ثمرات الأعواد - ج ١

علي بن الحسين الهاشمي الخطيب

ثمرات الأعواد - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي الخطيب


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

المؤلف في سطور

هو الخطيب البارع والأديب اللامع المغفور له السيد علي ابن الحسين الهاشمي النجفي عطّر الله تربته وعلّى في الجنان رتبته.

ولد ـ كما ذكر ذلك من ترجم له ـ في عاصمة العلم والدين النجف الأشرف على مُشرّفها آلاف التحيّة والثناء عام ١٣٢٦ هجرية وفيها نشأ وترعرع.

تلقّى رضوان الله عليه تحصيله العلمي ودراسته الدينيّة على أيدي استاتذة مبرّزين معروفين كان من بينهم :

١ ـ السيد مهدي الأعرجي.

٢ ـ الشيخ علي ثامر.

٣ ـ الشيخ علي كاشف الغطاء

تلقّى مبادىء الخطابة على جملةٍ من أماثل خطباء المنبر الحسيني الشريف منهم الخطيبان البارعان :

١ ـ السيّد صالح الحلي

٢ ـ الشيخ محمد حسين الفيخراني

وقد لازم الهاشمي الأخير ردحاً من الزمن حتّى انفرد بنفسه.

لم يكن المترجم له خطيباً مفوهاً وكاتباً مبدعاً ومحققاً يشار إليه بالبنان فحسب ، بل كان طاب ثراه وجعل الجنّة مثواه بالإضافة إلى ما تقدّم شاعراً مجيداً نظم الكثير من القصائد الممتعة والقطع الرائعة التي تكشف ولا شك عن شاعرية مرنة.

وبودي أن احيلك ـ قارىء العزيز ـ على كتابين جليلين لتقف من خلالهما على نماذج من شعره الرائق وهما :

١ ـ شعراء الغري للشيخ علي الخاقاني.

٢ ـ معجم الخطباء للسيّد داخل السيّد حسن

حيث حوى كلُّ من الكتابين المذكورين ترجمة للهاشمي مع نماذج من شعره رحمه الله.

له عليه الرحمة والرضوان مؤلفات قيمة وكتب نافعة أستطيع القول أنّها ملأت فراغاً في المكتبتين العربية والإسلامية ، إليك أسماء بعض منها :

١ ـ الحسين في طريقه إلى الشهادة

٣

٢ ـ قبور الصحابة في العراق

٣ ـ عقيلة بني هاشم

٤ ـ محمد ابن الحنفية

٥ ـ شرح ميمية أبي فراس

٦ ـ واقعة الجمل

٧ ـ كميل ابن زياد النخعي

٨ ـ موسى الكاظم عليه‌السلام

٩ ـ الهاشميات ـ يضمّ هذا الكتاب ما بين دفتيه قسماً من شعره الدارج ـ.

١٠ ـ المطالب المهمة في تأريخ النبي والزهراء والأئمة

١١ ـ سعيد ابن جبير

١٢ ـ ثمرات الأعواد وهو الكتاب الماثل بين يديك أخي القارئ ويعدّ هذا الكتاب المنيف من أشهر وأنفس مؤلفاته رحمه الله.

وقد طُبع عدّة طبعات في العراق وايران وغيرهما من البلدان غير أنّه لم يكن في تلك الطبعات خالياً من الأخطاء والإشتباهات التحريف والتصحيف فعزَّ ذلك على أخينا وعزيزنا خادم العترة الطاهرة الاستاذ الفاضل محمّد صادق الكتبي دام عُلاه فطلب إليّ مشكوراً أنّ أتولى مُراجعة الجزء الثاني من الكتاب وأن أرجع ما ورد فيه من نصوص شريفة وأخبار منيفة إلى مصادرها فكان الذي أراد حيث أرجعت أغلب الأخبار وأكثر النصوص إلى منابعها الأصلية مع ذكر أرقام الآيات البيّنات وأسماء سورها وبيان اسم الشاعر الذي استشهد المؤلف بشعره ما وسعنى ذلك.

وهنا يجمل بي أن اشير إلى أنّ الجزء الأوّل من الكتاب كان قد تولى تحقيقه ومراجعته تجل المؤلّف البارّ الأخ العزيز حجّة الإسلام السيد رأفت الهاشمي وفّقه الله لخير الدارين وسعادة النشأتين إلّا أنّ ظروفاً قاهرةً حالت بينه وبين إتمام الجزء المذكور حيث انتهى به العمل إلى المجلس ٤٧ فقمت بتحقيق ما تبقّى منه والحمد لله.

استأثرت بروحه الرحمة الإلهيّة في الثالث والعشرين من شهر صفر من سنة ١٣٩٦ هجرية في مدينة الكاظيمة المقدسة وحمل جثمانه الطاهر إلى النجف الأعلى حيث أقبر بجوار جدّه أميرالمؤمنين ومولى الموحدين علي بن أبي طالب عليه صلوات الله وتسليماته.

