تلخيص المرام في معرفة الأحكام - المقدمة

تلخيص المرام في معرفة الأحكام - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الفقه
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٢

١
٢

٣
٤

دليل الكتاب

تصدير....................................................................... ٧

مقدمة التحقيق................................................................ ٩

نماذج مصورة من المخطوطات................................................. ٢٦

تلخيص المرام في معرفة الأحكام

كتاب الطهارة................................................................ ٥

كتاب الصلاة............................................................... ١٩

كتاب الزكاة............................................................... ٤١

الخمس..................................................................... ٤٩

كتاب الصوم............................................................... ٥١

الاعتكاف.................................................................. ٥٥

كتاب الحج................................................................. ٥٧

كتاب الجهاد................................................................ ٧٩

كتاب المتاجر............................................................... ٩١

كتاب الديون وما يتبعها.................................................... ١١١

كتاب الإجارة والوديعة ولواحقهما.......................................... ١٢٩

٥

كتاب الهبات وما يتبعها..................................................... ١٤٩

كتاب الغصب............................................................ ١٦٧

كتاب الشفعة............................................................. ١٧٣

كتاب إحياء الموات........................................................ ١٧٩

كتاب النكاح............................................................. ١٨٣

كتاب الطلاق وما يتبعه.................................................... ٢١٩

كتاب العتق وتوابعه........................................................ ٢٤١

كتاب الأيمان وتوابعها...................................................... ٢٥٣

كتاب الصيد وتوابعه....................................................... ٢٦٧

كتاب المواريث............................................................ ٢٧٧

كتاب القضايا والشهادات.................................................. ٢٩٣

كتاب الحدود............................................................. ٣١٧

كتاب الجراح والديات..................................................... ٣٣٥

فهرس الموضوعات......................................................... ٣٧٧

فهرس مصادر التحقيق..................................................... ٣٨٨

٦

تصدير

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

السلام على الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا.

أمّا بعد ، فلا يخفى أنّ الشيخ الأجلّ الأعظم ، العلّامة على الإطلاق ، أبا منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّي ( قدّس الله نفسه وروّح رمسه ) من أكابر فقهائنا العظام ، ولا تزال تأليفاته القيّمة هي المورد الصافي لإفادة العلماء والفقهاء منذ حياته إلى زماننا هذا.

فمن تأليفاته الفقهيّة كتابه الموسوم بتلخيص المرام في معرفة الأحكام الذي ذكره في ترجمة نفسه في خلاصة الأقوال واهتمّ بشرحه بنفسه ، فكتب له شرحا أسماه غاية الإحكام في تصحيح تلخيص المرام الذي فقد ولم يصل إلينا. وأمّا كتابه تلخيص المرام فهو بحمد الله لم يفقد ولكنّه لم يطبع إلى زماننا هذا ، واستفاد منه فقهاؤنا العظام ، ومنهم الشهيد الأوّل قدس سرّه في مواضع كثيرة من غاية المراد.

ونظرا إلى أهمّيّة الكتاب ، وكونه لا يزال مخطوطا ، وأنّه لم يكن في متناول الفقهاء ، فقد قام بتحقيقه حجّة الإسلام الشيخ هادي القبيسي وراجعه قسم إحياء

٧

التراث الإسلامي على أحسن وجه ، لذا يسرّ مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة أن يصدر هذا السفر القيّم ليضاف إلى تراث أمّتنا المشرق ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب له الأجر الجزيل والثواب الجميل ، وعلى الله قصد السبيل.

مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة

٨

مقدّمة التحقيق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ولله الحمد وحده وبه نستعين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمّد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين.

وبعد ، بما أنّ الله عزوجل قد جعل من الإسلام دينا خاتما ، فقد جعل لهذا الدين أمناء يقومون عليه في كلّ عصر ، وكان لمدرسة البيت النبوي الشرف الاسمي والكأس الأوفى في رعاية هذا الدين ، والحفاظ عليه من إرجاف المرجفين. ولمّا كان عصر الغيبة الكبرى لمهدي آل محمّد عجّل الله فرجه الشريف من أصعب العصور التي تمرّ بها الأمّة وهي تعيش محنة غياب المعصوم ، وتعداد عوامل العدوان على الإسلام.

