية لم تدخل الفاء ، لأن الهمزة من بين جميع ما يغيّر معنى الكلام ، يجوز دخولها ، كما تقدم ، على أداة الشرط ، فيقدّر تقديم الهمزة على أداة الشرط نحو قولك : إن أكرمتك أتكرمني ، كأنك قلت : أئن أكرمتك تكرمني ؛ قال علي رضي الله عنه في نهج البلاغة (٢) : وإن فعل الله ذلك لكم أتؤمنون» ، وقال الله تعالى : (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى)(٣) ؛ ويجوز حمل «هل» وغيرها من أدوات الاستفهام على الهمزة ، لأنها أصلها ، قال الله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ)(٤) ، وقال تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ ، مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ)(٥) ، ويجوز دخول الفاء فيها لعدم عراقتها في الاستفهام ، قال الله تعالى : «قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً ، فَمَنْ يَنْصُرُنِي (٦) ..» ، وتقول : إن أكرمتك فهل تكرمني؟

__________________

(١) أي تقدير ضمير الشأن ؛

(٢) هو في نهج البلاغة ، ولكنه حكاية لكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الكفار حيث يقول سيدنا علي رضي الله عنه ، بعد أن حكى ما حدث مع ملأ من قريش ، طلبوا من النبي أن يدعو لهم هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديه ، فقال لهم صلّى الله عليه وسلّم : إن الله على كل شيء قدير ، فإن فعل الله لكم ذلك أتؤمنون وتشهدون بالحق ، إلى آخر ما جاء في كلام علي رضي الله عنه ، وانظر نهج البلاغة ص ٢٤٠ طبع مطابع الشعب بالقاهرة ؛

(٣) الآيتان ١٣ ، ١٤ سورة العلق ؛

(٤) الآية ٤٧ سورة الأنعام.

(٥) الآية ٤٦ سورة الأنعام.

(٦) الآية ٦٣ سورة هود ؛

١١٣

والمصنف قال (١) ، وقد أحسن ، مع أن على بعض ما ذكره كلاما : إنما تدخل (٢) الفاء ، إذا لم تؤثر الأداة من حيث المعنى في الجزاء معنى ، ويعني بالتأثير تخليصه للاستقبال إن كان مضارعا ، وقلبه إليه إن كان ماضيا ، فتدخل على المضارع المصدّر بالسين وسوف ولن ، لتمحضه للاستقبال بدون أداة الشرط ، وكذا في الإنشائية لتجردها عن الزمان ، وفي الطلبيّة لتمحضها للاستقبال ، وتدخل على الماضي الباقي على معناه ، وذلك إذا كان مصدرا بقد ، ظاهرة أو مقدرة ، لأنه ، إذن ، يتمحض للماضي ، وذلك لأن «قد» لتحقيق مضمون ما دخلت عليه ، ماضيا كان أو مضارعا ، وما تأكد ورسخ لم ينقلب ولم ينقلع ، على أنه قد جاء قوله تعالى : (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى)(٣) ، وهو بمعنى الاستقبال ؛ قال : وإنما دخلت على المضارع المجرد لكونه في تقدير الاسمية على ما ذكرنا من مذهب سيبويه ؛

وأمّا المصدّر بلا النافية ، فقال (٤) : إن «لا» وإن كانت للاستقبال ، قد تجردت للنفي نحو : جئت بلا مال ، فتكون الأداة قد أثرت في الفعل المصدّر بها تخصيصا بالاستقبال ، وإن لم تجرد للنفي أفادت الاستقبال من دون أداة الشرط فتجب الفاء ؛

وكان على قياس ما قال ، جواز عدم دخولها في الاسمية نحو : إن جئتني أنت مكرم ، لأن الأداة خصّصت مضمون الاسمية بالاستقبال ؛

ثم اعلم أن «إن» يكون شرطها في الأغلب مستقبل المعنى ، فإن أردت معنى الماضي ، جعلت الشرط لفظ «كان» ، كقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ ..)(٥) و : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ ..)(٦) ، وإنما اختص ذلك بكان ، لأن الفائدة التي تستفاد منها في الكلام الذي هي فيه : الزمن

__________________

(١) ربما كان قوله هذا في شرحه على الكافية أو شرحه على المفصل ؛

(٢) هذا ما قاله المصنف.

