مصابيح الظلام - ج ٩

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٩

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٠٩

واعلم أيضا أنّ الاعتماد على ما ذكرنا من رواية زكريّا الأعور (١) وما هو مثلها من الروايات في عدم صحّة السند وعدم جابر معتبر مشكل ، بل فاسد ، سيّما إذا لم يخل عن معارض أو وهن ما في الدلالة ، مثل أنّه ربّما كان الراوي متوهّما كونه عليه‌السلام داخل الصلاة ، أو لا يخلو عن شذوذ ما ، فتأمّل جدّا!

والأولى ترك جميع ما ليس من الصلاة ما لم يدع داع ، لمنافاته خشوع الجوارح اللازم لخشوع القلب ، إذ ورد منهم عليهم‌السلام : أنّه «لو خشع قلبه لخشعت جوارحه» (٢).

مع أنّ الوجدان أيضا حاكم ، وكثير منها مكروه ، بل ورد أنّ عبث الرجل بلحيته يقطع الصلاة (٣) ، فالأحوط الاجتناب عنه.

قوله : (أو مع السهو). إلى آخره.

اعلم! أنّه صرّح العلّامة وغيره أنّ إبطال الفعل الكثير مختصّ بصورة العمد (٤).

بل في «التذكرة» ادّعى الإجماع عليه (٥) ، وكذلك الشهيد في «الذكرى» واحتجّ عليه بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي [تسعة] الخطأ والنسيان .. (٦)» (٧).

وفيه تأمّل ظاهر ، إذ على هذا يلزم عدم الإبطال في صورة الجهل

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٥٨ من هذا الكتاب.

(٢) الخصال : ٦٢٨ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦١ الحديث ٩٢٨٣ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٨ الحديث ١٥٧٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٦٢ الحديث ٩٢٨٦ مع اختلاف.

(٤) منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ٥٢١.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٩٠ المسألة ٣٢٨.

(٦) التوحيد : ٣٥٣ الحديث ٢٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٩٣ الحديث ٩٣٨٠ مع اختلاف يسير.

(٧) ذكرى الشيعة : ٤ / ٩.

٦١

والاستكراه وعدم الإطاقة أيضا.

مع أنّ رفع المؤاخذة لا يقتضي الصحّة شرعا وليس بناء الفقهاء على ذلك في موضع من المواضع.

ويمكن الاستدلال برواية ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس ثمّ ذكر أنّه قد فاتته ركعة ، قال : «يعيد ركعة واحدة ، يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة» (١) ، الحديث.

ومثله رواية عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، إلى غير ذلك من الأخبار المتضمّنة لأمثال ما ذكر (٣) ، وفي بعضها : «إن قام عن موضعه يعيد ، وإلّا لا يعيد» (٤) ، وفيه أيضا ظهور في المطلوب.

وبالجملة ؛ الأخبار الظاهرة فيه كثيرة ، وإن كان في بعضها إطلاق بالقياس إلى مثل الالتفات إلى دبر القبلة ، لكن الإطلاق يقيّد ، وفي بعضها ذكر سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) ، ولا يرضى به سوى الصدوق (٦) ، وغير الصدوق يرفع اليد عن خصوص سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعمل بما بقي (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٤ الحديث ٧٣٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٨ الحديث ١٤٠١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٩ الحديث ١٠٤٤٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٢٩ الحديث ١٠١٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٤٦ الحديث ١٤٣٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٧ الحديث ١٣٩٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢١٠ الحديث ١٠٤٤٧.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٩ الحديث ١٠٤٤٤ و ١٠٤٤٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٣ الحديث ٧٣١ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٧ الحديث ١٤٠٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٠٩ الحديث ١٠٤٤٤ نقل بالمعنى.

(٥) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ١٩٨ ـ ٢٠٤ الباب ٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٤ ذيل الحديث ١٠٣١.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥١ ذيل الحديث ١٤٥٤.

٦٢

ومن لم يعمل بمثل هذا الخبر يكفيه ما ذكرناه من رواية ابن مسلم ورواية عبيد وما هو مثلهما ، إذ فيها ما هو صحيح ، بل الصحيح متعدّد ، بل رواية ابن مسلم ورواية عبيد أيضا كلّ واحد منهما صحيحة ، فالصحاح دليله.

لا يقال : مقتضى الأخبار المذكورة كون الفعل الكثير عمدا ، والسهو إنّما هو في الإتيان بما بقي من الصلاة من ركعة أو ركعتين.