١٠ / ربيع الأول ١٤٢٠

قم المقدسة ـ هادي الهلالي

٤

المطلب الاول

في ولادة الحسين عليه‌السلام

ولد الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام لثلاث ليال من شعبان (١) أو لخمس منه (٢) ، سنة أربع من الهجرة (٣) ، وكانت مدة حمله ستة أشهر ، ولم يولد لستة أشهر ، إلّا عيسى بن مريم والحسين ، وقيل : يحيى بن زكريا عليهم‌السلام (٤).

ولما ولد الحسين عليه‌السلام هبط الأمين جبرائيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه ألف ملك يهنئونه بولادة الحسين عليه‌السلام ، ثم جئ به إليه فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ثم حنكه بريقه ، وغذاه من لعاب فمه ، ودعا له (٥).

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : (لم يرتضع الحسين من ثدي فاطمة ولا من انثى ، بل كان يؤتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيضع ابهامه في فيه ، فيمص منها ما يكفيه

__________________

(١) مسار الشيعه : ٦١ ، مصباح المتهجد : ٧٥٨.

(٢) إرشاد المفيد : ٢ / ٢٧ ، مناقب ابن شهر اشوب : ٤ / ٧٦ ، مقاتل الطالبين : ٧٨ ، اُسد الغابة : ٢ / ١٨ ، الفصول المهمة لابن الصباغ : ١٧٠.

(٣) انظر ما تقدّم في (١) و (٢).

(٤) انظر تاريخ الخميس : ١ / ٤١٧.

(٥) مناقب ابن شهر اشوب : ٤ / ٨٢.

٥

اليومين والثلاث ، فنبت لحم الحسين من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودمه من دمه) (١).

وعن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يؤتى بالحسين فيلقمه لسانه ، فيمصه فيجتزئ به ، ولم يرضع من انثى) (٢).

وإلى ذلك أشار الشاعر بقوله :

لله مرتضع لم يرتضع أبداً

من ثدي انثى ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه طوراً وآونة

من ريقه فاستوت منه طبائعه

سر به خصه باريه إذ جمعت

واودعت فيه عن أمر ودائعه

غرس سقاه رسول الله من يده

وطاب من طيب ذاك الأصل فارعه

نعم ما رضع الحسين عليه‌السلام عند ولادته من ثدي اثنى أربعين يوماً وليلة ، كما ذكر ذلك ابن شهر اشوب في المناقب. قال : إعتلت فاطمةعليها‌السلام لما ولدت الحسين وجف لبنها ، فطلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضعة فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه يمصها ويجعل الله في إبهام رسوله رزقاً يغذيه (٤) ، ففعل ذلك أربعون يوماً وليلة ، فانبت الله لحمه من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

ولما كان اليوم السابع سماه حسيناً (٦) وعق عنه كبشاً ، وأمر اُمه أن تحلق

________________

(١) اُصول الكافي : ١ : ٣٨٦ / ٤.

(٢) المصدر السابق : ذيل الحديث.

(٣) الأبيات.

(٤) في المصدر زيادة :

ويقال : بل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل لسانه في فيه ، فيغره كما يغر الطير فرخه ، فيجعل الله له في ذلك رزقا.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٧.

(٦) ذكر علي بن عيسى الأربلي عن عمران بن سليمان ، قال : «إنّ الحسن والحسين (إسمان) =

٦

رأسه وتتصدق عنه بوزن شعره فضة كما فعلت لأخيه الحسن عليه‌السلام ، فأمتثلت ما امرها به النبي (١).

وبقي مع جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله ثماني سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام ثمانية وثلاثين سنة ، وبعد أخيه الحسن عليه‌السلام عشر سنين (٢).

وكان حبيباً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال ابن عباس : (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبه ويحمله على كتفه ويقبل شفتيه وثناياه (٣).

وذكر في كتاب كشف الغمة (لعلي ابن عيسى الأربلي) ، (وابن عساكر) في التأريخ الكبير ، عن اُمّ الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث (٤) ـ زوجة العباس بن

________________

= من أسماء أهل الجنة ، لم يكونا في الجاهلية»

اقول : لم نعثر عليه في مصنف علي بن عيسى الأربلي (كشف الغمة) ، وذكره ابن عساكر في تأريخه في ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام ، ١٧ ، وذكره أيضاً ابن سعد في ترجمة الامام الحسن عليه‌السلام : تحقيق العلامة المحقق الكبير عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير والذي نُشر في مجلة تراثنا (ع ١١ ـ سنة ١٤٠٨ هـ) ص ١٢٨ ، وفيه أيضاً من عمران بن سليمان.

