محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94603-0-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦٤٨
وممّا ذكر أيضا يظهر أنّ توقّف الشهيد ليس إلّا في خصوص زكاة التجارة على ما صرّح به.
على أنّا نقول : مضافا إلى جميع ما ذكرناه أنّ عبارة المرسلة أنسب إلى زكاة التجارة من مطلق القدر المشترك بينها ، وبين خصوص زكاة الفضّة ، من جهة أنّ الأظهر منها اشتراط بقاء مائتين ، مع عدم اشتراط خصوص جنس في مطلوبيّة الزكاة فيها له ، وعدم اعتبارها كما هو الحال في زكاة المفروضة.
فإنّ الفضة وإن كان الشرط بقاء مائتين ، لكن مع اشتراط كونه فضّة ، فلو تبدّل بالذهب لم يكن كذلك.
وأمّا الذهب والأنعام والغلّات ، فلم يشترط في واحد منها بقاء مأتين قطعا ، فاتّضح أنّ ما ذكره من خواص زكاة التجارة ، مع أنّ ما دلّ على أنّ الدين لا يمنع من زكاته ظاهر في الزكاة المفروضة ، فلذا قال الشهيد : ما تمسّك إلّا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة ، فإنّ رواية زرارة وضريس عن الباقر عليهالسلام والصادق عليهالسلام هكذا أنّهما قالا : «أيّما رجل كان له مال موضوع حتّى يحول عليه الحول فإنّه يزكّيه ، فإن كان عليه من الدين مثله ، وأكثر منه فليزكّ ما في يده» (١).
وكذلك الحال في الأخبار التي ذكرناها في شرح قول المصنّف : «وزكاة المقرض على المقترض» ، فإنّ الظاهر منها وجوب الزكاة على المستقرض ، مضافا إلى ظهور اشتراط كون المال موضوعا عنده أيضا من بعضها ، فلاحظ!
فاتّضح ممّا ذكرنا أنّ مراد الشهيد من قوله : وهذا نصّ في منع الدين الزكاة (٢) ، المهملة المرادفة للجزئيّة ، أي في الجملة بأنّ اللام للعهد الذهني لا الحسّي
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٥٢٢ الحديث ١٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٤ الحديث ١١٦٣٦.
(٢) البيان : ٣٠٩.
والاستغراق ، لأنّه عليهالسلام شرط بقاء مائتين ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.
ولو كان المراد الجنس مثلا لاشتراط بقاء جنس النصاب. وقال : لو فضّل قدر النصاب فليعط زكاته ، وصارت المرسلة حينئذ عين مذهب العامّة ومخالفة لمذهب الشيعة ، حتّى الشهيد في «البيان» على ما عرفت (١) ، ولكان يحملها على التقيّة ، كما هو دأبه ودأب غيره.
ولمّا رأى أنّ المعصوم عليهالسلام شرط بقاء خصوص المائتين ، ظهر عليه أنّها مخالفة لمذهب العامّة ، ومناسبة لمذهب الخاصّة ، من أنّ النفل لا يضرّ بالفرض.
بل في مبحث الدين أوجبوا على المديون إعطاء جميع ما ملكه ، ولم يرخّصوا سوى ملبوسه ، وقوت يومه الضروري ونحو ذلك (٢).
وأين هذا من إعطاء النفل؟ سيّما وربّما لا يتمكّن بعده من أداء دينه فيدخل النار.
مع أنّ النص عند المشهور غالب على العام ، وإن كان النص ظنّيا ، والعام قطعيّا ، كما قالوا في تخصيص القرآن بخبر الواحد ، سيّما والعام هنا مطلق ، بل ربّما كان مختصّا بالمفروض ، كما عرفت.
والمرسلة رجحانها ليس إلّا من طرف النصيّة ، والنصيّة فيها لا تتجاوز عن زكاة التجارة ، كما عرفت ، لأنّ القول بأنّ شرط مانعيّة الدين للزكاة أن يكون زكاة خصوص الفضّة. فلو تبدلت بغيرها ، مثل أن يكون ذهبا أو غلّة أو أنعاما أو زكاة تجارة يرتفع المانعيّة ، ممّا لا يناسب نصّ أو اعتبار ، ولا ينسب إلى عاقل.
