مناظرات

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

أولئك المقربون) (١) ، إنما عنى من سبق إلى الإسلام ، فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام (٢)؟

قلت : يا أمير المؤمنين ، إن عليا أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم.

قال : أخبرني إيهما أسلم قبل ، ثم أناظرك من بعده في الحداثة والكمال.

قلت : علي أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة.

فقال : نعم ، فأخبرني عن إسلام علي حين إسلم : لا يخلو من أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ دعاه إلى الإسلام ، أو يكون إلهاما من الله.

قال : فأطرقت.

فقال لي : يا إسحاق ، لا تقل إلهاما فتقدمه على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لأن رسول الله لم يعرف الاسلام حتى إتاه جبرئيل عن الله تعالى.

قلت : أجل ، بل دعاه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى الإسلام.

__________________

(١) سورة الواقعة : الاية ١٠ و ١١.

(٢) وممن ذكر حديث : ان عليا اول الناس اسلاما ، الجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٦٠٠ ح ٣٧٣٥ ، المستدرك على الصحيحين ج ٣ ص ١٣٦ ، خصائص امير المؤمنين للنسائي ص ٢٦ ح ٣ ، مسند أحمد بن حنبل ج ٤ ص ٣٦٨ ، الرياض النضرة ج ٣ ص ١٠٩ ، وفي الاستعياب ج ٣ ص ١٠٩٠ قال : وروي عن سلمان انه قال : اول هذه الامة ورودا على نبيها ـ صلى الله عليه وآله ـ الحوض اولها اسلاما علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ ، وقد ذكر الحجة الاميني في كتابه الغدير ج ٣ ص ٢١٩ مائة حديث من طرق مختلفة رواها أئمة الحديث في أن عليا اول من اسلم.

٢٠١

قال : يا إسحاق فهل يخلو رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ حين دعاه إلى الإسلام من إن يكون دعاه بإمر الله أو تكلف ذلك من نفسه؟

قال : فأطرقت.

فقال : يا إسحاق ، لا تنسب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى التكلف ، فإن الله يقول : (وما أنا من المتكلفين) (١).

قلت : أجل يا أمير المؤمنين ، بل دعاه بأمر الله.

قال : فهل من صفة الجبار جل ثناؤه أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟

قلت : أعوذ بالله!

فقال : أفتراه في قياس قولك يا إسحاق : (إن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم) ، قد كلف رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من دعاء الصبيان ما لا يطيقون ، فهو يدعوهم الساعة ويرتدون بع ساعة ، فلا يجب عليهم في ارتدادهم شئ ولايجوز عليهم الحكم الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عز وجل؟

قلت : أعوذ بالله.

قال : يا إسحاق ، فأراك إنما قصدت لفضيلة فضل بها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ عليا هذ الخلق ، أبانه بها منهم ليعرف مكانه وفضله ، ولو كان الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا؟

قلت : بلى.

قال : فهل بلغك أن الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ دعا أحدا من

__________________

(١) سورة ص : الاية ٨٦.

٢٠٢

الصبيان من أهله وقرابته ـ لئلا تقول إن عليا ابن عمه ـ؟

قلت : لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل.

قال : يا إسحاق ، أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه؟

قلت : لا.

قال : فدع ما قد وضعه الله عنّا وعنك.

قال : ثم أيّ الأعمال كانت أفضل بعد السبق إلى الإسلام؟

قلت : الجهاد في سبيل الله.

قال : صدقت ، فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ما تجد لعلي في الجهاد؟

قال : في أي وقت؟

قال : في إي الأوقات شئت!

قلت : بدر؟

قال : لا أريد غيرها ، فهل تجد لأحد إلّا دون ما تجد لعليّ يوم بدر؟ أخبرني : كم قتلي بدر؟

قلت : نيف وستون رجلاً من المشركين.

قال : فكم قتل عليّ وحده؟

قلت : لا أدرى.

قال : ثلاثة وعشرين ، أو اثنين وعشرين (١) ، والأربعون لسائر

__________________

(١) راجع : المغازي للواقدي ج ١ ص ١٤٧ ـ ١٥٣ ، السيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٤٣٦ ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ١٤ ص ٢٠٨ ـ ٢١٢ ، الدرشاد للمفيد ص ٤٠ ، مجمع البيان ج ٢ ص ٥٥٨ ، كشف الغمة ج ١ ص ١٨١ ، بحار الأنوار ج ١٩ ص ٢٩١ وص ٢٩٣ ص ٣٦٥.

