مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨٨

إليه فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له كنت قد نذرت في علتك لما أيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمي على الكيس وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار فضم إلى البدرة بدرة أخرى وأمرني بحمل ذلك إليه فحملته ورددت السيف والكيسين وقلت له يا سيدي عز علي فقال لي « سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ».

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن المعلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن علي بن محمد النوفلي قال قال لي محمد بن الفرج إن أبا الحسن كتب إليه يا محمد أجمع أمرك وخذ حذرك قال فأنا في جمع أمري وليس أدري ما كتب إلي حتى ورد علي رسول حملني من مصر مقيدا وضرب على كل ما أملك وكنت في السجن ثمان

______________________________________________________

بالجلد فقط ، فكان المفعول بمعنى الفاعل « فأخبرني » كلام سعيد والخدم بالتحريك جمع خادم ، وكان إضافته إلى الخاصة من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ، أو المراد بالخاصة الحرم الخاصة أو أمه ، ويقال : عز علي كذا ، أي اشتد وعظم ، وفي الأعلام وغيره : فحملتها إليه وهذا خاتمي على الكيس ما حركه ، وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار فأمرني أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي : احمل ذلك إلى أبي الحسن ، واردد عليه السيف والكيس ، فحملت ذلك واستحييت منه ، وقلت له : يا سيدي اعزز علي بدخولي دارك بغير إذنك ولكنني مأمور ، فقال لي : يا سعيد سيعلم. الآية.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

وكان محمدا هذا أخو عمر الذي مر ذكره لا سيما وقد وصفه بالرخجي في الإرشاد وغيره ، ويدل على أنه لم يكن مثل أخيه في الشقاوة وقد مر أنه أخذ ماله مع مال أخيه والحذر بالكسر وبالتحريك الاحتياط والاحتراز ، واسم ليس ضمير الشأن مستتر فيه وفي الإرشاد قال : فإني في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب به إلى ، وفي

١٢١

سنين ثم ورد علي منه في السجن كتاب فيه يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي فقرأت الكتاب فقلت يكتب إلي بهذا وأنا في السجن إن هذا لعجب فما مكثت أن خلي عني والحمد لله.

قال وكتب إليه محمد بن الفرج يسأله عن ضياعه فكتب إليه سوف ترد عليك وما يضرك أن لا ترد عليك فلما شخص محمد بن الفرج إلى العسكر كتب إليه برد ضياعه ومات قبل ذلك ، قال وكتب أحمد بن الخضيب إلى محمد بن الفرج يسأله الخروج إلى العسكر فكتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يشاوره فكتب إليه اخرج فإن فيه فرجك إن شاء الله تعالى فخرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات.

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن رجل ، عن أحمد بن محمد قال أخبرني أبو يعقوب قال :

______________________________________________________

لقاموس : ضرب على يده : أمسك « في ناحية الجانب الغربي » أي بغداد ، وفي الإرشاد فما مكثت إلا أياما يسيرة حتى أفرج عني وحلت قيودي وخلي سبيلي ، ولما رجع إلى العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسن عليه‌السلام وخرج إلى سر من رأى ، انتهى.

قوله : أن خلي ، قيل : أن زائدة لتأكيد الاتصال« خلي » مجهول باب التفعيل « عني » نائب الفاعل ، والضياع بالكسر جمع ضيعة وهي العقار« وما يضرك » ما نافية والاستفهام بعيد« قبل ذلك » أي قبل وصول الكتاب ، وفي الإرشاد وغيره : فلم يصل الكتاب حتى مات فإن فيه فرجك ، أي من الدنيا وشدائدها ، وظاهره كونه مشكورا.

الحديث السادس : مجهول.

وأحمد بن الخضيب كان من قواد المتوكل ، ولما قتل المتوكل وقعد المنتصر مكانه استوزره ، ونفى عبد الله بن يحيى بن خاقان ، وكانت مدة خلافة المنتصر ستة أشهر ويومين ، وقيل : ستة أشهر سواء ، فلما توفي دبر أحمد بن الخضيب حتى اتفق الأتراك والموالي على أن لا يتولى الخلافة أحد من ولد المتوكل لئلا يطلب منهم دم أبيه ، فاجتمعوا على أحمد بن محمد بن المعتصم وهو المستعين فبايعوه في أواخر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائتين.

١٢٢

رأيته يعني محمدا قبل موته بالعسكر في عشية وقد استقبل أبا الحسن عليه‌السلام فنظر إليه واعتل من غد فدخلت إليه عائدا بعد أيام من علته وقد ثقل فأخبرني أنه بعث إليه بثوب فأخذه وأدرجه ووضعه تحت رأسه قال فكفن فيه قال أحمد قال أبو يعقوب رأيت أبا الحسن عليه‌السلام مع ابن الخضيب فقال له ابن الخضيب سر جعلت فداك فقال له أنت المقدم فما لبث إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخضيب ثم نعي قال روي عنه حين ألح عليه ابن الخضيب في الدار التي يطلبها

______________________________________________________

وقال صاحب الكامل : في هذه السنة غضب الموالي على أحمد بن الخضيب في جمادى الآخرة واستصفى ماله ومال ولده ، ونفي إلى أقريطش.

« يعني محمدا » أي ابن الفرج المتقدم « في عشية » أي آخر يوم ، وفي الإرشاد والأعلام قال : رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا واستقبل أبا الحسن عليه‌السلام فنظر إليه نظرا شافيا.

