موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-95-9
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥٢٦

عوداً على البدء :

ونعود إلى ما زعمه صاحب الدراسة التي بدأنا الحساب معه في مقولته : « كان ابن عباس يهاب عمر بن الخطاب ـ إلى قوله ـ فهذا يدلّ دلالة واضحة على مدى هيبة ابن الخطاب في نفس تلميذه ... ».

فنقول له : لقد أسرك الوهم فأنت في أساره ، فأسأت الفهم وأنت في عواره ، فليس في هذا الزعم مخض ، فلقد مرّ بنا ـ في الشاهد الثالث على أخذ عمر من ابن عباس نقلاً عن عبد الرزاق في حديثه ـ قول ابن عباس : « فقلت لعمر : لم تظلم؟ » ، وفي لفظ السيوطي في « الدر المنثور » : « لا تظلم » (١) ، فمن كان بهذه المثابة من الجرأة لا يقال فيه أنّه كان يهاب عمرٌ بمعنى كان يخافه ويتّقيه في قولة الحق ، بل المعنى كنت أجلّه وأحذره (٢) ، كما يوحي بذلك جوّ الحديث الذي أشار إليه الدارس مستدلاً به وقد غمغم فيه ، إذ لم يكن له فيه دلالة واضحة ـ كما زعم ـ لذلك لم يذكره بتمامه ، ليقف القارئ بنفسه على صحة إستدلاله ، ولئن زاغ عن ذكره فنذكره تنويراً للقارئ نقلاً عن صحيح البخاري ، وليعرف أنّ الهيبة التي زعمها الدارس ، إنّما هي الخشية من إثارة الحفيظة فيغضبه ، فأجلّه وحذره طيلة تلك المدّة التي كان مصرّاً في نفسه على إنتزاع اعتراف من عمر

____________

(١) الدر المنثور ٦ / ٤٠.

(٢) هابه يهابه ( من باب علم ) هيبا وهيبة ومهابة ، خافه واتقاه وأجلّه وحذره ( قطر المحيط ٢ / ٢٣٢٣ ) ط بيروت سنة ١٨٦٩ م.

٨١

يدين المرأتين اللتين تظاهرتا على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو يتحين الوقت المناسب.

فلنقرأ الحديث كما أخرجه البخاري في صحيحه : « سورة المتحرم » (١) ، هكذا سمّاها البخاري خلافاً لما في القرآن الكريم من أسمها سورة « التحريم »! ومهما يكن رأي البخاري في ذلك فلسنا بصدد مناقشته فهو له رأيه ونحن لنا روايته ، فقد ذكر حديث ابن عباس مع عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. ذكره ثلاث مرات متتابعات جميعها تنتهي روايتها إلى عبيد بن حنين عن ابن عباس ، وبينها من التفاوت ما لا يخفى.

فقد جاء في الرواية الأولى : عن عبيد بن حنين ، أنّه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يحدّث أنّه قال : « مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجاً فخرجت معه ، فلمّا رجعت وكنّا ببعض الطريق عَدَل إلى الأراك لحاجة له. قال : فوقفتُ له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت : يا أميرالمؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبيّ صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال : تلك حفصة وعائشة ، قال : فقلت : والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك. قال : فلا تفعل ، ما ظننت أنّ عندي من علم فاسألني ، فإن كان لي علم خبّرتك به.

قال : ثم قال عمر ... » ، وذكر بقية الحديث بطوله. وفيه ذكر اعتزال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه وطلاق حفصة ووو (٢).

____________

(١) صحيح البخاري ، كتاب التفسير ٦ / ١٥٦ط بولاق.

(٢) نفس المصدر ٦ / (١٥٦) ـ ١٥٨.

٨٢

وجاء في الرواية الثانية : عن عبيد بن حنين ، قال : « سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول : أردت أن أسأل عمر فقلت : يا أميرالمؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فما أتممت كلامي حتى قال : عائشة وحفصة » (١).

وجاء في الرواية الثالثة : عن عبيد بن حنين ، قال : « سمعت ابن عباس يقول : أردت أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثت سنة فلم أجد له موضعاً حتى خرجت معه حاجاً ، فلمّا كنّا بظهران ذهب عمر لحاجته ، فقال : أدركني بالوضوء ، فأدركته بالأداوة ، فجعلت أسكب عليه ورأيت موضعاً فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ قال ابن عباس : فما أتممت كلامي حتى قال عائشة وحفصة » (٢).

