علي بن الحسين الهاشمي الخطيب
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٢٩
والثاني من السفراء هو أبوجعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري رحمهالله فكانت الشيعة بعد موت أبيه لا تختلف بعدالته ، ولا بإمامته والتوقيعات تخرج على يديه إلى الشيعة في المهمات طول حياته بالخط الذي كان يخرج في حياة أبيه عثمان رحمهالله ، وكانت لأبي جعفر محمد بن عثمان كتب في الفقه ممّا سمعه من أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام ومنها كتب في الأشربة ، وروى عنه رحمهالله : (والله إنّ صاحب الأمر ليحضر في الموسم كلّ سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه).
وقيل له : رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال : نعم آخر عهدي به عند بيت الله الحرام ، وهو يقول : (اللّهمّ انجز لي وعدي).
ودخل عليه بعض أصحابه فرآه وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها آياً من القرآن ، وأسماء الأئمّة على حواشيها ، فقال : هذي لقبري أسند إليها ، وقد فرغت منه وأنا كلّ يوم أنزل فيه فأقرأ جزءاً من القرآن ، فإذا كان يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا صرت إلى الله ودفنت فيه ، فكان كما قال رحمهالله.
وفي رواية : حفر لنفسه قبراً وقال : أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهر ودفن عند والدته بشارع باب الكوفة في بغداد.
والثالث من السفراء أبوالقاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي ، أقامه أبو جعفر محمّد بن عثمان مقامه قبل وفاته بسنتين ، وقد جمع وجوه الشيعة وشيوخها ، وقال : إن حدث عَلَيَّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه.
وكان الحسين بن روح وكيلاً لمحمّد بن عثمان سنين عديدة ، وكان رضي الله عنه من أعقل الناس عند المخالف والمؤالف ، وقد جعل من بعده للأمر أبو الحسن علي ابن محمد السمري رحمهالله ، ولمّا توفي رحمهالله دفن في النوبختية في الدرب النافذ إلى التل وإلى درب الآخجر وإلى قنطرة الشوك.
والرابع من السفراء علي بن محمد السمري رحمهالله روى الشيخ الطوسي رحمهالله عن أحمد ن إبراهيم بن مخلد ، قال : حضرت بغداد عند المشايخ رحمهالله فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري قدس الله روحه : ابتدأ منه قائلاً : رحم الله علي ابن الحسين بن بابويه القمي وهو والد الصدوق رحمهالله ، فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم ، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم.
وفي رواية : قال لهم : آجركم الله فيه فقد قبض هذه الساعة فاثبتوا التاريخ ، فلمّا كان بعد سبعة عشر يوماً أو ثمانية عشر يوماً ورد الخبر بوفاته في تلك الساعة التي أخبرنا بها علي بن محمّد السمري.
وذكر الشيخ الطوسي رحمهالله في كتاب الغيبة أنّ السمري رحمه أخرج قبل وفاته بأيام إلى الناس توقيعاً نسخته :
(بسم الله الرحمن الرحيم)
يا علي بن محمد عظم الله أجر إخوانك فيك فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام فاجمع أمرك ولا توصي إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلّا
بالله العلي العظيم).
قال الراوي : فلمّا كان اليوم السادي عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك؟ فقال : لله أمر هو بالغه ، وكانت وفاته في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
أقول : انتهت بموته الغيبة الصغرى فكانت الغيبة الكبرى حتى يأذن الله له بالظهور.
متى ينجلي ليل النوى عن صبيحة |
|
نرى الشمس فيها طالعتنا من الغرب (١) |
__________________
(١) من قصيدةٍ للشيخ عبدالحسين الأعسم رحمهالله مطلعها :
نري يدك ابتلّت بقائمةِ العضب |
|
فحتّام حتّام إنتظارك للضَّرْبِ |
المطلب الخامس والخمسون
في ما كان يصنعه ملوك الشيعة بمصر وبغداد يوم عاشوراء
اتخذ الناس يوم عاشوراء بعد مقتل الحسين عليهالسلام يوم حزن وبكاء وهم ينصبون المأتم والعزاء كل ذلك مواساة لأهل البيت وتقرباً إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلى ذوي القربى ، وينظمون القصائد في رثاء الحسين عليهالسلام وتتلى على الأشهاد ، أخذ الخلف عن السلف ، هاك ما يحدّثنا التاريخ عن أيام الفاطميين في مصر وما كانوا يصنعونه يوم عاشوراء من إقامة الشعائر والمواكب.
قال المقريزي في الخطط : كانوا ـ يعني الفاطميين ـ ينحرون في ويم عاشوراء الإبل والبقر والغنم يكثرون النوح والبكاء ، ويسبّون من قتل الحسين عليهالسلام ، ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم.
وذكر في موضع آخر انه في يوم عاشوراء من سنة ثلاث وستّين وثلاثمائة انصرف خلق من الشيعة إلى قبر أم كلثوم ونفيسة ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين عليهالسلام.