(٣) الآية ٨١ سورة طه ؛

(٤) أي المصنف. وهذا الجزء من كلامه هو الذي قال عنه الرضي : مع أن على بعض ما ذكره كلاما ؛

(٥) من الآية ١١٦ سورة المائدة. وتقدمت ؛

(٦) إشارة إلى الآية ٢٦ من سورة يوسف.

١١٤

الماضي فقط ، وذلك لأنها تدل على الزمن الماضي ومطلق الحدوث الذي تخصيصه يعلم من الخبر ، نحو : كان زيد منطلقا ، فمطلق الحدوث يستفاد من الخبر ، لأنه يدل على تعيين الحادث ، ويستحيل تعيين الحادث من دون مطلق الحدوث ، فمعنى كان زيد قائما : في الزمن الماضي زيد قائم ، ف : «كان» مدلوله هو الزمن الماضي فقط ، ومع النص على المضيّ ، لا يمكن استفادة الاستقبال ، وهذا من خصائص «كان» دون سائر الأفعال الناقصة ، لأن «صار» يدلّ على الانتقال الذي لم يدلّ عليه خبره ، وكذا باقيها ؛ ثم إنّ «كان» إذا كان شرطا ، قد يكون بمعنى فرض الوقوع في الماضي ، نحو : إن كنت قلته ، و : إن كان قميصه .. وقد يكون متحقق الوقوع فيه ، نحو : زيد وإن كان غنيا إلّا أنه بخيل ، وقد يستعمل الماضي في الشرط متحقق الوقوع وإن كان بغير لفظ «كان» ، لكنه قليل بالنسبة إلى «كان» ، كقوله :

٦٨٦ ـ أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا

جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم (١)

ونحو قولك : أنت ، وإن أعطيت مالا : بخيل ، وأنت ، وإن صرت أميرا ، لا أهابك ؛

وقال المصنف : التقدير : إن ثبت حزّ أذني قتيبة ، ليكون الشرط مستقبلا ؛ وليس بشيء ، لأن الغرض أن ذلك ثابت ، فلم يفرض ثبوت الثابت؟ وقد تستعمل «كان» في الاستقبال ، أيضا ، نحو : إن كنت غدا جالسا فائتني ، نظرا إلى ذلك الحدوث المطلق ، دون الزمن العارض في جميع الأفعال بسبب الصيغة الطارئة على جوهر الكلمة ؛ وكون «كان» للشرط في الماضي مذهب المبرد ، وهو الحق ، بدليل قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ ...)

قال ابن السّراج : أنا لا أقول هذا ، ولكن أقول : ان المعنى : إن أكن قلته وهو ظاهر الفساد ، لأن هذه الحكاية إنما تجري يوم القيامة ، وكون عيسى قائلا ذلك أو غير قائل ، إنما هو في الدنيا ؛ وأيضا ، يجوز التصريح بقولك : إن كنت أعطيتني أمس ، فسوف أكافئك اليوم ، وقوله تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ ... ،) ظاهر في المضيّ ؛

__________________

(١) هذا البيت من شواهد سيبويه ج ١ ص ٤٧٩ وهو من شعر الفرزدق. في قصيدة مدح بها سليمان بن عبد الملك وهجا فيها جريرا. والضمير الفاعل في تغضب راجع إلى قيس المذكور في بيت سابق وأنثه لأن المراد بقيس القبيلة ؛ ويجوز أن يكون خطابا وفاعله تقديره أنت والمقصود جرير ؛

١١٥

ربط الجواب بإذا الفجائية

[قال ابن الحاجب :]