وكذلك الحال في اشتراط المانعيّة بكون الزكاة زكاة خصوص الفضّة من بين
__________________
(١) راجع! الصفحة : ١٥٦ و ١٥٧ من هذا الكتاب.
(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢٠ / ١٩٤.
الواجبات. وزكاة التجارة ليست إلّا.
مع أنّه على هذا يكون نصّه مطلقا ، فكيف عدّ المطلقات مع غاية وضوح دلالتها مطلقة ، وجعل هذه المرسلة مع غاية ضعف دلالتها ؛ نصّا ، وبسبب النصيّة رجّحها عليها؟ فيتعيّن أن يكون مصرف هذا النصّ خصوص زكاة التجارة لا غير ، على حسب ما عرفت ، فتأمّل جدّا!
قوله : (وخصوص الحسن).
أقول : حسنة إبراهيم بن هاشم (١) ، فلا يقصر عن الصحيح ، سيّما ورواها في «الكافي» أيضا بطريق المذكور.
وروى عن ضريس عن الصادق عليهالسلام أيضا مثله (٢) ، مع أنّه مرّ في المسألة السابقة ، وهي أنّ الزكاة القرض على المقترض ما يدلّ على ما في المقام من الأخبار الصحاح والمعتبرة (٣) ، وهي كثيرة فلاحظ!
وبالجملة ؛ أدلّة الفقهاء متواترة ؛ كما أشرنا ، مضافا إلى كون المسألة إجماعيّة ، كما ظهر لك ، فلا يضرّهم ما رواه في «الكافي» في الصحيح ، عن فضالة ، عن أبان ، عمّن أخبره قال : سألت أحدهما عن رجل عليه دين وفي يده مال وفى بدينه والمال لغيره ، هل عليه زكاة؟ فقال : «إذا استقرض فحال عليه الحول فزكاته عليه إذا كان فيه فضل» (٤) ، إذ ربّما كان الظاهر منها أنّه إذا لم يفضل عن دينه فليس
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٥٢٠ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٣ الحديث ٨٥ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٠ الحديث ١١٦٢٥.
(٢) الكافي : ٣ / ٥٢٢ الحديث ١٣ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٤ الحديث ١١٦٣٦.
(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٠ الباب ٧ من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(٤) الكافي : ٣ / ٥٢١ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٠١ الحديث ١١٦٢٨.
زكاته عليه ، وحملت على زكاة التجارة.
والأظهر ؛ حملها على التقيّة ، لو كان المراد منها هو الذي ذكر ، وإلّا فالله يعلم المراد والحال ، وظهر أيضا حال المرسلة التي في «الجعفريّات» (١).
قوله : (وتوقّف). إلى آخره.
قد ظهر لك الحال فيما ذكروا أنّ الأظهر عدم تأكّد الاستحباب في خصوص زكاة التجارة على المديون المذكور ، لو قلنا بتأكّد الاستحباب فيها ، بل ظهر لك التأمّل فيه ، لو لم نقل في نفس الاستحباب ، فتأمّل!
__________________
(١) الجعفريات (الأشعثيات) : ٥٤ ، مستدرك الوسائل : ٧ / ٥٤ الحديث ٧٦٣٧.
٢٢٢ ـ مفتاح
[أحكام المال المزكّى]
لا يضمّ مال غيره إلى ماله وإن اختلطا جدّا ، ولا يفرق بين ماليه وإن تباعدا جدّا ، أو أدرك بعض الغلّات قبل بعض ، ولا بين جنس واحد وإن اختلفت أفراده في النفاسة والرداءة جدّا ، أو في الصنف كالمعز والضأن والبقر والجاموس والعراب والبخاتي.
ولا يجبر قصور جنس بآخر وإن اشتركا في كونهما ثمنا أو قوتا أو نحو ذلك ، كلّ ذلك لإجماعنا وصحاحنا المستفيضة (١) ، والخبران المخالفان للأخير (٢) فشاذّان مأوّلان.
