السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-186-6
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٦
يغير عليها في عماية الصبح؟!
وإذا أراد أن لا يفلت المجرم من يده ، وإذا كان يصح أسر المقاتلين من الرجال ، حتى لو كانوا مسلمين ، فما هو ذنب النساء حتى تسبى؟! خصوصا إذا كن مسلمات مؤمنات ، قد صدقن كتاب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، الذي أرسله إليهن مع رفاعة ، وقبلن أمانه؟!.
وكيف يكتب لهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» كتابا ، ثم يأمر جنوده بالإغارة عليهم ..
ألم يكن الأجدر والأولى .. أن يرسل الرسول «صلىاللهعليهوآله» إلى رفاعة ، وإلى سائر بني جذام يطلب منهم تسليمه المجرم لينال جزاءه؟! فإن امتنعوا من ذلك ، ومنعوا صاحبهم ، وأصبحوا في عداد المحاربين ، أمكن في هذه الحال .. أن يتخذ النبي «صلىاللهعليهوآله» القرار المناسب في حقهم ، وفق هذه المستجدات ..
على أن من الواضح : أن الأخذ بقول دحية ، والمبادرة إلى اتخاذ قرار الحرب ضد أناس آخرين ـ كان النبي «صلىاللهعليهوآله» نفسه قد أرسل إليهم بكتاب أمان منه ، وقد استجابوا لكتابه ، وأسلم من أسلم منهم بناء على ذلك. إن ذلك ـ لا يتناسب مع أخلاق وسياسات الأنبياء «عليهمالسلام» ، ولا يصح نسبته إليه «صلىاللهعليهوآله».
و : كيف أصنع بالقتلى؟!
وحين قال النبي «صلىاللهعليهوآله» : كيف أصنع بالقتلى؟ .. لم يكن يريد أن يعبّر عن تحيره في الأمر ، ولا كان يسأل عن حكم الله تعالى فيهم ، بل
كان «صلىاللهعليهوآله» يريد أن يسمع من نفس أصحاب العلاقة ، ما يريد أن يمضيه فيهم ، لأن ذلك يبعد عن أذهان ضعفة النفوس والإيمان أي احتمال يمكن أن يثار حول صوابية القرار الذي يصدره في قضيتهم ، وهو يظهر بذلك لكل أحد : أن قراره هذا هو ما تحكم به الفطرة ، ويفرضه الإنصاف في حق من يشهر سيفه على الناس ، ويقطع الطريق ويخيف السبيل ..
ولأجل ذلك : صرح رفاعة بأنه : لا يطلب إلا ما هو حلال ومباح ، وموافق للمنطق. ثم جاءت مبادرة أبي زيد التي انطلقت بعفوية وأريحية لتؤكد هذا الأمر ، وتحسم الرأي الصواب فيه ، فأمضى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» له ذلك ، حين ظهر أنهم منسجمون مع هذا الحق ، متفهمون لذلك الصواب ..
ز : مالهم ، عرفوه فأخذوه :
ولم يكن انتداب النبي «صلىاللهعليهوآله» عليا «عليهالسلام» للمهمة الحاسمة ، التي تضمنت إرجاع الحقوق إلى أهلها ، هو الوحيد في تاريخ النبي «صلىاللهعليهوآله» وعلي «عليهالسلام».
وقد جاء تفويض هذه المهمة إليه «عليهالسلام» ليؤكد على دوره في هذا الاتجاه ، وليكون الدليل على الثقة المطلقة بحسن تدبيره ، وبدقته في إنجاز ما يوكله «صلىاللهعليهوآله» إليه من مهمات ، حتى إنه «عليهالسلام» لينتزع الناقة من الرسول الذي جاء بالبشرى ، ثم يردفه خلفه ، ولا يرضى بأن يركب ناقة صدر حكم رسول الله «صلىاللهعليهوآله»
بإرجاعها إلى أربابها ، ولو خطوات يسيرة.
وكان التساؤل الحائر من ذلك الرسول : يا علي ما شأني؟! حيث ظن أن ذلك قد جاء عقوبة له على أمر صدر منه.