وذكر المقريزي أيضاً : قال ابن الطوبر : إذا كان يوم العاشر من المحرّم احتجب الخليفة عن الناس ، فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيروا زيهم فيكونون كما هو اليوم ، ثم صاروا إلى المشهد الحسيني وكان قبل ذلك يعمل في الجامع الأزهر ، فإذا جلسوا فيه ومن معهم من قرّاء الحضرة
والمتصدّرين في الجوامع جاء الوزير فجلس صدراً والقاضي والداعي من جانبيه والقرّاء يقرؤون بنوبة وينشد قوم من الشعر غير شعراء الخليفة ، شعراً يرثون به أهل البيت عليهالسلام ، ولا يزالون إلى أن تمضي ثلاث ساعات فيستدعون إلى القصر ، فيركب الوزير إلى داره ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما إلى باب الذهب فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتلحق بالمصاطب وتفرش ويجدون صاحب الباب جالساً ، فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم فيقرأ القراء وينشد المنشدون أيضاً ، ثم يفرش على سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والممحات والمخللات والأجبان والألبان الطاسجة ، وأعسال النحل والفطير والخبز المغيّر لونه بالقصد ، فإذا قرب الظهر وفق صاحب الباب وصاحب المائدة ، وأدخل الناس للأكل فيدخل القاضي والداعي ، ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير المذكور أنّ إلى جانبه ، وفي الناس من لا يدخل ولاه يلزم أحد بذلك فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركباً ، بذلك الزي الذي ظهروا فيه وطاف النواح بالقاهرة ذلك اليوم وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى جواز العصر ، فيفتح الناس بعد ذلك وينصرفون ، هذا ما كان يصنع في مصر يوم عاشوراء أيام الفاطميين.
وأما ما كان يصنعه آل بويه في بغداد فقد ذكره أرباب التاريخ ، وذكر أبو الفداء في حوادث سنة ثلاثمائة واثنين وخمسين يوم عاشوراء المحرم أمر معزّ الدولة الناس أن يغلقوا دكاكينهم ويظهرون النياحة ، وأن تخرج النساء منشرات الشعور مسودّات الوجوه قد شققن ثيابهنّ ويلطمنّ وجوههنّ على الحسين بن علي عليهالسلام ، ففعل الناس ذلك.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية : وقد أسرفوا في دولة بني بويه في حدود
الأربعمائة وما حولها ، فكانت الدرادل (١) تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء ويذري الرماد والتبن في الطرقات ، وتعلق المسوح (٢) على الدكاكين ، ويظهر الناس الحزن والبكاء ، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتذّ موافقة للحسين حيث قتل عطشاناً.
أقول : وكل هذه القضايا أخبر عنها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سيدة النساء فاطمة يوم ولادة الحسين عليهالسلام حيث جاء النبي إلى بيت فاطمة وقال : عَلَيَّ بولدي الحسين ، فأخذه وجعل ينظر إليه وهو يبكي ، فقالت له فاطمة : يا أبة مالي أراك تنظر إلى ولدي الحسين وتبكي؟ فقال لها : بنية هذا جبرئيل يخبرني أنّ أُمّتي تقتله. فقالت فاطمة : يا أبتاه ومتى يكون ذلك؟ فقال لها : بنية في زمان خال منّي ومنك ومن أبيه أمير المؤمنين وأخيه الحسن. فقالت : أجل ومن يبكي على ولدي الحسين؟ فقال لها : (بنية يقيض الله له شيعة فيبكون على ولدي الحسين ، جيلاً بعد جيل ، وينصبون المأتم والعزاء عليه).
أقول :
يا رسول الله يا فاطمة |
|
يا أمير المؤمنين المرتضى |
عظّم الله لك الأجر بمن |
|
كض أحشاه الظما حتى قضى |
هذا ما تيسر لنا جمعه (الجزء الأول والجزء الثاني) من كتاب (ثمرات الأعواد) ، وترقّبوا كتاب (المطالب المهمة) ملمّ بحياة الأئمّة الإثني عشر يحتوي على مطالب مرتّبة في ولاداتهم وفضائلهم ومناقبهم ووفياتهم وهو مائة مطلب وبالله التوفيق ومنه الأجر ، تم سنة ١٣٩٠.
__________________
(١) الدرادل : الطبول.
(٢) المسموح الكساء من الشعر جمع مسح.