قوله عليه‌السلام : أنت المقدم ، أي في الذهاب إلى الآخرة ، وكأنه هكذا فهم الراوي ، ويحتمل أن يكون غرض الراوي أنه لما تقدم عليه صلوات الله عليه وإن كلفه التقدم على الرسم والعادة ابتلي بما ذكر ، وفي الإرشاد وغيره قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام مع أحمد بن الخضيب يتسايران وقد قصر عنه أبو الحسن عليه‌السلام فقال له : إلخ.

وأقول : على ما ذكرنا الظاهر أن هذا كان في زمان المستعين ، وفي القاموس : الدهق محركة خشبتان يغمز بهما الساق فارسيته إشكنجه « ثم نعى » أي أتى خبر موته في الحبس كما مر ، وفي الإرشاد ثم قتل أي في الحبس ، وقال ابن الجوزي في التلقيح : قتل المتوكل ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة تسع وأربعين ومائتين وولي بعده المنتصر ابنه وكان خلافته ستة أشهر وولي بعده المستعين ، وكانت خلافته ثلاث سنين وستة أشهر وثلاث وعشرين يوما.

« قال : روي » ضمير « قال » راجع إلى أحمد ، وضمير روى إلى أبي يعقوب « في الدار التي يطلبها منه » أي كان يطلب منه عليه‌السلام دار أنزلها وسكنها ، وفي الإرشاد

١٢٣

منه بعث إليه لأقعدن بك من الله عز وجل مقعدا لا يبقى لك باقية فأخذه الله عز وجل في تلك الأيام.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا قال أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين وهذه نسخته:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإن أمير المؤمنين عارف بقدرك راع

______________________________________________________

وغيره : في الدار التي كان قد نزلها وطالبه بالانتقال منها وتسليمها إليه.

قوله : لأقعدن بك ، الباء للتعليل أي للدعاء عليك ، ومن للنسبة « لا يبقى » على بناء الأفعال أو المجرد « باقية » أي حال باقية ، كناية عن موته أو خليفة كناية عن استئصاله أو مدة باقية كناية عن سرعة موته ، وفي الإعلام لا تبقى لك معه باقية.

الحديث السابع : مرسل.

وقال السيد الأسترآبادي يحيى بن هرثمة روى أنه كان من الحشوية ثم تشيع لما رأى علي بن محمد عليه‌السلام.

قوله : في سنة ، متعلق بأخذت أو بالكتاب ، والثاني أظهر كما ستعرف ، وقال المفيد (ره) في الإرشاد : كان سبب شخوص أبي الحسن عليه‌السلام من المدينة إلى سر من رأى أن عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسعى بأبي الحسن عليه‌السلام إلى المتوكل ، وكان يقصده بالأذى ، وبلغ أبا الحسن سعايته به فكتب إلى المتوكل تحامل عبد الله بن محمد عليه وتكذيبه فيما سعى به ، فتقدم المتوكل بإجابته عن كتابه ودعائه فيه حضور العسكر على جميل من الفعل والقول ، فخرجت نسخة الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد. إلى آخر ما في الكتاب.

ثم قال : فلما وصل الكتاب إلى أبي الحسن عليه‌السلام تجهز للرحيل وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى أبي الحسن عليه‌السلام تجهز للرحيل وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى ، فلما وصل إليها تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك ، وأقام فيه يومه ، ثم تقدم

١٢٤

لقرابتك موجب لحقك يقدر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما أصلح الله به حالك وحالهم وثبت به عزك وعزهم وأدخل اليمن والأمن عليك وعليهم يبتغي بذلك رضاء ربه وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب والصلاة بمدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك وعند ما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك في ترك محاولته وأنك لم تؤهل

______________________________________________________

المتوكل بأفراد دار له فانتقل إليها.

وفي عيون المعجزات روي أن بريحة العباسي كتب إلى المتوكل إن كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد عنها ، فإنه قد دعى الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير ثم كتب إليه بهذا المعنى زوجة المتوكل ، فنفذ يحيى بن هرثمة وكتب معه إلى أبي الحسن عليه‌السلام كتابا جيدا يعرفه أنه قد اشتاق إليه ، وسأله القدوم عليه ، وأمر يحيى بالمسير إليه وكتب إلى بريحة يعرفه ذلك ، فقدم يحيى المدينة وبدأ ببريحة وأوصل الكتاب إليه ثم ركبا إلى أبي الحسن عليه‌السلام وأوصلا إليه كتاب المتوكل فاستأجلهما ثلاثة أيام فلما كان بعد ثلاث عادا إلى داره فوجد الدواب مسرجة والأثقال مشدودة قد فرغ منها ، فخرج صلوات الله عليه متوجها إلى العراق ومعه يحيى.

قوله : لقرابتك ، أي لنفسه أو لرسول الله « موجب لحقك » أي مثبت له أو يراه واجبا على نفسه « وثبت » عطف علي أصلح على المجرد أو على التفعيل ، فالضمير لله ، وفي الإرشاد مؤثر من الأمور إلى قوله ويثبت به عزك وعزهم ، ويدخل الأمن ، وهو يؤيد الثاني ، والرضا : بالقصر مصدر وبالمد اسم.

« إذ كان » إلخ ، إشارة إلى ما مر في رواية الإرشاد من شكايته عليه‌السلام عنه وتبريه مما نسبه إليه ، و « عند » عطف على إذ كان ، وربما يقرأ عند بصيغة الماضي عطفا على كان وهو تكلف ، وقد يقال على الأول عطف على ما ذكرت أي وكان مباشرا لما نسبك إليه ، ويقال قرف فلانا أي عابه واتهمه ، ويقال : حاوله رامه وقصده ، وفي الإرشاد وصدق

١٢٥

نفسك له وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك والتقرب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك والنظر إليك فإن نشطت لزيارته والمقام قبله ما رأيت شخصت ومن أحببت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت وتسير كيف شئت وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند مشيعين لك يرحلون برحيلك ويسيرون بسيرك والأمر في ذلك إليك حتى توافي أمير المؤمنين فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة ولا أحمد له أثرة ولا هو لهم

______________________________________________________

نيتك في برك وقولك وإنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه ، انتهى.