فلا بدّ لعلماء الإسلام ـ وبالأخصّ من مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ـ أن يكونوا بالمرصاد لدرء الفتن وردّ البدع وحماية الشرع المقدّس رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها في أغلب بقاع الأرض.

ولا بدّ للسالك في هذا الدرب أن ينظر بعين الاعتبار والتقدير إلى الثلّة الكريمة التي حفظت مبنى الدين والعقيدة ، وحفظت الشرع ، وأدامت عوامل الوعي واستمرار البحث والتنقيب في معالم الدين الحنيف والعقيدة المقدّسة ، لإطلاق معالم التشريع ، وخدمة دين المصطفى الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وفضيلة العلم التي حثّ عليها الكتاب الكريم والرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتبارها الضوء الكاشف للأجيال في خطّ رواسم العلوم ونقشها في العقول والقلوب. فأهل العلم هم الطليعة الرائدة التي حملت لواء الإنسان السوي ، لصيانته من عوامل الانحراف والسير به نحو

٩

رضى الله الخالق القدير ، ولإخراج الإنسان من ظلمات الجهل والانحطاط والتردّي إلى واقعه الكريم ، ولكي لا يكون ضحيّة غرائزه البهيميّة ، ولذا فإنّ العلم يقف حارسا على ملكات الإنسان الكريمة ، ليهذّبها ، ويطلقها وفقا لأعراف الله ودينه الحنيف.

إنّ مدرسة التشيّع شجرة نبتت جذورها في دار النبوّة ، وتفرّعت أغصانها باسقات من بيوت أئمّة أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، فرواؤها سلسبيل النبوّة والإمامة ، وثمرها خير الدارين.

فمنّ الله سبحانه على من تاقت نفسه إلى أطائب الثمر ، فاقتطف من تلك الشجرة ما استطاع حسب استعداده ، فتشعشع نورا يبدّد ظلام الجهل. فمن هؤلاء الشيخ الصدوق رحمه‌الله ، الذي صنّف الكثير من كتب الفقه والحديث ، ثمّ توسّعت الحركة الفكريّة بما يلائم حركة الإنسان وحاجته على يد الشيخ المفيد رحمه‌الله الذي كان مدرسة حقّة من مدارس التشريع الإسلامي في القرن الرابع الهجري ، والذي ترك أثره على العلوم الإسلاميّة إلى أمد بعيد.

امتدّ الزمن ليجلب معه آفاق التطوّر في البحث والتحقيق والتدوين في مختلف العلوم ، فكان لعلماء الإسلام النصيب الأكبر والسهم الأوفر من ذلك ، حتّى وصل الأمر إلى العلّامة الحلّي ، الذي كان أنموذجا فريدا في العلم ، فهو الذي أعاد إسراج أقباس الفقه ، وأنار مشكاة العلم ، ونال الاجتهاد في سنّ مبكّر من عمره ، فضلا عن أنّه أوّل من أخذ بأقسام الحديث : من مرسل ، وضعيف ، وقويّ ، وموثّق. وقد كان علما لا معا في مختلف العلوم ، فقد كتب في الفقه ، والمنطق ، والفلسفة ، والحديث ، والرجال ، وغيرها من العلوم فلقّب بـ ( العلّامة على الإطلاق ). الأمر الذي أكّد طول باعه في مواكبة تطوّر الحياة وحلّ المشاكل المستجدّة من أمور الدين والدنيا ، إذ لا بدّ من الرجوع إلى مظانّ العلم لاستخراج الأدلّة الشرعيّة التي تناسب واقع الحياة ، اعتمادا على شحذ العقول ، للوصول إلى لباب المفاهيم التشريعيّة من الكتاب والسنّة ، ولقد كان الرعيل الأوّل من أهل العلم قد بالغ في الجهد لاستكشاف معالم التشريع لمسايرة الحياة والإحاطة بتداخلاتها من خلال البحث والتأليف والردّ والتصنيف ، ولا يزال أهل الفضل من العلماء يركبون نجائب المعرفة ، ويشقّون عباب بحار العلم من أجل خدمة دين المصطفى الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخدمة الأمّة الإسلاميّة.