فجاءه الجواب الحاسم والحازم منه «عليهالسلام» : ما لهم ، عرفوه فأخذوه.
ح : مبالغات لا مبرر لها :
وروى الواقدي عن محجن الديلي ، أنه قال : «كنت في تلك السرية ، فصار لكل رجل سبعة أبعرة ، أو سبعون شاة ، وصار له من السبي المرأة والمرأتان ، حتى رد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ذلك كله إلى أهله» (١).
ونقول :
إنه إذا كان الجيش خمس مائة مقاتل ، ثم كان مجموع السبي مائة امرأة وطفل ، فكيف يكون قد صار للرجل المرأة والمرأتان؟!
وإذا كان الجيش خمس مائة ، والأبعرة ألف ، فكيف نال كل واحد سبعة أبعرة؟!
ط : زيد لا يطيعني :
وحين قال علي «عليهالسلام» للنبي «صلىاللهعليهوآله» : زيد لا يطيعني ، فإنه لم يكن يريد بذلك تحريض الرسول الكريم «صلىاللهعليهوآله» على زيد ..
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٨٩.
بل هو قد أراد أن يمدح زيدا بذلك ، من حيث إنه يمارس عمله وفق أصول الانضباط ، والالتزام بالمقررات بحزم وصرامة ، ولا يتعامل على أساس العلاقات الشخصية ، التي ربما تجر أحيانا إلى الوقوع في أخطاء قد لا يمكن تداركها .. خصوصا حين يتعلق الأمر بالتعاطي مع الشأن العام ، وتنفيذ المهمات ، والقيام بالمسؤوليات النظامية.
وقد كان علي «عليهالسلام» يدرك : أنه لا بد من إشاعة هذا النهج ، وفرض الالتزام به على الآخرين ، بصورة عملية وحاسمة ، بحيث لا يبقى أي منفذ ، أو فرصة لأي تسلل من شأنه أن يفسد طريقة تنفيذ القرار ، أو أن يخل بحركة العمل في المجالات التطبيقية المختلفة.
وإلا ، فإن زيدا كان يعرف عليا «عليهالسلام» ، ويدرك موقعه من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ومن الإسلام كله .. ولكنه يريد أن يري الناس كيف يلتزم القائد بحرفية البيانات والبلاغات الصادرة إليه ، وأن عليهم أن يتعلموا : أنه لا مجال لمحاباة أحد ، ولا للاعتماد على الرأي والاجتهاد ، بعد أن استبعدت المعرفة اليقينية ، وحوصرت وصودرت أحكامها بأحكام وبيانات صريحة أخرى لم تدع لها مجالا ، ولا مقالا ..
وحسبنا هذا الذي ذكرناه هنا : فإن استقصاء الحديث حول التفاصيل والجزئيات لسوف يضر بالاستفادة مما هو أهم ، ونفعه أتم ، وأشمل وأعم ..
٢ ـ سرية كرز بن جابر إلى العرنيين :
وفي جمادى الآخرة من سنة ست على قول ابن اسحاق ، أو في شوال على قول الواقدي ، وابن سعد ، وابن حبان ، أو في ذي القعدة بعد الحديبية ،
كما في البخاري .. كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين ، وهم حي من قضاعة ، وحي من بجيلة. لكن المراد هنا الثاني ، على ما ذكره ابن عقبة في مغازيه.
فقد روي : أن ثمانية من عرينة ، وفي البخاري من عكل وعرينة ، وفي الاكتفاء من قيس كبة من بجيلة ، قدموا على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فتكلموا بالإسلام وكانوا مجهودين ، قد كادوا يهلكون لشدة هزالهم ، وصفرة ألوانهم ، وعظم بطونهم ، فطلبوا منه «صلىاللهعليهوآله» أن يؤويهم ويطعمهم ، فأنزلهم «صلىاللهعليهوآله» عنده بالصفة.
ثم استوخموا المدينة ، وطلحوا ، وقالوا : إنا كنا أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف ، فبعثهم النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى لقاحه التي كانت ترعى بناحية الجماوات ، وكان يرعاها عبد له ، يقال له : يسار ..
