موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

موسوعة عبد الله بن عبّاس - ج ٧

المؤلف:

السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-95-9
ISBN الدورة:
964-319-500-7

الصفحات: ٥٢٦

٨ ـ « فصرهن » في قوله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) (١) ، عن ابن عباس : فصُرهّن ـ بالضم أي اعطفهن من صار فلان الشيء إذا قطعه ، وصاره إذا جمعه (٢).

٩ ـ « كالصريم » في قوله تعالى : (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٣) ، أراد الليل المظلم قال قطرب : وأحسبه قول ابن عباس ، والصريم من الأضداد ، يكون بمعنى المصروم ، ويجيء بمعنى الليل المظلم (٤).

١٠ ـ « يظنون » في قوله تعالى : (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ) (٥) ، قال ابن عباس : أي يعلمون ، والظن من الأضداد يكون شكاً : (إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً) (٦) ، ويكون يقيناً كما مر (٧).

١١ ـ « عسى » في قوله تعالى : (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ) (٨) ، قال ابن عباس : هي واجبة من الله ، وكذلك قوله : (عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (٩) ،

____________

(١) البقرة / ٢٦٠.

(٢) الأضداد لأبي الطيب / (٤١٨) ـ ٤٢٨.

(٣) القلم / ٢٠.

(٤) الأضداد لأبي الطيب / ٤٢٨.

(٥) البقرة / ٢٤٩.

(٦) الجاثية / ٣٢.

(٧) الأضداد لأبي الطيب / (٤٦٦) ـ ٤٦٧.

(٨) الإسراء / ٨.

(٩) التوبة / ١٠٢.

٥٠١

وكلّ ما في القرآن من ذلك ـ عسى ـ فهو واجب من الله عزوجل ، ولمّا كانت « عسى » من الأضداد تكون شكا مرّة ويقينا أخرى (١).

١٢ ـ « عسعس » في قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) (٢) ، قال ابن عباس : أدبر ، وقال غيره : أظلم ، وقال آخرون : أقبل. فهو من الأضداد (٣).

١٣ ـ « تعزروه » في قوله تعالى : (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) (٤) ، قال ابن عباس : « التعزير النصر بالسيف واللسان » (٥).

١٤ ـ « بعوضة » في قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) (٦) ، قال ابن عباس : الذباب « فوق » البعوضة ، وكلمة فوق من الأضداد تكون بمعنى الأرفع وبمعنى الأدون (٧).

١٥ ـ « من ورائه » في قوله تعالى : (وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) (٨) ، عن ابن عباس : قدّامه ، وكلمة « وراء » من الأضداد ، وراء الرجل خلفه ووراءَه أمامه ، وعلى

____________

(١) الأضداد لأبي الطيب / ٤٩٠.

(٢) التكوير / ١٧.

(٣) الأضداد لأبي الطيب / ٤٩٠.

(٤) الفتح / ٩.

(٥) الأضداد لأبي الطيب / ٥٠٧.

(٦) البقرة / ٢٦.

(٧) الأضداد لأبي الطيب / ٥٣٦.

(٨) إبراهيم / ١٧.

٥٠٢

ذلك كانت قراءة ابن عباس : « وكان أمامهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا » (١).

١٦ ـ « مولى » في قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) (٢) ، قال ابن عباس : « هو مولاها » معناها مصروف إليها مستقبل بها « وليت » من الأضداد بمعنى أقبلت وبمعنى أدبرت (٣).

١٧ ـ « تهجد به » في قوله تعالى : (فَتَهَجَّدْ بِهِ) (٤) ، قال ابن عباس : أيحسب أحدكم قام بالليل أنّه قد تهجد ، لا ، ولكن حتى يقوم ثم ينام ، ثم يقوم ، ثم ينام ، فذلك التهجد بالليل ، والهاجد من الأضداد فهو النائم وهو اليقضان (٥).

هذه نماذج نحوية ولغوية ، وبعضها قد لا يحسبها القارئ كذلك لأوّل نظرة ، ولكنها مع التدّبر تظهر معانيها.

وبهذا القدر نكتفي في بيان تضلعه في علوم اللغة العربية التي تمايزت من بعد عصره ، وكانت جذورها لديه بعضها بالفطرة ، وبعضها بالتعلّم من باب مدينة العلم التي أسست علم النحو ، وفتحت آفاقه لمن بعده.