والأمر عبارة عن دعوى الخلافة وإرادة الخروج ، وفي المصباح عهدته بمكان كذا لقيته ، وعهدي به قريب أي لقائي وعهدت الشيء ترددت إليه وأصلحته ، وحقيقته تجديد العهد به ، قال : ونشط في عمله من باب تعب خف وأسرع نشاطا ، وفي القاموس نشط كسمع نشاطا بالفتح طابت نفسه للعمل وغيره والمقام بالضم الإقامة ، قبله بكسر القاف وفتح الباء أي عنده « ما رأيت » قيل : ما مصدرية والمصدر نائب ظرف الزمان ، وعامل الظرف المقام ، أي ما اخترت الإقامة « وشخصت » جزاء الشرط ومن أحببت ، عطف على ضمير شخصت وفي الإرشاد قبله ما أحببت شخصت ومن اخترت ، وفي القاموس حشمة الرجل وحشمته محركتين وأحشامه خاصته الذين يغضبون له من أهل وعبيد أو جيرة ، والحشم محركة للواحد والجمع والقرابة أيضا « مشيعين لك » أي مرافقين تابعين بلا أمر ولا نهي ، فالأمر في ذلك إليك ، وفي الإرشاد وبعده : وقد تقدمنا إليه بطاعتك فاستخر الله حتى توافي.

« فما أحد » ما مشبهة بليس ، وألطف خبره ، أي أقرب وألصق ومن في منه للنسبة ، و « منزلة » تميز ، ولا أحمد أي أشد محمودية ، وفي القاموس : الأثرة بالضم المكرمة المتوارثة كالماثرة والمأثرة ، والبقية من العلم تؤثر ، وضمائر منه وله وهو

١٢٦

أنظر وعليهم أشفق وبهم أبر وإليهم أسكن منه إليك إن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب إبراهيم بن العباس وصلى الله على محمد وآله وسلم.

٨ ـ الحسين بن الحسن الحسني قال حدثني أبو الطيب المثنى يعقوب بن ياسر قال كان المتوكل يقول ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا أبى أن يشرب

______________________________________________________

للفاسق ، ومن في منه تفضيلية ، وإليك متعلق باسكن ، وقيل : اكتفي بذكر من التفضيلية وما يليها في الأخير اختصارا ، وليس بحسن ، وإبراهيم من كتاب المتوكل ، وفي الإرشاد وكتب إبراهيم بن العباس في جمادى الآخر سنة ثلاث وأربعين ومائتين ، وهذا يدل على أن التاريخ الأول أيضا كان تاريخ الكتاب.

الحديث الثامن : مجهول.

قوله : أعياني ، أي أعجزني وحيرني ، قال الجوهري : عي بأمره وعيي إذا لم يهتد لوجهه ، وداء عياء أي صعب لا دواء له ، كأنه أعيى الأطباء ، وقال : نادمني فلان على الشراب فهو نديمي وندماني ، ويقال : المنادمة مقلوبة من المدامنة لأنه يدمن شرب الشراب مع نديمه وفي القاموس نادمه منادمة ونداما جالسة على الشراب والمراد بالشرب شرب الخمر والنبيذ وكان المراد بالمنادمة الحضور في مجلس الشراب وإن لم يشرب « فرصة في هذا » أي لتكليفه بالشرب أو المنادمة لاتهامه بقبيح ، وموسى هو المشهور بالمبرقع ابن أبي جعفر الثاني ، وقبره بقم معروف ، وقال صاحب عمدة الطالب : وأما موسى المبرقع ابن محمد الجواد عليه‌السلام فهو لأم ولد ، مات بقم وقبره بها ، ويقال لولده : الرضويون وهم بقم إلا من شذ منهم إلى غيرها.

وقال الحسن بن علي القمي (ره) في ترجمة تاريخ قم نقلا عن الرضائية للحسين بن محمد بن نصر : أول من انتقل من الكوفة إلى قم من السادات الرضوية كان أبا جعفر موسى بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام في ست وخمسين ومائتين ، وكان يسدل على وجهه برقعا دائما ، فأرسلت إليه العرب أن اخرج من مدينتنا وجوارنا ، فرفع البرقع من وجهه فلم يعرفوه ، فانتقل عنهم إلى كاشان فأكرمه أحمد بن عبد العزيز بن

١٢٧

معي أو ينادمني أو أجد منه فرصة في هذا فقالوا له فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق قال ابعثوا إليه فجيئوا به حتى نموه به على الناس ونقول ابن الرضا فكتب إليه وأشخص مكرما وتلقاه جميع بني هاشم والقواد

______________________________________________________

دلف العجلي ورحب به ووهبه خلاعا فأخره وأفراسا جيادا ، ووظفه في كل سنة ألف مثقال من الذهب وفرسا مسرجا ، فدخل بقم بعد خروج موسى منه أبو الصديم الحسين بن علي بن آدم ورجل آخر من رؤساء العرب وأنبأهم على إخراجه ، فأرسلوا رؤساء العرب لطلب موسى وردوه إلى قم واعتذروا منه وأكرموه ، واشتروا من مالهم له دارا ووهبوا له سهاما من قرى هبرد وأندريقان وكارجه ، وأعطوه عشرين ألف درهم واشترى ضياعا كثيرة ، فأتته أخواته زينب وأم محمد وميمونة بنات الجواد عليه‌السلام ونزلن عنده ، فلما متن دفن عند فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهم‌السلام وأقام موسى بقم حتى مات ليلة الأربعاء لثمان ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين ودفن في داره وهو المشهد المعروف اليوم ، انتهى.