(١) الفصول المهمة لأبن الصباغ : ١٧٠.

(٢)

(٣)

(٤) لبابة بنت الحارث ابن حزن الهلالية ، الشهيرة بأُمّ الفضل ، زوجة العباس بن عبد المطلب ، أنجت له سبعة منهم الفضل وعبدالله وعبيد الله وغيرهم ، ويُقال : أنّها أوّل امرأة أسلمت بعد مولاتنا خديجة الكبرى عليها‌السلام (على قول ابن سعد) ، وكانت امرأة جليلة ولها موقف المؤرخون : وهم ضربتها (لأبي لهب) بعمود الحجرة وشج رأسه ، ومات بعدها على اثر تلك الضربة بسبعة أيام ، وذلك رداً عليه حين رأته يضرب (أبا رافع) مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحجرة زمزم بعد وقعة «بدر» ، وكان رسول الله يكرمها ويزورها ويقيل في بيتها وروت عنه أحاديث ، انظر ترجمتها في : الإصابة ٤ / ٣٩٨ في ـ (رقم : ٩٤٢) و ٤ / ٤٨٣ ـ (رقم : =

٧

عبدالمطلب ـ قالت : رأيت فيما يرى النائم كأن عضواً من أعضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سقط في حجري فلمّا انتبهت اتيت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلت له : يا رسول الله رأيت في منامي كذا وكذا ؛ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (خيراً رأيت يا أُمّ الفضل ، ستلد ابنتي فاطمة ولداً فترضعيه بلبن ابنك قثم) قالت : فولدت فاطمة الحسين فكفلته. قالت : وتركته يوما عند جده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومضيت لاتيه بماء ، فلما رجعت وجدت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي فقلت له : بأبي انت وأمي مم بكائك؟ قال : (يا ام الفضل هذا جبرائيل يخبرني أنّ ولدي هذا يقتل ، تقتله اُمتي ، لا أنالهم الله شفاعني يوم القيامة). (١)

ولمّا أتت على الحسين عليه‌السلام سنة كاملة هبط على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر ملك ، محمرة وجوههم ، وباكية عيونهم وقد نشروا أجنحتهم وهم يقولون : (يا محمد إنّه سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ما نزل بهابيل وقابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل) ، ولم يبق في السماوات ملك إلّا ونزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويعرض عليه تربته ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : (اللهم اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تُمتّعه بما طلبه) (٢).

ولمّا أتى على الحسين عليه‌السلام من مولده سنتان خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر له ، فوقف في بعض الطريق ثم استرجع فدمعت عيناه ، فسُأل عن ذلك ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشط الفرات يقال لها كربلاء ، يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة) ؛ فقيل له : يا رسول الله ومن يقتله : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رجل يقال له

__________________

= ١٤٤٨) ، والإستيعاب (بهامش الإصابة) ٤ / ٣٩٨ و ٤ / ٤٨٢ ، وسيرة ابن هشام (طبعة الحلبي) : ٢ / ٣٠٢ و ٣ / ٥٨ ، والروض الأنف : ٢ / ٧٨ ، والاعلام للزركلي : ٥ / ٢٣٩.

(١) تأريخ ابن عساكر : ١٤ / ١١٤ و ١٩٦ و ١٩٧ وكشف الغمة : ٢ / ٧ ، والملهوف للسيد ابن طاووس رحمه الله : ٩١.

(٢) مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١ / ١٦٣ ، والملهوف للسيد ابن طاووس رحمه الله ٩٢.

٨

يزيد (لا بارك الله في نفسه) (١) ، وكأني انظر الى مصرعه ومدفنه» (٢).

ولمّا رجع من سفره صعد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر مهموماً ومغموماً ، فخطب الناس ووعظهم وكان الحسن والحسين عليهم‌السلام بين يديه ، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن واليسرى علي رأس الحسين عليهم‌السلام ، ثم رفع رأسه الى السماء وقال : «اللّهمّ إنّ محمداً عبدك ورسولك ونبيك ، وهذان اطائب عترتي وخيار ذريتي ، وأرومتي ومن اخلفهما في أُمتي ، وقد أخبرني جبرائيل أنّ ولدي هذا مخذول ومقتول ، اللّهمّ فبارك له في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، اللّهمّ ولا تبارك في قاتليه وخاذليه».

قال الراوي : فضج الناس بالبكاء ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتبكونه ولا تنصرونه؟! ثم رجع وهو متغير اللون ، محمر الوجه ، فخطب خطبة اُخرى موجزة وعيناه تهملان دموعاً ، ثم قال :

«أيها الناس اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، وإني لا اسالكم في ذلك إلّا ما أمرني ربي أن اسألكم ، المودة في القربى ، فانظروا أن لا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتم عترتي وظلمتوهم» (٣).