٢٠٣

الناس.

قلت : يا أمير المؤمنين كان أبو بكر مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في عريشه (١).

قال : يصنع ماذا؟

قلت : يُدبّر.

قال : ويحك! يدبر دون رسول الله أو معه شريكا ، أو افتقارا من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى رأيه؟ أي الثلاث أحب اليك؟

قلت : أعوذ بالله أن يدبر أبو بكر دون رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أو يكون معه شريكا ، أو أن يكون برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ افتقار إلى رأيه.

قال : فما الفضيلة بالعريش أذا كان الأمر كذلك؟ أليس من ضرب بسيفه بين يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أفضل ممن هو جالس؟

قلت : يا أمير المؤمنين ، كل الجيش كان مجاهداً.

قال : صدقت ، كل مجاهد ، ولكن الضارب بالسيف المحامي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وعن الجالس ، أفضل من الجالس ، أما قرأت كتاب الله : (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وإنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (٢).

قلت : وكان أبوبكر وعمر مجاهدين.

__________________

(١) العريش : ما يستظل به ، والسقف.

(٢) سورة النساء : الاية ٩٥.

٢٠٤

قال : فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟

قلت : نعم.

قال : فكذلك سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر.

قلت : أجل.

قال : يا اسحاق ، هل تقرأ القرآن؟

قلت : نعم.

قال : اقرأ علي (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) (١) فقرأت منها حتى بلغت : (يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) (٢) إلى قوله : (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (٣).

قال : على رسلك ، فيمن أنزلت هذه الآيات؟

قلت : في علي (٤).

__________________

(١) سورة الانسان : الاية ١.

(٢) سورة الانسان : الاية ٥.

(٣) سورة الانسان : الاية ٨.

(٤) فقد روى الجمهور في سبب نزول هذه الايات في أهل البيت ـ عليهم السالم ـ ان الحسن والحسين مرضا ، فعادهام رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وعامة اعرب ، فنذر علي صوم ثلاثة ايام ، وكذا امهما فاطمة ـ عليها السلام ـ وخادمتهم فضه ، لئن بئا ، فبرئا ، وليس عند آل محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ قليل ولا كثير ، فاستقرض أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ثلاثة أصوع من الشعير ، وصحنت فاطمة منها صاعا ، فخبزته أقراصا ، لكل واحد قرص ، وصلى علي ـ عليه السلام ـ المغرب ، ثم أتى المنزل ، فوضع بين بيده للافطار ، فأتاهم مسكين ، وسألهم ، فأعطاه كل واحد منهم قوته ، ومكثوا بومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا.

ثم صاموا اليوم الثاني ، فخبزت فاطمة ـ عليها السلام ـ صاعا آخر ، فلما قدمته بين أيديهم للافطار أتاهم يتيم ، وسألهم القوت ، فتصدق كل منهم بقوته فلما كان اليوم الثالث من صومهم ،

٢٠٥

قال : فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والاسير.

قال : إنما نطعمكم لوجه الله؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليه؟

قلت : لا.

قال : صدقت ، لان الله جل ثناؤه عرف سيرته يا اسحاق ، ألست تشهد أن العشرة في الجنة؟

قلت : بلى يا أمير المؤمنين.

قال : أرأيت لو أن رجلا قال : والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا ، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله ، أكان عندك كافرا؟ قلت : أعوذ بالله!