وفي خصوص المعاني اللغوية ثمة شاهد فيه اعتراف من ابن عباس

____________

(١) الأضداد لأبي الطيب / ٦٥٧.

(٢) البقرة / ١٤٨.

(٣) الأضداد لأبي الطيب / ٦٧٨.

(٤) الاسراء / ٧٩.

(٥) الأضداد لأبي الطيب / ٦٨١.

٥٠٣

برجوعه إلى قول الإمام عليه السلام ونزعه عن قوله :

ذكر ابن الأنباري في كتابه « الأضداد » بسنده : « عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنّه حدّثه ، قال : بينما أنا جالس في الحجر ، جائني رجل فسألني عن (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً) (١)؟ فقلت : هي الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثم يأوون بالليل فيصنعون طعامهم ، ويورون نارهم ، فأنفتل عني وذهب إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو تحت سقاية زمزم ، فسأله عن : (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً)؟ قال له : أسألت عنها أحداً قبلي؟ قال : نعم سألت ابن عباس فقال : هي الخيل حين تغير في سبيل الله ، فقال : اذهب فادعه لي ، فلمّا وقفت على رأسه ، قال : إن كانت أوّل غزوة في الإسلام لبدراً ، وما كان معنا إلاّ فرسان : فرس للزبير وفرس للمقداد ، فكيف تكون العاديات الخيل! إنّما العاديات ضبحاً ، من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى ، فإذا كان الغد فالمغيرات صبحاً إلى منى ، فذلك جمع ، فأمّا قوله : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (٢) فهو نقع الأرض حين تطؤه بأخفافها.

قال ابن عباس : فنزعت عن قولي ، ورجعت إلى قول عليّ عليه السلام » (٣).

وعن ابن عباس أيضاً في المعاني اللغوية كلمة « الورود » في قوله تعالى : (وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) (٤) ، فقد ذكر ابن جرير ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال :

____________

(١) العاديات / ١.

(٢) العاديات / ٤.

(٣) الأضداد / ٢٦٤ ط الكويت.

(٤) مريم / ٧١.

٥٠٤

« إنّ الورود الذي ذكر الله عزوجل في القرآن الدخول ، ليردنّها كلّ بر وّفاجر.

ثم قال ابن عباس : في القرآن : أربعة أوراد : قوله : (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) (١) ، وقوله : (حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) (٢) ، وقوله : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٣) ، وقوله : (وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) (٤).

قال ابن عباس : والله لقد كان من دعاء من مضى : « اللهم أخرجني من النار سالماً وأدخلني الجنّة غانماً ».

وروى مجاهد ، عن نافع بن الأزرق : « سأل ابن عباس عن قول الله عزوجل : (وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا)؟ فقال ابن عباس : واردها داخلها ، فقال نافع : يرد القوم ولا يدخلون. فاستوى ابن عباس جالساً ـ وكان متكئاً ـ فقال له : أمّا أنا وأنت فسنردها ، فأنظر هل تنجو منها أم لا؟ أما تقرأ قول الله : (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * ‏ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) (٥) أفتراه ويلك أوقفهم على شفيرها ، والله تعالى يقول : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (٦) » (٧).

وليكن ختام هذا الفصل بكلام السيد ابن طاووس رحمة الله في كتابه « سعد السعود » فهو أوفى بالمقام لبلوغ المرام :

____________

(١) هود / ٩٨.

(٢) الأنبياء / ٩٨.

(٣) مريم / ٨٦.

(٤) مريم / ٧١.

(٥) هود / (٩٧) ـ ٩٨.

(٦) غافر / ٤٦.

(٧) التمهيد لما في الموظأ من الأسانيد ٣ / ١٤٧.

٥٠٥

قال : « فصل : يقول عليّ بن موسى بن طاووس :

ومن عجيب ما وقفتُ عليه ورويته من تفاسير القرآن المجيد والاختلاف فيه بين الموصوفين بالتأييد ، اقتصار كثير من المسلمين في المعرفة بمكيّة من مدنيّة وعدد آياته ووجوه قراءاته على القرّاء السبعة والعشرة وعلى مجاهد وقتادة وعطاء والضحاك وأمثالهم ، وقد كان ينبغي نقل ذلك مسنداً عن المهاجرين الأوّلين والأنصار السابقين والبدريّين ومَن كان حاضراً لأوّل الإسلام وآخره ومطلعاً على سرائره.