فليلاحظ القارئ التفاوت بين روايات البخاري في الحديث الواحد المروي عن عبيد بن حنين عن ابن عباس ، فسيجد ذكر هيبة ابن عباس لعمر في الرواية الأولى فقط ، وليس لها ذكر في الثانية والثالثة! فأين ذهبت الهيبة من عمر؟! يا للخيبة!

ويجد في الثانية والثالثة مبادرة عمر بالجواب قبل أن يتم ابن عباس كلامه ، وليس لها ذكر في الرواية الأولى!

____________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

٨٣

ويجد في الأولى والثالثة ذكر المدّة التي مكث ابن عباس فيها يريد مساءلة عمر وهي سنة ، وليس لها ذكر في الثانية!

ولا يعنيني ذكر التفاوت في روايات البخاري ، فذلك الحال منه مألوف ومعروف لدى الباحثين ، لكن الذي يعنيني أنّ الذي ذكره الدارس العراقي مشيراً إليه هو هذا الحديث ، وهو كما ترى ليس فيه ما يصلح للإستدلال على تلمذة ابن عباس عند عمر في التفسير.

كما أنّه ليس فيه مايدلّ « على مدى هيبة ابن الخطاب في نفس تلميذه »؟ على أنّ رواية الهيبة التي ذكرها البخاري ورد فيها أنّ ابن عباس مكث سنة يريد أن يسأل عمر ... الخ. بينما ذكر الدارس أنّه مكث سنتين! وأحسبه لم يراجع البخاري في هذا المقام ، ولعلّه استفاد ذلك من ابن عبد البر حيث ذكر في « جامع بيان العلم » باب « في هيبة المتعلم للعالم » ، فذكر أوّلاً حديث عبيد بن حنين وفيه « مكث سنة » وليس فيه ذكر الهيبة ، فعقب عليه بقوله : « قال أبو عمر : لم يمنع ابن عباس من سؤال عمر عن ذلك إلاّ هيبته ، وذلك موجود في حديث ابن شهاب » (١).

ثم ساق بسنده حديثه وفيه ذكر الهيبة كما فيه التزيّد على السنة سنة أخرى فصارتا سنتين.

____________

(١) جامع بيان العلم ١ / ١٣٥ باب ( في هيبة المتعلم للعالم ).

٨٤

وإذا نظرنا في رجال إسناده نجد فيهم محمد بن إسحاق الذي أكذبه مالك ، ويحيى القطان ، ووهيب بن خالد ، كما في « ديوان الضعفاء والمتروكين للذهبي » ، وهو يروي الحديث عن ابن شهاب ، وهذا هو الزهري الذي قال فيه محمد بن اشكاب : كان جندياً ـ فرقّاه الذهبي رتبة فقال : قلت : كان في رتبة أمير ـ.

ونحن نقول له : سواء كان جندياً أو في رتبة أمير فهو ممن رفع بضبعه هشام بن عبد الملك كما في ترجمته ، فتولى القضاء وتولى تربية أولاد هشام وو ...

على أنّه قد روى أحمد في مسنده هذا الحديث : عن الزهري ، عن عبيد الله ابن عبد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس ، قال : « لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر ابن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ... فقال عمر : واعجباً لك يابن عباس ـ قال الزهري : كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه عنه ـ قال هي حفصة وعائشة ، قال : ثم أخذ يسوق الحديث ... » (١).

فلاحظ ليس في هذا أيّ ذكر للهيبة ولا للسنة فضلاً عن السنتين ، مع أنّه روي عن الزهري الذي كان من جند بني مروان!

نعم ، ورد عند أحمد في مسنده بسنده عن عبيد بن حنين وليس فيه ذكر للزهري ، ولعلّ الآفة منه (٢).

____________

(١) مسند أحمد ١ / ١٢٠ برقم ٢٢٢ ط محققة.

(٢) نفس المصدر ١ / ٢٣٠ رقم ٣٣٩.

٨٥

ولا يعنينا أمره بقدر ما يغنينا مناقشته في الهيبة المزعومة.

فأين غابت حين سأله عمر عن قوله تعالى؟ وهو أيضاً فيما يتعلق بأزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عامّة.

ولنقرأ ما ذكره السيوطي في « الدر المنثور » ، قال : « وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه : عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله فقال : أرأيت قول الله تعالى لأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) (١) هل كانت الجاهلية غير واحدة؟

فقال ابن عباس رضي الله عنهما : ما سمعت بأولى إلاّ ولها آخرة.