__________________

وقدم الطعام للافطار ، أتاهم اسير وسألهم ، فأعطاه كل منهم قوته ، ولم يذوقوا في الأيام الثلاثة سوى الماء فراهم النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في اليوم ارابع وهم يرتعشون من الجوع وفاطمة ـ عليها السلام ـ قد التصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، وغارت عينها ، فقال ـ صلى الله عليه وآله ـ واغوثاه ـ يا الله ، اهل محمد يموتون جوعا ، فهبط جبرئيل ، فقال : خذ ما هنأك الله تعلى به في أهل بيتك ، فقال : وما آخذ يا جبرئيل؟ فأقرأه : (هل أتى). راجع شواهد : التنزيل للحاكم الحشكاني ج ٢ ص ٣٩٣ ـ ٤١٤ ح ١٠٤٢ ـ ١٠٧٠ ، مناقب اي المغازلي ص ٢٧٢ ح ٣٢٠ ، اسباب النزول للواحدي ص ٢٩٦ ، الدر المنثور للسيوطي ج ٨ ص ٣٧١ ، ذخائر العقبى ص ١٠٢ ، تفسير البيضاوي ص ٥ ص ١٦٥ ، تفسير الطبري ج ٢٩ ص ١٢٥ ، تفسير الفخر رازى ج ٣٠ ص ٢٤٣ ، الكشاف للزمخشري ج ٤ ص ٦٧٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٢١ ، احقاق الحق للتستري ج ٣ ص ١٥٨ ـ ١٩٦ وج ٩ ص ١١٠ ـ ١٢٣ ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ ص ٣٠١.

وقال احد الأدباء في هذه الحادثة الشريفة ـ كما في شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ١٩ ص ١٠١ :

جاد بالقرص والطوى مل جنبى

ه وعاف الطعام وهو سغوب

فأعاد القرص المنير عليه ال

قرص والمقرض الكرام كسوب

٢٠٦

قال : أرأيت لو أنه قال : ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا ، كان كافرا؟

قلت : نعم.

قال : يا اسحاق ، أرى بينهما فرقا يا إسحاق ، أتروي الحديث؟

قلت : نعم.

قال : فهل تعرف حديث الطير (١)؟

قلت : نعم.

قال : فحدثني به قال : فحدثته الحديث.

فقال : يا إسحاق ، إني كنت أكلمك وأنا أظنك غير معاند للحق ، فأما

__________________

(١) حديث الطائر المشوي هو اشهر يذكر فقد روته جل مصادر العامة ، فقد جاء في المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٣٠ : عن أنس بن مالك قال : كنت أخدم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فقدم لرسول الله صلى الله عليه وآله ـ فرخ مشوي فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، قال : فقلت : اللهم اجعله رجلا من الانصار ، فجاء علي ـ عليه السلام ـ فقلت : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ على حاجة ، ثم جاء ، فقلت : ان رسول الله صلى الله عليه وآله ـ : ما حسبك يا علي؟ فقال : إن هذه آخر ثلاث كرا يردنى أنس ، يزعم أنك على حاجة من قومي ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : إن الرجل قد يحب قومه.

وقد روي هذا الحديث في مصادر كثيرة منها :

ابن عساكر في ترجمة أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ من تاريخ دمشق ج ٢ ص ١٠٥ ـ ١٣٤ ح ٦١٢ ـ ٦٤٥ ، المناقب لابن المغازلي ص ١٥٦ ـ ١٧٥ ح ٢١٢ ـ ١٨٩ ، صحيح الترمذ ي ج ٥ ص ٥٩٥ ح ٣٧٢١ ، المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٣٠ ، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٢٥ ، عيون أخبار الرضا ـ عليه السلام ـ ج ١٨٧ ٢ ح أمالي الصدوق ص ٥٢١ ، الخصال ص ٥٥١ ح ٣٠ ، وممن أفرد هذا الحديث بالتأليف : الحاكم النيسابوري في كتاب سماه (قصة الطير) ، وابن جرير الطبري ، والحافظ ابن عقدة والحافظ بن مردويه ، والحافظ أبو نعيم الاصفهاني ، والحافظ أبو عبد الله الذهبي.

٢٠٧

الان فقد بان لي عنادك ، إنك توقن أن هذا الحديث صحيح.

قلت : نعم ، رواه من لا يمكنيي رده.

قال : أفرأيت من أيقن أن هذا الحديث صحيح ، ثم زعم أن أحدا أفضل من علي لا يخلو من إحدى ثلاثة : من أن تكون دعوة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ عنده مردودة عليه ، أو أن يقول عرف الفاضل من خلقه وكان المفضول أحب إليه ، أو أن يقول إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول ، فأي الثلاثة احب إليك أن تقول؟ فأطرقت ... ثم قال : يا اسحاق ، لا تقل منها شيئاً ، فإنّك إن قلت منها شيئاً استنبك (١) ، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه فقله.

قلت : لا أعلم وإن لأبي بكر فضلاً.