ومن هنا ، فأهل العلم هم الباحثون عن طرق النجاة وأهل الدلالة عن مواطن الحقّ.

ولله الحمد وحده على إكمال الدين وإتمام النعمة ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

١٠

الفصل الأوّل

المؤلّف

اسمه ونسبه

الحسن بن يوسف بن عليّ بن مطهّر الحلّي ، وهو الصحيح ، حيث صرّح المصنّف باسمه في خلاصته (١) ، خلافا لبعض المؤرّخين من العامّة كالصفدي (٢) وابن حجر (٣) وآخرين ، حيث قالوا : بأنّ اسمه الحسين.

مولده ونشأته

أجمعت المصادر على ولادته في شهر رمضان المبارك ، سنة ٦٤٨ ه‍ ، باستثناء ما ذكره السيّد الأمين في الأعيان (٤) نقلا عن خلاصة العلّامة رحمه‌الله : أنّه ولد سنة ٦٤٧ ه‍ ، وهذا واضح فساده ، لأنّ نسخ الخلاصة كلّها تخالف ما ذكره السيّد الأمين ، ولعلّه سهو.

نعم وقع الخلاف في تحديد يوم ولادته المردّد بين ١٩ و ٢٩ من شهر رمضان المبارك ، ولا أرى في تحديده غرضا مهمّا.

__________________

(١) الخلاصة : ٤٥.

(٢) الوافي بالوفيات ١٣ : ٨٥.

(٣) الدرر الكامنة ٢ : ٧١. وفي موضع آخر ٢ : ٤٩ باسم الحسن.

(٤) أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦.

١١

فنشأ شيخنا المترجم له في بيت عرف بالعلم والتقي في إحضان والده وبرعاية خاله المحقّق الحلّي ، فدرس عليهما وعلى غيرهما من العلماء الجهابذة الذين كانوا أعلام عصرهم وفطاحلة زمانهم ، فنشأ عليهم نشأة كريمة ، وترعرع في كنفهم رعاية خاصّة ، ممّا جعلته يفوق أقرانه ، ويبرز في سنّ مبكّر. ولا أريد التعرّض لتحديد السنّ الذي بلغ فيه مرتبة الاجتهاد ، أو الذي بدأ فيه بالتصنيف ، لما وقع فيه من التضارب في الأقوال ، فليطلب من مظانّه (١).

ففي تلك السنين مرّت ظروف عصبية على الحلّة كادت أن تفنى بعلمائها وتندثر معالمها الخالدة على يد السلطان الجزّار « هولاكو » ـ الذي كان قد وصل إلى مشارف بغداد ـ لو لا حكمة والد العلّامة رحمه‌الله حيث اجتمع مع من بقي من أهل الحلّة ، وقرّروا إنفاذ كتاب للسلطان يطلبون فيه الأمان والنزول تحت حكمه ، وكانت آن ذاك خطوة حسّاسة ، لأنّهم لم يعلموا ما ذا سيكون موقفه منهم ، فوصل الكتاب ، وأرسل على أثره من يحضر والد العلّامة ، فخرج من الحلّة مع جنود السلطان ولا يدري ما ذا سيصنع به ، وله قصّة معروفة مع السلطان حينما أخبره الشيخ عن سبب مكاتبتهم له ، ولم تمض مدّة قصيرة حتّى عاد والد العلّامة إلى الحلّة وبيده ( الفرمان ) من السلطان فيه أمان لأهل الحلّة والمشهدين الشريفين.

وبعد هذا دخل السلطان إلى مدينة بغداد واستباحها ، فأحدث فيها مجزرة عظيمة لم ينجو منها أحد حتّى الشيوخ والأطفال والنساء.

ومن هنا نعلم مدى العمق الفكري لدى أهل الحلّة وعلمائها بالخصوص ، حيث إنّهم كانوا يعرفون من هو « هولاكو » فعلموا أنّ الوقوف في وجهه لا يجدي نفعا بل يجلب ضررا ، ففضّلوا الصلح والمهادنة ، وبهذا نجت الحلّة من بطش السلطان الجزّار.

ففي خضمّ هذه الأحداث نشأ علّامتنا الحلّي قدس سرّه.