فصل : وحيث ذكروا واحداً من الشجرة النبوية والعترة المحمدية ، اقتصروا في كثير ما نقلوه على الشاب المعظّم الذي كان له عند وفاة النبيّ صلوات الله عليه وآله عشر سنين ، وعلى رواية بعضهم ثلاث عشرة سنة.

فأين كهول بني عبد المطلّب وشيوخهم؟! فأين شيوخ بني هاشم؟! وأين شيوخ قريش الذين عاصروا جميع أيّام الرسالة وعاشروا حين نزول القرآن وسمعوه مشافهة من لفظ النبوّة ومحلّ الجلالة؟! وما الذي منع أن يلازموا جميع علماء الثقل الذين قرنهم الله جلّ جلاله بكتابه المهمين على كلّ كتاب ، الذين جعلهم النبيّ صلوات الله عليه وآله خلفاء منه وشهد أنّهم لا يفارقون كتابه إلى يوم الحساب؟! وما الذي منع أن ينقلوا تفسير القرآن كلّه عمّن شهدوا أنّه أعرف الأمّة بنزول القرآن وفضله؟! كما ذكر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري في كتاب « الاستيعاب » ، وهو ممّن لا يتّهم في نقل فضائل أهل بيت النبوّة ، فإنّه من ذوي الخلاف والمعروفين بالإنحراف.

٥٠٦

فقال في الجزء الثالث منه ، في باب عليّ بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام ما هذا لفظه :

وروى معمّر ، عن وهب بن عبدالله ، عن أبي الطفيل ، قال : شهدت عليّاً يخطب وهو يقول : « سلوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فو الله ما من آية إلاّ وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل » (١).

أقول : وقال أبو حامد الغزالي في كتاب « بيان العلم اللّدني » ، في وصف مولانا عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله ما هذا لفظه :

وقال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام : « إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدخل لسانه في فمي ، فانفتح في قلبي ألف باب من العلم مع كلّ باب ألف باب ».

وقال صلوات الله عليه وآله : « لو ثنّيت لي وسادة وجلست عليها لحكمت لاهل التوراة بتوراتهم ولاهل الانجيل بإنجيلهم ولاهل القرآن بقرآنهم » (٢).

وهذه المرتبة لا تنال بمجرّد التعلّم ، بل يتمكّن المرء في هذه الرتبة بقوّة العلم اللّدني.

وقال عليّ عليه السلام لمّا حكى عهد موسى : « إنّ شرح كتابه كان أربعين حملاً (٣) ، لو أذن الله ورسوله لي لاشرع في شرح معاني ألف الفاتحة حتّى

____________

(١) الاستيعاب ٣ / ٢٠٨ رقم ١٨٧٥.

(٢) ض : بقراءاتهم.

(٣) ب : جملاً.

٥٠٧

يبلغ مثل ذلك » ، يعني : أربعين وقراً أو حملاً.

وهذه الكثرة في السعة والافتتاح في العلم لا يكون إلاّ لدنياً سماوياً إلهيّاً (١).

هذا آخر لفظ محمد بن محمد بن محمّد الغزالي.

أقول : وذكر أبو عمر (٢) الزاهد ، واسمه محمد بن عبد الواحد ، في كتابه (٣) بإسناده :

إنّ عليّ بن أبي طالب ، قال : « يابن (٤) عبّاس إذا صلّيت عشاء الآخرة فالحقني إلى الجبان » ، قال : فصلّيت ولحقته ، وكانت ليلة مقمرة (٥).

قال : فقال لي : « ما تفسير الألف من الحمد؟ ».

قال : فما علمت حرفاً أجيبه.

قال : فتكلّم في تفسيرها ساعة تامّة.

قال : ثمّ قال لي : « فما تفسير اللاّم من الحمد؟ ».

قال : فقلت : لا أعلم.

فتكلّم في تفسيرها ساعة تامّة.

قال : ثمّ قال : « فما تفسير الميم من الحمد؟ ».