قال : أجل ، لو لا أن له فضلا لما قيل إن عليا أفضل منه ، فما فضله الذي قصدت له الساعة؟

قلت : قول الله عز وجل : (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (٢) فنسبه إلى صحبته.

قال : يا إسحاق ، أما لا أحملك على الوعر من طريقك ، إني وجدت الله تعلى نسب إلى صاحبه من رضيه ورضي عنه كافرا ، وهو قوله : (فقال له صاحبه وهو يخاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ، لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربي أحدا). (٣)

قلت : إن ذلك صاحب كان كافرا ، وأبو بكر مؤمن.

__________________

(١) استنبتك : أنبتك ، أقمتك مقامي.

(٢) سورة التوبة : الاية ٤٠.

(٣) سورة الكهف : الاية ٣٨ و ٣٧.

٢٠٨

قال : فإذا جازان ينسب إلي صحبة من رضيه كافرا ، جاز أن ينسب إلى صحبة نبيه مؤمنا ، وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث.

قلت : يا أمير المؤمنين ، إن قدر الاية عظيم ، إن الله يقول : (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (١)!

قال : يا إسحاق ، تأبي الان الا أن أخرج إلى الاستقصاء عليك! أخبرني عن حزن أبي بكر : أكان رضا أم سخطا؟

قلت : إن ابا بكر إنما حزن من أجل رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ خوفاً عليه وغماً ، أن يصل إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ شئ من المكروه.

قال : ليس هذا جوابي ، إنما كان جوابي أن تقول : رضا ، أم سخط.

__________________

(١) سورة التوبة : الاية ٤٠ ، قال الاسترابادي في هامش رجال الكشي ج ١ ص ١٣١ : سياق الاية الكريمة بلسان بلاغتها تنطق بوجوه من الطعن في جلالة الي بكر :

الاول : ان همه وحزنه وفزعه وانزعاجه وقلقه حين إذا إذ هو مع النبي الكريم المأمور من تلقاء ربه الحفيظ الرقيب بالخروج والهجرة ، والموعود من السماء على لسان روح القدس الامين بالتأييد والنصرة ، مما يكشف عن ضعف قينه وركاكة ايمانه جدا.

الثاني : أن انزال الله سكينته عليه ـ صلى الله عليه وآله ـ فقط لاعلى أبي بكر ولا عليهما جميعا ، مع كون أبي بكر احوج الى السكينة حيندذ لقله وحزنه يدل على انه لم يكن اهلا لذلك.

وتحامل احتمال أن يرجع الضمير في (عليه) على أبي بكر ، كما تجشمه البيضاوي مع أن فيه خرق اتفاق المفسرين وشق عصاهم خلاف ما تتعاطاه قوانين العوام اللسانيه والفنون الأدبية ، اليس ضمير (أيده) وعليه في الجملتين المعطوفة للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بلا امتراء ، فكذلك ضمير عليه في الجملة المعطوفة عليها ، أعني (فأنزل الله سكينته عليه)

الثالث : ان اسلوب (إذ يقول لصاحبه لا تحزن) في العبارة عن ابي بكر يضاهي اسلوب (يا صاحبي السجن) في سورة يوسف (فقال لصاحبه وهو يحاوره) في سورة الكهف.

٢٠٩

قلت : بل كان رضا لله.

قال : فكان الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهي عن رضا الله عز وجل وعن طاعته!

قلت : أعوذ بالله!

قال : أو ليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا الله؟

قلت : لله بلى.

قال : أو لم تجد أن القرآن يشهد أن رسول الله على وآله ـ قال : (لا تحزن) نهيا له عن الحزن؟

قلت : أعوذ بالله!

قال : يا إسحاق ، إن مذهبي الرفق بك ، لعل الله يردك إلى الحق ويعدل بك عن الباطل ، لكثرة ما تسعيذ به ، وحدثني عن قول الله : (فأنزل الله سكينته عليه) (١) من عنى بذلك ، رسول الله أم ابا بكر؟

قلت : بل رسول الله.

قال : صدقت.

قال : حدثنى عن قول الله عز وجل : (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) (٢) إلى قوله : (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) (٣).

أتعلم من المؤمنون الذين أراد الله في هذا الموضع؟

قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين.

__________________

(١) سورة التوبة : الاية ٤٠.