وفي القاموس : القصوف الإقامة في الأكل والشرب ، وأما القصف من اللهو فغير عربي ، وفي الصحاح القصف الكسر والقصف اللهو واللعب ، يقال : أنها مولدة ، وقال : المعازف الملاهي والعازف اللاعب بها والمغني ، وسحاب عزاف يسمع منه عزيف الرعد ، وهو دوية.

« يأكل ويشرب » أي ما لا يحل أو لا يبالي بما أكل وشرب والتعشق تكلف العشق وإظهاره والتمويه التلبيس « ابن الرضا » بره محذوف أي فعل كذا و « تلقاه » أي استقبله والقواد رؤساء العسكر ، والناس مبتدأ والظرف خبره ، والجملة حالية أي الناس كانوا فيه على هذا الاعتقاد ، أو الناس عطف على القواد والظرف حال أو متعلق بكتب ، وأشخص أي طلبوه على هذا الشرط أو طلبه الملعون على هذا العزم والنية ، وفي الإرشاد والأعلام فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذا الحال فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع فأحضره

١٢٨

والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة وبنى له فيها وحول الخمارين والقيان إليه ووصله وبره وجعل له منزلا سريا حتى يزوره هو فيه فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف وهو موضع تتلقى فيه القادمون فسلم عليه ووفاه حقه ثم قال له إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط فقال له موسى فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي قال فلا تضع من قدرك ولا تفعل فإنما أراد هتكك فأبى عليه فكرر عليه فلما رأى أنه لا يجيب قال أما إن هذا مجلس لا تجمع أنت وهو عليه أبدا فأقام ثلاث سنين يبكر كل يوم فيقال له قد تشاغل اليوم فرح فيروح فيقال قد سكر فبكر فيبكر فيقال شرب دواء فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه عليه.

______________________________________________________

وأشهره فإن الخبر يسمع عن ابن الرضا ولا يفرق الناس بينه وبين أخيه ومن عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله ، فقال : اكتبوا بأشخاصه مكرما فأشخص وتقدم المتوكل بأن يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس وعمل على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة وبنى له فيها ، وحول إليه الخمارين والقيان ، وتقدم بصلته وبره وأفرد له منزلا سريا يصلح لأن يزوره هو فيه ، إلخ.

« أقطعه » أي أعطاه طائفة من أرض الخراج كما فعله بسائر أمرائه ، وفي القاموس القين العبد والجمع قيان والقينة الأمة المغنية أو أعم ، والسري الشريف والنفيس ووفاه حقه أي أعطاه من التعظيم والإكرام ما هو حقه ولم ينقص منهما شيئا « ليهتكك » أي يفضحك ، وفي القاموس هتك الستر وغيره يهتكه فانهتك وتهتك جذبه فقطعه من موضعه ، أو شق منه جزءا فبدا ما وراءه ، ورجل منهتك ومتهتك أي لا يبالي أن يهتك سره « ويضع منك » أي ينقص شيئا من قدرك بذلك « فلا تقر له » إما بالسكوت أو بالإنكار وإن كان كذبا للمصلحة « فيقال له » أي في بعض تبكيره والخبر مشتمل على إعجازه عليه‌السلام حيث أخبر بوقوع ما لم يتوقع عادة فوقع.

١٢٩

٩ ـ بعض أصحابنا ، عن محمد بن علي قال أخبرني زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال مرضت فدخل الطبيب علي ليلا فوصف لي دواء بليل آخذه كذا وكذا يوما فلم يمكني فلم يخرج الطبيب من الباب حتى ورد علي نصر بقارورة فيها ذلك الدواء بعينه فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام ويقول لك خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما فأخذته فشربته فبرأت : قال محمد بن علي قال لي زيد بن علي: يأبى الطاعن

______________________________________________________

الحديث التاسع : مجهول ، لاحتمال محمد بن علي الهمداني الممدوح وأبا سمينة الضعيف وغيرهما.

وفي الإرشاد والخرائج وغيرهما زيد بن علي بن الحسين بن زيد وهو الصواب والحسن كما في أكثر النسخ تصحيف ، وزيد هو الملقب بالشبيه النسابة ، وكان فاضلا صنف كتاب المقاتل والمبسوط في علم النسب ، وتنتهي إليه سلسلة عظيمة وعلى أبوه كان من ولد الحسين الملقب بذي الدمعة ابن زيد الشهيد ابن زين العابدين.

قال في عمدة الطالب : الحسين ذو العبرة يكنى أبو عبد الله أمه أم ولد وعمي في آخر عمره ، وزوجه ابنته من المهدي العباسي وهو من أصحاب الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قتل أبوه وهو صغير فرباه جعفر بن محمد عليه‌السلام فأعقب وفي ولده البيت والعدد من ثلاثة رجال يحيى وفيه البيت ، والحسين وكان تعددا وعلي ، انتهى.

قوله : بليل ، نعت دواء أي يشرب بليل كالطريفل والشبيار ونحوهما ، وقرأ بعض المصحفين من الشراح بإضافة الدواء إلى بليل وجعل الباء جزء الكلمة ، قال في القاموس : البليل ريح باردة مع ندي ، انتهى.