فقلت : لا أعلم.

____________

(١) الرسالة اللدنية / ٤٤.

(٢) وعبّر عنه ابن طاووس في بعض كتبه : أبو عمرو.

(٣) والظاهر اسمه : مناقب الامام الهاشمي أبي الحسن عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، والّذي نقل عنه المصنّف في كتابه التشريف بالمنن في التعريف بالفتن ( الملاحم والفتن / ٨١ ) ، فتأمّل.

(٤) ع. ض : يا أبا عباس ، والمثبت من حاشية ع.

(٥) ع : مغمرة.

٥٠٨

قال : فتكلّم فيها (١) ساعة تامّة.

قال : ثمّ قال : « ما تفسير الدال من الحمد؟ ».

قال : قلت : لا أدري.

قال : فتكلّم فيها حتّى برق عمود الفجر.

قال : فقال لي : « قم يا بن عباس (٢) إلى منزلك وتأهّب لفرضك ».

قال أبو العباس عبد الله بن العباس : فقمتُ وقد وعيت كلّما قال ، ثمّ تفكّرت فإذا علمي بالقرآن في علم عليّ كالقرارة (٣) في المثعنجر (٤).

وقال أبو عمر الزاهد :

قال لنا عبد الله بن مسعود ذات يوم : لو علمت أنّ أحداً هو أعلم منّي بكتاب الله عزوجل لضربت إليه آباط الإبل.

قال علقمة : فقال رجل من الحلقة : ألقيتَ عليّاً عليه السلام؟

قال : نعم ، قد لقيته وأخذتُ عنه واستفدتُ منه وقرأتُ عليه ، وكان خير الناس وأعلمهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقد رأيته كان ثبج (٥) بحر يسيل سيلاً.

ـ يقول عليّ بن موسى بن طاووس ـ :

____________

(١) حاشية ع : فتكلّم في تفسيرها

(٢) ع. ض : يا أبا عباس ، والمثبت من حاشية ع.

(٣) ع : كالقراءة.

(٤) وردت الكلمة مضطربة في النسخ المعتمدة ، وما أثبتناه هو الصحيح ، راجع : لسان العرب ٤ / ١٠٣ ثعجر.

(٥) ثبج كلّ شيء : معظمه ووسطه ... يركبون ثبج هذا البحر : أي وسطه ومعظمه. لسان العرب ٢ / (٢١٩) ـ ٢٢٠ ثبج.

٥٠٩

وقد ذكر محمد بن الحسن بن زياد المعروف بالنقّاش ، في المجلّد الأوّل من تفسير القرآن الذي سمّاه شفاء الصدور ما هذا لفظه : وقال ابن عباس : جلّ ما تعلّمت من التفسير من عليّ بن أبي طالب.

وقال النقّاش أيضاً في تعظيم ابن عباس لمولانا عليّ عليه السلام ما هذا لفظه : أخبرنا أبو بكر ، قال : حدّثنا أحمد بن غالب الفقيه بطالقان ، قال : حّدثنا محمد ابن عليّ ، قال : حدّثنا سويد ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسين بن واقد (١) ، عن أبيه ، عن الكلبي : قال ابن عباس (٢) ، وممّا وجدت في أصله :

وذهب بصر ابن عباس من كثرة بكائه على عليّ بن أبي طالب.

وذكر النقاش أيضاً ما هذا لفظه : وقال ابن عباس : عليّ عليه السلام علم علماً علّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم علّمه الله ، فعلم النبيّ من علم الله ، وعلم عليّ من علم النبيّ ، وعلمي من علم عليّ ، وما علمي وعلم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم في علم عليّ إلاّ كقطرة في سبعة أبحر.

فصل : وروى النّقاش أيضاً حديث تفسير لفظة الحمد فقال بعد إسناده عن ابن عباس قال : قال لي عليّ عليه السلام : « يا أبا عباس ، إذا صلّيت عشاء الآخرة فالحقني إلى الجبّان ».

قال : فصلّيت ولحقته ، وكانت ليلة مقمرة (٣).

____________

(١) ض : وافد.

(٢) ب : ابن عيّاش.

(٣) ع : مغمرة.

٥١٠

قال : فقال لي : « ما تفسير الالف من الحمد ، والحمد جميعاً؟ ».