وبعد مدّة من الزمن عرضت مشكلة لشاه إيران ، وهو الشاة خدابنده ، فلم يجد لها حلّا عند أبناء العامّة ، فقيل له : إنّ في الحلّة عالما من علماء الشيعة يستطيع حلّها ، فاستحضره الملك ، وفعلا شدّ الرحال إليه .. وجرى ما جرى ـ والقصّة مذكورة في محلها بالتفصيل (٢)

__________________

(١) وقد كفانا المئونة الشيخ رضا المختاري في مقدّمة التحقيق لغاية المراد ١ : ٣٧.

(٢) أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٩.

١٢

إلى أن تشيّع الملك ، وراح يرسّخ قواعد التشيّع في إيران بجهود العلّامة ، فهيّأ للعلّامة كلّ ما يحتاجه كي يبقى في إيران للوعظ والإرشاد ، حتّى أنه أسّس له مدرسة سيّارة.

فبقي علّامتنا المترجم له على هذا الحال إلى أن توفّي الشاة خدابنده سنة ٧١٦ ه‍ ، فعندها قفل راجعا إلى موطنه الحلّة السيفيّة ، حيث مركز العلم والعلماء ، وبقي فيها لم يخرج منها إلّا لحجّ بيت الله الحرام إلى أن غابت شمس العلم ، وغارت نجوم الفضل ، فصدعت بوفاته العلماء ، وثلم الإسلام و .. فنقل جثمانه إلى النجف الأشرف حيث مثواه الأخير ، ودفن بقرب سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

أسرته : من الأسر العربيّة العريقة ، فمن قبل أبيه آل المطهّر ويرجعون إلى بني أسد ، ومن قبل أمّه بني سعيد ويرجعون إلى هذيل.

فكما قلنا سابقا : إنّه عاش في أوساط علميّة واسعة النطاق.

فأبوه : سديد الدين يوسف بن عليّ بن مطهّر الحلّي من العلماء الأعاظم.

وأمّه : بنت العالم الفقيه الشيخ حسن بن يحيى بن حسن بن سعيد الهذلي الحلّي ، وهي أيضا أخت المحقّق الحلّي.

وجدّه لأبيه : زين الدين عليّ بن المطهّر الحلّي ، وصفه الشهيد في إجازته لابن الخازن : بالإمام. وهذا يدلّ على أنّه كان من العلماء الأفاضل.

وجدّه لأمّه : هو الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلّي ، وكان فاضلا عظيم الشأن.

وجدّ أمّه : هو أبو زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الحلّي ، وكان عالما محقّقا.

وخاله : نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي ـ المحقّق الحلّي ـ صاحب الشرائع ، كان أفضل أهل عصره في الفقه ، وكان له الحظّ الأوفر في تربيته وتعليمه.

وأخوه : رضيّ الدين عليّ بن يوسف بن المطهّر ، وكان فاضلا جليلا.

وابن عمّ والدته : نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلّي ، وكان زاهدا ورعا.

١٣

مشايخه في القراءة والرواية

كثيرون منهم : ١ ـ والده الشيخ سديد الدين يوسف بن عليّ. ٢ ـ خاله المحقّق الحلّي جعفر بن الحسن. ٣ ـ الخواجة نصير الدين الطوسي الذي أخذ منه العقليّات والرياضيّات. ٤ ـ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي صاحب جامع الشرائع. ٥ ـ الشيخ كمال الدين ميثم بن عليّ البحراني صاحب الشروح الثلاثة على نهج البلاغة.

تلامذته والراوون عنه

قرأ عليه جمع غفير من العلماء الأعلام والفضلاء الكرام منهم :

١ ـ ولده فخر الإسلام محمّد بن الحسن بن يوسف. ٢ ـ ابن أخته السيد عميد الدين عبد المطّلب الأعرجي الحلّي. ٣ ـ ابن أخته السيّد ضياء الدين عبد الله الأعرجي الحلّي. ٤ ـ السيّد النسّابة تاج الدين محمّد بن القاسم بن معية الحلّي. ٥ ـ الشيخ زين الدين أبو الحسن عليّ بن أحمد المرندي. ٦ ـ الشيخ قطب الدين محمّد بن محمّد الرازي البويهي. وغيرهم من فطاحل العلماء.