وأقول : على هذا يمكن أن يفسر مصحف آخر بدواء البليلة الدواء المعروف « أخذه » أي تناوله ، وفي الإرشاد ووصف لي دواء آخذه في السحر ، وقيل : كذا وكذا عبارة عن عدد مركب بالعطف نحو خمسة وعشرين يوما « فلم يمكنني » أي تحصيل الدواء في تلك الليلة ، ونصر اسم خادمه عليه‌السلام ، والقارورة الزجاجة « خذ » أي تناول « يأبى الطاعن » أي هذا الحديث وهذه الكرامة ، أو يأبى إمامتهم وفضلهم مع ظهور

١٣٠

أين الغلاة عن هذا الحديث.

باب

مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام

ولد عليه‌السلام في شهر رمضان وفي نسخة أخرى في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض عليه‌السلام يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول

______________________________________________________

هذه الكرامات والمعجزات « أين الغلاة » الواصفون للأئمة بصفات الألوهية حتى يتمسكوا به على مذهبهم الباطل ويشبهوا على الناس بأنهم يعلمون الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله وهو باطل ، لأن علم الغيب من غير تعلم ووحي وإلهام من صفات الله تعالى وكل الأنبياء والأوصياء كانوا يعلمون بعض الغيوب بوحيه أو بإلهامه سبحانه.

باب مولد أبي محمد الحسن بن عليهما‌السلام

أقول : تكنيته عليه‌السلام بأبي محمد وذكره لا يدل على جواز ذكر القائم عليه‌السلام باسمه لأن الكنية لا مدخل له باسم الوالد ، فإنه يكنى غالبا عند الولادة تفألا ، وقد يتكنى من ليس له ولد أصلا ، وقال المفيد قدس‌سره في الإرشاد : ولد عليه‌السلام بالمدينة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين ، وقبض عليه‌السلام يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ، وقال الشيخ في المصباح والمفيد في حدائق الرياض : ولد يوم العاشر من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وقال في الدروس : وقيل يوم الاثنين سابع ربيع الآخر ، وقال ابن شهرآشوب (ره) : ولد عليه‌السلام يوم الجمعة لثمان خلون من ربيع الآخر ، وقيل : ولد عليه‌السلام بسر من رأى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وأما وفاته فذهب الأكثر إلى أنها كانت يوم الجمعة أو الأربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة مائتين وستين وهو ابن ثمان وعشرين في زمن المعتز وقيل : المعتمد وهو أظهر.

وقال الشيخ في المصباح : توفي عليه‌السلام في أول يوم من ربيع الأول وقال في كشف

١٣١

سنة ستين ومائتين وهو ابن ثمان وعشرين سنة ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه

______________________________________________________

الغمة : قال محمد بن طلحة : مولده في سنة إحدى وثلاثين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها سوسن ، وكنيته أبو محمد ولقبه الخالص ، وتوفي في الثامن من ربيع الأول من سنة ستين ومائتين ، فيكون عمره تسعا وعشرين سنة ، كان مقامه مع أبيه ثلاثا وعشرين سنة وأشهرا وبقي بعد أبيه خمس سنين وشهورا وقبره بسر من رأى.

وقال الحافظ عبد العزيز لقب بالعسكري ، مولده سنة إحدى وثلاثين ومائتين توفي سنة ستين ومائتين ، وقبض لثمان خلون من ربيع الأول سنة ستين ومائتين ، وكان سنه يومئذ ثمان وعشرين سنة ، وأمه أم ولد يقال لها جريبة ، وقال ابن الخشاب : ولد عليه‌السلام في سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، وتوفي يوم الجمعة ، وقال بعض : يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة مائتين وستين ، فكان عمره تسعا وعشرين سنة منها بعد أبيه خمس سنين وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوما ، أمه سوسن.

وقال الحميري في دلائل الإمامة : ولد أبو محمد عليه‌السلام في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وقبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ، وهو ابن ثمان وعشرين سنة.

وقال في إعلام الورى : كان مولده عليه‌السلام بالمدينة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض عليه‌السلام بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وله يومئذ ثمان وعشرون سنة ، وأمه أم ولد يقال لها حديث وكانت مدة خلافته ست سنين ، ولقبه الهادي والسراج والعسكري ، وكان وأبوه وجده عليهم‌السلام يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا ، وكانت في سني إمامته بقية ملك المعتز أشهرا ثم ملك المهتدي إحدى عشر شهرا وثمانية وعشرين يوما ثم ملك أحمد المعتمد على الله ابن جعفر المتوكل عشرين سنة وأحد عشر شهرا ، وبعد مضي خمس سنين من ملكه قبض الله وليه أبا محمد عليه‌السلام ، ودفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه عليهما‌السلام ، وذهب كثير من أصحابنا إلى أنه عليه‌السلام قبض مسموما وكذلك أبوه وجده وجميع الأئمة عليهم‌السلام خرجوا من الدنيا على الشهادة ، واستدلوا

١٣٢

أبوه بسر من رأى وأمه أم ولد يقال لها : حديث [ وقيل سوسن ].

______________________________________________________

في ذلك بما روي عن الصادق عليه‌السلام من قوله : والله ما منا إلا مقتول شهيد ، والله أعلم بحقيقة ذلك ، انتهى.

وفي عيون المعجزات أن اسم أمه عليه‌السلام سليل وقال الصدوق رحمه‌الله : قتله المعتمد لعنه الله بالسم ، والأصوب أن وفاته عليه‌السلام كان في زمن المعتمد إذ لا يوافق ما ذكر في تاريخ وفاته عليه‌السلام إلا ذلك.