فقال له عمر رضي الله عنه : فأنبئني من كتاب الله ما يصدق ذلك؟

قال : إنّ الله يقول : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) (٢) ، كما جاهدتم أوّل مرّة (٣).

فقال عمر رضي الله عنه : من أمرنا أن نجاهد؟

قال : بني مخزوم وعبد شمس » (٤).

____________

(١) الأحزاب / ٣٣.

(٢) الحج / ٧٨.

(٣) مابين القوسين هو جزء من آية / ٧٨ سورة الحج والذي هو خارج عن القوس مما زعموا أنه أسقط فيما أسقط من القرآن. (؟! ) وما أدري كيف قال ذلك ابن عباس؟ وكيف قبل ذلك منه عمر؟ وللحديث عن هذا الجانب فيه عجائب وغرائب ولست بصدده ، وإنما أردت تنبيه من يرامي بيوت الناس بالأحجار وبيته أوهي من بيت العنكبوت. فيرمي شطر هذه الأمة بتهمة التحريف ، وعن خليفته وصحابته في مصادره ما يصح معه قلب الدعوى عليه.

(٤) الدر المنثور ٥ / ١٩٧.

٨٦

وهذا ما أخرجه أيضاً المتقي الهندي في « كنز العمال » وزاد في أوّل مصادره « أبو عبيد في فضائله وابن جرير ... » (١).

فهذا الحديث ـ على ما فيه من ملاحظة الزيادة في آخره ممّا ليس هو من القرآن المتلوّ ـ أبان لنا أنّ عمر هو الذي كان يأخذ من ابن عباس ، لا العكس ، وأنّه ما هابه حين ذكر له بني مخزوم وعبد شمس ، وهو يعرف مسبقاً رأي عمر فيهم حين أكرمهم فألغى عنهم سمة العار « المؤلفة قلوبهم » ثم كرّمهم بما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه عنه البيهقي في سننه ، قال : « عن خالد بن أبي عمران قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو على مضر « يعني قريش » إذ جاءه جبرئيل فأومأ إليه أن أسكت فسكت ، فقال : يا محمد إنّ الله لم يبعثك سبّاباً ولا لعّاناً ، وإنّما بعثك رحمة ولم يبعثك عذاباً ، ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (٢) ، ثم علّمه القنوت ـ وذكره البيهقي وهو دعاء عرف بسورتي الحفد ـ » ، ثم قال البيهقي : « هذا مرسل وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيحاً موصولاً » (٣).

وبهذا رفع السبّ عنهم فلا يجوز لأحد أن يلعن أحداً منهم. فكيف

____________

(١) كنز العمال ٢ / ٣٠٥.

(٢) آل عمران / ١٢٨.

(٣) سنن البيهقي ٢ / ٢١٠.

٨٧

بمن يقول له أمرنا بمجاهدتهم.

ثم ما بال الدارس « الفارس » غاب عنه ما حفلت به المصادر من محاورات ابن عباس مع عمر وفيها من الجرأة ما ينسف أكذوبة الهيبة؟

نحو قوله في جواب عمر حين قال له أنّه ـ يعني عليّاً ـ : استصغره قومه ، فقال ابن عباس : « والله ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة من صاحبك ».

ونحو قوله أيضاً : « هلاّ سبقتموه بالإسلام »؟

وقوله : « هلا استحدثتم سنّه يوم الخندق إذ خرج عمرو بن عبدود وقد كعم عنه الأبطال وتأخرت عنه الشيوخ ، ويوم بدر إذ كان يقطّ الأقران قطاً ».

إلى غير ذلك ممّا مرّ ذكره في الحلقة الأولى « في عهد عمر » (١).

لكن ذلك كلّه لا يعني أنّ ابن عباس لم يكن يحذر من عمر في سلوكه لما يعرفه من غلظته وزعارة خلقه ، حتى روي أنّه كان إذا غضب على بعض أهله لم يشتف حتى يعضّ يده! (٢)

قال ابن أبي الحديد : « وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعُنجهية ظاهرة » (٣).

ومع هذا الخلق الجاف لم يمتنع ابن عباس من الردّ عليه بأعنف

____________

(١) موسوعة عبد الله بن عباس / ج٢ / الفصل٣.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ١٢ / ٤٤ ط محققه

(٣) نفس المصدر ١ / ١٨٣.