أقوال العلماء فيه

لم يبق أحد من العلماء والمترجمين إلّا ومدحه ، وذكر فضائل أعماله وجميل أفعاله وغزارة علمه ووفور فضله ، فأطراه القاصي والداني والصديق والعدو.

ويكفيك ما قاله معاصره من أبناء العامّة الصفدي : الإمام العلّامة ذو الفنون .. عالم الشيعة وفقيههم ، صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته .. وكان يصنّف وهو راكب .. وكان ابن المطهّر ريّض الأخلاق مشتهر الذكر ، تخرّج به أقوام كثيرة .. وكان إماما في الكلام والمعقولات (١).

وقال تلميذه محمّد عليّ الجرجاني : شيخنا المعظّم وإمامنا الأعظم ، سيّد فضلاء العصر ورئيس علماء الدهر ، المبرّز في فنّي المعقول والمنقول ، المطرّز للواء علمي الفروع

__________________

(١) الوافي بالوفيات ١٣ : ٨٥.

١٤

والأصول ، جمال الملّة والدين ، سديد الإسلام والمسلمين (١).

مؤلّفاته

كثيرة جدّا ، فقال البعض : إنّها جاوزت حدّ المائة ، وربّما ذهب آخرون إلى أكثر من هذا ، وأشهرها : التذكرة ، المختلف ، منتهى المطلب ، القواعد ، التحرير ، الإرشاد ، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، القواعد الجليّة ، تبصرة المتعلّمين ، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، نهج الحقّ وكشف الصدق ، نهاية المرام في علم الكلام ، إيضاح المقاصد ، واجب الاعتقاد ، تلخيص المرام في معرفة الأحكام ، وهو كتابنا الماثل بين يديك أيّها القارئ الكريم.

وفاته ومدفنه

اتّفق المؤرّخون على أنّ وفاته ليلة السبت أو يومه من شهر محرّم الحرام ، سنة ٧٢٦ ه‍ ، ولقد خالف الصفدي المخالف حيث قال : توفّي سنة خمس وعشرين [ وسبعمائة ] ، وقيل : سنة ستّ وعشرين وسبعمائة (٢).

ولكن اختلفوا في يوم وفاته المردّد بين الحادي عشر والحادي والعشرين من شهر محرّم الحرام.

فكانت وفاته في الحلّة ، وحمل نعشه على الرءوس إلى النجف الأشرف ، ودفن في مثواه الأخير في جوار مولى الموحّدين أمير المؤمنين عليه‌السلام في حجرة إيوان الذهب الواقعة على يمين الداخل إلى الحضرة الشريفة من جهة الشمال.

أقول : ومن أراد المزيد من الاطّلاع على حياة هذه الشخصيّة الفذّة والركن المنيع والبحر المتلاطم أمواجه ، الذي حيّر العقول والألباب بفكره الوقّاد ، فليراجع المصادر المعنيّة بهذا الأمر (٣).

__________________

(١) أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٧ عن مقدّمة شرح الوصول للجرجاني.

(٢) الوافي بالوفيات ١٣ : ٨٥.

(٣) انظر ترجمته في رجال ابن داود : ٧٨ ، خلاصة الأقوال : ٤٥ ، نقد الرجال : ٩٩ ، مجالس المؤمنين ٢ : ٣٥٩ ، منهج المقال : ١٠٩ ، رياض العلماء ١ : ٣٥٨ ، أمل الآمل ٢ : ٨١ ، لؤلؤة البحرين : ٢١٠ ، مقابس الأنوار : ١٣ ، خاتمة المستدرك : ٤٥٩ ، بهجة الآمال ٣ : ٢١٧ ، الفوائد الرضويّة : ١٢٦ ، الكنى والألقاب ٢ : ٤٣٦ ، هدية الأحباب : ٢٠٢ ، أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦ ، تأسيس الشيعة ، ٢٧٠ ، الوافي بالوفيات ١٣ : ٨٥ ، لسان الميزان ٢ : ٣١٧ ، النجوم الزاهرة ٩ : ٢٦٧ ، الأعلام للزركلي ٢ : ٢٢٧.