لأنّا نقول : الإتيان بالفعل الكثير سهوا مع العلم بكونه داخل الصلاة والعلم بحرمة الفعل الكثير أنّه مبطل لها ممّا لا يتحقّق عادة ، بل ولا يمكن تحقّقه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

فمراد الفقهاء هو ما ذكرناه ، كما فعلوا في الكلام سهوا ، حيث جعلوا التكلّم عمدا حال السهو عن بقيّة الصلاة والظن بإتمامها داخلا في التكلّم في الصلاة سهوا.

والعلّامة في «التذكرة» قال : الفعل الكثير إنّما يبطل مع العمد ، أمّا مع النسيان فلا [خلاف] عند علمائنا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي» (١) ، الحديث. وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني أنّه مبطل ، لأنّ النسيان بالفعل الكثير قلّما يقع ، ويمكن الاحتراز عنه في العادة.

وينتقض عندهم بقصّة ذي اليدين ، فإنّهم رووا أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّم عن اثنين ثمّ قام إلى خشبة في مقدّم المسجد ، فوضع يديه عليها ، وخرج سرعان القوم من المسجد ، وقالوا : قصرت الصلاة ، ثمّ لمّا عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه ساه عاد فبنى على صلاته ، والذين خرجوا من المسجد بنوا على الصلاة ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أمرهم بالإعادة ، وهو إلزام لامتناع السهو على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندنا (٢) ، انتهى.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٦ الحديث ١٣٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٩٣ الحديث ٩٣٨٠.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٩٠ و ٢٩١.

٦٣

وهذا ينادي بما ذكرنا من كون مرادهم من الفعل الكثير سهوا ما ذكرناه ، فتأمّل جدّا!

مع أنّ الإجماع المنقول حجّة كالخبر المنقول ، كما حقّق في محلّه.

فما في «المدارك» ـ من قوله : لم أقف على رواية تدلّ بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير ، لكن ينبغي أن يراد به ما ينمحي به صورة الصلاة بالكليّة ، كما هو ظاهر اختيار «المعتبر» (١) اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، وأن لا يفرق في بطلان الصلاة بين العمد والسهو (٢) ، انتهى ـ ظاهر الفساد ، إذ الإجماع المنقول مثل الخبر ، كما هو المحقّق والمسلّم عند المحقّقين.

وما قاله من أنّه خبر مرسل (٣) قد بيّنا فساده (٤) ، فإنّ العادل يخبر بالإجماع المعلوم عنده بلا شبهة لا الواصل إليه ، مع أنّ وسائط نقل الإجماع فقهاء بلا شبهة ، وليس شأن غيرهم بلا خفاء.

وما ذكره من عدم وقوفه على رواية تدلّ (٥) ، .. إلى آخره ، ففيه أنّه أنّه لا يجب أن يكون الدلالة بالمنطوق بلفظ الفعل الكثير بلا شبهة ، فإنّ قوله : «وإن كان بينه وبين الحيّة خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلّا فلا» (٦) واضح الدلالة في كون الأزيد من الخطوة فعلا كثيرا مانعا عن الصلاة بخلاف الخطوة الواحدة.

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٥٥.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦٦.

(٣) مدارك الأحكام : ١ / ٢٧٥.

(٤) الفوائد الحائريّة : ٣٨٧ الفائدة ٨.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦٦.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤١ الحديث ١٠٧٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣١ الحديث ١٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٣ الحديث ٩٣٢٠.

٦٤

وكذا في صحيحة حمّاد ، عن حريز ، عن الصادق عليه‌السلام ـ كما في «الفقيه» ـ أو صحيحته عن حريز عمّن أخبره عنه عليه‌السلام ـ كما في «الكافي» ـ قال : «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حيّة تخافها على نفسك ، فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو غريما لك ، واقتل الحيّة» (١).

وهذا واضح الدلالة على أنّ الذي عند الفقهاء فعل كثير مضرّ بالصلاة يضرّ الصلاة ، ولذا أمر بالقطع لأنّه داخل في مضمونها بلا خفاء ، لأنّه لم يشترط في قتل الحيّة وأخذ الغلام والغريم إمحاء صورة الصلاة بالكليّة ، وشي‌ء منها غير مستلزم عادة له ، سيّما قتل الحيّة.

بل مجرّد أخذ الشخص غير مستلزم أيضا بالبديهة.

وكذا ما رواه «الكافي» و «الفقيه» و «التهذيب» في القوي عن سماعة عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوّف ضيعته أو هلاكه ، قال : «يقطع صلاته ويحرز متاعه ، ثمّ يستقبل الصلاة» (٢). إلى آخر الحديث ، وغيرها من الروايات الظاهر في بطلان الصلاة بصدور فعل في أثنائها غير مستلزم للإمحاء بالكليّة ، بل ظاهر غاية الظهور في خلافه.