وفي رواية : أنه «صلىاللهعليهوآله» بعثهم إلى إبل الصدقة.
وجمع بينهما : أنهما كانا معا ، فالبعث كان إليهما معا.
فخرجوا إليها ، وشربوا من أبوالها ، وألبانها ، حتى صحوا وسمنوا ، وانطوت بطونهم عكنا ، فكفروا بعد إسلامهم ، وعدوا على الراعي فذبحوه.
وفي رواية : أنهم استاقوا اللقاح ، فأدركهم يسار ، فقتلوه ، ومثّلوا به.
فبلغ النبي «صلىاللهعليهوآله» الخبر ، فبعث في أثرهم كرز بن جابر في عشرين فارسا ، فأدركوهم وأحاطوا بهم ، وربطوهم ، وقدموا بهم إلى المدينة وأرجعوا اللقاح ، وكانت خمس عشرة إلا واحدة ، وكان «صلىاللهعليهوآله» بالغابة ، فخرجوا بهم نحوه.
وفي الإكتفاء : فأتي بهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» مرجعه من غزوة ذي قرد ، فأمر بهم فقطعت أيديهم ، وأرجلهم.
وفي رواية : وسمرت أعينهم ، وصلبوا هناك.
وفي البخاري : فأمر بمسامير فأحميت ، فكحلهم ، وقطع أيديهم ، وما حسمهم ، ثم ألقوا في الحرة وهي أرض ذات حجارة سود ، يستقون ، فما سقوا حتى ماتوا.
قال أنس : فكنت أرى أحدهم يكد ، أو يكدم الأرض بفيه ، من العطش ، ليجد بردها (١) ، فلا يجده ، حتى ماتوا على حالهم.
وأنزل الله فيهم : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) الآية (٢).
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠ و ١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٥ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٧٧ و ٢٧٨ عن مصادر كثيرة. وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٦ و ١١٧ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٨٧ وعن سنن أبي داود ج ٢ ص ٣٣١ وعن الجامع الصحيح للترمذي ج ١ ص ٤٩ وسنن النسائي ج ٧ ص ٩٨ وراجع : عون المعبود ج ١٢ ص ١٧ وسنن النسائي ج ٢ ص ٢٩٦ ومسند أبي يعلي ج ٦ ص ٢٢٥ و ٤٦٦ والفايق في غريب الحديث ج ١ ص ٢١٢ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٦ ص ١٤٨ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٥١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٤١.
(٢) سورة المائدة الآية ٣٣.
ولم يقع بعد ذلك : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» سمل عينا (١).
ونقول : إن لنا ههنا وقفات هي التالية :
المثلة والتعذيب :
قد يقال : إنه لا معنى لهذا التعذيب الذي أنزل بهم.
وقد يجاب عن ذلك ـ كما عن محمد بن سيرين ـ : أنه إنما فعل النبي «صلىاللهعليهوآله» هذا قبل أن تنزل الحدود (٢).
قال أبو قلابة : هؤلاء قوم سرقوا ، وقتلوا ، وكفروا بعد إيمانهم ،
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٧ وراجع : الدر المنثور ج ٢ ص ٢٧٧ عن البخاري ، ومسلم ، وعبد الرزاق ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والنحاس في ناسخه ، والبيهقي في الدلائل عن أنس والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٩٣ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٩٩.
(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١ عن الترمذي ، وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٧ وج ٩ ص ٢٠٠ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٩٠ وعن صحيح البخاري ج ٧ ص ١٣ وعن سنن أبي داود ج ٢ ص ٣٣٢ والجامع الصحيح للترمذي ج ١ ص ٥٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٢٨٣ وج ٩ ص ٧٠ وج ١٠ ص ٤ وعن فتح الباري ج ١ ص ٢٩٤ وج ١٠ ص ١٢٠ وشرح سنن النسائي ج ٧ ص ٩٥ وتحفة الأحوذي ج ١ ص ٢٠٧ وعون المعبود ج ١٢ ص ١٩ ومسند أبي يعلي ج ٦ ص ٤٦٦ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٦ ص ١٤٩ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٥٢ وفتح القدير ج ٢ ص ٣٤.
