محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-9-4
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٠٩
فظاهره أن يؤدّيها بعد موته ، وهو إنّما يكون بوليّه أو بماله ، فحيث لا ولي تحمل على المال ، وهو شامل بحالة الإيصاء وعدمه (١).
أقول : دلالة هذه الرواية خفيّة ، بل منتفية ، إذ قوله : فظاهره. إلى آخره محل نظر ظاهر ، إذ لا معنى لقوله عليهالسلام : «عليه أن يؤدّيها بعد موته» ، إذ بعد الموت لا تكليف بالبديهة ، ولا يمكن الامتثال بلا شبهة.
بل الظاهر أنّ عليه أن يؤدّيها بعد الإفاقة ، لما قاله أوّلا : عليه أن يؤدّي ما وجب عليه دون ما لم يجب عليه ، مضافا إلى ما عرفت.
مع أنّ الاحتمال كاف ، مع أنّ الأداء بالولي أو الوصيّة كاف ، لتحقّق الأداء بعد الموت ، لكونها بدنيّا لا ماليّا ، كما لا يخفى.
وأمّا الأخبار التي لا ولي فيها ، فلا يظهر منها وجوب ، بل الظاهر من الجلّ الاستحباب ، لو لم نقل من الكلّ.
نعم ؛ رواية الخثعميّة (٢) ربّما كان لها ظهور ، لكن في الحجّ الذي ليس ببدني محض ، ومع ذلك لعلّها أولى الناس بأبيها.
مع أنّ دلالتها على الوجوب ضعيفة ، والسند لم يظهر صحّته ، فكيف يعارض ما أشرنا إليه؟ فضلا أن يغلب عليه ، وخصوصا إذا كانت مخالفة للمشتهر بين الأصحاب والاصول وغيرها ، بل العامل في غاية الشذوذ بخلاف تلك ، فإنّ المعظم قال بها لو لم نقل بالإجماع.
هذا ؛ والتبرّع جوازه وصحّته بل حسنه وأولويّته لا تأمّل فيه ، بل ربّما يخرج الولد عن العقوق إذا كان عاقّا ، ولعلّه ربّما يدخله في العقوق إذا أعرض عن الميّت
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٤٥٠.
(٢) وسائل الشيعة : ٢٧ / ٥٢ الحديث ٣٣١٨٨.
على حسب ما ورد في الأخبار (١) ، وربّما كان الحال كذلك في صلة الرحم وقطعه أيضا ، والله يعلم.
الحادي عشر : في «الذكرى» و «الذخيرة» : أنّه لو أوصى بفعلها من ماله ، فإن قلنا بوجوبه ـ لو لا الإيصاء ـ كان من الأصل كسائر الواجبات الماليّة ، وإن قلنا بعدمه ، فهو تبرّع يخرج من الثلث إلّا أن يجيزه الوارث (٢) ، انتهى.
والعبارة من «الذكرى» ، وفي «الذخيرة» ما يقاربها ، وعرفت أنّ الأقوى عدم الوجوب.
الثاني عشر : الأكبر من التوأمين هو المتولّد أوّلا ، ولا سيّما إذا تقدّم ولادته بكثير ، لأنّ ذلك هو المعروف عرفا ، والمعتبر في اصطلاحهم.
لكن ورد في الخبر عنهم عليهمالسلام : أنّ الأكبر هو المتولّد أخيرا ، لانعقاد نطفته قبل من يولد أوّلا (٣) ، والمعتبر في ألفاظ الآية والحديث هو العرف واللغة ، ولعلّ اللغة أيضا موافقة للعرف واصطلاح الناس ، إلّا أن يقال : إذا ثبت اصطلاح الشارع فهو مقدّم على اللغة والعرف جميعا وفاقا ، مع أنّ الظاهر أنّ اعتبار الأكبريّة من جهة كونه أقرب إلى سنّ الأب.
لكن ثبوت ما ذكر من مجرّد ما ورد في الخبر مشكل ، لأنّ المقدّم على اللغة والعرف هو اصطلاح الشارع المعروف منه حال خطابه على الطريقة المعهودة بين المتخاطبين ، حذرا عن الإغراء بالجهل وتكليف ما لا يطاق ، مضافا إلى ما عهد
__________________
(١) الكافي : ٢ / ١٦٣ الحديث ٢١ ، وسائل الشيعة : ٢١ / ٥٠٦ الحديث ٢٧٧٠٨ ، بحار الأنوار : ٧١ / ٧٧ الحديث ٧١ ، ٨١ الحديث ٨٤ ، ٨٤ الحديث ٩٦.
(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ٤٥٠ ، ذخيرة المعاد : ٣٨٨.
(٣) الكافي : ٦ / ٥٣ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٨ / ١١٤ الحديث ٣٩٥ ، وسائل الشيعة : ٢١ / ٤٩٧ الحديث ٢٧٦٨٥.