ولو كان له نخل يطلع في السنة مرّتين فهل يضمّ الثاني إلى الأوّل ، لأنّهما ثمرة سنة واحدة أو لا؟ لأنّه في حكم ثمرتين؟ قولان (٣) : أظهرهما وأشهرهما الأوّل.
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ١٠٧ الباب ١ من أبواب زكاة الأنعام ، ١٣٧ الباب ١ ، ١٥٠ الباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة.
(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٧ الحديث ١١٦٨٦ ، ١٣٩ الحديث ١١٦٩١.
(٣) لاحظ! منتهى المطلب : ١ / ٤٩٩ ط. ق.
قوله : (لا يضم). إلى آخره.
ما ذكر كلّه واضح الدليل ، بل إجماعي عند الشيعة ، كما ذكره ، لو لم نقل بأنّه ضروري مذهب الشيعة.
قوله : (أو أدرك). إلى آخره.
أقول : فإن بلغ بعضه الحدّ الذي يتعلّق به الوجوب ، فإن كان نصابا أخذت منه الزكاة ، ثمّ يؤخذ من الباقي عند تعلّق الوجوب به قلّ أو كثر ، وإن كان دون النصاب ، يتربّص إلى أن يدرك محل الوجوب ما يكمل به نصابا فيؤخذ منه ، ثمّ من الباقي ، ونقل في «التذكرة» إجماع المسلمين عليه (١).
أقول : هذا فيما يطلع في السنة مرّة ، وأمّا ما يطلع مرّتين ، فهل يضمّ الثاني إلى الأوّل كالأوّل أو لا؟ المشهور بين الأصحاب الضمّ ، لكونهما ثمرة سنة واحدة كالأوّل ، وعن «المبسوط» : عدم الضمّ ، محتجّا بكونهما ، في حكم ثمرة سنتين (٢) ، وله الأصل أيضا.
قوله : (أو في الصنف). إلى آخره.
كون المعز والضأن صنفين من الغنم ، والجاموس والبقر صنفين من مطلق البقرة ، والعراب والبخاتي صنفين من الابل ، لا تأمّل فيه عند الفقهاء ، وفي «التذكرة» و «المنتهى» : أنّه لا نعرف فيه خلافا (٣).
وفي «الذخيرة» ويدلّ عليه إطلاق اسم الإبل والبقر والغنم على الجميع لغة
__________________
(١) تذكرة الفقهاء : ٥ / ١٦١ المسألة ٩٤.
(٢) المبسوط : ١ / ٢١٥.
(٣) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٧٧ المسألة ٤٩ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٨٨ و ٤٨٩ ط. ق.
وعرفا ، فيشمله الأدلّة الدالّة على الوجوب (١) انتهى.
أقول : إطلاق اسم البقر على الجاموس على سبيل الإطلاق عرفا محلّ نظر ، ومع القرينة لا ينفع ، ويشعر بما ذكرناه صحيحة زرارة عن الباقر عليهالسلام قال : قلت له : في الجاموس شيء؟ قال : «مثل ما في البقر» (٢) ، حيث قال عليهالسلام : «مثل ما في البقر» ولم يقل مثل ما في غير الجاموس.
مع أنّ زرارة كان من أجلّة الفقهاء ، فلو كان الجاموس في العرف واللغة صنفا من البقر لما وقع في الإشكال ، لأنّ ما ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وغيره من كون البقر ممّا يجب فيه الزكاة (٣) متواتر ظاهر.
نعم ؛ الحكم لا تأمّل فيه كما ذكرناه ، ويدلّ على حكم المعز صحيحة صفوان التي رواها الكليني والصدوق وغيرهما ، عن إسحاق بن عمّار قال : قلت للصادق عليهالسلام : السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال : «إذا أجذع» (٤) أي تمّت له سنة ، فتدلّ الصحيحة على أنّ ابتداء حولها من حين تنتج.
وقيل : المراد أنّها تؤخذ في الصدقة إذا تمّت له السنة (٥) فتأمّل!
قوله : (وإن اشتركا). إلى آخره.
هذا ردّ على العامّة ، إذ بعضهم قال بضمّ الحنطة والشعير لاشتراكهما في
__________________
(١) ذخيرة المعاد : ٤٤٧.