وحاربوا الله ورسوله (١).
ونقول :
أولا : إننا لم نجد في النصوص ما يدل على أن عقوبة السرقة ، والقتل ، ومحاربة الله ورسوله أن تحمى المسامير بالنار ، ثم يكحل فاعل ذلك بها ، ولا أن يلقى في الحرة ليموت عطشا؟!
ثانيا : لقد نزل قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) في مكة قبل هذه القصة (٢) .. وهذه العقوبات المذكورة التي صبت عليهم لم يفعلوا هم مثلها ..
ثالثا : إن ما فعله النبي «صلىاللهعليهوآله» بهم ـ لو صح ـ فهو من مصاديق المثلة التي نهى النبي «صلىاللهعليهوآله» عنها في غزوة أحد ، كما يقولون. فما معنى أن ينهى «صلىاللهعليهوآله» عن الأمر ، ثم يبادر هو إلى فعله؟!
رابعا : عن ابن أبي يحيى ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي بن حسين ، قال : لا والله ، ما سمل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عينا ، ولا زاد أهل اللقاح
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٦ وعن صحيح البخاري ج ٨ ص ٢٠ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٣٣٠ وعون المعبود ج ١٢ ص ١٥ وصحيح ابن حبان ج ١٠ ص ٣٢٠ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ١٤٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢١ ص ٤٨١.
(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤٦ عن ابن كثير. وراجع : واقعة أحد في هذا الكتاب ، فصل : بعد ما هبت الرياح.
على قطع أيديهم وأرجلهم (١).
ومن الواضح : أن قطع الأيدي والأرجل هو عقوبة المفسد في الأرض ، وقد صرح بها القرآن الكريم ، وليست هي من المثلة المنهي عنها.
عدد الرعاة المقتولين :
وقد ذكرت الروايات تارة أنهم قتلوا يسارا فقط.
وجاء في رواية أخرى : ثم مالوا على الرعاء فقتلوهم.
وفي نص ثالث : فقتلوا الراعيين ، وجاء الآخر ، فقال : قتلوا صاحبيّ ، وذهبوا بالإبل (٢).
فما هذا التناقض في عدد من قتلوا من الرعاء؟
أين كانت اللقاح؟! :
قد ذكرت الرواية السابقة : أن اللقاح كانت بناحية الجماوات ، ولكن هناك رواية أخرى تقول : إن اللقاح كانت بذي الجدر ، غربي جبال عير ، على ستة أميال من المدينة (٣) وهي بناحية قباء.
__________________
(١) المسند للشافعي ص ٣١٥ والأم للشافعي ج ٤ ص ٢٥٩ والسنن الكبرى ج ٩ ص ٧٠.
(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٥ و ١١٩ وفتح الباري ج ١ ص ٢٩٢ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ١٨٠.
(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١ وراجع : وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٧٤ و ١١٧٥ وتركة النبي «صلىاللهعليهوآله» لحماد البغدادي ص ١٠٧ والطبقات الكبرى ج ١ ص ٤٩٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ٢٣٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٢٣.
ونحن نشك في ذلك ، إذ :
١ ـ لماذا تكون هذه اللقاح بعيدة عن المدينة إلى هذا الحد ، وكيف يؤمن عليها الغارة من القبائل المحيطة ، والمعادية؟!
٢ ـ لقد اختلفت النصوص في موضع رعي الإبل ، فهل كانت بناحية الجماوات ، التي هي إلى جهة الشام ، على ثلاثة أميال من المدينة؟ أم كانت ترعى بذي الجدر ، على ستة أميال من المدينة ، إلى جهة قباء؟!
أين صلب الجناة؟ :
وهم تارة يقولون : إنهم قد صلبوا بالرغابة ، بعد أن قطعت أيديهم وأرجلهم (١).
وأخرى يقولون : إنهم قد صلبوا ، وجرى عليهم ما جرى في المدينة نفسها ، وأمر النبي «صلىاللهعليهوآله» بهم فألقوا في الحرة (٢).