ومنها ما أشرنا إليه (٣) من الأخبار الدالّة على أنّ من قام من موضعه فعليه إعادة الصلاة إذا سها وترك ركعة أو أزيد (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٢ الحديث ١٠٧٣ ، الكافي : ٣ / ٣٦٧ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣١ الحديث ١٣٦١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٦ الحديث ٩٣٣٠ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٦٧ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤١ الحديث ١٠٧١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٠ الحديث ١٣٦٠ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٧ الحديث ٩٣٣١ مع اختلاف يسير.

(٣) راجع! الصفحة : ٦٢ من هذا الكتاب.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨٣ الحديث ٧٣١ ، الاستبصار : ١ / ٣٦٧ الحديث ١٤٠٠ ، وسائل الشيعة :

٦٥

وفي صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام : «إنّ الحجامة والرعاف والقي‌ء لا ينقض الوضوء بل ينقض الصلاة» (١) إلى غير ذلك ، والغرض الإشارة.

وقوله : لكن ينبغي (٢). إلى آخره ، فيه ؛ أنّ هذا صريح في كون الأصل في الصلاة الصحّة حتّى يثبت الفساد ، والمثبت هو الإجماع ، وهو إنّما يتمّ في الماحي لصورة الصلاة بالكليّة ، من جهة أنّ المحقّق تأمّل في غيره (٣).

وفيه ؛ أنّ هذا الأصل إنّما يتمّ لو ثبت كون الصلاة الواردة في كلام الشرع هي مجرّد الأركان المعهودة ، من غير مدخليّة هيئة اتصاليّة في ماهيّتها.

وقد عرفت الكلام في ذلك مشروحا ، مضافا إلى مجرّد تأمّل المحقّق في كتاب من كتبه كيف يفسد الإجماع ، وبمجرّد رضاه كيف يتحقّق الإجماع ، ويورث القطع بقول المعصوم عليه‌السلام ، فتأمّل جدّا!

ومع ذلك إمحاء صورة الصلاة فرع كون الصورة داخلة في الماهيّة وعلى تقدير الدخول لا بدّ من اليقين بالبراءة من جهة تلك الصورة ، فالأصل عدم الصحّة ، كما ذكرناه وكون الصورة الداخلة معروفة معيّنة مشخّصة حتّى يتحقّق من جهتها صدق الامتثال العرفي ، فيكون الأصل صحّة الصلاة من جهة تحقّق الامتثال العرفي من جهة تلك الصورة المشخّصة ، فيه ما فيه ، وكون الصورة الإجماليّة يجري فيها الأصل ، فيه أيضا ما فيه ، فتأمّل جدّا!

مع أنّ الفقهاء شرطوا الخروج عن كونه مصلّيا ، والأخبار التي ذكرنا ظهر منها إمحاء صورة الصلاة حال الاشتغال بالفعل الكثير ، كما لا يخفى ، وقبل الفعل

__________________

٨ / ٢٠٩ الحديث ١٠٤٤٤.

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٨ الحديث ١٣٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٢ الحديث ٦٨٠ مع اختلاف يسير.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦٦.

(٣) المعتبر : ٢ / ٢٥٥.

٦٦

الكثير كان يصلّي واقعا ، فيكون صورة الصلاة متحقّقة قطعا ، وكذا الحال بعد الفعل الكثير.

وكون مراده من الإمحاء بالكليّة ، الإمحاء قبل الفعل الكثير أيضا وكذا بعده ، خروج عن مفروض المسألة لأنّ المفروض أنّه لو وقع في الصلاة فعل كثير ، لا أنّه لا يكون هنا صلاة أصلا. لأنّه إذا لم يتحقّق صلاة فأيّ شي‌ء يبطله الفعل الكثير؟ إلّا أن يكون المراد أنّه كبّر للصلاة ثمّ فعل فعلا كثيرا ، ثمّ قرأ الحمد وفعل فعلا كثيرا ، وقرأ سورة وفعل فعلا كثيرا وعلى هذا القياس إلى آخر الصلاة.

وفيه ؛ أنّه لو صدق أنّه صلاة وقع في أثنائها فعل كثير مخرج عن كونه مصلّيا فهذا بعينه ما قاله الفقهاء ، لما عرفت من اشتراطهم الخروج عن كونه مصلّيا ، فلا خصوصيّة له بما ذكر في «المعتبر» (١) ، وإن لم يتحقّق صلاة أصلا ، حتّى يقال : الفعل الكثير المخرج في أثنائها يبطلها ، لإخراجها عنها فلا دخل له في المقام.