(٢) الكافي : ٣ / ٥٣٤ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٤ الحديث ٣٦ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١١٥ الحديث ١١٦٤٨ مع اختلاف يسير.
(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٩ / ٥٣ الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(٤) الكافي : ٣ / ٥٣٥ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٥ الحديث ٣٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٣ الحديث ١١٦٦٦.
(٥) لاحظ! الحدائق الناضرة : ١٢ / ٨١.
كونهما قوتا (١) ، وسيجيء أيضا نقل مذهب العامّة في المقام مغايرا لما ذكر.
قوله : (وصحاحنا)
هي صحيحة زرارة عن الصادق عليهالسلام أنّه قال له : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أيزكّيها؟ فقال : «لا ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتّى يتم». قال زرارة : وكذلك هو في جميع الأشياء قال : قلت للصادق عليهالسلام : رجل عنده أربعة أنيق ، وتسعة وثلاثون شاتا ، وتسع وعشرون بقرة أيزكّيهنّ؟ فقال : «لا يزكّي شيئا منهنّ ، لأنّه ليس شيء منهنّ تامّا ، فليس تجب فيه الزكاة» (٢) إلى غير ذلك من الصحاح الدالّة على ما ذكر ، وإن كان كلّها عن زرارة عن الصادقين عليهماالسلام أو عن أحدهما.
مع أنّ مقتضى الأخبار الدالّة على اعتبار النصاب ، والقدر الذي يجب إخراجه بعد نصابه بلوغ كلّ جنس منها النصاب ، وإخراج قدر خاص بعده سيّما الأنعام ، فإنّ نصاب كلّ جنس منها مغاير لنصاب الآخر منها ، ومغاير لنصاب باقي الأجناس بالبديهة.
فإنّ أربعين في الشاة ، وخمس في الإبل ، وثلاثين في البقر ، وثلاث مائة في الغلّات ، ومائتين في الدراهم ، وعشرين في الدنانير ، وإن اتّفقت في النصاب ، لكن كلّ جنس منها له نصاب مقرّر مفروض ، إذا نقص عنه لم يكن بقدر النصاب البتّة ، كما هو مقتضى الأخبار الكثيرة المسلّمة الواضحة ، بل المتواترة ، فالضّم كيف ينفع؟
وأمّا الخبران وهما قويّة إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليهالسلام قال : قلت له : مائة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا ، أعليها في الزكاة شيء؟ فقال : «إذا اجتمع
__________________
(١) المغني لابن قدامة : ٢ / ٣١٦ المسألة ١٨٧٣.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١ الحديث ٣٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٥٠ الحديث ١١٧١٨.
الذهب والفضّة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة ، لأنّ عين المال الدراهم ، وكلّ ما خلا الدرهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات» (١).
وكصحيحة ابن مسلم عن الصادق عليهالسلام : عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ فقال : «إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة» (٢).
فلا يخفى ؛ أنّهما لا يقاومان الأدلّة التي ذكرناها من وجوه كثيرة من حيث العدد ، ومن حيث السند ، ومن حيث الفتوى والعمل ، ومن حيث المرجّحات الخارجيّة ، بل هما شاذّان يجب طرحهما من رأس ، وإن لم يعارضهما معارض ، فكيف إذا عارضهما ما عرفت؟
والظاهر ؛ حملهما على التقيّة ، لموافقتهما العامّة ، ولذا جوّز في «الاستبصار» الحمل على التقيّة (٣) ، وحمل في «التهذيب» على من جعل ماله جنسين فرارا من الزكاة (٤).
واستشهد له بصحيحة صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن الكاظم عليهالسلام : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ فقال : «إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه [الزكاة]». فقلت : لم يفرّ بها ورث مائة درهم وعشرة دنانير. قال : «ليس عليه زكاة». قلت : فلا يكسر الدراهم على الدنانير ولا الدنانير على الدراهم؟ قال : «لا» (٥).
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٣ الحديث ٢٦٩ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٩ الحديث ١١٦٩١ مع اختلاف يسير.
(٢) الكافي : ٣ / ٥١٦ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٠ الحديث ٢٨ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٣٧ الحديث ١١٦٨٦.