من هو أمير السرية؟ :
وقد تقدم : أن الأمير على تلك السرية هو كرز بن جابر ، بينما هناك من يقول : إن أمير الخيل يومئذ هو ابن زيد أحد العشرة المبشرة بالجنة.
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١ عن ابن سعد عن ابن عقبة.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٥ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٦ وراجع : موسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٩٩ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٩٣.
وهناك من يقول : أن أمير السرية هو جرير بن عبد الله البجلي (١).
ويرد هذا القول الأخير : بأن إسلام جرير بن عبد الله قد كان بعد حوالي أربع سنين من تاريخ هذه السرية (٢).
وقد روي عنه : أنه ما أسلم إلا بعد سورة المائدة في حجة الوداع (٣).
آية جزاء المحاربين :
وقد تقدم قولهم : إن آية : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ..)
__________________
(١) راجع : الدر المنثور ج ٢ ص ٢٧٧ عن ابن جرير ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٥٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٧.
(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ١١٦ و ١١٧ وفي ص ٣١٢ : أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر.
(٣) عن فتح الباري ج ١ ص ٤١٦ والجامع الصحيح للترمذي ج ١ ص ٦٤ والمستدرك للحاكم ج ١ ص ١٦٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ٢٧١ و ٢٧٣ و ٢٧٤ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٦٣ وسنن أبي داود ج ١ ص ٤٢ وتحفة الأحوذي ج ١ ص ٢٦٥ وعون المعبود ج ١ ص ١٧٩ والمنتقى من السنن المسندة للنيسابوري ص ٣٢ والمعجم الأوسط ج ٤ ص ٢٢٥ والمعجم الكبير ج ٢ ص ٣٠٨ و ٣٣٦ و ٣٤٨ و ٣٥٧ و ٣٥٨ ومسند إبراهيم بن أدهم ص ٤٠ و ٤١ ونصب الراية ج ١ ص ١٣٧ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٣٠ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٦٣ والضعفاء للعقيلي ج ٢ ص ٧٦ وتهذيب الكمال ج ٢ ص ٣٨ وميزان الإعتدال ج ٢ ص ٨٩ وتهذيب التهذيب ج ٢ ص ٦٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٩٣ وتاريخ جرجان ص ٢٢٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٨ ص ٥٤.
قد نزلت في هذه المناسبة.
ونقول :
إن ذلك لا يصح :
أولا : لأن هذه الآية وردت في سورة المائدة ، التي نزلت دفعة واحدة في حجة الوداع (١).
وحتى لو كانت قد نزلت بعد الحديبية ، أو عام الفتح (٢) ، فإن ذلك يدل على أنها لم تنزل في هذه الغزوة التي حصلت قبل الحديبية.
وقد روي نزولها دفعة واحدة عن :
١ ـ عبد الله بن عمرو (٣).
٢ ـ أسماء بنت يزيد (٤).
__________________
(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن ابن جرير ، وأبي عبيد ، وراجع : البحار ج ٣٧ ص ٢٤٨ والغدير ج ٦ ص ٢٥٦ وراجع : المستدرك للحاكم ج ١ ص ١٦٣.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ٣٠ وراجع : فتح القدير ج ٢ ص ٤.
(٣) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١٣ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٣ وفتح القدير ج ٢ ص ٣ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٤٢٤ عن أحمد.
(٤) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، ومحمد بن نصر في الصلاة ، والطبراني ، وأبي نعيم في الدلائل ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وراجع : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٣ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١٣ والبيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٣٤١ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٤٢٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ٢٥٧.
٣ ـ أم عمرو بنت عبس (١).
٤ ـ محمد بن كعب القرظي (٢).
٥ ـ والربيع بن أنس (٣).
ثانيا : لقد رووا عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عهد وميثاق ، فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض ، فخيّر الله فيهم نبيه ، إن شاء أن يقتل ، وإن شاء أن يصلب ، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف الخ .. (٤).