__________________

(١) زيادة اوردناها من المصدر.

(٢) في المصدر زياده بعد (ومدفنه) : «بها وقد أهدي رأسه ، والله ما ينزر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلّا خالف الله بين قلبه ولسانه». (يعني) : ليس في قلبه ما يكون بلسانه من الشهادة ...

(٣) انظر مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي : ١ / ١٦٤ ، وللخبر بقية في المصدر. وذكره السيد ابن طاووس في الملهوف : ٧ ، وابن نما في مثير الاحزان : ١٧ ، وعنه في البحار : ٤٤ / ٢٦٤ ـ الحديث (٤٦).

٩

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا زال يوصي بعترته إذ انّه يعلم ما يصيبهم من شرار أُمته من بعده من قتل الرجال ، وسبي العيال من بلد إلى بلد ، وليته يرى ولده الحسين يوم عاشوراء وقد مثلوا به أهل الكوفة بكل مُثلة ، قطع الشمر رأسه ، وبجدل إصبعه ، والجمال يديه ، وأخذ ابن سعد درعه ، وسلبه ابحر ابن كعب ثوبه ، وتركوه مجدلاً عفيراً ، كما قال السيد رحمه الله :

عفيراً متى عاينته الكماة

يختطف الرعب ألوانها

تريب المحيا تظن السما

بأن على الأرض كيوانها (١)

وقال الآخر :

عاري اللباس قطيع الرأس منخمد

الأنفاس في جندل كالجمر مضطرم

__________________

(١) انظر أسرار الشهادات للفاضل الدربندي : ٣ / ١٢٤.

(٢) وزينب عليها‌السلام كأني بلسان حالها :

(نصاري)

يبو روح العزيزة اشلون ساجم

ابهالشمسة وعلى التربان نايم

ثلث تيام عن الماي صايم

عاري امگطّع امخضّب امعفّر

(دكسن)

يخويه ابيش اضمّك وين اودّيك

يخويه اشلون اصد عنّك وخليك

تراني اتحيّرت يا مهجتي بيك

يخويه ابيش اضلّلك عن الحر

ولسان حال الحسين لشيعته :

(بحراني)

شيعتي كثر البچه حگّي عليكم والنّحيب

شفتو مثلي بالخلگ مذبوح عطشان أو غريب

والچفن سافي ياشيعه وبالدمه شيبي خضيب

والحراير نصب عيني من خدرها امشتّته

(تخميس)

فان يمس فوق الترب عريان لم تقم

له ماتماً تبكيه فيه محارمه

فأيّ حشىَّ لم يُمس قبراً لجسمه

وفي أيّ قلب ما أقيمَت مأتمه

١٠

المطلب الثاني

في كرم الحسين عليه‌السلام

قال محمد ابن ابي طلحة الشافعي في (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) ؛ في الفصل السابع ـ في كرم الإمام الحسين عليه‌السلام وجوده :

قد اشتهر النقل عنه عليه‌السلام بأنه يكرم الضيف ، ويمنح الطالب ، ويصل الرحم ، وينيل الفقير ، ويسعف السائل ، ويكسو العاري ، ويشبع الجائع ويعطي الغارم ، ويشد من الضعيف ، ويشفق على اليتيم ، ويعين ذي الحاجة ، وقل أن وصله المال إلّا فرقه (١).

وكان عليه‌السلام يقول : (شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء ، والقسوة على الضعفاء ، والبخل على الإعطاء) (٢).

ذكر صاحب «عقد اللال في مناقب الآل» : إنّ الحسين عليه‌السلام كان جالساً في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاة اخيه الحسن عليه‌السلام وكان عبد الله بن الزبير جالساً في ناحية المجلس ، وعتبة ابن سفيان (٣) أخرى ، فجاء أعرابي على ناقة فعقلها

__________________

(١) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ٢ / ٢٨.

(٢) مناقب ابن شهر اشوب : ٤ / ٦٥.

(٣) عتبة ابن ابي سفيان : أخو معاوية لأمه وأبيه ، ولد على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يكنى ابا

١١

بباب المسجد ودخل ، فوقف على عتبة بن أبي سفيان فسلم عليه فردّ عليه‌السلام ، فقال له الأعرابي : إني قتلت ابن عم لي ، وطولبت بالدية ، فهل لك أن تعطيني شيئاً؟ فرفع رأسه إلى غلامه وقال ، ادفع اليه مائة درهم ، فقال الأعرابي : ما اُريد الّا الدية تماماً ؛ ثم تركه وأتى عبد الله ابن الزبير ، وقال له مثل ما قال لعتبة ، فقال عبدالله لغلامه : ادفع مائتي درهم ، وقال الأعرابي : ما اُريد الّا الدية تماماً ، ثم تركه واتى الحسين عليه‌السلام فسلم عليه ، وقال : يابن رسول الله إني قلت ابن عم لي وقد طولبت بالدية ، فهل لك أن تعطيني شيئاً؟ فقال : يا أعرابي نحن قوم لا نعطي المعروف إلّا قدر المعرفة ، فقال : سل ما تريد؟ فقال له الحسين : يا أعرابي ما