«وتجيء إذا مع الجملة الاسمية موضع الفاء»

[قال الرضي :]

الشرط ألّا تكون الاسمية طلبية ، وقد ذكرنا قبل (١) ، لم قامت مقام الفاء ، وأي مناسبة بين معنييهما ؛

[جزم المضارع]

[في جواب الطلب وشرط ذلك]

[قال ابن الحاجب :]

«وإن مقدرة بعد الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض ،» «إذا قصد السببية ، مثل : أسلم تدخل الجنة ، ولا تكفر» «تدخل الجنة ، وامتنع : لا تكفر تدخل النار ، خلافا» للكسائي ، لأن التقدير : إن لا تكفر» ؛

[قال الرضي :]

اعلم أن كل ما يجاب بالفاء فينتصب المضارع بعد الفاء ، يصح أن يجاب بمضارع مجزوم ، إلا النفي ، لأن غير النفي منها (٢) : طلب ، والنفي خبر محض ، والطلب أظهر في

__________________

(١) في بحث ربط الجواب بالفاء ؛

(٢) أي من الأشياء التي تجاب بالفاء وينتصب المضارع بعدها ؛

١١٦

تضمن معنى الشرط ، إذا ذكر بعده ما يصلح للجزاء من الخبر ، وذلك لأن كل كلام لا بدّ فيه من حامل للمتكلم به عليه وحامله على الكلام الخبري : إفادة المخاطب بمضمونه ،؟؟؟ ضرب زيد ، أو : ما ضرب زيد ، إذا قصدت إفهام المخاطب ضرب زيد أو عدم؟؟؟ أمّا الحامل على الكلام الطلبي ، فكون المطلوب مقصودا للمتكلم إمّا لذاته ، أو لغيره ، ومعنى كونه مقصودا لغيره : أنه يتوقف ذلك الغير (١) على حصوله ، وهذا هو معنى الشرط ، أعني توقف غيره عليه ، فإذا ذكرت الطلب ولم تذكر بعده ما يصح توقفه على المطلوب ، جوّز المخاطب كون ذلك المطلوب مقصودا لنفسه ، ولغيره ، وإن ذكرت بعده ذلك ، غلب على ظنه كون المطلوب مقصودا لذلك المذكور بعده ، لا لنفسه ، فيكون ، إذن ، معنى الشرط في الطلب مع ذكر ذلك الشيء ظاهرا ؛

وأمّا الخبر ، فإنه إذا ورد ، حمله المخاطب على أنه إنما تكلم به المتكلم لإفادة المخاطب مضمونه ، لا على أن مضمونه مقصود لنفسه أو لغيره ، إذ قد يخبر بشيء مع أن ذلك الشيء غير مقصود للمخبر ، كقولك : يضرب زيد ، مع كراهيتك لضربه ، فلو جئت ، أيضا ، بعد الخبر ، بما يصلح أن يكون جزاء لمضمونه ، لم يتبادر فهم المخاطب إلى أنه جزاؤه ، إذ ذلك في الطلب إنما كان لتبادر فهمه إلى أن الطلب مقصود إمّا لذاته أو لغيره ، ومع ذكر الغير فالأولى أن يكون له ؛

فلمّا تقرر أنّ في الطلب مع ذكر ما يصلح جزاء له معنى الشرط ، جاز لك أن تحذف فاء السببية وتجزم به (٢) الجزاء كما تجزم بإن ؛ وانجزام (٣) الجزاء بهذه الأشياء ، لا بإن مقدرة ، ظاهر مذهب الخليل (٤) ، لأنه قال : ان هذه الأوائل كلها فيها معنى «ان» فلذلك انجزم الجواب ؛

__________________

(١) أشرنا كثيرا إلى أن دخول حرف التعريف على كلمة «غير» لا يقره كثير من النحاة ؛ وبعض الباحثين يلتمس له وجها ؛