ثالثا : لقد اختلفت رواياتهم في قبيلة القوم الذين نزلت فيهم هذه الآية ، هل هم أهل الكتاب ، أو هم من المشركين من عكل أو عرينة ، أو بجيلة ، (وقد تقدمت المصادر المصرحة بهذا أو بذاك).
__________________
(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن ابن أبي شيبة في مسنده ، والبغوي في معجمه ، وابن مردويه ، والبيهقي في دلائل النبوة. وراجع : الآحاد والمثاني ج ٢ ص ٤٣١ وأسد الغابة ج ٥ ص ٣٤٤.
(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن أبي عبيد وراجع : الغدير ج ٦ ص ٢٥٦.
(٣) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ عن ابن جرير وجامع البيان لابن جرير الطبري ج ٦ ص ١١٢.
(٤) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٧٧ عن ابن جرير ، والطبراني في المعجم الكبير وراجع : المحلى لابن حزم ج ١١ ص ٣٠٠ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١٥ والمعجم الكبير للطبراني ج ١٢ ص ١٩٩ وجامع البيان ج ٦ ص ٢٨٠ والتبيان للطوسي ج ٣ ص ٥٠٥ ومجمع البيان للطبرسي ج ٣ ص ٣٢٤ وزاد المسير لابن الجوزي ج ٢ ص ٢٦٩ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ١٤٩ وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ٥٠ وفتح القدير ج ٢ ص ٣٧.
أو من بني فزارة (١).
أو من بني سليم (٢).
أو أنها نزلت في بني ضبة ، كما سنرى (٣).
الصحيح في نزول الآية :
الصحيح هو : أن هذه القضية بأسرها قد حرفت بصورة عمدية ، وصرفت عن مسارها الطبيعي ، وأن أميرها هو علي «عليهالسلام» ، وأنها نزلت في نفر من بني ضبة ، وأنهم إنما قتلوا ثلاثة من رعاة اللقاح إلى غير ذلك من تفاصيل ، غيّروا فيها وبدلوا ، وظهرت الخلافات والاختلافات نتيجة لتصرف كل راو على حدة ..
الرواية الصحيحة :
والرواية المعقولة والمقبولة هي التالية :
روي عن أبي عبد الله الصادق «عليهالسلام» ، قال : قدم على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قوم من بني ضبة ، مرضى.
فقال لهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : أقيموا عندي ، فإذا برئتم
__________________
(١) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٧٨ عن عبد الرزاق ، والمصنف للصنعاني ج ١٠ ص ١٠٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٢.
(٢) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٧٨ عن ابن جرير وعبد الرزاق ، وكنز العمال ج ٢ ص ٤٠٥ وجامع البيان ج ٦ ص ٢٨٢ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٢.
(٣) ستأتي المصادر لذلك.
بعثتكم في سرية.
فقالوا : أخرجنا من المدينة.
فبعث بهم إلى إبل الصدقة ، يشربون من أبوالها ، ويأكلون من ألبانها ، فلما برئوا واشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كان في الإبل.
فبلغ رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ذلك ، فبعث إليهم عليا «عليهالسلام» ، فإذا هم في واد قد تحيروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه ، قريبا من أرض اليمن ، فأسرهم ، وجاء بهم إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» .. فنزلت هذه الآية : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١).
فاختار رسول الله القطع ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف (٢).
٣ ـ سرية زيد إلى وادي القرى :
وفي شهر رجب من سنة ست كانت سرية زيد بن حارثة إلى وادي
__________________
(١) الآية ٣٣ من سورة المائدة.
(٢) راجع : نور الثقلين ج ١ ص ٦٢١ و ٦٢٢ والبرهان ج ١ ص ٤٦٥ و ٤٦٧ عن الكليني ، والعياشي ، والشيخ في تهذيب الأحكام ، والكافي ج ٧ ص ٢٤٥ وكنز الدقائق ج ٤ ص ١٠٢ و ١٠٣ وتفسير العياشي ج ١ ص ٣١٤ وتفسير الصافي ج ٢ ص ٣١ وتهذيب الأحكام ج ١٠ ص ١٣٥ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٨ ص ٥٣٥ وميزان الحكمة ج ١٠ ص ٥٧٤ وتفسير الميزان ج ٥ ص ٣٣١ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ٢ ص ٥٩٧.