قال : فما علمت حرفاً فيها أجيبه.

قال : فتكلّم في تفسيرها ساعة تامّة ، ثمّ قال لي : « فما تفسير اللاّم من الحمد؟ ».

قال : فقلت : لا أعلم.

قال : فتكلّم في تفسيرها ساعة تامّة ، ثمّ قال : « فما تفسير الحاء من الحمد؟ ».

قال : فقلت : لا أعلم.

قال : فتكلّم في تفسيرها ساعة تامّة ، ثمّ قال لي : « فما تفسير الميم من الحمد؟ ».

قال : فقلت : لا أعلم.

قال : فتكلّم في تفسيرها ساعة ، ثمّ قال لي : « فما تفسير الدال من الحمد؟ ».

قال : قلت : لا أدري ، فتكلّم فيها إلى أن برق عمود الفجر.

قال : فقال لي : « قم يا أبا عبّاس إلى منزلك فتأهّب لفرضك » ، فقمتُ وقد وعيت كلّما قال.

قال : ثمّ تفكّرتُ فإذا علمي بالقرآن في علم عليّ عليه السلام كالقرارة في المثعنجر.

قال : القرارة الغدير ، والمثعنجر البحر.

أقول أنا : فهل رأيت أعجب من قوم فيهم من القرابة والصحابة مولانا عليّ عليه السلام الذي كان في أوّل الإسلام وإلى حين دفن محمّد صلى الله عليه وآله وسلم يستغيث على المنابر ويسمع الحاضر ويبلغ إلى الغابر بمثل هذه المقالة التي ذكرناها عن ابن عبد

٥١١

البرّ وغيره ، فلا يلازمونه ولا يسألونه ولا يقصده أهل البرّ والبحر ولا يأخذون عنه العلوم في القرآن وفيما سواه ويتركونه حتّى يموت ، ويتركون ذرّيته العارفين بأسراره في الحياة وعند الوفاة الذين هم أعيان الثقل الذين شهد لهم الصادقون من أهل العقل والنقل أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنّي مخلّف فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، فلا يسألون عن معالمهم ولا يرجعون إلى مراسمهم ولا يجتمع الوفود لموسمهم ، ويقع التشبّث بأذيال قتادة ومجاهد وعطاء ، ويدرس ما تذكره ولا ما حصره (١) خواصّ القرابة والصحابة وأعيان أهل الاجابة والانابة الذين جاهدوا على الدين وكانوا أصل ما وصل إلينا من أسرار ربّ العالمين؟! » (٢).

إلى أن قال : « يقول عليّ بن موسى بن طاووس :

واعلم أنّ عبد الله بن العباس رضوان الله عليه كان تلميذ مولانا عليّ ابن أبي طالب عليه السلام ، ولعلّ أكثر الاحاديث الّتي رواها عن النبيّ عليه السلامكانت عن مولانا عليّ عن النبيّ صلوات الله عليهما ، فلم يذكر ابن عباس مولانا عليّاً عليه السلام لأجل ما رأى من الحسد له والحيف (٣) عليه ، فخاف أن لا تنقل الأخبار عنه إذا أسندها إليه صلوات الله عليه.

وإنّما احتمل الحال مثل هذا التأويل ، لأنّ مصنّف كتاب « الإستيعاب » ذكر ما كنّا أشرنا إليه : إنّ عبد الله بن عباس قال : « توفي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا ابن عشر

____________

(١) سعد السعود / (٥٥٤) ـ ٥٦٠.

(٢) الاستيعاب ٣ / ٦٦ رقم ١٦٠٦.

(٣) حاشية ع : والحنق.

٥١٢

سنين وقد قرأت المحكم ـ يعني المفصّل ـ » (١).

وهو أعرف بعمره.

وروى عن غيره : أنّه كان له عند وفاة النبيّ صلوات الله عليه ثلاث عشرة سنة (٢).

فهل ترى ابن عشر سنين وابن ثلاثة عشرة سنة ممّن يدرك كلمّا أسنده عبد الله بن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يحفظ ألفاظه وتفاصيله بغير واسطة ممّن يجري قوله مجرى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

أقول : وأمّا أنّ عبد الله بن عباس كان تلميذ مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فهو من الأمور المشهورة بين أهل الإسلام.