__________________

الوليد اُمه : هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد الشمس ، وكانت تذكر في مكة بفجور وعُهر ومن ذوات الرايات ، وقالوا : إنّ عتبة كان يُعزى الى الصباح ؛ مُغنٍ كان لعمارة ابن الوليد ، وكان أيضاً اجيرا لأبي سفيان ، وكان شاباً وسيماً ، فدعته هند إلى نفسها فغشيها : وقالوا ايضا : ان هند كرهت تضعها في بيتها ، فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك ، وفي هذا المعنى يقول حسان بن ثابت أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل عام الفتح :

لِمَن الصّبيّ بجانب البَطحا

في التُرب ملقىً غَيرَ ذي مَهد

نجلت به بيضاء آنِسَةٌ

مِن عَبد شمس صَلتَه الخدّ

وفي زمن خلافة عمر بن الخطاب ولاه عمر المدينة الطائف ، وشهد يوم الدار مع عثمان ، وشهد يوم الجمل مع عائشة وفقئت عينيه ، وفي زمن خلافة معاوية حج بالناس سنتين (٤١ ـ ٤٢ هـ) ، ثم ولاه معاوية زمناً على المدينة والطائف والموسم ، واخيرا ولاه مصر بعد هلاك عمرو بن العاص ، فهلك هو الاخر ودفن فيها ، وكان هلاكه في سنة أربع وأربعين ، وقدمه الى مصر وتوليه امرها كان سنة ثلاث وأربعين للهجرة.

انظر : الاستيعاب (بهامش الاصابة) : ٣ / ١٢١ ، رغبة الآمل من كتاب الكامل : ٤ / ٣٣ و ٨ / ١٥٣ ـ ٢٧١ ، والنجوم الزاهرة : ١ / ١٢٢ ، والأعلام للزركلي : ٤ / ٢٠٠ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٣٣٦. وديوان حسان بن ثابت : ١٥٧.

١٢

النجاة من الهلكة؟ قال : التوكّل على الله عزوجل ، فقال : وما الهمة؟ قال : الثقة بالله ، ثم سال الحسين غير ذلك فاجابه الأعرابي ، فأمر الحسين بعشرة الآف درهم ، وقال له : هذه لقضاء ديونك وعشرة الآف درهم اُخرى ، وقال : هذه تلمّ بها شعثك وتحسن بها حالك وتنفق منها على عيالك ، فأنشأ الأعرابي ويقول :

طربت وما هاج لي معبق

ولا لي مقام ولا معشق

ولكن طربت لال الرسول

فلذّ لي الشعر والمنطق

هم الأكرمون هم الأنجبون

نجوم السما بهم تشرق

سبقت الأنام الى المكرمات

وأنت الجواد وفلا تلحق

ابوك الذي ساد بالمكرمات

فقصر عن سبقه السبق

به فتح باب الله باب الرشاد

وباب الفساد بكم يغلق (١)

وعن أنس ، قال : كنت عند الحسين عليه‌السلام فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيته بها ، فقال لها : أنت حرة لوجه الله تعالى ، فقلت له جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟ فقال : كذا أدبنا الله فقال تبارك وتعالى : (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدّوهَا) (٢) وكان أحسن منها عتقها (٣).

وجنى بعض مواليه بعض جناية توجب التأديب فأمر بتأديبه ، فقال : يا مولاي قال الله تعالى : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) (٤) قال عليه‌السلام : خلوا عنه فقد كظمت غيظي ، فقال : (وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ) (٥) فقال عليه‌السلام : قد عفوت عنك ، قال : (وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ) (٦)

__________________

(١) عن مقتل الحسين للخوارزمي ١ / ١٥٥ (باختلاف يسير).

(٢) سورة النساء ٤ : ٨٦.

(٣) كشف الغمة ٢ / ٣١.

(٤ ـ ٦) سورة آل عمران ٣ : ١٣٤.

١٣

قال : أنت حر لوجه الله تعالى ، وأجازه بجائزة سنية (١).