القرى ، فقتل من المسلمين قتلى ، وارتث زيد بن حارثة ، أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا ، وبه رمق (١).
ونقول :
١ ـ إننا لا ندري لماذا لم تصرح لنا الروايات بعدد القتلى من المسلمين ، ولا بأسمائهم ، مع الاهتمام الشديد بهذا الأمر في الموارد الأخرى؟! ..
كما أننا لا ندري : هل قتل أحد من المشركين في هذه السرية؟! أو جرح ، أم لم يقتل ولم يجرح أحد؟!
٢ ـ ثم إننا لا ندري أيضا لماذا لم تذكر أية تفاصيل عن مكان هذه المعركة ، وعن أسبابها ، وضد من كانت من قبائل العرب ..
لكن بعضهم ذكر : أنها كانت ضد بني فزارة.
مع أنهم يذكرون : أدق التفاصيل في غزوات أو سرايا لم تجر فيها أحداث مهمة ، بل هي مجرد سياحة استطلاعية رجع منها المسلمون ، ولم يلقوا كيدا ..
والظاهر هو : أن هذه الحادثة هي نفس ما ذكر من أنه قد حصل لزيد بن حارثة في سرية أم قرفة الآتية ، وأنه إنما كان في تجارة له إلى الشام فأخذوه ، وجرى عليه ما جرى ، ثم غزاهم في سرية بعثه بها الرسول «صلىاللهعليهوآله» ، فأصابوا فيها أم قرفة كما سيأتي.
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١ وراجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧١ وعن تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٢٨٧ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٣٥ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٠٣.
٤ ـ سرية ابن عوف إلى دومة الجندل :
وفي شعبان من سنة ست بعث «صلىاللهعليهوآله» عبد الرحمن بن عوف إلى بني كلب في دومة الجندل.
فزعموا : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» دعاه ، فأجلسه بين يديه ، وعممه بيده ، وقال : اغز بسم الله ، وفي سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله. ولا تغدر ، ولا تقتل وليدا. وقال له : إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم.
فسار إليهم في سبع مائة مقاتل ، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام ، وهم يأتون ويقولون : لا نعطي إلا السيف.
فلما كان اليوم الثالث أسلم أصبغ بن عمرو الكلبي ـ وكان نصرانيا ، وكان رئيسهم ـ وأسلم معه ناس كثيرون من قومه ، وأقام من أقام على دينه على إعطاء الجزية ، وتزوج عبد الرحمن تماضر ابنة الأصبغ ، فقدم بها المدينة ، فولدت له أبا سلمة ، عبد الله الأصغر ، وهو من الفقهاء السبعة بالمدينة ، ومن أفضل التابعين (١).
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨١ و ١٨٢ والإصابة ج ١ ص ١٠٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٣ و ٩٤ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ١٠٥ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٩ والثقات ج ١ ص ٢٨٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٤ وج ٦٩ ص ٨٠ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٦٠ وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٤٨ وعن تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٢٨٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٨٥ وإعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص ٢٠٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٤٠.
وزعم عطاء بن أبي رباح : أنه سمع رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر عن إرسال العمامة من خلف الرجل ، إذا اعتم.
فقال عبد الله : سأخبرك عن ذلك ، إن شاء الله تعالى ، ثم ذكر مجلسا شاهده من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، أمر فيه عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها ، قال : فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سود ، فأدناه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» منه ، ثم نقضها ، ثم عممه بها ، وأرسل من خلفه أربع أصابع ، أو نحوا من ذلك. ثم قال : هكذا يابن عوف فاعتم ، فإنه أحسن ، وأعرف.
ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء ، فدفعه إليه ، فحمد الله ، وصلى على نفسه ، ثم قال : خذه يابن عوف ، اغزوا جميعا الخ .. (١).