وإن قال : ما يخرج عن الصلاة مقول بالتشكيك شدّة وضعفا ، واختار الأشدّ ففيه ؛ أنّ العبرة بالخروج عن كونه مصلّيا ، فإن أثّر هذا بالإبطال ، وإلّا فلا يفهم الأشديّة في هذا المعنى حال صدور الفعل الكثير فضلا عن أن يكون الأشديّة تؤثّر دون نفس الخروج عن كونه مصلّيا ، والأخبار أيضا عرفت حالها ، فتأمّل جدّا!

والقول بأنّ الأضعف منه ما جاز وقوعه سهوا بخلاف الأشدّ ، بيّن الفساد ، كالقول بأنّ الأشدّ ما وقع فيه الاستدبار ونحوه ممّا سيجي‌ء أنّه مبطل للصلاة.

وبالجملة ؛ أنا لم أفهم مقصودا يكون له وجه.

وممّا ذكرنا ظهر الكلام فيما ذكره المصنّف بقوله : إلّا أنّ الثاني. إلى آخره.

فإن قلت : لعلّهما جعلا المخرج عن كونه مصلّيا عادة على قسمين :

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٥٥.

٦٧

قسم يحكم في العادة بالخروج عنه حين صدور المخرج خاصّة ، لكن لا يحكم بعد ملاحظة أجزاء الصلاة السابقة واللاحقة ، بل يتوقّف حتّى يثبت البطلان والفساد من دليل شرعي وجعلا هذا هو مراد الفقهاء ، ولم يثبت عندهم الفساد موافقا لمختار «المعتبر».

وقسم يحكم فيها بالفساد وعدم كون الأجزاء السابقة واللاحقة صلاة أصلا ، وعدم قابليّة تلك الأجزاء ، لصيرورتها صلاة أصلا ورأسا بحسب العادة ، بسبب ما وقع بينها من الفعل الكثير المذكور ، وجعلا ذلك مختار «المعتبر» ووافقاه.

قلت : لم نجد في العادة هذا التفصيل ، لما عرفت من كون هيئة العبادة توقيفيّة كنفس الحكم الشرعي ، وهو الحكم بالبطلان.

فلا طريق للعرف وغيره فيهما ، فضلا أن يحكم بالحكمين المذكورين بالتفصيل المذكور ، وإن كان العادة تحكم بالخروج عن كونه مصلّيا ، فإنّما تحكم بالنظر إلى ما عهد من الشرع فيها.

فإذا كانت تحكم بالخروج المذكور لكانت تحكم بعدم كون الصلاة التي وقع فيها ما يخرج عن كونه مصلّيا هي التي عهدت من الشرع أصلا ورأسا وبالكليّة ، فكانت تحكم بالقياس إلى الأجزاء السابقة واللاحقة عدم كونه مصلّيا لا خصوص حين صدور المخرج.

والظاهر ، أنّ هذا هو مراد الفقهاء ، كما لا يخفى على من تأمّل في كلامهم ، بل لا معنى لكلامهم سوى ذلك ، لبداهة كون الفعل الكثير غير الصلاة ، وفاعله غير مصلّ بالقياس إليه ، بل الفعل القليل أيضا كذلك.

وبنظري هو كونه غير مصلّ بالقياس إلى ما سبقه ولحقه من الركعات.

قوله : (وفي الصحاح). إلى آخره.

هذه كثيرة ، ذكرنا بعضها.

٦٨

والصحيح الآخر المعارض صحيح علي بن يقطين الذي ذكرناه لقوله عليه‌السلام : «إنّ الرعاف والحجامة والقي‌ء لا ينقض الوضوء ، ولكن ينقض الصلاة» (١).

والشيخ حمله على ما إذا احتيج في الإزالة إلى الاستدبار (٢) ، كما يومئ إليه الأخبار ، فلاحظ!

وفي الصحيح عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : عن الرجل يكون في صلاته فرماه رجل فشجّه فسال الدم فانصرف فغسله ولم يتكلّم حتّى رجع إلى المسجد ، هل يعتدّ بما صلّى أو يستقبل الصلاة؟ قال : «يستقبل الصلاة ولا يعتد بشي‌ء ممّا صلّى» (٣).

قوله : (خلافا للمبسوط). إلى آخره.

ادّعى في «الخلاف» الإجماع (٤).

والفاضلان منعا دعواه (٥) ، فطالبه في «المعتبر» بالدليل (٦).

وفي منعهما تأمّل ؛ لأنّه أقرب عهدا منهما بما ورد من الشرع وأبصر ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب.

نعم ؛ إن ظهر عليهما أنّ قدماء الأصحاب ما كانوا قائلين بإبطال الأكل والشرب بالمسمّى ، بل كانوا يقولون بإبطال الكثير المخرج عادة عن كونه مصلّيا ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٨ الحديث ١٣٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٢ الحديث ٦٨٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٨ ذيل الحديث ١٣٤٧.