قال المسعودي : كانت بيعة المنتصر محمد بن جعفر ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة تسع وأربعين ومائتين واستخلف وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وقيل : أربع وعشرين سنة ، وإن مولده كان سنة أربع وعشرين ومائتين ، وكانت خلافته ستة أشهر ، وبويع المستعين أحمد بن محمد المعتصم في اليوم الذي توفي فيه المعتز يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين ، وكان بغا وصيف من الأتراك متوليين لأمر الخلافة في زمانه وأنزلاه في دار السلام دار محمد بن عبد الله بن طاهر فاضطربت الأتراك والفراعنة وغيرهم من الموالي بسامراء فأجمعوا على بعث جماعة منهم إليهم يسألونه الرجوع إلى دار ملكه واعترفوا بذنوبهم وتضمنوا أن لا يعودوا ولا غيرهم من نظرائهم إلى شيء مما انكسر عليهم وتذللوا له ، فأجيبوا بما يكرهون وانصرفوا إلى سرمن رأى فأعلموا أصحابهم وآيسوهم من رجوع الخليفة وقد كان المستعين أغفل أمر المعتز والمؤيد حين انحدر إلى بغداد إذ لم يأخذهما معه وقد كان حذر من محمد بن الواثق فأحذره معه ، ثم إنه هرب منه في حال الحرب فأجمع الموالي على إخراج المعتز والمبايعة له فأنزلوه مع أخيه المؤيد من الحبس وبايعوه في يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين ، وركب في غد ذلك اليوم إلى دار العامة فأخذ البيعة على الناس وخلع على أخيه المؤيد وعقد له عقدين أسود وأبيض ، وكان الأسود لولاية العهد بعده ، والأبيض لتقلد الحرمين وأنشأت الكتب من سامراء بخلافة المعتز بالله إلى سائر الأمصار ، وأرخت باسم جعفر

١٣٣

______________________________________________________

ابن محمود الكتاب ، وأحدر أخاه أبا أحمد مع عدة من الموالي لحرب المستعين ، فسار إلى بغداد فلم تزل الحرب بينهم وأمور المعتز تقوى وحال المستعين تضعف والفتن عامة.

فلما رأى محمد بن عبد الله بن طاهر ذلك كاتب المعتز إلى جنح الصلح على خلع المستعين فجرى بينهم العهود في ذلك ، فخلع المستعين نفسه من الخلافة في ليلة الخميس لثلاث خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين ، فكانت خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر وعشرين يوما ، وأحدر المستعين وعياله إلى واسط بمقتضى الشرط وبعد الخلع انصرف أبو أحمد الموفق من بغداد إلى سامراء ، فخلع عليه المعتز وعلى من معه من قوادة وأكرمه.

وبعث المعتز في شهر رمضان من هذه السنة سعيد بن صالح حتى أعرض المستعين قرب سامراء فاجتز رأسه وحمله إلى المعتز بالله ، وكان ابن خمس وثلاثين سنة حين قتل ، وبويع المعتز محمد بن جعفر المتوكل وله يومئذ ثمان عشرة سنة يوم الخميس لليلتين خلتا من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

وفي مروج الذهب : أن اسم المعتز الزبير ، ثم لما بلغ الأتراك إقبال المعتز على قتل رؤسائهم وإعمال الحيلة في قتالهم وأنه قد اصطنع المغاربة والفراعنة دونهم صاروا إليه بأجمعهم ، وذلك لأربع بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وجعلوا يقرعونه بذنوبه ويوبخونه على فعله ، وأحضروا القضاة والفقهاء وطالبوه بالأموال ، وكان المدبر لذلك صالح بن وصيف مع قواد الأتراك فلج ، وأنكر أن يكون قبله شيء من الأموال ، فلما حضر المعتز في أيديهم بعثوا إلى مدينة السلام إلى محمد بن الواثق الملقب بالمهتدي وكان المعتز نفاه إليها واعتقله بها فأتى به في يوم وليلة إلى سامراء وأجاب المعتز إلى الخلع على أن يعطوه الأمان أن لا يقتل ، ويؤمنوه على أهله وماله وولده.

١٣٤

______________________________________________________

وأبي محمد بن الواثق أن يقعد على سرير الملك أو يقبل البيعة حتى يرى المعتز ويسمع كلامه ، فأتى بالمعتز عليه قميص دنس وعلى رأسه منديل ، فلما رآه محمد وثب إليه وعانقه وجلسا جميعا على السرير فقال له محمد : يا ابن أخي ما هذا الأمر؟ فقال المعتز : أمر لا أطيقه ولا أقوم به ولا أصلح له ، فأراده المهتدي على أن يصلح أمره ويصلح الحال بينه وبين الأتراك فقال المعتز : لا حاجة لي فيها ولا يرضوني ، قال المهتدي فأنا في حل من بيعتك؟ قال : أنت في حل وسعة فلما جعله في حل من بيعته صرف وجهه عنه فأقيم من حضرته ورد إلى الحبس ، فقتل في محبسة بعد أن خلع بستة أيام فكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وأياما ومنذ بويع له بمدينة السلام إلى انقضاء الفتنة ثلاث سنين وتسعة أشهر وتوفي وله أربع وعشرون سنة.