(٣) الاستبصار : ٢ / ٤٠ ذيل الحديث ١٢١.
(٤) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٤ ذيل الحديث ٢٦٩.
(٥) تهذيب الأحكام : ٤ / ٩٤ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٥١ الحديث ١١٧٢٠.
قيل : ويحتمل أن يكون المراد في الخبر الأوّل زكاة التجارة ، فإنّ المرجع فيها إلى القيمة ، ويؤيّده آخر الحديث (١).
أقول : ويؤيّده أيضا أنّ إسحاق بن عمّار كان صيرفيّا ، وتجارة الصيرفي في الذهب والفضّة ، ولعلّه لهذا عدل عليهالسلام عن كلمة «على» إلى كلمة «في» ، فتأمّل جدّا!
وفي «الوافي» قال : وعلى هذا فالاحتمال صار في الخبر الثاني (٢).
قوله : (ولو كان). إلى آخره.
قد عرفت الحال فيه ، والتخصيص بالنخل من جهة عدم الوجدان في الكرم ، لكن يوجد في الزرع أيضا ، كما يوجد في النخل ، والحكم غير مختصّ بالشجر والثمر كما عرفت ، فتأمّل!
__________________
(١) لاحظ! الوافي : ١٠ / ٧١ الحديث ٩١٧٥.
(٢) الوافي : ١٠ / ٧١ الحديث ٩١٧٥.
٢٢٣ ـ مفتاح
[المرجع في السوم وحدّ الحول]
المرجع في السوم والعامليّة إلى العرف ، وفاقا لأكثر المتاخّرين ، لعدم نصّ فيهما ، والشيخ اعتبر في السوم الأغلبيّة (١) ، وآخرون الاستمرار طول الحول (٢) ، فلو علّفها ولو يوما استأنف الحول ، ومستندهما اعتبارات ضعيفة ، نعم لو علّفها بما يعتدّ به بطل السوم.
وحدّ الحول دخول الشهر الثاني عشر ، على المشهور للإجماع والحسن المتشابه (٣) ، وفيه نظر.
ثم في احتسابه من الحول الأوّل أو الثاني قولان ، والشهيدان على الأوّل (٤) ، واشترطا في استقرار الوجوب تمامه ، فيسترد إن اختلّ فيه شرط ، وفيه مخالفة لظاهر مستندهم.
ولو أبدل في أثناء الحول استأنف على الأصحّ ، للمعتبرة : «كلّ ما لا
__________________
(١) الخلاف : ٢ / ٥٣ المسألة ٦٢.
(٢) السرائر : ١ / ٤٤٥ و ٤٤٦ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٤٤ ، قواعد الأحكام : ١ / ٥٢.
(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٣ الحديث ١١٧٤٩.
(٤) البيان : ٢٨٤ ، الروضة البهيّة : ٢ / ٢٣.
يحول عليه الحول عند ربّه فلا شيء عليه» (١) ، خلافا للمبسوط إن باذل بجنسه (٢) ، لصدق ملكيّته للنصاب طول الحول وفيه ضعف ، وللسيّد إن فرّ به من الزكاة للإجماع (٣) ولم يثبت.
وإذا سبك المسكوكة سقطت قولا واحدا ، للمعتبرة كالصحيح : «إذا أردت ذلك فأسبكه» (٤) ، وفي [رواية] : «وما منع نفسه من فضله اكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه» (٥) وما يخالفها (٦) شاذّ.
وهل مبدأ حول السخال نتاجها كما في الحسن (٧) ، أو غناها بالرعي لتحقّق السوم ، أو التفصيل بارتضاعها من سائمة فالأوّل ، أو معلوفة فالثاني؟ أقوال.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢١ الحديث ١١٦٦١.
(٢) المبسوط : ١ / ٢٠٦.
(٣) الانتصار : ٨٣.
(٤) وسائل الشيعة : ٩ / ١٥٤ و ١٥٥ الحديث ١١٧٢٥.
(٥) وسائل الشيعة : ٩ / ١٥٩ الحديث ١١٧٤١.
(٦) وسائل الشيعة : ٩ / ١٥١ الحديث ١١٧٢٠ ، ١٦٢ الحديث ١١٧٤٦ و ١١٧٤٧.