٨٨

الردّ ما وجد إلى ذلك سبيلاً ، كما في قوله بعد محاورة طويلة جرت بينهما ، وستأتي في إحتجاجاته : « إنّ لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كلّ المسلمين حقاً برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، فمن حفظه فحق نفسه حفظ ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع » (١).

والآن فقد تبيّن لنا وهم الزاعمين بأنّ ابن عباس أخذ عن عمر في التفسير ، وأنّه أوّل شيخ له في ذلك ، وأنّه وأنّه ...

ومن الغريب أنّهم يزعمون ذلك وأشياخهم يروون عن عمر دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس مرتين : « اللهم فقهه في الدين وعلّمه التأويل » (٢) ، وهم يروون شهادة ابن مسعود فيه : « نعم ترجمان القرآن ابن عباس » (٣) ، وهم يروون قول ابن عمر فيه : « كان ابن عباس أعلم أمّة محمد بما نزل على محمد » (٤). ولم يرد ـ بسند صحيح ـ شيء يشبه ذلك في عمر.

ثم ما بال أصحاب طبقات المفسرين وطبقات القرّاء لم يذكروا أخذ ابن عباس من عمر في شيء من التفسير.

فهذا ابن الجزري ترجم ابن عباس في « غاية النهاية في طبقات القراء » وقال : « بحر التفسير وحبر الأمّة الذي لم يكن على وجه الأرض في زمانه أعلم منه ، حفظ المحكم في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم عرض القرآن كلّه على أبيّ بن كعب

____________

(١) نفس المصدر ١٢ / ٥٤.

(٢) الإصابة ٢ / ٣٢٢.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٣٢٤.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٣٢٤.

٨٩

وزيد بن ثابت. وقيل إنّه قرأ على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم ... » (١) إلى آخر ما ذكر في ترجمته ، ولم يذكر أنّه أخذ عن عمر في التفسير.

وتعقيباً منّا على تمريض ابن الجزري لقراءة ابن عباس على عليّ عليه السلام نذكّر القارئ بما مرّ من قول ابن عباس : « ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ ابن أبي طالب » (٢)!

ومن الطريف أنّ ابن الجزري ترجم لعمر في كتابه « غاية النهاية » ، وقال بعد ذكر اسمه ونسبه : « وردت الرواية عنه في حروف القرآن. وقال أبو العالية الرياحي : قرأت القرآن على عمر أربع مرات وأكلت معه اللحم ... » (٣) إلى آخر ما ذكره في ترجمته ، ولم يرد فيها أخذ أحد عنه في التفسير سوى أبي العالية.

وهذا ممّا يبعث على الدهشة! خليفة للمسلمين وهو بتلك المثابة فلا يسمع منه في التفسير أحد لا ابن عباس ولا غيره سوى أبي العالية الرياحي الذي ترجمه فقال : « من كبار التابعين ، أسلم بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين ، ودخل على أبي بكر وصلى خلف عمر ، أخذ القرآن عرضاً عن أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وابن عباس. وصح أنّه عرض على عمر ، فقد روى معتمر وغيره عن هشام ابن حسان عن حفصة بنت سيرين قالت : قال لي أبو العالية : قرأت القرآن على عمر ثلاث مرار ، وهذا سند صحيح كما تراه ، وروى الدارقطني ، وذكر ما مرّ

____________

(١) غاية النهاية في طبقات القرآء ١ / ٤٢٥.

(٢) مناهل العرفان للزرقاني ١ / ٤٨٦.

(٣) غاية النهاية في طبقات القرآء ١ / ٥٩١.

٩٠

عنه في ترجمة عمر ، ثم قال قطع الحافظ العلائي بقراءته على عمر » (١).

أقول : ولا مانع من قراءته على عمر ثلاث مرّات؟ أو أربع مرّات ، لكن المثير في النفس شكّاً هو : ما بال غيره من المسلمين من صحابة وتابعين لم يقرأوا على عمر منذ عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر؟! وكيف لم يتهيأ أحد منهم ويتنبه لاقتباس التفسير والقراءة من عمر حتى جاءهم من أسلم بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين فحظي بتلك النعمة فقرأ القرآن على عمر أربع مرّات وأكل معه اللحم؟! ويبدو أنّ الرجل كان قرماً (٢) إلى اللحم فذكره.