وذكر «ابن عساكر» في تأريخه ، قال : إنّ سائلاً خرج يتخطى أزقة المدينة حتى أتى باب الحسين عليه‌السلام فقرع الباب وأنشأ يقول :

لم يخب اليوم من رجاك ومن

حرَّك من خلف الباب بابك الحلقه

أنت ذوالجود أنت معدنه

أبوك قد كان قاتل الفسقة

وكان الحسين واقفا يصلي ، فخف من صلاته ، فخرج الى الأعرابي فرأى عليه أثر ضرّ وفاقة ، فرجع ونادى بقنبر فأجابه : لبيك يابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : ما تبقى معك من نفقتنا؟ قال : مائتا درهم أمرتني بتفريقها على اهل بيتك ؛ فقال عليه‌السلام : هاتها فقد أتى من هو أحق بها ، فأخذها وخرج يدفعها إلى الأعرابي وانشأ عليه‌السلام يقول :

خذها فأني اليك معتذر

واعلم بأني عليك ذو شفقه

ولو كان في سيرنا الغداة عصى

كانت سمانا عليك مندفقه

ولكن ريب الزمان ذو غير

والكف مني قليلة النفقه

ومن شعره المنسوب له عليه‌السلام :

إذا جاءت الدنيا بك فجد بها

على الناس طراً قبل أن تتفلت

فلا الجود يفنيها اذا هي اقبلت

ولا البخل يبقيها اذا هي ولت (٢)

وجاء أعرابي اليه يوماً فقال له : يابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أداءها ، فقلت في نفسي أسأل أكرم الناس وأنا ما رأيت اكرم من أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد ؛ فقال الحسين عليه‌السلام : يا أخا العرب أسألك عن ثلاث

__________________

(١) كشف الغمة : ٢ / ٣١.

(٢) تاريخ ابن عساكر : ١٤ / ١٨٥.

١٤

مسائل فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإن أجبت عن اثنين أعطيتك ثلثي المال ، وان أجبت عن الكلّ اعطيتك المال كلّه ؛ فقال الأعرابي : يابن رسول الله أمثلك يسأل مثلي وأنت ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!! فقال الحسين عليه‌السلام : بلى سمعت جدي رسول الله يقول : «المعروف بقدر المعرفة» فقال الأعرابي : سل عمّا بدا لك ، فإن أجبت وإلّا تعلمت منك ولا قوة إلّا بالله ، فقال الحسين عليه‌السلام : أي الأعمال أفضل؟ فقال الأعرابي : الإيمان بالله ، فقال الحسين عليه‌السلام : فما النجاة من الهلكة؟ فقال الأعرابي : الثقة بالله ، فقال الحسين عليه‌السلام : فما يزين الرجل؟ فقال الأعرابي : علم مع حلم ، فقال عليه‌السلام : فإن أخطأ ذلك؟ قال : مال معه مروءة ، فقال عليه‌السلام : فان أخطأ ذلك؟ فقال : فقر معه صبر ، فقال الحسين عليه‌السلام : فان أخطأ ذلك؟ فقال الأعرابي : فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه فأنه أهل لذلك ؛ فضحك الحسين عليه‌السلام ورمى اليه بصره فيها ألف دينار ؛ وقيل وأعطاه خاتمه وقيمته مائة درهم ، وقال له : اعطي الذهب إلى غرمائك واصرف هذا الخاتم في نفقتك ، فأخذ الأعرابي ذلك كلّه ، وقال : الله يعلم حيث يجعل رسالته (١).

وكان للحسين عليه‌السلام ثلاث خواتم ، الخاتم الأول : الذي أعطاه لهذا الأعرابي كما سمعت ، والخاتم الثاني : الذي أعطاه لولده علي الكبر يوم عاشوراء ، وقد رجع إليه من الحرب وهو يقول : أبه العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد الجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل اتقوى بها على العداء؟ فقال له الحسين عليه‌السلام : «يعز والله على أبيك أن تدعوه فلا يجيبك ، بني هات لسانك ، فاخذ لسانه فمصه ودفع إليه خاتمه الشريف ، وقال له بني امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك» (٢) فرجع

__________________

(١) مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٥٧.

(٢) أسرار الشهادات للّفاضل الدربندي : ٢ / ٦٤١.

١٥

علي الأكبر إلى الحرب ... الخ. وأمّا الخاتم الثالث : فقد اخذه بجدل بن سليم الكلبي (١) وأقسم بالله لو أن بجدل طلب من الحسين عليه‌السلام هذا الخاتم لجاد به عليه كما جاد على ذلك الأعرابي ، ولكن ابى اللعين إلّا فعل الاراذل ، طلب قطعة سيف وحز به خنصر الحسين عليه‌السلام وقد جمد عليه الدم واستخرج الخاتم.

لهفي على تلك الأنامل قطعت

ولو أنّها اتصلت لكانت ابحرا (٢)

__________________

(١) اسرار الشهادات للفاضل الدربندي : ٣ / ١٢٤.