(٢) سورة التوبة : الاية ٢٥.

(٣) سورة التوبة : الاية ٢٦.

٢١٠

قال : الناس جميعا انهزموا يوما حنين ، فلم يبق مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ الا سبعة نفر من بني هاشم : علي يضرب بسيفه بنى يدي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ والعباس (١) أخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفا من أن يناله في هذا الموضع علي خاصة ، ثم من حضره من بني هاشم.

قال : فمن أفضل ، من كان مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في ذلك الوقت ، أم من انهزم عنه ولم يره الله موضع لينزلها عليه؟

قلت : بل من أنزلت عليه السكينة.

قال : يا إسحاق ، من أفضل ، من كان معه في الغار ، أم من نام على فراشه (٢) ووقاه بنفسه ، حتى تم لرسول الله ـ صلى الله على هو آله ـ ما أراد من الهجرة؟ إن الله تبارك وتعالى أمر روله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه ، وأن يقي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بنفسه ، فأمره رسول الله ـ صلى الله ـ عليه وآله ـ بذلك ، فبكى علي ـ عليه السلام ـ فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : ما يبكيك يا علي ، أجزعا من الموت؟

قال : لا ، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ، ولكن خوفا عليك ، أفتسلم يا رسول الله؟

قال : نعم.

قال : سمعا وطاعة وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله ـ ثم أتى

__________________

(١) راجع : اصول الاخبار ص ٦٤ ، الارشاد للمفيد ص ٧٤ ، غزوات امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ص ١٥٠.

(٢) تقدمت تخريجاته.

٢١١

مضجعه واضطجع ، وتسجى (١) بثوبه ، وجاء المشركون من قريش فحفوا (٢) به لا يشكون أنه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف ، لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه ، وعلي يسمع ما القوم فيه من إتلاف نفسه ، ولم يدعه ذلك إلى اجرع كما جزع صاحبه في الغار ، ولم يزل علي صابرا محتسبا ، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش حتى أصبح ، فملما أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمد؟

قال : وما علمي بمحمد أين هو؟ قالوا : فلا نراك إلا مغررا بنفسك منذ ليلتنا ، فلم يزل على أفضل ما بدأ به يزيد ولا ينقص ، حتى قبصه الله إليه.

يا إسحاق ، هل تروي حديث الولاية؟

قلت : نعم يا أمير المؤمنين.

قال : أروه ، ففعلت.

قال : يا إسحاق ، أرأيت هذا الحديث هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يو جب لهما عليه؟

قلت : إن الناس ذكروا أن الحديث إنما كان بسبب زيد بن حارثه لشئ جرى بينه وبنى علي ، وأنكر ولاء على ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : (من كنت مولاه لعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) (٣).

__________________

(١) تسجى : تغطى.

(٢) حفوا به : استداروا حوله وأحدقوا به.

(٣) تقدمت تخريجاته.

٢١٢

قال : في أي موضع قال هذا ، أليس بعد متصرفه من حجة الوداع؟

قلت : إجل.

قال : فإن قتل زيد بن حارثة قبل الغدير (١) كيف رضيت لنفسك بهذا؟ أخبرني : لو رأيت ابنا لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول : مولاي مولى ابن عمي ، أيها الناس فاعلموا ذلك ، أكنت منكرا ذلك عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟

فقلت : اللهم نعم.

قال : يا إسحاق ، أفتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ؟ ويحكم! لا تجعلو فقهاءكم اربابكم (٢) إن الله جل ذكره قال في كتابه : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) (٣) ولم يصلوا لهم ولا صاموا ولا زعموا أنهم أرباب ، ولكن أمروهم فأطاعوا أمرهم ، يا إسحاق ، أتروي حديث : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) (٤)؟

قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قد سمعته من صححه وجحده.

__________________

(١) استشهد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة. راجع : طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٤٠ ، سير اعلام النبلاء ج ١ ص ٢٢٠ ، الاستيعاب ج ٢ ص ٥٤٢ ، أسد الغابة ج ٢ ص ٢٤٤. واما حادثة الغدير فقد وقعت في السنة العاشرة في حجة الوداع. راجع : طبقات ابن سعد ج ٢ ص ١٧٢ ، تاريخ الذهبي ج ١ ص ٧٠١ ، مغازي الواقدي ج ٣ ص ١٠٨٨ وغيرها الكثير من المصادر.