وقال في الكامل : لما خرج بغا الشرابي على المعتز وهرب فأخذ وأمر المعتز بقتله فانحرف لذلك صالح بن وصيف عنه فاجتمع الأتراك وصاروا إلى المعتز يطلبون أرزاقهم فلما رأوا أنه لا يحصل منه شيء وليس في بيت المال شيء ، اتفقت كلمتهم وكلمة المغاربة والفراعنة على خلع المعتز فصاروا إليه وصاحوا ، فدخل إليه صالح ومحمد بن بغا وبابكتاك (١) في السلاح ، فجلسوا على بابه وبعثوا إليه أن اخرج إلينا فقال : قد شربت أمس دواء وقد أفرط في العمل ، فإن كان أمر لا بد منه فليدخل بعضكم وهو يظن أن أمره واقف على حاله ، فدخل إليه جماعة منهم فجروا برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس (٢) وخرقوا قميصه وأقاموه في الشمس في الدار في مكان يرفع رجلا ويضع أخرى من شدة الحر ، وكان بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده وأدخلوه حجرة وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة فأشهدوهم على خلعه وسلموه إلى

__________________

(١) وفي المصدر « بابكيال ».

(٢) الدبابيس جمع الدبوس : المقمعة أي عصا من خشب أو حديد في رأسها شيء كالكرة.

١٣٥

______________________________________________________

من يعذبه فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام فطلب حسوة من ماء البئر فمنعوه ، ثم أدخلوه سردابا وجصصوه عليه حتى مات فأشهدوا على موته بني هاشم والقواد وأنه لا أثر به ودفنوه مع المنتصر.

وقال المسعودي : بويع المهتدي بالله محمد بن هارون الواثق يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين ، وله سبع وثلاثون سنة وقيل : تسع وثلاثون وأنه قتل ولم يستكمل الأربعين ، سنة خمس وخمسين ومائتين وكانت خلافته عشرة أشهر ، فلما نمى إلى موسى بن بغا ما كان من أمر المعتز وما كان من أمر صالح بن وصيف والأتراك في ذلك قفل متوجها نحو سامراء منكرا ما جرى ، فكتب إليه المهتدي أن لا يزول عن مركزه للحاجة إليه ، فلم يطع ووافى سر من رأى في سنة ست وخمسين ومائتين وصالح بن وصيف يدبر الأمر مع المهتدي ، فلما دنى موسى من سر من رأى صاحت العامة في أسواقها يا فرعون قد جاء موسى ، وكان صالح قد تفر عن وبغى فاختفى حين علم بموافاة موسى ، فدخل موسى وانتهى إلى مجلس المهتدي والدار غصت بوجوه الناس وعوامهم.

فشرع أصحاب موسى ودخلوا وأخرجت العامة منها بأشد ما يكون من الضرب والعسف ، فضحكت العامة فقام المهتدي من مجلسه منكرا عليهم فغلبهم بمن في الدار فلم يفرجوا عما هم عليه فتنحى مغضبا وقدم له فرس فركب وقد استشعر منهم الغدر ، فمضى به إلى دار إيتاخ فأقام فيها ثلاثا عند موسى فأخذ عليه موسى العهود والمواثيق أن لا يغدر به ، وكان أكثر الجند مع موسى بن بغا ، فبث موسى في طلب صالح بن وصيف العيون حتى وقع عليه ، فلما علم صالح بهجومهم عليه قاتل ومانع نفسه حتى قتل وأخذ رأسه وأتى به موسى ومنهم من يقول : إنه حمي له حمام وأدخل إليه فمات فيه كما فعل بالمعتز.

فظهر مساور الشاري ودنا في عساكره من سامراء وعم الناس الأذى وانقطعت

١٣٦

______________________________________________________

السبل وظهرت الأعراب ، فأخرج المهتدي موسى بن بغا وبابكتاك إلى حرب الشاري وخرج فشيعهما ثم قفل ، ثم رجعا من غير أن يلقيا كيدا لأنهما اتهماه في أنفسهما وكان بين بابكتاك وبين المهتدي محاربات إلى أن غلب وهرب المهتدي واختفى في دار ابن جعونة فهجموا عليه وحملوه إلى دار نارجوج ، وجرى بينه وبينهم مكالمات كثيرة إلى أن شدوا عليه بالخناجر وقتلوه ، وقيل : عصرت مذاكيره حتى مات ، وقيل : جعل بين لوحين عظيمين وشد بالحبال إلى أن مات ، وقيل : خنق ، وقيل : كبس عليه بالبسط والوسائد حتى مات.

فلما مات جاءوا به ينوحون عليه ويبكونه وندموا على ما كان منهم من قتله لما تبينوا من نسكه وزهده ، وقيل : إن ذلك كان في يوم الثلاثاء لا ربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين ، وكان موسى بن بغا ونارجوج التركي غير داخلين في فعل الأتراك وكان حنق الأتراك على المهتدي لقتله بابكتاك.

قيل : وكان المهتدي يسلك مسلك عمر بن عبد العزيز ، قلل اللباس والفرش والمطعم والمشرب ، وكسر أواني الذهب والفضة ، وضربت دنانير ودراهم ومحي الصور التي كانت في المجالس ، وذبح الكباش التي كانت يناطح بها بين أيدي الخلفاء والديوك وقتل السباع المحبوسة ورفع كل فرش لم ترد الشريعة بإباحته ، وكان كثير العبادة ما كان ينام إلا ساعة بعد عشاء الآخرة.

قال : وبويع المعتمد على الله أحمد بن جعفر المتوكل يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين وهو ابن خمس وعشرين سنة ، ومات في رجب سنة تسع وسبعين وهو ابن ثمان وأربعين سنة ، فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ، واستوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير أبيه المتوكل ، وبعده الحسن بن مخلد ثم سليمان بن وهب ، ثم صارت إلى صاعد ، وفي سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام في خلافة المعتمد وهو ابن تسع وعشرين سنة ، انتهى.