ولنرجع الآن إلى طبقات المفسرين لنرى هل أنّ عمر بن الخطاب كان منهم ، ولديّ في ذلك كتاب للسيوطي بهذا الاسم وهو لا يغني في المقام لأنّه استثنى في مقدمته ذكر الصحابة والتابعين لأنّ تراجمهم مذكورة في طبقات الفقهاء (٣) ، ولكن ثمّة كتاب آخر بهذا الاسم للداودي ـ وهو تلميذ السيوطي ـ وكتابه أوسع وأجمع ، فقد ذكر ترجمة ابن عباس (٤) ، ولم يذكر أخذه عن عمر ، كما لم يذكر لعمر ترجمة في كتابه ، ممّا يكشف عن أنّه ليس معدوداً عنده من المفسّرين.

وأخيراً لا ينقضي العجب من أولئك الذين يزيّفون الحقائق ، فيلبسون الحق

____________

(١) نفس المصدر ١ / ٢٨٥.

(٢) قرم الرجل إلى اللحم : اشتدت شهوته له ( قطر المحيط ٢ / ١٦٩٩ ط بيروت سنة ١٨٦٩ ).

(٣) أنظر طبقات المفسرين للسيوطي / ٢ ط سنة ١٨٣٩ افست طهران سنة ١٩٦٠.

(٤) طبقات المفسرين للداودى ١ / ٢٣٢ ترجمة ابن عباس.

٩١

بالباطل تمويهاً على الناس ، فيزعمون ويوهمون بأنّ ابن عباس أخذ العلم عن عمر ، كما ذهب إليه الدارس البغدادي ، مع أنّ ابن عباس هو الذي كان يقرئ جماعة من المهاجرين ، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف (١).

وحديث إقرائه رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ، أخرجه الشيخان ، فهو من المتفق عليه ، وأمّا حديث إقرائه لعمر فهو عن أبي رافع خرّجه أبو حاتم كما في « ذخائر العقبى » (٢).

فكيف يصدّق الزاعمون فيما يزعمون؟! (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (٣).

وداء المغالاة في الفضائل فاشٍ في الأواخر والأوائل ، حتى لقد قال ابن أبي نجيح : « كان أصحاب ابن عباس يقولون : ابن عباس أعلم من عمر ومن عليّ ومن عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ ويعدّون أناساً ، فيثب عليهم الناس ، فيقولون لا تعجلوا علينا إنّه لم يكن أحد من هؤلاء إلاّ وعنده من العلم ما ليس عند صاحبه ، وكان ابن عباس قد جمعه كلّه » (٤).

وإذا شئنا حسم الموقف في المقام من دون تحيّز ، فلنقرأ ما قاله ابن

____________

(١) أنظر ذخائر العقبى للمحب الطبري / ٢٣٣ ، الرياض النضرة ٢ / ٧٠ ط النعساني بمصر.

(٢) ذخائر العقبى / ٢٣٣.

(٣) النمل / ٦٤.

(٤) أعلام الموقعين لابن القيم ١ / ١٥ط المنيرية.

٩٢

عمر عن أبيه ـ وهو غير متهم عليه ـ : « انّ عمر تعلّم سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة ، فلمّا ختمها نحر جزوراً » ، وهذا ما أخرجه الخطيب في رواية عن مالك (١) ، وذكره القرطبي في تفسيره وفيه « بضع عشرة سنة » (٢) ، والبيهقي في « شعب الإيمان » ، والسيوطي في « الدر المنثور » (٣) ، والزمخشري في « ربيع الأبرار » ، وفيه « حفظ » بدل « تعلّم » (٤) ، والذهبي في « سير أعلام النبلاء » (٥) ، وغيرهم.

وما ورد من إستبدال « تعلم » بـ « حفظ » أحسبه من قبيل الحفاظ على مقام الخليفة ، لأنّا إذا عرفنا تاريخ سنيّ حياة عمر ، تبين لنا أنّ ما روي في مدّة تعلّمه أو حفظه لا يمكن معه تصديق الزعم بأنّه كان مفسراً ، إذ لا يمكن إستيعابه بقية القرآن في مدّة لا تفي له بذلك.

فإنّه قد أسلم في السنة السادسة من البعثة وله سبع وعشرون سنة كما قاله الذهبي (٦) ، فلو افترضنا أنّه ابتدأ بتعلمه سورة البقرة في أوّل إسلامه ، فيكون قد أنهاها وعمره تسع وثلاثون سنة ، ولمّا كان تمام عمره على أكثر تقدير (٦٣) سنة كما عن معاوية والشعبي ، أو كان (٥٥) سنة كما عن حفيده

____________

(١) شرح الموطأ للزقاني ٢ / ١٩٤.