(٢) الأرباب : جمع رب وهو الاله أو الصاحب.

(٣) سورة التوبة : الاية ٣١.

(٤) تقدمت تخريجاته.

٢١٣

قال : فمن أوثق عندك ، من سمعت منه فصححه ، أو من جحده؟

قلت : من صححه.

قال : فهل يمكن أن يكون الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ مزح بهذا

قلت : اعوذ بالله!

قال : فقال قولاً لا معنى له فلا يوقف عليه؟

قلت : أعوذ بالله!

قال : أفما تعلم أن هارون كان أخا موسى لأبيه وأمه؟

قلت : بلى.

قال : فعليٌّ أخورسول الله لأبيه وأمّه؟

قلت : لا.

قال : أو ليس هارون كان نبيّاً وعليُّ غير نبيّ؟

قال : بلى.

قال : فهذا ن الحالان معدومان في عليي وقد كانا في هارون ، فما معنى قوله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»؟

قلت له : أنما أراد أن يطلب بذلك نفس علي لما قال المنافقون : انه خلفه استثقالا له.

قال : فأراد أن يطيب نفسه بقول لا معنى له؟

قال : فأطرقت.

قال : يا إسحاق ، له معنى في كتاب الله بين.

قلت : ما هو يا أمير المؤمنين؟

قال : قوله عز وجل حكاية عن موسى أنه قال لأخيه هارون :

٢١٤

(اخلفنى في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (١).

قلت : يا أمير المؤمنين إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي ، ومضى الى ربه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله ـ خلف عليا كذلك حين خرج إلى غزاته.

قال : كلا ، ليس كما قلت ، أخبرني عن موسى حين خلف هارون هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من أصحابه أو احد من بني إسرائيل؟

قلت : لا.

قال : أو ليس استخلفه على جماعتهم؟

قلت : نعم.

قال : فأخبرني عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ حين خرج إلى غزاته ، هل خلف إلا الضعفاء والنساء والصبيان ، فأنى يكون مثل ذلك؟ وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل على استخلافه إياه ، لا يقدر أحد أن يحتج فيه ، ولا أعلم أحدا احتج به وأرجو أن يكون توفيقا من الله.

قلت : وما هو يا أمير المؤمنين؟

قال : قوله عز وجل حين حكى عن موسى قوله : (واجعل لى وزيرا من أهلي هرون أخي اشدد به أزرى واشركه في أمرى كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا) (٢) (فأنت مني يا علي بمنزلة هارون من موسى ، وزيري من أهلي ، وأخي ، شد الله به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبح الله كثيرا ، ونذكره كثيرا) ، فهل يقدر أحد يدخل في هذا شيئا غير هذا ولم يكن ليبطل قول النبي ـ

__________________

(١) سورة الاعراف : الآية ١٤٢.

(٢) سورة طه : الاية ٣٥.

٢١٥

صلى الله عليه وآله ـ وأن يكون لا معنى له؟

قال : فطال المجلس وارتفع النهار.

فقال : يحيى بن أكثم القاضي : يا أمير المؤمنين ، قد أوضحت الحق لكم أراد الله به الخير ، وأثبت ما يقدر أحدا أن يدفعه.

قال إسحاق : فأقبل علينا وقال : ما تقولون؟

فقلنا : كلنا نقول بقول أمير المؤمنين أعزه الله.

فقال : والله لو لا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال اقبلوا القول من الناس ، ما كنت لأقبل منكم القول ، اللهم قد نصحت لهم القول ، اللهم إني قد أخرجت الأمر من عنقي : اللهم أني أدينك بالتقريب إليك بحب علي وولايته! (١).

__________________

(١) العقد الفريد : ج ٥ ص ٣٤٩.

٢١٦

المناظرة الاربعون

مناظرة المأمون مع علماء العامة (١)

عن اسحاق بن حماد بن زيد ، قال : جمعنا يحيى بن أكثم القاضي ، قال : أمرني المأمون بأحضار جماعة من أهل الحديث ، وجماعة من أهل الكلام والنظر ، فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا ، ثم مضيت بهم فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لأعلمه بمكانهم ففعلوا ، فأعلمته فأمرني بإدخالهم فدخلوا فسلموا ، فحدثهم ساعة وآنسهم.