شكوك في سرية ابن عوف :
ولنا على هذه الغزوة ملاحظات عديدة هي التالية :
١ ـ إننا نشك في أصل حدوث هذه الغزوة. وذلك لأن بين دومة الجندل وبين دمشق خمس ليال ، وتبعد عن المدينة حوالي خمس عشرة ، أو
__________________
(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١ و ١٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٨١ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٩٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٣٩ والمستدرك للحاكم ج ٤ ص ٥٤١ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٠٤٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٤٣٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ١٠٨.
ست عشرة ليلة ، وهي بقرب تبوك (١).
وعلى حد تعبيرهم : هي طرف من أفواه الشام (٢).
ونحن نستبعد : أن يخاطر النبي «صلىاللهعليهوآله» بأصحابه ، فيرسلهم إلى هذه المسافات البعيدة ، إلى أناس لم يظهر الوجه والمبرر لأن يقصدهم «صلىاللهعليهوآله» بجيوشه هذه ، دون كل من عداهم ممن هم في المناطق الأقرب منهم ، والأيسر ، والأقل مؤونة عليه.
هذا .. والحال : أن مشركي العرب مبثوثون في كل ناحية ، وهم يترصدونهم في ذهابهم ، وإيابهم ، ليوقعوا بهم ، وليوصلوا الأخبار إلى الأقطار عنهم .. خصوصا إذا كان مسيرهم أصبح يشي بأنهم يقصدون ملك قيصر ، وكسر هيبته ، بتناول أطراف بلاده ..
٢ ـ إن هيمنة الإسلام لم تكن قد بلغت تلك المناطق ، ليرضى نصارى
__________________
(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٩ عن ابن سعد ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٧ وسيرة مغلطاي ص ٥٤ ونهاية الإرب ج ١٧ ص ١٦٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٠٨ وزاد المعاد ج ٢ ص ١١٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ٦٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٣ والتنبيه والإشراف ص ٢١٤ والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٢٦٦ ووفاء الوفاء ج ٤ ص ١٣٢٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٥ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٣٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٣٤٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٧ ص ٢٠١.
(٢) راجع : المغازي للواقدي ج ١ ص ٤٠٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ١٠٥ وعن عيون الأثر ج ٢ ص ٣٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٤ ص ٣٤٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٧ ص ٢٠٠ و ٢٠١ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٦٢.
بني كلب بدفع الجزية ، مع قربهم من الشام ، ومع وجود أكيدر في دومة الجندل ، ومع كون المحيط كله لا يدين بالإسلام ، ولا يرضى بدفع الجزية.
٣ ـ إن الحديث عن أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد عمم عبد الرحمن بن عوف بيده ، لا يدل على أن ذلك كان كرامة وإكراما منه «صلىاللهعليهوآله» لابن عوف ..
لأن حديث ابن عمر قد أوضح : أن السبب في ذلك هو : أن ابن عوف لم يحسن التعمم ، فأراد «صلىاللهعليهوآله» أن يعلمه طريقة التعمم الفضلى ، ويوضح ذلك قوله «صلىاللهعليهوآله» : «هكذا يابن عوف فاعتم ، فإنه أحسن ، وأعرف».
٤ ـ إننا لا ندري ما هي المصلحة في أن يتزوج ابن عوف ابنة أصبغ بن عمرو الكلبي؟!
وماذا لو رفض أصبغ الموافقة على هذا الزواج؟!
فهل سيقهره عبد الرحمن عليه؟!
على أننا قد نفهم من بعضهم : أن ثمة شكا في أن تكون تماضر هذه قد أدركت رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
فقد قال العسقلاني : عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف «أمه تماضر بنت الأصبغ ، يقال : إنها أدركت النبي «صلىاللهعليهوآله» ..» (١).
__________________
(١) تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ١١٦ وراجع : المصنف للصنعاني ج ٧ ص ٦٢ وسنن الدار قطني ج ٤ ص ١٠ ونصب الراية ج ٥ ص ٢١٨ وإرواء الغليل ج ٦ ص ١٥٩ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٨ ص ١٥٢ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ٨٩ وج ٣ ص ١٢٩ وج ٥ ص ١٥٥ وج ٨ ص ٢٩٨ و ٩٩ وطبقات خليفة