وقد ذكر محمد بن عمر الرازي في كتاب « الأربعين » ما هذا لفظه :

ومنها : علم التفسير ، وابن عباس رئيس المفسّرين ، وهو كان تلميذ عليّ بن أبي طالب.

أقول : والظاهر في الروايات الّتي أطبق على نقلها المخالف والمؤالف ، أنّه ما كان سبب هذا الإختلاف والضلال بعد مفارقة الثقل الذين قرنهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب الله إلاّ منع النبيّ صلوات الله عليه من الصحيفة الّتي أراد أن (٣) يكتبها عند وفاته ، فإنّهم رووا في صحيح البخاري ومسلم من الجمع بين الصحيحين

____________

(١) وهو قول الواقدي والزبير ، الاستيعاب ٣ / ٦٦.

(٢) أن ، ليس في ع. ض.

(٣) كذا ورد في الاصول المعتمدة ، وكذا في الموردين الاتيين.

٥١٣

للحميدي في الحديث الرابع من المتّفق عليه من مسند عبد الله ابن عباس أنّه قال :

« لمّا احتضر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وفي بيته رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « هلمّوا أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فقال عمر بن الخطاب : إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبكم كتاب ربّكم ».

وفي الجزء الثاني من صحيح مسلم : « أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجر ».

قال الحميدي : في حديث البخاري ومسلم ما هذا لفظه : فاختلف الحاضرون عند النبيّ صلوات الله عليه وآله : بعضهم يقول : القول ما قاله النبيّ صلوات الله عليه وآله فقرّبوا إليه كتاباً ، ومنهم مَن يقول : القول ما قاله عمر ، فلمّا أكثروا اللغط والإختلاف قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « قوموا عنّي ، ولا ينبغي عندي التنازع ».

ثمّ قال : كان عبد الله بن عباس يبكي حتّى تبلّ دموعه الحصى ، ويقول : « يوم الخميس وما يوم الخميس »؟! قال راوي الحديث : فقلت يا أبا عباس وما يوم الخميس؟ فتذكّر عبد الله بن عباس يوم منع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك الكتاب.

وكان عبد الله بن عباس يقول : « الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين كتابه » (١).

أقول : فهذا كما رووه قد كان سبب ما حصل من ضلال المسلمين ، ولقد صدق عبد الله بن عباس في بكائه وشهادته بتعظيم تلك الرزية ،

____________

(١) راجع صحيح البخاري ١ / ٣٩ كتاب العلم و ٤ / ٨٥ كتاب الجهاد و ٦ / ١١كتاب المرض ، صحيح مسلم ٥ / ٧٥ كتاب الوصايا ، مسند أحمد ١ / ٣٥٥ ، الطبقات لابن سعد ٢ / ٣٧ ، جامع الأصول ١١ / (٦٩) ـ ٧١.

٥١٤

فانّه لو شاهد ما حصلنا بعده فيه من الإختلاف في تفسير القرآن وأمور الدين لعلّ كان بكاؤه وبكاء غيره أعظم ما بلغوا إليه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون » (١).

وبهذا نختم الفصل الأوّل من الباب الثالث من الحلقة الثانية من موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ، وبه ختام الجزء الثاني من الحلقة الثانية. ونبتدىء بعون الله تعالى الجزء الثالث بأول الفصل الثاني من الباب الثالث ، وهو فيما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في الحديث الشريف كمّاً وكيفاً.

نسأل المولى تعالى العون على

إتمامه ، والتوفيق لإكماله إنّه سميع مجيب.

٦ ذي الحجة الحرام سنة ١٤٢٩ هـ

____________

(١) سعد السعود / ٥٤٩.