منهم عليهمالسلام ، وعرفت أنّ طريقة مكالماتهم طريقة أهل العرف واللغة وذلك مسلّم.
والأقربيّة إلى سنّ الأب لم يظهر أنّها بحسب الوجود خارجا عن بطن الامّ أم بحسب التكوّن ، مع أنّ الذي ظهر منه اعتبار أكبر الأولاد هو فتوى المصنّفين ، والاقتصار فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، ولم يذكر خبر في ذلك حتّى يقال : المعتبر اصطلاح الشارع ، والاحتياط واضح.
هذا كلّه ؛ على القول بكون أكبر الأولاد هو الذي وجب عليه ولاية ، وهو ظاهر.
الثالث عشر : هل تحرم النافلة على من وجب عليه هذا القضاء من الولي والأجير والموصى إليه ، الظاهر جوازها ، لعدم ظهور دخوله فيما دلّ على أنّ من عليه فريضة فلا يصلّي نافلة حتّى يقضيها.
مضافا إلى ما عرفت من الكلام فيه (١) ، إلّا أن يقال : الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه ، وهو أيضا محلّ نظر.
مع أنّ الظاهر أنّه لا يزيد حاله عن حال الميّت ، فلعلّ الميّت لم يكن النافلة حراما عليه.
نعم ؛ إذا استؤجر كذلك ـ أي بأن يسارع إلى الفريضة المقضيّة بالقدر المتيسّر إلى أن يخلص ـ أو قبل الوصيّة بذلك ، فلعلّه يحرم عليه حينئذ ، والله يعلم.
وعرفت أنّ المسارعة في تخليص المؤمن والمؤمنة من الضيق والشدّة أمر مطلوب شرعا ، سيّما إذا كان لهما نوع مزيّة.
الرابع عشر : تداول في هذه الأزمنة استئجار أجيرين وما زاد للقضاء عن ميّت ، وهم يشرعون في القضاء من دون مراعاة ترتيب بينهم ، وإن كان كلّ واحد
__________________
(١) راجع! الصفحة : ٤٦١ و ٤٦٢ من هذا الكتاب.
منهم يراعي الترتيب فيما يفعله ، بأن يشرع في قضاء الظهر ، ثمّ العصر ، ثمّ المغرب ، ثمّ العشاء ، ثمّ الصبح ، وهكذا ، في كلّ يوم من القضاء إلى أن يخلص.
واعتبر بعض فقهاء (١) هذه الأزمنة مراعاة الترتيب بين الأجيرين والاجراء أيضا ، حتّى يتأتّى القضاء بالنحو الذي فات ، لعموم قوله عليهالسلام : «من فاتته [صلاة] فليقضها كما فاتته» (٢) ، كما عرفته في مبحث وجوب الترتيب (٣).
قال في «الذخيرة» : ولو علم ترتيب الفوائت ، فهل يجب الترتيب في القضاء؟ فيه وجهان ، والقول بوجوب الترتيب هنا أضعف مستندا من القول بوجوب الترتيب في قضاء الحي ، وأضعف منه القول بوجوب الترتيب عند عدم العلم به ، وكذا الكلام في قضاء غير الولي تبرّعا أو للاستئجار (٤) ، انتهى.
أقول : تأمّله في الوجوب على الولي وشدّة ضعفه من أنّ الوجوب لم يثبت عنده إلّا من الوفاق في موضع يتحقّق الوفاق عنده ، على القدر الذي وقع الوفاق وثبت عنده.
ويمكن دعوى التبادر من الأخبار الدالّة على وجوب القضاء على الولي ، بأنّ المتبادر منها أنّه يقضي عن الميّت ما وجب على الميّت بالنحو الذي كان واجبا عليه ، وظاهر أنّه كان الواجب عليه الإتيان بفوائته مرتّبة ، كما عرفت.
إلّا أن يقال : لم يرد في شيء منها لفظ «الجمع» حتّى يدّعى تبادر الترتيب منه ، إذ الوارد فيها ليس إلّا هكذا : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال :
__________________
(١) لاحظ! الحدائق الناضرة : ١١ / ٤٣.
(٢) عوالي اللآلي : ٣ / ١٠٧ الحديث ١٥٠.
(٣) راجع! الصفحة : ٣٨٥ ـ ٣٨٨ من هذا الكتاب.
(٤) ذخيرة المعاد : ٣٨٨.
«يقضيه أولى الناس به» (١) أو قال : «يقضي عنه أولى الناس».
وفي رواية ابن سنان : «الصلاة التي حصل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس [به]» (٢) ، وغير ذلك.
وهذا ممّا يؤكّد ما اخترناه من عدم وجوب قضاء جميع ما تركه الميّت.