(٢)

(بحراني)

فعل بجدل يا خلق ما صار مثله او لا جرى

هيّج احزاني عليه ويفت گلبي امن اذكره

ما كفاه اتقطعت اوصاله ولا حز الوريد

او لا ترضض جثّته ابخيل العدى فوگ الصعيد

او عاين الخاتم يلوح ابخنصر احسين الشهيد

جامده عليه الدما واحنا يحز ابمخنجره

وعلى التكه ويح گلبي گطع جماله الكفوف

عاينه اموزع على التربان من ضرب السيوف

او عاين التكه ولزمه أولا دخل قلبه الخوف

ما دره احسين اية الله واهو جثّه امطبّره

مد ابو سكنه يمينه او گطعه او مد الشمال

اورد براها ولكوان تزلزلت والعرش مال

او نزل خير الرسل طه والوصي فخر الرجال

والحسن والزاكيه اُمّه والشعور امنشّره

(نصاري)

من عادت البلمعركه يطيح

لو بي سلامه لخوته ايصيح

او لو مات ما يبگه طريح

يشيلوه ويسوون له اظريح

مشفنة اليگع بين المجاريح

وامسبّح ابدم راسه تسبيح

يبكه ابمچانه محّد ايزيح

عنّه العدى او يمسى ذبيح

(تخميس)

فادح شبَّ في الحشى بأوار

ومصاب قد حَطّ كُلّ مناري

يوم نادى العلاء والدمع جار

قوضي يا خيام عليا نزار

فلقد قَوَّضَ العمادُ الرفيعُ

١٦

المطلب الثالث

في حب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين عليه‌السلام

روى ابن ماجة في «السنن» وابن عساكر في «التاريخ» ، وأبو الحسن علي بن عيسى الأربلي في «كشف الغمة» عن يعلي بن مرة العامري (١) أنه قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى طعام دعوا له ، فأذا الحسين في السكة مع غلمان يلعب ، فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضاحكه حتى أخذه فوضع أحدى يديه تحت قفاه والاُخرى تحت ذقنه وقبله ، وقال : «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط» (٢).

__________________

(١) يعلى بن مرّة بن وهب العامري ، ويكنى : أبو المرازم الثقفي ، من ثقيف ، وهو يعلي بن سيابة وهي اُمه ، شهد مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحديبية وخيبر والفتح والطائف وحنين ، وروي عنه وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام وعن أبيه مرّة ، وأولاده عبدالله وعثمان ورووا عنه ، وكان صحابياً فاضلاً في عداد أهل الكوفه ، وقيل : له دار بالبصرة ، وله ثلاث أحاديث صحيحة ذكرها العامة في كتبهم في فضائل سيد الشهداء الامام الحسين عليه‌السلام وانظر مصادر الترجمة : طبقات ابن سعد : ٦ / ٤٠ ، وتاريخ الدوري : ٢ / ٦٨٣ ، وطبقات خليفه : ٥٣ / ١٣١ و ١٨٢ ومسند احمد : ٤ / ١٧٠ ، وتاريخ البخاري الكبير : ٨ / ٣٥٣٦ ، وتهذيب أهل الكمال : ٣٢ : ٣٩٨ / ٧١١٨ ، والاستيعاب (بهامش الاصابه) : ٣ / ٦٦٥ ، والاصابة : ٣ : ٦٦٩ / ٩٣٦١.

(٢) سنن إبن ماجة : ١ : ٥١ / ١٤٤ ـ باب (١١) ، وتاريخ ابن عساكر : ١٤ / ١٤٨ و ١٤٩ ، وكشف الغمة : ٢ / ٦.

١٧

وذكر صاحب «الاستيعاب» عن أبي هريرة أنّه قال : أبصرت عيناي هاتان ، وسمعت اُذناي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : «ترق عين بقه» (١) ، قال : فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : افتح فاك ثم قبله ، ثم قال : «اللّهمّ أحبه فأنّي اُحبّه» (٢)

وروى صاحب «ينابيع المودة» عن أبي هريرة أيضاً ، قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدلع لسانه للحسين فيرى الصبي حمرة لسانه فيهش اليه ، فقال عينية ابن بدر : أراه يصنع هذا فوالله إنّ لي ولد فما قبّلته قط ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من لا يَرحم لا يُرحم» (٣).

وعن البراء بن عازب (٤) قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حامل الحسين بن علي

__________________

(١) البقة (البعوضة) كأنّه يقول اصعد يا صغير الجثة.

(٢) الإستيعاب في معرفة الأصحاب : ١ / ٣٩٧.

(٣) ينابيع المودة : ٢ : ٢٠٤ / ٥٩٠.