أقول : إنما أوردت قدرا من أحوال بعض خلفاء الجور هيهنا لتطلع على من

١٣٧

١ ـ الحسين بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم فجرى في مجلسه يوما ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب فقال ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك القواد والوزراء وعامة الناس فإني كنت يوما قائما على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا أبو محمد بن الرضا بالباب فقال بصوت عال ائذنوا له فتعجبت مما سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلا على أبي بحضرته ولم يكن عنده إلا

______________________________________________________

عاصر كلا منهم عليهم‌السلام ، ولتوقف فهم بعض الأخبار الآتية عليها ، وليظهر أن شهادة أبي محمد عليه‌السلام كانت في زمن المعتمد لا من تقدمه كما توهم ، ولتعلم أنه قد أصاب أكثرهم في الدنيا أيضا جزاء بعض ما أصاب الأئمة عليهم‌السلام منهم.

الحديث الأول : ضعيف بأحمد ، وإن كان السند إليه فوق الصحة ، وأصل الحكاية منه واقعا وأحمد وزير المعتمد كما عرفت.

« على الضياع » أي عاملا عليها موكلا بها ، وهي بالكسر جمع ضيعة وهي العقار ، أي كان ضابطا للعقارات المختصة بالخليفة ، عاملا لأخذ الخراج من الناس « وكان شديد النصب » أي العداوة للشيعة متعصبا في مذهبه ، والهدى بالفتح السيرة والسكون الوقار ، وفي القاموس : عف عفا وعفافا وعفافة بفتحتين وعفة بالكسر كف عما لا يحل ولا يجمل ، وقال : النبل بالضم الذكاء والنجابة ، والكرم بالتحريك العزة والشرف ، و « عند » متعلق بكرمه « وتقديمهم » عطف على كرمه ، والخطر بالتحريك القدر والمنزلة « وكذلك » أي كأهل بيته في التكريم والتقديم « فإني كنت » الفاء للبيان ، والحجاب بالضم جمع الحاجب ، أي البواب « جسروا » كضربوا أي اجترءوا ، والتكنية التعبير عن الشخص بكنيته وكان عند العرب تكرمة عظيمة.

« ولم يكن » مجهول باب التفعيل ، والسمرة بين البياض والسواد « خطأ »

١٣٨

خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى فدخل رجل أسمر حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حدث السن له جلالة وهيبة فلما نظر إليه أبي قام يمشي إليه خطى ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلا

______________________________________________________

بالضم والتنوين أي خطوات ، وضمير « دنا » للإمام « ومنه » لعبيد الله أو بالعكس ، ويفديه بنفسه أي يقول له : جعلت فداك.

وفي إكمال الدين عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله قال : حدثنا من حضر موت الحسن بن علي بن محمد العسكري ودفنه ممن لا يوقف على إحصاء عددهم ، ولا يجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب ، وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام بثمانية عشر سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن خاقان وهو عامل السلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قم ، وكان من أنصب خلق الله وأشدهم عداوة لهم ، فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسر من رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان ، فقال أحمد بن عبيد الله : ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته ، والسلطان وجميع بني هاشم ، إلى قوله : والوزراء والكتاب ، إلى قوله : رجل أسمر أعين ، إلى قوله : بأحد من بني هاشم ولا بالقواد ولا بأولياء العهد ، إلى قوله : وجعل يكلمه ويكنيه ويفديه بنفسه وأبويه ، إلخ.

والموفق كان أخا المعتمد ، ولما اشتد أمر صاحب الزنج وعظم شرهم أرسل المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق فأحضره من مكة وعقد له على الكوفة وطريق مكة والحرمين واليمن ، ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس ، وكان اسم الموفق طلحة وله محاربات عظيمة مع صاحب الزنج ، ولابنه أيضا أبي العباس ، وبالغ في حرب صاحب الزنج حتى قتله ، وبايع المعتمد

١٣٩

عليه بوجهه وجعل يكلمه ويفديه بنفسه وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل عليه الحاجب فقال الموفق قد جاء وكان الموفق إذا دخل على أبي تقدم حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل

______________________________________________________

لابنه جعفر ، وسماه المفوض إلى الله ، وقد كان المعتمد آثر اللذة وأقبل على الملاهي ، وغلب أخوه أبو أحمد على الأمور يدبرها ، ثم حجر على المعتمد فكان أول خليفة قهر وحجر عليه ، وكان الأمر إلى الموفق يحارب ويدبر ، ويبعث ابنه أبا العباس أحمد بن المعتضد إلى الحرب ، فحبس الموفق ابنه ببغداد في سنة خمس وسبعين ومائتين.

وفي سنة ثمان وسبعين ومائتين مرض الموفق في بلاد الجبل فحمل إلى بغداد فوجه أبا الصقر إلى المدائن فحمل منها المعتمد وأولاده إلى داره ، فلما رأى غلمان الموفق ما نزل به كسروا الأبواب ودخلوا على أبي العباس ابنه وأخرجوه وأقعدوه عند أبيه ، فلما فتح عينيه رآه فقربه وأدناه إليه ، ومات الموفق لثمان بقين من صفر من هذه السنة ، واجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولاية العهد ولقب بالمعتضد بالله.

وفي محرم سنة تسع وسبعين ومائتين خرج المعتمد وجلس للقواد والقضاة وأعلمهم أنه خلع ابنه المفوض إلى الله من ولاية العهد ، وجعل الولاية للمعتضد.

وفي هذه السنة توفي المعتمد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب للإفراط في الشراب أو للسم وكان عمره خمسين سنة وستة أشهر ، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وستة أيام ، وكان في خلافته محكوما عليه وقد تحكم عليه أخوه الموفق وضيق عليه حتى أنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها.

ولما مات بويع أبو العباس المعتضد بالله بن الموفق طلحة بن المتوكل بالخلافة وتوفي في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين وكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوما.

١٤٠