(٢) أي بالطلب وهو أحد الأقوال في جزم الفعل الواقع في جواب الطلب ؛

(٣) قوله وانجزام الجزاء بهذه الأشياء لا بإن مقدرة يفسر ما قاله في التعليق السابق ؛

(٤) نقله عنه سيبويه في ج ١ ص ٤٤٩ ؛

١١٧

ومذهب غيره ، أنّ «إن» مع الشرط مقدّرة بعدها ، وهي دالة على ذلك المقدر ، ولعلّ ذلك لاستنكارهم إسناد الجزم إلى الفعل ، وليس ما استبعدوه ببعيد ، لأنه إذا جاز أن يجزم الاسم المتضمن معنى «ان» فعلين ، فما المانع من جزم الفعل المتضمّن معناها فعلا واحدا ؛

ثم اعلم أنه يجوز جزم الجواب بعد الأمر المدلول عليه بالخبر ، نحو : حسبك ، أو كفيك ، أو شرعك : ينم الناس ، و : اتقى الله امرؤ وفعل خيرا ، يثب عليه ، وكذا أسماء الأفعال نحو : صه ، ونزال وتراك ، والأمر المقدّر ، نحو : الأسد الأسد تنج ؛

وإنما لم ينتصب الفعل في جواب هذه الأشياء التي فيها معنى الأمر بعد الفاء ، بل وجب ، للنصب ، صريح الأمر أو النهي ، عند غير الكسائي ، بخلاف الجواب المجزوم ، فإنه لم يشترط التصريح قبله بالأمر والنهي اتفاقا ؛ لأن فاء السببية قد يرتفع ما بعدها مع بقائها على معنى السببية كما في قوله تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)(١) ، و :

... لم تدر ما جزع عليك فتجزع (٢) ـ ٦٥٠

ومع الرفع تضعف دلالة الفاء على السببية ، لأن الرفع محتمل ، والنصب نص فيها ، وقد تقدم أن الأمر والنهي وسائر الأشياء الثمانية ، مشابهة للشرط في عدم ثبوت مدلولها ، فهي ، إذن ، مقوّية لمعنى السببية في الفاء ، فأريد أن يكون قبل الفاء صريح الأمر العريق في الأمريّة ، حتى إن ضعفت دلالة السببية في الفاء بأن يرتفع الفعل بعدها ، كان صريح الأمر قبلها أشدّ تقوية لسببيّتها مما هو محمول على الأمر ، من اسم الفعل وغيره ؛ وأمّا الجزم فهو نصّ في السببية ، ولا يضعف معناها معه فلم يحتج إلى صريح الأمر ، بل يكفي معناه ؛

وقيل في قوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)(٣) إلى قوله «يَغْفِرْ لَكُمْ» : إن قوله «يَغْفِرْ لَكُمْ» جواب لقوله : «فَتُؤْمِنُونَ» لأنه بمعنى (آمَنُوا) ، وليس

__________________

(١) الآية ٣٦ سورة المرسلات.

(٢) تقدم ذكره في هذا الباب ؛

(٣) الآيات ١٠ ، ١١ ، ١٢ سورة الصف ؛

١١٨

بجواب : (هَلْ أَدُلُّكُمْ) لأن المغفرة لا تحصل بالدلالة ؛

ولا منع من أن يكون هو جوابه ، كما مرّ في لام الأمر في قوله تعالى : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) ،

وقال المبرد في مثله : إن «يقيموا» جواب «أقيموا» مقدرا ، أي قل لهم : أقيموا ، يقيموا ، وليس بشيء ، لأنه مثل : (كُنْ فَيَكُونُ)(٢) على قراءة أبي عمرو (٣) ، وفيه من التكلف ما فيه ؛

قوله : «إذا قصد السببية» ، أما إذا قصد الاستئناف نحو : قم ، يدعوك الأمير ، وقال :

٦٨٧ ـ وقال رائدهم أرسوا نزاولها

فكل حتف امرئ يجري بمقدار (٤)

أو الوصف ، نحو : (وَلِيًّا يَرِثُنِي)(٥) على قراءة الرفع (٦) ، أو الحال ، نحو : (ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)(٧) ، و : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)(٨) وجب الرفع ، (٩)

وفي نحو : مره يحفرها ، يجوز الجزم على الجزاء ، والرفع : إمّا على الاستئناف أي إنه ممّن يحفرها ، أو بحذف «أن» أي بأن يحفرها ويجوز في : ذره يقول ذلك : الرفع

__________________

(١) الآية ٣١ سورة ابراهيم.