ثم قال : إني أريد ان أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي هذا حجة ، فمن كان حاقنا (٢) ، أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته وانبسطوا وسلوا خفافكم ، وضعوا أرديتكم ، ففعلوا ما أمروا به.

فقال : أيها القوم إنما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى ، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم وإمامكم ، ولا يمنعكم جلالتي ومكاني من قول الحق حيث كان ، ورد الباطل على من أتى به ، وأشفقوا على أنفسكم من النار ، وتقربوا إلى الله تعالى برضوانه وإيثار طاعته ، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلا سلطه الله عليه.

__________________

(١) هذه المناظرة مروية في عيون أخبار الرضا ـ عليه السلام ـ وهي نفسها المناظرة السابقة ـ مناظرة المأمون مع الفقهاء المروية في العقد الفريد ـ وقد آثرنا ذكرهما كلتيهما لما فيهما من التفاوت والأختلاف الكبير الا أن هذه المناظرة أكمل وأوسع وفيها بحوث شتى وفوائد جمة.

(٢) الحاقن : من له بول شديد.

٢١٧

فناظروني بجميع عقولكم إني رجل أزعم : أن عليا ـ عليه السلام ـ خير البشر بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فإن كنت مصيبا فصوبوا قولي ، وإن كنت مخطئا فردوا علي ، وهلموا فإن شئتم سألتكم وإن شئتم سألتموني.

فقال له الذين يقولون بالحديث : بل نسألك.

فقال : هاتوا وقلدوا كلامكم رجلا واحدا منكم ، فإذا تكلم ، فإن كان عند أحدكم زيادة فليزد ، وإن أتى بخلل فسددوه.

فقال قائل منهم : إنما نحن نزعم أن خير الناس بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أبو بكر ، من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنه قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر (١) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما ، علمنا أنه لم

__________________

(١) رواه أحمد في مسنده ج ٥ ص ٣٨٢ و ٣٨٤ بإسناده من طريقين عن حذيفة ، وفي إسناده عبد الملك بن عمير ، قال عنه أحمد : مضطرب الحديث جدا مع قلة روايته ، ما أرى له خمسمائة حديث ، وقد غلط في كثير منها. تهذيب التهذيب : ج ٦ ص ٤١١ ، ميزان الاعتدال ج ٣ ص ٦٦٠.

واخرجه الترمذي أيضا في سننه ج ٥ ص ٥٦٩ ، ح ٣٦٦٢ وص ٦٢٧ ح ٣٧٩٩ في مناقب أبي بكر وعمر وعمار بن ياسر ، بإسناده من عدة طرق عن حذيفة ، وفي إسناده إضافة إلى عبد الملك ابن عمير سالم بن العلاء المرادي الذي قيل عنه : ضعيف الحديث. (ميزان الاعتدال ج ٢ ص ١١٢ ، تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٤٤٠ ، لسان الميزان ج ٣ ص ٧).

وأخرج الحديث أيضا في : سنن ابن ماجة ج ١ ص ٣٧ ح ٩٧ ، الأحكام في أصول الأحكام ج ٢ ص ٢٤٢ ، مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٧٥ ، الجامع الصغير ج ١ ص ١٩٧ ح ١٣١٨ ، ميزان الاعتدال ج ١ ص ١٤٢ ، مصابيح السنة للبغوي ج ٤ ص ١٦٢ ح ٤٧٤٢.

ولقد طعن أكابر علماء السنة في سند حديث الاقتداء بقولهم : موضوع أو باطل أو لم يصح أو منكر ، انظر : فيض القدير شرح الجامع الصغير ج ٢ ص ٥٦ ، سنن الترمذي ج ٥ ص ٥٦٩ و ص ٦٢٧ ، الضعفاء الكبير ج ٤ ص ٩٥ ، ميزان الاعتدال ج ١ ص ١٤٢ ، لسان الميزان ج ١ ص ١٨٨

٢١٨

يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس.

فقال المأمون : الروايات كثيرة ولابد من أن تكون كلها حقا ، أو كلها باطلا ، أو بعضها حقا وبعضها باطلا ، فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا من قبل أن بعضها ينقض بعضا ، ولو كانت كلها باطلا كان في بطلانها بطلان الدين ودروس الشريعة ، فلما بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار.