المحتويات
المطلب الأوّل : في مسير السبايا والرؤوس إلى الكوفة.................................. ٣
المطلب الثاني : يتضمّن خطبة العقيلة زينب واُختها اُم كلثوم عليهماالسلام في الكوفة............ ٧
المطلب الثالث : في خطبة فاطمة بنت الحسين عليهماالسلام بالكوفة....................... ١٠
المطلب الرابع : في خطبة السجاد زين العابدين عليهالسلام بالكوفة......................... ١٣
المطلب الخامس : في دخول السبايا على ابن زياد لعنه الله بالكوفة..................... ١٦
المطلب السادس : في خطبة ابن زياد بالجامع وجواب عبدالله بن عفيف له و............ ٢٠
المطلب السابع: في إرسال الرؤوس والسبايا إلى الشام................................. ٢٣
المطلب الثامن : في وصول السبايا والرؤوس إلى دمشق الشام.......................... ٢٨
المطلب التاسع : في دخول السبايا والسجاد والرأس الشريف على يزيد................. ٣١
المطلب العاشر : في خطبة العقيلة زينب عليهاالسلام في مجلس يزيد......................... ٣٤
المطلب الحادي عشر : في خطبة علي بن الحسين في مجلس يزيد....................... ٣٨
المطلب الثاني عشر : في ذكر بعض ما جرى في مجلس يزيد لعنه الله................... ٤٢
المطلب الثالث عشر : في ما جرى على السبايا في مجلس يزيد........................ ٤٥
المطلب الرابع عشر : في ما جرى للسبايا بالخربة في الشام............................ ٤٨
المطلب الخامس عشر : في إظهار ندم يزيد وإنكاره على ابن مرجانة................... ٥١
المطلب السادس عشر : في رجوع السبايا من الشام ووصولهم إلى كربلاء............... ٥٤
المطلب السابع عشر : في ترجمة جابر بن عبدالله الأنصاري........................... ٥٨
المطلب الثامن عشر : في موضع دفن الرأس الشريف................................ ٦٣
المطلب التاسع عشر : في رجوع السبايا إلى المدينة................................... ٦٧
المطلب العشرون : في ملاقاة السجاد عليهالسلام مع عمّه محمّد............................ ٧١
المطلب الحادي والعشرون : في واقعة الحرّة.......................................... ٧٦
المطلب الثاني والعشرون : في مكاتبة ابن عباس ويزيد لعنه الله......................... ٨١
المطلب الثالث والعشرون : في ثورة العراقيين على ابن زياد لعنه الله..................... ٨٥
المطلب الرابع والعشرون : في ذكر التوّابين.......................................... ٨٨
المطلب الخامس والعشرون : في تتمة قضية التوّابين.................................. ٩٣
المطلب السادس والعشرون : في تتمة ذكر التوّابين................................... ٩٧
المطلب السابع والعشرون : في تتمة قضية التوّابين................................. ١٠٢
المطلب الثامن والعشرون : في واقعة التوّابين....................................... ١٠٥
المطلب التاسع والعشرون : في قضية المختار بن أبي عبيدة الثقفي رحمهالله................ ١٠٩
المطلب الثلاثون : في تتمة قضية المختار......................................... ١١٤
المطلب الحادي والثلاثون : في تتمة قضية المختار.................................. ١٢٠
المطلب الثاني والثلاثون : في محاربة المختار لأهل الكوفة............................ ١٢٤
المطلب الثالث والثلاثون : في بيعة أهل الكوفة للمختار............................ ١٢٨
المطلب الرابع والثلاثون : في ثورة أهل الكوفة على المختار.......................... ١٣٣
المطلب الخامس والثلاثون : في ما فعله المختار بقتلة الحسين عليهالسلام.................... ١٣٧
المطلب السادس والثلاثون : في مقتل عمر بن سعد عليه اللعنة...................... ١٤٢
المطلب السابع والثلاثون : في مقتل عبيدالله بن زياد عليه اللعنة...................... ١٤٦
المطلب الثامن والثلاثون : في تنزيه المختار عليهالسلام................................... ١٥٠
المطلب التاسع والثلاثون : في فضل الكوفة والأخبار الواردة فيها..................... ١٥٣
المطلب الأربعون : في ما فعله السفّاح ببني أمية.................................... ١٥٨
المطلب الحادي والأربعون : في بقية قضيّة السفاح وما فعله ببني أمية................. ١٦٢
المطلب الثاني والأربعون : في مقتل زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام..................... ١٦٧
المطلب الثالث والأربعون : في بقية قضية زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام............... ١٧١
المطلب الرابع والأربعون : في واقعة الزاب بين الاُمويين والعباسيين.................... ١٧٥
المطلب الخامس والأربعون : في ترجمة عيسى بن زيد وتخفيه.......................... ١٨٠
المطلب السادس والأربعون : في ترجمة يحيى بن زيد ومقتله عليهالسلام...................... ١٨٥
المطلب السابع والأربعون : في ترجمة محمّد ذي النفس الزكية عليهالسلام................... ١٨٩
المطلب الثامن والأربعون : في مقتل محمّد ذي النفس الزكية عليهالسلام.................... ١٩٣
المطلب التاسع والأربعون : في ترجمة إبراهيم ومقتله عليهالسلام........................... ١٩٨
المطلب الخمسون : في ترجمة الحسين بن علي عليهالسلام قتيل فخّ........................ ٢٠٣
المطلب الحادي والخمسون : في مقتل الحسين بن علي الحسني بفخّ................... ٢٠٧
المطلب الثاني والخمسون : في غيبة الحجة عليهالسلام................................... ٢١١
المطلب الثالث والخمسون : في غيبة الحجة عليهاالسلام.................................. ٢١٥
المطلب الرابع والخمسون : في سفراء الحجة عليهالسلام.................................. ٢١٩
المطلب الخامس والخمسون : في ما كان يصنعه ملوك الشيعة بمصر و................ ٢٢٤