١٥

الفصل الثاني

الكتاب

اسمه ونسبته

اتّفقت المصادر كافّة على أنّ اسمه : تلخيص المرام في معرفة الأحكام باستثناء الباحث الكبير آقا بزرگ الطهراني في موضع من ذريعته ٦ : ٤٧.

وأمّا نسبته للعلّامة الحلّي فهو من الأمور المقطوعة والمسلّمة.

فقد ذكره المؤلّف نفسه في الخلاصة : ٤٥ عند ترجمة نفسه وتعرّضه لذكر مؤلّفاته.

وكذا ذكره في إجازته للسيّد مهنّا عند ما ذكر أسامي كتبه ، كما في بحار الأنوار ١٠٤ : ١٤٧ ، ورياض العلماء ١ : ٣٦٧.

وذكره الميرزا الأفندي في رياض العلماء ١ : ٣٧٢ عن الخلاصة.

وذكره السيّد الخوانساري في الروضات ٢ : ٢٧١ عن الخلاصة.

وذكره الحرّ العاملي في أمل الآمل ٢ : ٨٢ عن الخلاصة.

وذكره المحدّث البحراني في اللؤلؤة : ٢١٣ عن الخلاصة.

وذكره السيّد بحر العلوم في رجاله ٢ : ٢٧٣ ، وقال : إنّه مجلّد.

وذكره السيّد الأمين العاملي في الأعيان ٥ : ٤٠٣ ، وقال : عندنا منه نسخة.

وذكره السيّد إعجاز حسين في كشف الحجب والأستار : ١٤٠ ، وقال : في الفقه.

١٦

وذكره الشهيد المظلوم التبريزي في مرآة الكتب ٢ : ١٥٧ ، وقال : قاله في الخلاصة.

وذكره العلّامة المجلسي في بحار الأنوار ١ : ١٧ و ١٠٧ : ١٧٠.

وذكره آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ٤ : ٤٢٧ ، رقم ١٨٩٣ ، قال : تلخيص المرام في معرفة الأحكام وقواعد الفقه ومسائله الدقيقة على سبيل الاختصار.

وذكره أيضا عند ذكره لشروحه في عدّة مواضع من الذريعة ٦ : ٤٧ ، و ٧ : ١٥٢ و ١٣ : ١٥٢ و ١٦ : ٦ و ١٧ : ٢٣٥.

وذكره المحقّق السيّد عبد العزيز الطباطبائي في مكتبة العلّامة الحلّي : ١٠٧ ، رقم ٣٨.

شروحه وحواشيه

شرحه الكثير من العلماء منهم المصنّف رحمه‌الله ، لدقّته وإحاطته بكثير من التفريعات الفقهيّة ، نذكر الشروح التي توصّلنا إلى معرفتها ، وهي :

١ ) غاية الإحكام في تصحيح تلخيص المرام : للعلّامة نفسه. ذكره في الخلاصة : ٤٥ بعد ذكره لكتابة تلخيص المرام.

وفي الخلاصة التي اعتمد عليها في مجالس المؤمنين ١ : ٥٧٤ غاية المرام في تصحيح تلخيص المرام.

ولم يرد اسم هذا الكتاب في نسخ الخلاصة التي اعتمد عليها في أمل الآمل ٢ : ٨٢ ورياض العلماء ١ : ٣٧٢ ـ ٣٨١ ، وأعيان الشيعة ٥ : ٤٠٣.

وذكره البحراني في اللؤلؤة : ٢١٣ عن الخلاصة بعد كتاب تلخيص المرام.

وذكره السيّد بحر العلوم في رجاله ٢ : ٢٧٥ عن الخلاصة أيضا.

وذكره في رياض العلماء ١ : ٣٧٣ عن الخلاصة بعد كتاب تلخيص المرام.

وذكره في الذريعة ١٣ : ١٥٢ ، و ١٦ : ٦.

والكتاب لم يصل إلينا ، ولا إلى من سبقنا إلى الشهيد ، حيث ينقل عنه في شرح الإرشاد.