ويمكن أن يقال : المتبادر أنّ الولي يقوم مقام الميّت ، سيّما عبارة «يقضي عنه» ، مضافا إلى أنّ «صلاة» أعمّ من الواحدة ، لأنّ المراد من صلاة هو هذا المعنى البتّة ، فتأمّل!
ويمكن أن يقال : لمّا كان أولى الناس بالميّت أعمّ من الواحد ـ كما هو الظاهر من العبارة ، والمفتى بها عند العلماء ـ ينتفي دعوى تبادر الترتيب ، وربّما يصير الأمر بالعكس ، لكنّه محلّ تأمّل ، لاحتمال تبادر الواحد منه ، فتأمّل!
والإنصاف ؛ أنّ الحكم بوجوب تقديم يوم على آخر وهكذا ، بحيث لا يتحقّق يومان وأزيد من وليّين وأزيد دفعة ومعا محلّ نظر ظاهر ، لعدم التبادر من دليل ، بل مقتضى الظاهر من الولي المتعدّد جواز استبداد كلّ منهم بيوم من القضاء من دون مراعاة ترتيب بينهم.
وعلى تقدير عدم ظهور ذلك ، فظهور العدم من أين؟
بل يمكن المناقشة في ثبوت وجوب هذا الترتيب ، ووجوب قصده في قضاء الحي أيضا ، بخلاف الترتيب بين الفرائض الخمس.
نعم ؛ الأحوط عدم قصد العكس ، بل ربّما كان مشكلا ، فإذا كان الحي كذلك ، ففي الميّت بطريق أولى.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٧٨ الحديث ١٠٦٥٢.
(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨١ الحديث ١٠٦٦٤ مع اختلاف يسير.
فإذا كان في الولي كذلك ، ففي التبرّع والاستئجار بطريق أولى.
بل يمكن دعوى ظهور الأعمّ ، ممّا ورد في التبرّع ، وأداء دين الله ونحوهما ، فتأمّل جدّا!
تمّ ـ بعون الله ـ المجلّد الثاني من كتاب شرح المفاتيح
بحمد الله سبحانه ، وصلّى الله على محمّد وآله
تمّ بعون الله تعالى الجزء التاسع من كتاب
«مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع»
حسب تجزئتنا ويتلوه الجزء العاشر ان شاء الله
المحتويات
١٩٣ ـ مفتاح
[حكم التكلم في الصلاة].................................................... ٥
١٩٤ ـ مفتاح
[حكم الفعل الكثير في الصلاة]............................................. ٤٥
١٩٥ ـ مفتاح
[الضحك والبكاء في الصلاة].............................................. ٧٣
١٩٦ ـ مفتاح
[حكم الالتفات في الصلاة]................................................ ٨٥
١٩٧ ـ مفتاح
[الأمور التي ينبغي تركها في الصلاة]...................................... ١٠١
القول في السهو والشك
١٩٨ ـ مفتاح
[من زاد ونقص ركعة في الصلاة]......................................... ١٠٥
١٩٩ ـ مفتاح
[مواضع سجدتي السهو]................................................. ١٢٣
٢٠٠ ـ مفتاح
[كيفية سجدتي السهو].................................................. ١٤٧
٢٠١ ـ مفتاح
[ما يجب في سجدتي السهو].............................................. ١٦٥
٢٠٢ ـ مفتاح
[حكم الشك في عدد الركعات].......................................... ١٧٥
٢٠٣ ـ مفتاح
[صلاة الاحتياط]....................................................... ٢٣٩
٢٠٤ ـ مفتاح
[الشك في صلاة الجماعة]................................................ ٢٥٧
٢٠٥ ـ مفتاح
[حكم كثير الشك]..................................................... ٢٧٣
٢٠٦ ـ مفتاح
[الشك في النوافل]...................................................... ٢٩٥
القول في الفوائت
٢٠٧ ـ مفتاح
[موارد لزوم قضاء الفريضة]............................................. ٣٥٩
٢٠٨ ـ مفتاح
[قضاء صلاة الآيات].................................................... ٣٧٥
٢٠٩ ـ مفتاح
[قضاء النوافل]......................................................... ٣٧٩
٢١٠ ـ مفتاح
[وجوب الترتيب في قضاء الفوائت]....................................... ٣٨٣
٢١١ ـ مفتاح
[وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة]....................................... ٣٩٣
٢١٢ ـ مفتاح
[الاعتبار في القضاء وهو حال الفوات].................................... ٤٣١
٢١٣ ـ مفتاح
[حكم من فاتته فريضة غير معينة]........................................ ٤٣٧
٢١٤ ـ مفتاح
[منع التنفل لمن عليه فريضة].............................................. ٤٥٧
خاتمة
في أحكام قضاء صلوات الأموات............................................ ٤٦٧
المحتويات.................................................................. ٥٠٧