(٧) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٢ الحديث ١١٦٦٤.
قوله : (المرجع). إلى آخره.
قد عرفت التحقيق في ذلك (١).
قوله : (على المشهور). إلى آخره.
أقول : لم يظهر خلاف من أحد من فقهائنا في ذلك ، ونسبه في «المنتهى» و «المعتبر» إلى علمائنا (٢) ، وفي «التذكرة» إلى علمائنا أجمع (٣) ، وفي «الذخيرة» : لا أعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب (٤) ، وكذا الحال في غيره.
فنسبة المصنّف ذلك إلى المشهور من جهة تمريضيّة دليلهم ، كما هو عادته.
ومراده من الإجماع الإجماعات المنقولة التي أشرنا إليها ، ومن الحسن المتشابه ؛ حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (٥) ، فيكون صحيحة أو كالصحيحة لا أقلّ البتّة.
مع أنّه رواها الكليني وغيره ، ومنجبر بعمل الأصحاب وفتاويهم ، والإجماعات المنقولة ، لو لم نقل بالإجماع ، عن الباقر عليهالسلام قال : قلت له : رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا [بها] من الزكاة ، فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال : «إذا دخل [الشهر] الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه فيها الزكاة» (٦).
__________________
(١) راجع! الصفحة : ٤٧ ـ ٥٠ من هذا الكتاب.
(٢) منتهى المطلب : ١ / ٤٨٧ ط. ق ، المعتبر : ٢ / ٥٠٧.
(٣) تذكرة الفقهاء : ٥ / ٥١ المسألة ٣٣.
(٤) ذخيرة المعاد : ٤٢٨.
(٥) الكافي : ٣ / ٥٢٥ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١٧ الحديث ٥٤ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٥ الحديث ٩٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ١٦٣ الحديث ١١٧٤٩.
(٦) الكافي : ٣ / ٥٢٥ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ٣٥ الحديث ٩٢ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٣ الحديث ١١٧٤٩ مع اختلاف يسير.
وما ذكر لا تشابه فيه أصلا ، والدلالة في غاية الوضوح ، ولو كان فيها تشابه في غير ما ذكر فيما تقدّم عليه أو تأخّر عنه ، لم يكن فيه ضررا أصلا بالنسبة إلى ما ذكر ، لعدم توقّفه عليه بلا شبهة.
فلو كان مع هذا موجبا للتأمّل في الاحتجاج بما ذكرنا ، لزم أن لا يكون القرآن حجّة ، لأنّ فيه محكم ومتشابه بنصّه ، والوجدان والإجماع والأخبار ، مع أنّه حجّة عنده قطعا.
وبالجملة ؛ لا وجه لتأمّله من الجهة التي ذكرها ، ولا يوجد وجه آخر له أصلا ، بل عرفت المؤيّدات والمعاضدت لحجيّتها.
مع أنّ مثلها من الحسنة ربّما يحتجّ به ويستند إليه ، مع خلوّه عن جميع المؤيّدات ، وممّا يعضد ويؤيّد الخلافات المتفرّعات عليها عند الأصحاب ، كما ستعرف.
قوله : (ثمّ في احتسابه).
أقول : نسب إلى فخر المحققين احتسابه من الثاني (١) ، وإلى الشهيدين احتسابه من الأوّل (٢) ، وإلى «التذكرة» أنّه استشكله (٣).
حجّة الأوّل الخبر المذكور ، ووجه الاستدلال به أنّ «الفاء» تقتضي التعقيب بلا مهلة ، فبأوّل جزء منه يصدق أنّه حال عليه الحول ، وحال فعل ماض لا يصدق إلّا بتمامه.
__________________
(١) نسب إليه في ذخيرة المعاد : ٤٢٨ ، لاحظ! إيضاح الفوائد : ١ / ١٧٢.
(٢) نسب إليهما في مدارك الأحكام : ٥ / ٧٢ و ٧٣ ، لاحظ! البيان : ٢٨٤ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٣٢ ، الروضة البهيّة : ٢ / ٢٣ ، مسالك الأفهام : ١ / ٣٧١.