(٣) قرب الإسناد : ١٨٩ الحديث ٧٠٩ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٨ الحديث ١٥٧٦ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٤ الحديث ١٥٤٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤٢ الحديث ٩٢٢٦.

(٤) الخلاف : ١ / ٤١٣ المسألة : ١٥٩.

(٥) المعتبر : ٢ / ٢٦٠ ، منتهى المطلب : ٥ / ٣٠٤.

(٦) المعتبر : ٢ / ٢٦٠.

٦٩

أو الماحي لصورة الصلاة بالكليّة على حسب ما عرفت ، فلمنعهم وجه ، لكن الظهور من أين؟ بل الظاهر عدم الظهور ، كما لا يخفى على المطّلع بكلامهم.

مع أنّه لو كان ظاهرا عليهما لكانا يشيران إلى ذلك ، بل ظاهر كلامهما خلاف ذلك ، فلاحظ وتأمّل!

وبالجملة ؛ عادل أخبر بشي‌ء فلا بدّ من القبول ، إلّا أن يظهر خلاف ما أخبر ولم يظهر.

سلّمنا الدخول في الفعل الكثير وكونهما مبطلين من هذه الجهة ، لكن نقول : لعلّ كلّ واحد منهما فعل كثير بالنسبة إلى الصلاة ؛ لأنّ من أكل أو شرب يقال في العادة : غير مصلّ وأنّه مخرج عن الصلاة ، لما عرفت سابقا من عدم ضبط الكثير المبطل وعدم تشخّصه ، وعرفت الاضطراب في ذلك ، وعرفت القاعدة في كلّ مشكل في المقام.

ودعوى عدم الإشكال في عدم كونهما مبطلين ومخرجين للمصلّي عن الصلاة ، فيه ما فيه.

نعم ؛ قال في «المنتهى» : لو ترك في فمه شيئا يذوب كالسكر فذاب وابتلعه لم يفسد صلاته عندنا ، وعند الجمهور يفسد ؛ لأنّه يسمّى أكلا (١) ، انتهى.

فلو تمّ ما ذكره وكان إجماعا لم يضرّ مثله للإجماع ، وكذا الحال فيما قال بعد ذلك : أمّا لو بقي بين أسنانه شي‌ء من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم يفسد صلاته قولا واحدا ؛ لأنّه لا يمكن التحرّز منه ، وكذا لو كان في فمه لقمة ولم يبلعها إلّا في الصلاة ، لأنّه فعل قليل (٢) ، انتهى.

فتأمّل جدّا! فيما ذكره ، لأنّ قوله : وكذا. إلى آخره. ظاهر في عدم الخلاف في

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ٣٠٥.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ٣٠٥.

٧٠

عدم ضرر ابتلاع اللقمة التي كانت في فمه فيها ، لكونه فعلا قليلا.

فظهر منه أنّ الفعل القليل منه غير مضرّ بالصلاة قولا واحدا ، فتأمّل فيه!

قوله : (إلّا الشرب).

قال في «المنتهى» : قال الشيخ : لا بأس بشرب الماء في النافلة ، وبه قال طاوس. إلى أن قال : احتجّ الشيخ بالإباحة الأصليّة بما رواه سعيد الأعرج قال : قلت للصادق عليه‌السلام : إنّي أبيت واريد الصوم ، فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب ، وأكره أن اصبح وأنا عطشان ، وأمامي قلّة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة ، قال : «تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود إلى الدعاء» (١).

ثمّ قال : والأقرب عندي مراعاة القلّة ، فيصح الصلاة معها وتبطل بدونها ، ورواية سعيد الأعرج محمولة عليه على أنّها وردت في واقعة مقيّدة بقيود إرادة الصوم وخوف العطش ، وكونه في دعاء الوتر ، ومع ذلك فهي واردة في صلاة الوتر خاصّة (٢) ، انتهى.

أقول : الرواية غير صحيحة ومعارضة للموثّقة المانعة عن أزيد من الخطوة (٣).

مع أنّ ثلاث خطوات فعل كثير عند العلّامة (٤) ، إلّا أنّها مشتهرة بين الأصحاب ظاهرا ، فقصرها في موردها متعيّن ، لعدم الإجماع المركّب ولا البسيط

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٩ الحديث ١٣٥٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٩ الحديث ٩٣٣٦.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ٣٠٥ و ٣٠٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣١ الحديث ١٣٦٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٣ الحديث ٩٣٢٠.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٩.