(٢) تفسير القرطبي ١ / ٤٠.

(٣) الدر المنثور ١ / ٢١.

(٤) ربيع الأبرار ٢ / ٧٧.

(٥) سير أعلام النبلاء (١) ـ ٢ / ٥٢٠ ط دار الفكر.

(٦) نفس المصدر (١) ـ ٢ / ٥٠٩.

٩٣

سالم بن عبد الله بن عمر ، أو (٥٤) سنة كما عن الزهري ـ وهذا كلّه ذكره المحب الطبري في « الرياض النضرة » في ترجمته نقلاً عن أبي عمر والحافظ السلفي ـ ولنفترض كان عمره (٦٣) سنة على أكثر تقدير ، فيعني أنّه أنهى تعلّمه البقرة قبل موته بأربع وعشرين سنة ، فهل يمكن لمثله أن يتعلم أو يحفظ بقية القرآن وهي (١١٣) سورة في أكثر من سبع وعشرين جزءاً في تلك المدّة؟ مع أنّ أيام حياته كانت حافلة بأحداث شغلته عن التعلم ، وهو الذي كان يلهيه الصفق بالأسواق كما مرّ.

فكيف يمكن لباحث متحرر من الرواسب أن يصدّق من يزعم أنّه كان مفسّراً للقرآن ، وأخذ عنه الناس ومنهم ابن عباس؟!

وحسبنا حديثه مع وافد عليه فسأله عن الناس؟ فقال : « قرأ منهم القرآن كذا وكذا ، فقال ابن عباس : ما أحبّ أن يسأل عن آي القرآن ، قال : فزبرني عمر ، فانطلقت إلى منزلي فقلت : ما أراني إلاّ سقطت من نفسه ، فبينا أنا كذلك إذ جاءني رجل فقال أجب ، فأخذ بيدي ثم خلا بي ، فقال : ما كرهت ممّا قال الرجل؟ فقلت : يا أمير المؤمنين إن كنتُ أسأتُ فأستغفر الله ، قال : لتحدثني ، قلت : إنّهم متى تنازعوا أختلفوا ، ومتى أختلفوا أقتتلوا ، قال : لله أبوك لقد كنت أكتمها الناس » (١).

فمن لم يتمكن من تعلّم القرآن تنزيلاً فضلاً عن معرفته تأويلاً ،

____________

(١) الإصابة ٢ / ٣٢٣.

٩٤

كيف صار يعلّم غيره وذلك مثل ابن عباس؟!

ومن ذا يصدق بأخذ ابن عباس عنه وهو يجهل معنى الأب في قوله تعالى : (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ) (١)! وقد مرّ اعترافه بذلك على المنبر.

أو ليس ابن عباس هو القائل لسعيد بن جبير : « ألا تسألني عن آية فيها مائة آية؟ قال : ما هي؟ قال : قوله عزوجل : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) (٢) ، قال : كلّ شيء أوتي من خير أو شر كان فتنة ، وذكر حين حمل به أمّه ، وحين وضعته ، وحين التقطه آل فرعون حتى بلغ ما بلغ ، ثم قال : ألا ترى (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٣) ... » ، وسيأتي الخبر بطوله.

وأمّا تفسير ابن عباس لسورة البقرة على المنبر ، فلنترك الحديث لمن رآه يخطب وهو على الموسم ، قال : « فقرأ سورة البقرة وفسرها ، فما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله ، إنّي أقول لو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت » (٤).

وربّما نتّهم بالغلوّ في ابن عباس لو ذكرنا للقارئ ما ذكره ابن الأبّار في « تكملة الصلة » : « إنّ ابن عباس كان يقول : لو فسّرت (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (٥) على كنهه ما حملت إبل الأرض كتب تفسيرها » (٦). وأحسب أنّها موضوعة من بعض المتزلفين إلى العباسيين!

____________

(١) عبس / (٣١) ـ ٣٢.

(٢) طه / ٤٠.

(٣) الأنبياء / ٣٥.

(٤) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ١ / ١٣٨.

(٥) الحمد / ٢.

(٦) تكملة الصلة ٢ / ٦٠٠ ط٢.

٩٥

وحسبه فخراً أنّه تلميذ من كان يقول : « لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب » (١).