(٣) نسب اليه في ذخيرة المعاد : ٤٢٨ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٥ / ٥١.
وربّما ينازع في اقتضاء «الفاء» الجزائيّة ما ذكر ، والظاهر عدم توقّف الاستدلال عليه.
بل يكفي اشتراط تحقّق الدخول في الثاني عشر لتحقّق حول الحول ، والدخول معناه واضح.
وكذا قوله عليهالسلام : فقد حال الحول ، لأنّه فعل ماض كما قلناه.
وممّا ذكر ظهر عدم التشابه من الجهة المذكورة أيضا لو كان مراد المصنّف تلك.
مع أنّ دلالتها على كون حدّ الحول دخول الثاني ، غير متوقّفة على كون «الفاء» للتعقيب بلا مهلة ، كما عرفت ، بل في «القاموس» ؛ أنّ معنى حال الحول تمّ الحول (١).
قال في «الذخيرة» حجّة الثاني ـ أي القائل باحتسابه من الأوّل ـ أصالة عدم النقل ، ثمّ قال : وهو ضعيف بعد دلالة الخبر على خلافه ، فظهر أنّ المتّجه القول الأوّل انتهى (٢).
أقول : إن أراد أنّ المعصوم عليهالسلام حكم بتماميّة الحول حقيقة ، بمجرّد الدخول الثاني عشر ، ففيه ؛ أنّه يصير كذبا منه العياذ بالله منه ، لأنّ الحول حقيقة في اثنى عشر شهرا بلا شبهة ، لأمارات الحقيقة ، ولفظ «حال» حقيقة في التماميّة ، وكون أحد عشر شهرا معنى مجازيّا لأمارات المجاز.
مع أنّه من المسلّمات ، وكذا الحال في لفظ التماميّة ، إلّا أن يقول بالنقل ، والأصل عدمه ، كما قال المستدلّ.
__________________
(١) القاموس المحيط : ٣ / ٣٧٤.
(٢) ذخيرة المعاد : ٤٢٨.
مع أنّ في جميع المسائل الشرعيّة يكون الحول اثنى عشر شهرا بلا شبهة ، مع أنّ أصالة عدم النقل من المسلّمات أيضا ، لأنّ القائل بثبوت الحقيقة الشرعيّة ، إنّما يقول به فيما هو حقيقة عند جميع المتشرّعة ، متبادر عندهم بلا شبهة ، كلفظ الصلاة وما ماثله.
نعم ؛ إذا ثبت اصطلاح زمان الشارع أو بلده ، يجب مراعاته البتّة ، على الخلاف في الثاني ، وما نحن فيه ، لا من هذا ، ولا من ذاك قطعا.
مع أنّه لم يثبت من المعصوم عليهالسلام ، إلّا استعمال واحد ، في خصوص حديث واحد ، كما هو معلوم.
والاستعمال أعمّ من الحقيقة عند المحقّقين ، ومسلّم عنده أيضا ، مع ظهور وجهه أيضا ، وما خالف في هذا إلّا السيّد ، بادّعائه أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة (١).
وهو مع ظهور فساده ، حتّى عند صاحب «الذخيرة» أيضا ، لم يرد منه النقل بل الاشتراك ، بناء على أنّه عنده خبر من المجاز ، ومع ذلك لم يقل إلّا فيما لم يتحقّق فيه أمارات المجاز ، ولذا لم يقل بالاشتراك في مثل رأيت أسدا يرمي.
وإن أراد أنّ هذا الاستعمال منه عليهالسلام مجاز. ومع ذلك دلالته على كون الثاني عشر من الحول الثاني ظاهرة.
ففيه ؛ أنّه لم نعرف بعد مراده عليهالسلام من المجاز المذكور ما ذا؟ فضلا عن ظهوره فيما ذكره.
نعم ؛ ظاهر غاية الظهور في أنّه بمجرّد دخول الثاني عشر اشتغل الذمّة بالزكاة ، وانقضى زمان تحقّق الفرار.
__________________
(١) الذريعة إلى اصول الشريعة : ١ / ١٣.