وهو أن بعضها حق وبعضها باطل ، فإذا كان كذلك فلابد من دليل على ما يحق منها ليعتقد وينفي خلافه ، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما أعتقده وأخذ به ، وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها.

وذلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أحكم الحكماء ، وأولى الخلق بالصدق ، وأبعد الناس من الأمر بالمحال ، وحمل الناس على التدين بالخلاف ، وذلك أن هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين؟

فإن كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما ، وهذا تكليف ما لا يطاق ، لأنك إذا اقتديت بواحد خالفت الاخر.

والدليل على اختلافهما : أن أبا بكر سبا أهل الردة ، وردهم عمر أحرارا (١) ، وأشار عمر إلى أبي بكر بعزل خالد وبقتله لمالك بن

__________________

وص ٢٧٣ وج ٥ ص ٢٣٧ ، مجمع الزوائد ج ٩ ص ٥٣ ، الدر النضيد ص ٩٧ ، أسنى المطالب ص ٦٥ ح ٢٣٨ ، الغدير للاميني ج ٥ ص ٣٣٧.

(١) تجد أخبار الردة في الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٤٢ ـ ٣٨٣ ، وفيه ان عمر قال : إنه لقبيح

٢١٩

نويرة (١) ، فأبى أبو بكر عليه.

__________________

بالعرب أن يملك بعضهم بعضا ، وقد وسع الله عز وجل وفتح الأعاجم ، واستشار في فداه ، سبايا العرب في الجاهلية والأسلام إلا امرأة ولدت لسيدها ، وانظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٥١.

(١) روى ابن جرير الطبري في تاريخه ج ٣ ص ٢٨٠ : ان أبا بكر كان من عهده الى جيوشه : ان إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم فيه أذانا للصلاة فأمسكوا عنه أهلها حتى تسألوهم ما الذي نقموا ، وان لم تسمعوا اذانا فشنوا الغارة فاقتلوا واحرقوا ، وكان ممن شهد لمالك بالاسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة ، وقد كان عاهد الله ان لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا ابدا بعدها ، وكان يحدث : أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل فاخذ القوم السلاح ، قال : فقلنا : إنا المسلمون ، فقالوا : ونحن المسلمون ، قلنا : فما بال السلاح معكم؟ قالوا لنا : فما بال السلاح معكم؟ قلنا : فان كنتم كما تقولون فضعوا السلاح ، قال : فوضعوها ، ثم صلينا وصلوا (الى ان قال) ثم اقدمه ـ يعني خالد مالكا ـ فضرب عنقه واعناق اصحابه ، قال : فلما بلغ قتلهم عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال : عدو الله عدا على امرء مسلم فقتله ، ثم نزا على امرأته ، وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما ، فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ، ثم قال : أرياء قتلت امرء مسلما ثم نزوت على امرأته والله لارجمنك بأحجارك.

وممن ذكر هذه الحادثة المؤلمة : تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٨٠ ، تاريخ ابن الأثير ج ٢ ص ٣٥٧ ، تاريخ دمشق ج ٥ ص ١١٥ ، تاريخ ابن كثير ج ٦ ص ٣٢١ ، تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٥٨ ، تاريخ الخميس ج ٢ ص ٢١١ ، وفيات الاعيان لابن خلكان ج ٦ ص ١٤ (في ترجمة وثيمه) ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ١ ص ١٧٩ ، اسد الغابة ج ٤ ص ٢٩٥ ، الاصابة ج ١ ص ٤١٤ وج ٣ ص ٣٥٧ ، الغدير للاميني ج ٧ ص ١٥٨.

وقد قال في هذه الحادثة المؤلمة أبو زهير السعدي :

ألا قل لحي أوطئوا بالسنابك

تطاول هذا الليل من بعد مالك

قضى خالد بغيا عليه بعرسه

وكان له فيها هوى قبل ذلك

فأمضى هواه خالد غير عاطف

عنان الهوى عنها ولا متمالك

وأصبح ذا أهل وأصبح مالك

على غير شئ هالكا في الهوالك

فمن لليتامى والأرامل بعده؟

ومن للرجال المعدمين الصعالك؟

أصيبت تميم غثها وسمينها

بفارسها المرجو سحب الحوالك

٢٢٠