وكان على صغر سنه أيام حظوته بصحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يرى المنافقين الذين كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون له بالا تهاوناً منهم ، فإذا خرجوا قالوا لأولي العلم من الصحابة ماذا قال الساعة؟ على جهة الإستهزاء. وذلك قوله تعالى : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) (٢).

فكان ابن عباس أحد الذين أوتوا العلم وقد سمّي فيمن سئل (٣).

فبعد هذه الجولة بين مختلف المصادر أحسب أنّه تبيّن للقارئ زيف مزاعم الدارس البغدادي. ولا غضاضة عليه فذاك مبلغ علمه ، وهو بعد في بداية تخصصه ، ويبقى له فضل جهده الذي بذله في أطروحته « تفسير ابن عباس دراسة وتحليل » وهو جهد بالغ استحق عليه منحه القبول لنيل درجة الماجستير في الدين. وفق الله الدارسين لخدمة العلم والدين.

____________

(١) الإتقان للسيوطي ٢ / ١٨٦ النوع ٢٨ فيما يرجع إلى تفسير القرآن ، احياء علوم الدين للغزالي ( فصل القرآن الباب الرابع ) ، علم القلوب لأبي طالب المكي / ٧٢ ، المحجة البيضاء للفيض الكاشاني ١ / ٢٥١ في التفسير بالرأي.

(٢) محمد / ١٦.

(٣) الكشاف للزمخشري ٣ / ١٣٠.

٩٦

أمّا الآن لنقرأ :

حجية تفسير ابن عباس

قال الحاكم في « المستدرك » : « ليعلم طالب هذا العلم ـ التفسير ـ أنّ تفسير الصحابي الذي يشهد الوحي. والتنزيل عند الشيخين حديث مسند » (١).

وهذا الإطلاق من الحاكم غير مقبول لدى آخرين كالنووي الذي قال : « من قال تفسير الصحابي مرفوع فذاك تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحو ذلك ، وغيره موقوف » (٢).

وكذا قال ابن الصلاح في مقدمة في علوم الحديث : « ما قيل من أنّ تفسير الصحابي مسند ، فإنّما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول أخبر به الصحابي ، أو نحو ذلك كقول جابر رضي الله عنه كانت اليهود تقول : من أتى أمرأته من دُبرها في قُبلها جاء الولد أحول ، فأنزل الله عزوجل : (نسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (٣) » (٤).

ولمّا كان ابن عباس أكثر الصحابة آثاراً في التفسير ، لذلك اقتضى البحث في حجية تفسيره.

____________

(١) المستدرك ٢ / ٢٥٨.

(٢) تدريب الراوي بتقريب النواوي للسيوطي ١ / ١٩٢.

(٣) البقرة / ٢٢٣.

(٤) مقدمة في علوم الحديث / ٤٥.

٩٧

فقد قال الشيخ الأزهري محمد حسين الذهبي في كتابه « التفسير والمفسرون » : « روي عن ابن عباس رضي الله عنه في التفسير ما لا يحصى كثرة ، وتعددت الروايات عنده وأختلفت طرقها ، فلا تكاد تجد آية من كتاب الله تعالى إلاّ ولابن عباس رضي الله عنه فيها قول أو أقوال ، الأمر الذي جعل نقاد الأثر ورواة الحديث يقفون إزاء هذه الروايات التي جاوزت الحدّ وقفة المرتاب ، فتتبعوا سلسلة الرواة ، فعدّلوا العدول ، وجرحوا الضعفاء ، وكشفوا للناس عن مقدار هذه الروايات قوة وضعفاً » (١).

وللباحثين المحدثين من أصحاب الدراسات الخاصة بابن عباس في هذه الروايات مواقف تكاد أن تكون متقاربة في الدفاع عنها ، ولسنا بصدد عرضها.

إلاّ إنّا نقول : لقد قرأنا في الحلقة الأولى مكانته النسبية وعلقته السببية مع أهل بيت الوحي والتنزيل ، مضافاً إلى إستعداده الفطري بما أوتي من فهم وعلم ببركة دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالحكمة وعلم التأويل ما يدحض جميع الشبهات في المقام ، ويبقى علينا غربلة تلك الكثرة الكاثرة عن طريق سلامة السند ، ثم دلالة المتن بما لا ينافي أصول العقيدة وأحكام الشريعة.