قال المولى الأفندي :

واعلم أنّ الشهيد قد ينقل في شرح الإرشاد وغيره من شرح التلخيص للعلّامة ، ويعني به شرحه على تلخيص المرام لنفسه في الفقه ، وظنّ بعض أفاضل المعاصرين أنّه

١٧

كتاب غريب من مؤلّفات العلّامة غير مذكور في الخلاصة ، ولا في إجازة السيّد مهنّا المدني .. وأنت خبير بأنّ العلّامة نفسه قد ذكره في الخلاصة بهذه العبارة : وكتاب غاية الإحكام في تصحيح تلخيص المرام (١).

قال ثقة الإسلام الشهيد التبريزي :

كتاب غاية الأحكام غير مذكور فيما عندنا من نسخ الخلاصة ، وكذا ممّا نقله عنها في الأمل ، واللؤلؤة ، والروضات ، ولكنّه مذكور فيما نقله في رياض العلماء عنها بعد كتاب تلخيص المرام ، ولعلّ ذلك من جهة اختلاف نسخ الخلاصة أيضا (٢).

وقال السيّد الأمين العاملي :

لا وجود له في نسخة عندي من الخلاصة ، مقابلة على نسخة ولد ولد المصنّف ، ولا في إجازة السيّد مهنّا في نسخة منها عندي ، وهو لم يذكره فيما نقله عن الإجازة ، وإنما ذكره فيما نقله عن الخلاصة (٣).

وقال المولى الأفندي في تعليقة أمل الآمل :

في حواشي الخلاصة رأيت بخطّ بعض الأفاضل ما هذا لفظه : كتاب غاية الإحكام في تصحيح تلخيص المرام نسخة بخطّ شيخنا الشهيد ، انتهى ، ولعلّه شرح للعلّامة أيضا على متنه هذا. انتهى ما في التعليقة (٤).

٢ ) حاشية التلخيص : للعلّامة نفسه.

قال المولى الأفندي في رياضة :

ثمّ اعلم أنّ الشيخ حسن قد ذكر في مسألة جواز الطهارة بالماء المضاف وعدمه من فروع كتاب المعالم : أنّ العلّامة نقل نفسه في بعض كتبه موافقة المفيد للسيّد المرتضى في القول بالجواز ، ثمّ كتب في الهامش : أنّه ذكره في حاشيته على التلخيص ، وهذا الكتاب غير مشهور ، وهو موجود عندنا ، ولم يتجاوز العبادات ، واقتصر على بيان الخلاف مجرّدا عن التعرّض للدّليل. انتهى ما في هامش المعالم.

وأقول : مراده بحاشية التلخيص : ما قيّده به العلّامة نفسه في هوامش كتاب تلخيصه

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ٣٨٠.

(٢) مرآة الكتب ٢ : ١٥٧.

(٣) أعيان الشيعة ٥ : ٤٠٣.

(٤) تعليقة أمل الآمل : ١٢٥.

١٨

المذكور ، فالمراد بهذا الكتاب والضمائر بعده هو نفس التلخيص لا حاشيته (١).

أقول : ويظهر لمن تأمّل في عبارة ما كتب في الهامش : أنّه ذكره في حاشيته على التلخيص .. أنّ هذه الحاشية غير الشرح السابق غاية الإحكام ، بل ما كتبه العلّامة من حواش على أطراف كتابه تلخيص المرام ، وإن كان احتمال اتّحاد هذه الحاشية مع غاية الأحكام باق ، لعدم وصول كتاب غاية الأحكام إلينا (٢).

٣ ) كاشف الحقّ : للمولى محمّد بن بهرام.

قال المولى الأفندي :

وقد شرح المولى بهرام من علماء دولة السلطان شاه طهماسب الصفوي كتاب تلخيص المرام له في الفقه بشرح ممزوج بالمتن ، طويل الذيل جدّا ، سمّاه : كتاب كاشف الحقّ ، ويعرف بالكاشف أيضا ، وعندنا نسخة منه إلى آخر العبادات (٣).

أقول : وتوجد نسخة في المكتبة الرضويّة رقم ٢٥٣٢ باسم كاشف الحقائق لمحمّد بن بهرام كتبت سنة ٩٥٤ ه‍ ، كما في فهرس ألفبائي : ٤٥٥ ، وقال الطهراني في الذريعة ١٧ : ٢٣٦ : ومنه نسخة في الرضوية ونسخته بعنوان كاشف الحقائق والمؤلّف محمّد بن بهرام.