(٢) من الآية ١١٧ في سورة البقرة ؛

(٣) أبو عمرو بن العلاء أحد النحاة المتقدمين وأحد القراء السبعة. وتقدم ذكره ؛

(٤) هذا من شواهد سيبويه : ج ١ ص ٤٥٠ وهو من شعر الأخطل التغلبي ، وقد أكثر الشرّاح من الأقوال في شرحه وفي بيان مرجع الضمير في قوله نزاولها : انظر شواهد سيبويه بشرح الأعلم ، وخزانة الأدب للبغدادي ؛

(٥) من الآيتين ٥ ، ٦ سورة مريم ؛

(٦) والرفع قراءة من عدا الكسائي وأبا عمرو.

(٧) الآية ٩١ سورة الأنعام ؛

(٨) الآية ٥ في سورة المدثّر ؛

(٩) جواب أمّا إذا قصد. وحقه الفاء.

١١٩

على الاستئناف أو الحال ، أو الجزم ؛ وقوله تعالى : «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ (١) ..» ، إمّا حال ، أو قطع ، وكذا قوله : أرسوا نزاولها ؛

ومما جاء حالا بعد الشرط الصريح قول الحطيئة :

٦٨٨ ـ متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد (٢)

ويجوز في مثله البدل ، لأن الثاني من جنس الأول ، بخلاف قولك : إن تأتني تقرأ ، أعطيك ، فإنه لا يجوز فيه إلا الرفع ؛

ويجيء بعد الجزاء ، ظاهرا كان الشرط ، أو مقدرا : الفعل المصدر بالفاء ، أو الواو ، أو ثمّ ، نحو : إن تأتني آتك فأحدثك ، وائتني آتك فأحدثك ، فتجزم ما بعد الفاء على العطف ، وترفعه على القطع ، وتنصبه على أن الفاء للسببية ، مع ضعف هذا الأخير (٣) كما تقدم في المنصوبات ؛

وكذا ما جاء بعد جواب الشرط المصدّر بالفاء ، نحو قوله تعالى : «مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ (٤) ..» ، قرئ رفعا وجزما (٥) ، ولا منع في العربية من النصب ، فإذا جئت بثمّ ، جاز الجزم والرفع ، دون النصب ، قال الله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(٦) ، وقال : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(٧) ،

__________________

(١) الآية ٧٧ سورة طه ؛

(٢) جاء الشطر الثاني لهذا البيت في النسخة المطبوعة ، تجد حطبا جزلا ونارا تأججا ، فلفق البيت من بيتين ، وصواب البيت الذي صدره في الشارح أن يكون جوابه ما ذكرنا ، وهو بهذا الوجه من شعر الخطيئة ، وأورده سيبويه بهذا الوجه ج ١ ص ٤٤٥ ، والبيت الثاني الذي أورد الشارح شطره الأخير ، في سيبويه أيضا ج ١ ص ٤٤٦ ولفظه :

متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا

تجد حطبا جزلا ونارا تأججا

(٣) لأنه مبني على اعتبار الشرط والجزاء في حكم النفي ؛

(٤) الآية ١٨٦ سورة الأعراف وتقدمت ؛

(٥) الجزم قراءة حمزة والكسائي والرفع قراءة الباقين.

(٦) الآية ٣٨ سورة القتال ؛

(٧) الآية ١١١ سورة آل عمران.

١٢٠