ونظرة فاحصة في تلك الروايات عن ابن عباس ، نجد كثيراً منها موافقاً لما روى عن أهل البيت عليهم السلام ، ولإحاطة القارئ بشواهد على ذلك ، نراجع معاً كتاب « مجمع البيان في تفسير القرآن » تأليف الشيخ أمين الإسلام الحسن ابن الفضل الطبرسي من أعلام المفسرين في القرن السادس ، إذ توفي سنة

____________

(١) التفسير والمفسرون ١ / ٧٧.

٩٨

« ٥٣٨ هـ » وكتابه خير موسوعة تفسيرية ذكرت ابن عباس بما يقرب من ألف وسبعمائة وخمسين مرّة ، ونتيجة لمسح شامل كانت المئات منها قد صرّح المؤلف بموافقتها لما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام سوى ما لم يصرح به ، وهي كذلك.

وهذا المصدر كما يقول محمد حسين الذهبي المصري في كتابه « التفسير والمفسرون » : « كتاب عظيم في بابه ، يدلّ على تبحر صاحبه في فنون مختلفة من العلم والمعرفة ، والكتاب يجري على الطريقة التي أوضحها لنا صاحبه في تناسق تام وترتيب جميل ، وهو يجيد في كلّ ناحية من النواحي التي يتكلم عنها ، فإذا تكلم عن القراءات ووجوهها أجاد ، وإذا تكلم عن المعاني اللغوية للمفردات أجاد ، وإذا تكلم عن وجوه الإعراب أجاد ، وإذا شرح المعنى الإجمالي أوضح المراد ، وإذا تكلم عن أسباب النزول وشرح القصص استوفى الأقوال وأفاض ، وإذا تكلم عن الأحكام تعرّض لمذاهب الفقهاء ، وجهر بمذهبه ونصره إن كانت هناك مخالفة منه للفقهاء ، وإذا ربط بين الآيات آخى بين الجُمل ، وأوضح لنا عن حسن السبك وجمال النظم ، وإن أعرض لمشكلات القرآن أذهب الإشكالُ ، وأراح البال ، وهو ينقل أقوال من تقدمه من المفسرين معزوة لأصحابها ، ويرجح ويوجّه ما يختار منها.

وإذا كان لنا بعض المآخذ عليه فهو تشيّعه لمذهبه وإنتصاره له ... غير أنّه ـ والحق يقال ـ ليس مغالياً في تشيّعه ، ولا متطرفاً في عقيدته ... ».

فبعد هذا التعريف المسهب بكتاب « مجمع البيان » من لدن باحث لا يتهم

٩٩

فيه ، فقد رأيت فيه خير وسيلة للقيام بعملية إحصاء ومقارنة بين ما رواه عن ابن عباس وما كان منه موافقاً لأهل البيت عليهم السلام ، وقد استعنت في عملي هذا بفهارس طبعة الأعلمي في بيروت سنة « ١٤٢٥ هـ » فكانت النتائج كالتالي :

أوّلاً : وردت الروايات والأقوال والنقول عن ابن عباس بما يقرب من ألف وسبعمائة وخمسين موضعاً ، منها ما يزيد على (١٠٠) مورد صرح المؤلف بموافقتها لما روي عن أهل البيت عليهم السلام ، بنحو قوله : « وهو المروي عن أئمتنا » (١) ، أو « وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام » (٢) ، أو « وروي ذلك عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام » (٣) ، أو « وهو المروي عن الحسن بن عليّ عليه السلام » (٤) ، أو « وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام » (٥) ، أو « وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن الرضا عليه السلام » (٦) ، أو « وروي ذلك عن الصادق عليه السلام » (٧) ، إلى غير ذلك ممّا يشعر بالموافقة.

أمّا التي لم يذكر فيها نحو التعقيب بما مرّ ، فلا يعني أنّها كانت مخالفة ، بل رويت عنه وكانت في جوانب أخرى من نحو أسباب النزول أو القصص القرآني أو بعض الأحكام التي عرف بها كنكاح المتعة ومسألة العول في

____________

(١) مجمع البيان ١٠ / ٤٤.

(٢) نفس المصدر ١٠ / ١٣.

(٣) نفس المصدر ١٠ / ٣١٥.

(٤) نفس المصدر ١٠ / ٣١٥.

(٥) نفس المصدر ١٠ / ٣٧٢.

(٦) نفس المصدر ٨ / ٧٦.

(٧) نفس المصدر ٨ / ٢٤٣.

١٠٠