٤ ) خزائن الأحكام في شرح تلخيص المرام : للشيخ الفقيه الحاج المولى عليّ بن الميرزا خليل الطهراني النجفي ، المتوفّى بها في أواخر ربيع الآخر ١٢٩٦ ه‍ ، صاحب الحاشية على التعليقة البهبهانيّة. قال سيّدنا الحسن صدر الدين : إنّه تمام الفقه في عدّة مجلّدات. رأيت النسخة الأصليّة بخطّ المؤلّف ، وقد اشتراها بعد وفاته تلميذه .. المولى باقر التستري (٤).

أقول : توجد منه نسختان في المكتبة الرضويّة ، رقم ٧٦٣٢ و ٧٦٣٣ ، كما في فهرس ألفبائي : ٢٣٣.

أهمّيّته

إنّ من يلاحظ مؤلّفات العلّامة قدس سرّه يجد فيها ما هو مبني على التطويل والتفصيل ، وآخر

__________________

(١) رياض العلماء ١ : ٣٦٩.

(٢) راجع الذريعة ٦ : ٤٧ ، رقم ٢٣٣.

(٣) رياض العلماء ١ : ٣٦٥.

(٤) الذريعة ٧ : ١٥٢ ـ ١٥٣.

١٩

متوسط ، فتارة يذكر الدليل ، وأخرى يرسل من غير دليل ، وما هو مختصر ، مقتصرا على ذكر الحكم من دون تعرّض لأدلّته ، كما هو الحال في كتابنا هذا.

فقد ذكر فيه تمام أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات ، متعرّضا فيه لكثير من الفروع مع مراعاته للاختصار المبني عليه الكتاب ، حيث قال في مقدّمته :

يحتوي على جلّ قواعده ، ويشتمل على جواهر مقاصده ، قد نظم من المسائل الدقيقة أجلّها وأعلاها ، ومن المطالب الشريفة نهايتها وأقصاها ، قلّما يشذّ عنه من المسائل الفقهيّة ، أو يخلو عن النكت الشرعيّة ، على سبيل الإيجاز والاختصار (١).

فكان بحقّ من محكمات الكتب الفقهيّة : ولأهميّته بادر العلماء إلى شرحه والتعليق عليه ، ووضع الحواشي المناسبة ، وغيرها من التوضيحات اللازمة.

وممّن شرحه : المصنّف نفسه ـ كما مرّ آنفا ـ وبيّن مراده فيه ، لكن حالت بيننا وبين الوصول إليه الحوادث التي ألمّت بكتب علمائنا رضي‌الله‌عنهم ومصنّفاتهم الشريفة ، وما وصل إلينا فهو من لطف الله ومنّه علينا ، ولذا نرى لزاما علينا أن نحافظ على هذه النعمة ، ونحفظ تراثنا المتبقّي. وننقذه من التلف والضياع. ومن هذا المنطلق قمت بإخراج هذا الكتاب القيّم بما يليق بحاله الذي يرى النور لأوّل مرّة ، راجيا أن يكون كما آمل.

ومن الملاحظ أنّه أكثر فيه من عبارة قيل ، وعلى رأي مقتصرا بهذا المقدار عن التفصيل ، لئلّا يخلّ بالاختصار الذي أشار إليه في مقدّمته.

بقي شي‌ء لا بدّ من الوقوف عنده وهو : المراد من قوله : على رأي فيه احتمالات عدّة ، وأحسن ما يمكن الإجابة عنه ، ما قاله شهيدنا الأوّل رحمه‌الله ـ في شرح قول العلّامة : والحرّة بمثلها وبالحرّ ، ولا غرم على رأي ـ :

ثمّ اعلم أنّ قول المصنّف هنا وفي التلخيص : على رأي ليس في موضعه على ما اصطلح عليه غالبا ، فإنّه ينبّه به على قول وإن لم يكن مشهورا ، وفي الأكثر يكون مشهورا (٢).

__________________

(١) نفس الكتاب : ٣.

(٢) غاية المراد ٤ : ٣٦٤.

٢٠