٧١

اللّذين بهما يتحقّق تنقيح المناط ، ويدّعى بسببه التعدّي والكليّة والعموم.

وبالجملة ؛ حصول البراءة اليقينيّة منها مع صدور الامور المذكورة في الفريضة محلّ نظر ظاهر ، بل قطعيّ الانتفاء ، بل في النافلة أيضا محلّ نظر ، بل في الوتر أيضا إذا لم يكن بالصورة المذكورة فيها.

فقول المصنّف : (وهو ضعيف) ، ضعيف ، لما عرفت من عدم تنقيح المناط حتّى يتعدّى به. وقوله : (وهو حسن) ؛ وجهه ظاهر ، لصدق تعريف الفعل الكثير المضرّ عليه ، ووجود علّة الضرر فيه.

٧٢

١٩٥ ـ مفتاح

[الضحك والبكاء في الصلاة]

من تقهقه في الصلاة عامدا بطلت صلاته ، بالإجماع والنصوص المستفيضة (١) ، أمّا لو تبسّم أو كان سهوا فلا إجماعا.

وفي المعتبرين : «إنّ التبسّم لا يقطع الصلاة ويقطعها القهقهة» (٢).

وكذا البكاء إن كان من خشية الله ، بل هو من أفضل الأعمال (٣) ، ومثله التباكي ، كما يستفاد من النصوص (٤).

أمّا إذا كان لشي‌ء من امور الدنيا أو ذكر ميّت ، فالمشهور أنّ تعمّده مبطل للخبر (٥) ، وتوقّف بعضهم فيه لضعفه (٦). والأولى إلحاقه بالفعل الكثير ، فإن بلغه أبطل ، وإلّا فلا.

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٠ الباب ٧ من أبواب قواطع الصلاة.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٠ الحديث ٩٢٤٨ و ٩٢٤٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤٧ الحديث ٩٢٤١.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤٧ الباب ٥ من أبواب قواطع الصلاة.

(٥) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤٧ الحديث ٩٢٤٣.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ٧٣ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦٦.

٧٣
٧٤

قوله : (من تقهقه). إلى آخره.

بطلان الصلاة به إجماعي ، نقل الإجماع الفاضلان (١) وغيرهما (٢).

والنصوص الدالّة عليه صحيحة ابن أبي عمير ، عن رهط سمعوه يقول : «إنّ التبسّم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة» (٣).

وقد عرفت سابقا أنّ القطع إنّما يستعمل في الصلاة دون الوضوء ، لاعتبار الهيئة الاتّصالية فيها دونه (٤).

وحسنة زرارة ـ بـ إبراهيم ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : «القهقهة لا تنقض الوضوء ولكن تنقض الصلاة» (٥).

ورواية سماعة قال : سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال : «أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة ، وأمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة» (٦).

ونحوها رواية الكليني عن زرعة (٧) ، وقريب منها مرسلة الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٢٥٤ ، منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ٦٨ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢ الحديث ٢٤ ، الاستبصار : ١ / ٨٦ الحديث ٢٧٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٠ الحديث ٩٢٤٩.

(٤) راجع! الصفحة : ١٣٧ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٦٤ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٤ الحديث ١٣٢٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٠ الحديث ٩٢٤٧.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٤ الحديث ١٣٢٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٠ الحديث ٩٢٤٨.

(٧) الكافي : ٣ / ٣٦٤ الحديث ١. فيه : عن زرعة ، عن سماعة.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٠ الحديث ١٠٦٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥١ الحديث ٩٢٥٠.

٧٥

ويستفاد من الروايات عدم قاطعيّة التبسّم لها ، وهو إجماعيّ أيضا.

ويظهر منها أيضا أنّ التبسّم نوع من الضحك ، كما يظهر من العرف و «القاموس» (١).

فما في «المنتهى» : من قوله : يجب عليه ترك الضحك في الصلاة لا التبسّم ، فلو قهقه عمدا بطلت صلاته (٢) ، يمكن (٣) أن يكون من باب الانصراف إلى الكامل ، بل هذا هو الظاهر من كلامه ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وكيف كان ؛ الظاهر من الأخبار والفتاوى انحصار الضحك في القهقهة والتبسّم.

ومقتضى ذلك كون القهقهة شدّة الضحك ، والتبسّم أقلّه ، كما يظهر من «القاموس» (٤).

لكن قال فيه : القهقهة : الترجيع في الضحك ، أو شدّة الضحك ، أو يقول : قه قه (٥) ، بعد ما قال : التبسّم أقلّ الضحك وأحسنه (٦).

ولعلّهما يرجعان إلى أمر واحد ، بأنّ شدّة الضحك لا تحصل إلّا بالترجيع ، كما هو المشاهد عادة.