٥١٥
٥١٦

فهرس الجزء السابع

المقدمة....................................................................... ٩

ما هي مناهجه علماً وتعليماً؟................................................. ١٥

١ ـ كيفية الإلقاء والتلقي ، سماعاً وكتابة..................................... ١٥

٢ ـ مادة الدرس........................................................... ٢٢

٣ ـ متابعة الدرس ، وأهمها المذاكرة.......................................... ٢٥

٤ ـ الترغيب في طلب العلم................................................. ٢٥

٥ ـ الترهيب والتحذير من التطاول والكذب والازدراء بالآخرين نتيجة الغرور العلمي ٢٧

٦ ـ الإختبار............................................................... ٢٩

٧ ـ إمارة التخرج في قريض الثناء............................................ ٢٩

الكتابة عنه بين التنقيد والتقييد................................................ ٣٠

ماذا بقي من آثاره........................................................... ٣٧

٥١٧

الفصل الأوّل في معارفه القرآنية

المبحث الأوّل معرفته بالتفسير................................................. ٤٧

ابن عباس كتب عن ميثم في التفسير........................................... ٥٧

هل كان عمر أستاذ ابن عباس في التفسير وغيره؟............................... ٥٨

هل صح أنّ عليّاًً عليه السلام أستاذ ابن عباس في التفسير وغيره؟.................. ٦٠

هل صح أنّ أبيّ بن كعب كان استاذ ابن عباس في التفسير وغيره؟................ ٦٠

هل أخذ ابن عباس في التفسير شيئاً من عمر؟................................... ٦٥

حجية تفسير ابن عباس....................................................... ٩٧

هوية ابن عباس مفسراً...................................................... ١٠٤

مشاهير التابعين من تلامذته في التفسير والقراءة................................ ١٠٩

تقويم بلا تأثيم............................................................. ١١٩

آراؤه في أوائل السور المبدوءة بالحروف المقطعة................................ ١٢٥

قراءات منسوبة إلى ابن عباس مكذوبة........................................ ١٢٧

تفسيره القرآن بالقرآن ونماذج من ذلك...................................... ١٣٧

تفسيره القرآن بالسنة ونماذج من ذلك....................................... ١٤٩

المبحث الثاني معرفته بالتأويل................................................ ١٦٣

ابن عباس رضي الله عنه وألمعيته في التأويل.................................... ١٦٥

معنى التأويل............................................................... ١٧١

٥١٨

حوار فيه اعتبار............................................................ ١٧١

كليات تفسيرية عنه في الوجوه والنظائر في القرآن............................. ١٧٦

نماذج تأويلية في أمثال القرآن................................................ ١٨٤

إحاطة بمسائل الصحابة في القرآن............................................ ١٨٧

المبحث الثالث معرفته بأسباب النزول........................................ ١٩١

نماذج من مصادر معرفته بأسباب النزول...................................... ١٩٥

ما روى عنه في أسباب النزول ممّا يتعلق بأهل البيت عليهم السلام............... ١٩٩

فمن سورة البقرة.......................................................... ٢٠٣

ومن سورة آل عمران...................................................... ٢٠٦

ومن سورة النساء.......................................................... ٢١٠

ومن سورة المائدة.......................................................... ٢١١

ومن سورة الأنعام.......................................................... ٢١٤

ومن سورة الأعراف....................................................... ٢١٤

ومن سورة الأنفال......................................................... ٢١٥

ومن سورة التوبة........................................................... ٢٢٠

ومن سورة يونس.......................................................... ٢٢٣

ومن سورة الرعد.......................................................... ٢٢٥

ومن سورة إبراهيم......................................................... ٢٢٦

ومن سورة الحجر.......................................................... ٢٢٦

٥١٩

ومن سورة النحل.......................................................... ٢٢٦

ومن سورة الإسراء......................................................... ٢٢٧

ومن سورة مريم............................................................ ٢٢٨

ومن سورة طه............................................................. ٢٢٨

ومن سورة الحج........................................................... ٢٢٩

ومن سورة المؤمنين......................................................... ٢٣٠

ومن سورة النور........................................................... ٢٣٠

ومن سورة الشعراء......................................................... ٢٣٠

ومن سورة النمل........................................................... ٢٣٢

ومن سورة القصص........................................................ ٢٣٢

ومن سورة العنكبوت....................................................... ٢٣٣

ومن سورة الروم........................................................... ٢٣٣

ومن سورة آلم تنزيل السجدة................................................ ٢٣٤

ومن سورة الأحزاب....................................................... ٢٣٥

ومن سورة فاطر........................................................... ٢٣٦

ومن سورة الصافات....................................................... ٢٣٧

ومن سورة ص............................................................ ٢٣٧

ومن سورة الزمر........................................................... ٢٣٨

ومن سورة حم السجدة.................................................... ٢٣٨

٥٢٠