(٤) البرآء بن عازب : صحابي ، ولد قبل الهجرة بعشر سنين ، وقيل : بإثنتي عشر سنه ، شهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمس عشرة غزوة أوّلها غزوة (اُحد) ، وشهد مع امير المؤمنين عليه‌السلام «الجمل وصفين والنهروان» ، وممن كتم الشهادة لأمير المؤمنين عليه‌السلام بخصوص «حديث الغدير بخم» ـ في محضر أميرالمؤمنين عليه‌السلام ـ في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لجمع من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل تشهدون على ذلك؟ فشهد من حضر وكتم شهادته البرآء بن عازب وأنس بن مالك فدعى عليهم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأصاب البرآء عمى ، وأصاب أنس البرص ، وروى الشيخ المفيد رحمه الله في الارشاد : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال للبرآء بن عازب ذات يوم بالأبواء : «يقتل إبني الحسين وأنت حي لا تنصره». فلمّا قتل الحسين عليه‌السلام كان البرآء بن عازب يقول : صدق والله علي بن ابي طالب ، قتل الحسين ولم أنصره. ثم يظهر الحسرة على ذلك والندم. مات البرآء في الكوفة سنة إحدى وسبعين أو أثنتي وسبعين. انظر : ترجمة «البرآء بن عازب» في تاريخ من دفن في العراق من الصحابة : ٥٧.

١٨

على عاتقه وهو يقول : «اللّهمّ إني احبه فأحبّه» (١).

وربما كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمل الحسنين على كتفيه تارة وفي حجرة اُخرى ، بل وكان يصعدهما معه على منبره ، كما يروى عن بريدة أنّه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطبنا ، إذ جاء الحسن والحسين عليهم‌السلام وعليهما قميصان احمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المنبر فحملهما بين يديه ، ثم قال : «صدق الله حيث قال (أَنّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) (٢) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» (٣).

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينوه على الأشهاد بحبهما ، وعن أسامة بن زيد قال : طرقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة ، فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو ، فلمّا فرغت عن حاجتي قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فأذا الحسن والحسين على وركيه ، فقال : «هذان إبناي وإبنا إبنتي ، اللّهمّ إنّي أُحبّهما فأحبّهما وأحب من يحبهما» (٤).

وفي «الأصابة» عن مسند ابي يعلى بسنده : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، فأذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما ، فإذا قضى الصلوة وضعهما في حجره ، فقال : «من أحبني فليحب هذين» (٥).

_________________

(١) ينابيع المودة : ٢ / ٣٥ / ٩.

(٢) سورة الانفال : ٨ / ٢٨.

(٣) تاريخ ابن عساكر : ١٤ / ١٦١.

(٤) تاريخ ابن عساكر : ٤ / ١٥٥.

(٥) الإصابة في تمييز الصحابة : ٢ / ١٢.

١٩

وعن أبي هريرة (١) أيضاً قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه ، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى إنتهى إلينا ، فقال : «من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحب الحسن والحسين احببته ، ومن أحببته أحبه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله النار» (٣).

وعن زيد بن أرقم (٤) : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين :

__________________

(١) أبو هريرة الدوسي : من صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحاله معروف في صناعة الأخبار والأحاديث الملفقة ونسبتها إلى الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك لمصالحه الشخصية وإرضاءاً لبني اُميه «عليهم جميعاً لعنة الله».

انظر تدوين السنة الشريفة : ٢٩٧ ، ٤٨٦.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) تاريخ ابن عساكر : ١٤ / ١٥٦ وزاد فيه : وله عذاب مقيم.

(٤) زيد بن أرقم : الانصاري ، الصحابي الجليل ، ولد قبل الهجرة على ما يبدو ، فقد شهد (معركة اُحد) واستضغر ، وشهد مع رسول الله سبع عشرة غزوة ، ويقال أول مشاهده «غزوة بني المصطلق» او «المريسيع» وهي قرية من ناحية «قديد» بأطرف مكة ، وشهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام صفين ، وقال الكشي : من السابقين الذين رجعوا إلى امير المؤمنين ، وله مواقف عديدة تظهر حسنه ومنزلته العالية ، منها : موقفه في سقيفة بني ساعدة على ما ذكره مفصلاً في «زهر العيون وجلاء القلوب» ، وما ذكره ابو الفرج في «الأغاني» ومن ردّه على المغيره بن شعبة واعتراضه على سبّه لأمبر المؤمنين عليه‌السلام ، وذكر ابن مزاحم المنقري ، في «وقعة صفين» ، أنّه دخل على معاوية فأذا عمرو ابن العاص جالس معه على السرير ، فلمّا رأى ذلك جاء حتى رمى بنفسه بينهما ، فقال له عمرو ابن العاص : أما وجدت لك مجلساً إلّا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين؟ فقال زيد : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غزا غزوة وانتما معه ، فرآكما مجتمعين ، فنظر إليكما. فقال : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليوم الثالث : إذا رأيتم معاوية وعمرو بن

٢٠