نعم ؛ ربّما يصدر قه واحد ، ويحفظ نفسه قهرا عن حصول الأزيد منه ، إلّا أنّه نادر ، ومع ذلك يمكن أن يكون ترجيعا منع نفسه عن تحقّقه كاملا وتماما.

__________________

(١) القاموس المحيط : ٤ / ٨١.

(٢) منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٢.

(٣) في (ط) : فيمكن.

(٤) القاموس المحيط : ٤ / ٨١ و ٢٩٣.

(٥) القاموس المحيط : ٤ / ٢٩٣.

(٦) القاموس المحيط : ٤ / ٨١.

٧٦

لكن لا يمكن أن يبنى الأخبار على ذلك ، بأن يحكم بدخوله في القهقهة ، لانصراف الإطلاق فيها إلى الأفراد المتعارفة.

لكن في «الصحاح» : القهقهة في الضحك معروفة ، وهو أن تقول : قه قه (١).

وعلى هذا يبقى أكثر أفراد الضحك غير مذكورة في الأخبار والفتاوى ، وعدم معروفيّة حكمها أصلا منهما.

مع ما عرفت من كون الضحك منحصرا في القهقهة والتبسّم منهما.

وإنّما قلنا : على هذا يبقى. إلى آخره ، لأنّ الذي نجد بالعيان أنّ الضحك بالترجيع ليس بعبارة قه قه ، أي بالقاف والهاء ، بل قلّ ما نجد الضحك كذلك مع الترجيع ، ووجوده غالبا من دون قه قه ، إلّا أن يكون مراد صاحب «الصحاح» من قه قه نفس الترجيع ، كما تعارف التعبير عن السعال باح اح ، وعن حركة نفخ البطن بالقراقر ، وأمثال ذلك.

لكن يبقى الإشكال فيما ذكرنا من تحقّق قه واحد إلّا أن يقال بأنّه تبسّم ، وأنّ الفرق بين التبسّم والقهقهة هو الترجيع وعدمه ، لكنّه خلاف المعروف من العرف ، وخلاف ما صرّح جمع من الأصحاب ، إذ في «شرح اللمعة» : إنّ القهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت ، وإن لم يكن فيه ترجيع ولا شدّة (٢).

وعنه أيضا في شرحه للإرشاد : إنّها لغة الترجيع في الضحك ، أو شدّة الضحك ، والمراد هنا مطلق الضحك ، كما صرّح به المصنّف في غير هذا الكتاب (٣).

ولعلّ مراده من غير هذا الكتاب «المنتهى» ، وقد عرفت حاله (٤).

__________________

(١) الصحاح : ٦ / ٢٢٤٦.

(٢) الروضة البهيّة : ١ / ٢٣٤.

(٣) روض الجنان : ٣٣٢.

(٤) راجع! الصفحة : ٧٦ من هذا الكتاب.

٧٧

ولعلّ نظره إلى ما ذكرنا من ظهور كلام الفقهاء في انحصار الضحك فيهما ، وكون التبسّم معناه ظاهرا ، ووقوع الخلاف والاختلاف (١) في معنى القهقهة.

لكن العلّامة في «التذكرة» و «النهاية» والشهيد في «الذكرى» عرّفا التبسّم بما لا صوت له من الضحك (٢) ، فيقتضي ذلك أن يكون كلّ ما فيه صوت منه قهقهة ، كما صرّح به في «شرح اللمعة» وفي «المسالك» (٣) أيضا.

ولعلّ بناءهم على أنّ العرف يقضي بذلك ، وأنّه مقدّم على اللغة.

وفي «الذخيرة» أورد عليهم : بأنّ القدر الذي ثبت من الأخبار أنّه مبطل للصلاة هو القهقهة خاصّة ، لا كلّ ضحك يكون له صوت ، وانسحاب الحكم فيه يتوقّف على دليل ، والأصل ينفيه (٤) ، انتهى.

وفيه ؛ أنّ الأخبار وفتاوى الأخيار بأجمعهم ، كما دلّت على مبطليّة القهقهة دلّت أيضا على انحصار الضحك فيها وفي التبسّم ، وأنّه لا يضرّها التبسّم أصلا ، بحيث لا يبقى تأمّل على من له أدنى تأمّل فيها.

فإن جعل الضحك الذي له صوت داخلا في التبسّم فهو خلاف ما يظهر من العرف فراجع إليه.

مع أنّه بعد ما نقل الأخبار الدالّة على أنّ التبسّم لا يقطع الصلاة مطلقا (٥) ، نقل الإجماع عن جماعة من الأصحاب أنّ التبسّم لا يقطع الصلاة أصلا (٦).