ولذا قال عليهالسلام بعد قوله : «فقد حال عليها الحول» عبارة «ووجبت عليه الزكاة» (١) ، ولم يزد عليه شيئا ، مع غاية ظهور قوله عليهالسلام : «فقد حال عليها الحول» على ذلك بعد سؤال الراوي.
فمع غاية الوضوح ذكر بعده ذلك ؛ بعنوان «واو» العطف ، ولم يشر إلى احتساب الثاني عشر من الثاني أصلا ، مع عدم وضوح دلالة ما ذكره عليه ، لأنّ الدلالة إمّا مطابقة ، أو تضمّن ، أو التزام ، وفقد الأولين بديهي ، ولا لزوم عقلا ولا عرفا ، كما عرفت وستعرف.
مع أنّ عدم ظهور اللّزوم يكفي ، لما عرفت من أنّ الحمل عليه كذب واضح ، تعالى شأن الحكيم عنه ، فلا بدّ من الحمل على المجاز حتّى لا يصير كذبا ، كما هو الحال في سائر استعمالاتهم المجازيّة ، مثل الفقاع خمر ، والناصب من نصب العداوة للشيعة ، وتارك الصلاة كافر ، وكذا تارك الحج ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٢) إلى غير ذلك ممّا لا يحصى ، بل تارك النورة فوق أربعين يوما (٣) ، وأمثال ذلك.
فيحتمل أن يكون المراد إذا دخل الثاني عشر دخل حول الحول ، فدخل وقت الوجوب ، كقولهم عليهمالسلام : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (٤).
مع أنّه بمجرّد الزوال لم يدخل زمان فعل ثمان ركعات ، بل لم يدخل زمان أربع ركعات أيضا ، بل لم يدخل زمان ركعة منها أيضا ، بل لم يدخل وقت أزيد من تكبيرة الإحرام ، وظاهر أنّ «دخل» فعل ماض ، ووقت ثمان ركعات زمان يسع فعلها بالبديهة.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٦٣ الحديث ١١٧٤٩.
(٢) المائدة (٥) : ٤٤ و ٤٥.
(٣) الخصال : ٢ / ٥٠٣ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٧٢ الحديث ١٥١٦.
(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٩٦٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٨ الحديث ٤٧٠٢.
مع أنّ صلاة الفريضة ما لم ينقص وقت مقدار فعلها ، لم يعلم كونها صلاة فريضة ، فتأمّل!
وبالجملة ؛ باب المجاز واسع ، وصدر منهم عليهمالسلام كثيرا بحيث لا يحصى ، ولا يمكن جعل شيء منها حقيقة بحيث لا يخفى ، مع أنّ مقتضى الرواية بمجرّد دخول الثاني عشر تمّ الحول ، فمقدار دقيقة من الثاني عشر لا بدّ من اعتباره في تحقّق الحول.
فمجموع الثاني عشر لا يمكن جعله من الحول الثاني بالبديهة ، وجعل خصوص ما بعد الدقيقة من الثاني ، وما بعد الدقيقتين من الثالث ، وما بعد ثلاث دقائق من الرابع ، وهكذا فيه ما فيه ، إذ هو في غاية البعد في دلالة الأخبار ، وكلمات فقهائنا الأخبار من القدماء والمتأخّرين بلا استتار.
أمّا الأوّل ؛ فظاهر ، سيّما بالنسبة إلى مثل موثّقة زرارة كالصحيحة عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه ، قال : «فلا زكاة عليه حتّى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، فإن كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» (١).
وأمثال هذه الموثّقة مثل : صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليهالسلام [عن] المال الذي [لا يعمل به و] لا يقلب ، [قال :] «تلزمه الزكاة في كلّ سنة [إلّا أن يسبك]» (٢).
ومثل : كصحيحة ابن مسلم وزرارة عنهما عليهماالسلام قالا : «وضع أمير المؤمنين عليهالسلام على الخيل العتاق الراعية في كلّ فرس في كلّ عام دينارين وعلى
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٤ / ٣١ الحديث ٧٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ٩٥ الحديث ١١٦٠٩.
(٢) تهذيب الأحكام : ٤ / ٧ الحديث ١٧ ، وسائل الشيعة : ٩ / ١٥٥ الحديث ١١٧٢٧.