__________________

(١) في (د ١) و (ك) : والاختلال.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٦ المسألة ٣٢٥ ، نهاية الإحكام : ١ / ٥١٩ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ١٢.

(٣) الروضة البهيّة : ١ / ٢٣٤ ، مسالك الأفهام : ١ / ٢٢٧.

(٤) ذخيرة المعاد : ٣٥٥.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٠ الباب ٧ من أبواب قواطع الصلاة.

(٦) ذخيرة المعاد : ٣٥٥.

٧٨

ومعلوم أنّه منهم العلّامة في «التذكرة» و «النهاية» والشهيد في «الذكرى» ، فإنّهما نقلا الإجماع على عدم بطلان الصلاة بالتبسّم بالمعنى الذي ذكراه وفسّراه به ، وهو أن لا يكون له صوت (١) ، فيكون الإجماع الذي ادّعيا على إبطال الصلاة بالقهقهة ، دالّا على إبطالها بالضحك الذي له صوت من جهة تفسيرهما وحصرهما ، وبقرينة المقابلة أيضا ، فتأمّل جدّا!

مع أنّ قوله : (والأصل ينفيه) ، فيه ما عرفت مرارا من أنّه لا يجزي في أمثال المقام ، بل القاعدة أنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة ، وهو رحمه‌الله يمشي على هذه القاعدة.

ثمّ قال : والنصوص تشمل السهو أيضا ، لكن نقل المصنّف في «التذكرة» والشهيد في «الذكرى» والشارح الفاضل ـ يعني الشهيد الثاني ـ الإجماع على عدم الإبطال به (٢) ، انتهى.

أقول : كيف اعتمد عليهم في ذلك ، ولم يعتمد عليهم في السابق.

ومع ذلك حكمه بشمول النصوص لصورة السهو لا يخلو عن تأمّل ، لعدم التبادر ، لكون الإطلاق منصرفا إلى الشائع الغالب ، لأنّ فرض وقوع القهقهة في الصلاة حال النسيان لعلّه لا يخلو عن ندرة ، بل المتبادر صورة الوقوع بغير اختيار أو الجهل بالمسألة ، كما يشير صورة سؤالهم عن حكم الضحك فيها ، أمّا من علم المسألة وهو يريد أن يصلّي ومع ذلك تقهقه عمدا واختيارا فهو عالم ببطلان صلاته ، فلم يسأل أو لم يخبره المعصوم عليه‌السلام بالحكم الذي علمه وعرفه ولا جهل لديه ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٦ المسألة ٣٢٥ ، نهاية الإحكام : ١ / ٥١٩ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ١٢.

(٢) ذخيرة المعاد : ٣٥٥ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٦ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ١٢ ، روض الجنان : ٣٣٢ و ٣٣٣.

٧٩

إلّا أن يكون مراده منه ناسي الحكم أو ناسي كونه في الصلاة ، ولعلّهما أيضا لا يخلو ان عن ندرة وعدم تبادر.

وممّا ذكرنا (١) ظهر حكم ما صدر منه بغير اختيار من رؤية ملاعب ونحوها من أنّه أيضا مبطل للصلاة ، بل هو الفرد الأظهر ، للأخبار (٢) ، وإن لم يكن له إثم من جهة عدم اختياره.

ويظهر من «التذكرة» أنّه متّفق عليه بين أصحابنا رضي‌الله‌عنهم (٣) ، فظهر فساد ما توهّم من أنّه من جهة عدم الاختيار يكون كالناسي (٤).

قوله : (وكذا البكاء). إلى آخره.

قال في «التذكرة» : البكاء من خشية الله لا يقطع الصلاة وإن نطق فيه بحرفين فصاعدا ، وإن كان لأمور الدنيا بطلت صلاته وإن لم ينطق بحرفين ، عند علمائنا (٥) ، انتهى.

في «المدارك» : هذا الحكم ذكره الشيخ وجمع من الأصحاب ، وظاهرهم أنّه مجمع عليه (٦) ، انتهى.

وفي «المنتهى» قال : إن كان خوفا من الله وخشيته من النار ، لا يبطلها عمدا ولا سهوا ، وإن كان لأمور الدنيا لم يجز وأبطل الصلاة ، سواء غلب عليه أو لا (٧).

__________________

(١) في (د ١) : ذكر.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥٠ الباب ٧ من أبواب قواطع الصلاة.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٥ و ٢٨٦ المسألة ٣٢٥.

(٤) المجموع للنووي : ٤ / ٧٨.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٢٨٦ المسألة ٣٢٦ مع اختلاف يسير.

(٦) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦٦.

(٧) منتهى المطلب : ٥ / ٢٩٦ مع اختلاف يسير.

٨٠