• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • الفصل الأول
  • الفصل الثاني
  • الفصل الثالث
  • ويجذبه الإيمان والتبتل ، فيعزف بذاته عن اللهو ، فما رؤي لاهيا ، ويرتفع بمستواها الى مستوى الظروف الصعبة جدا ومثابرة ، ويجعل من نفسه دريئة للنبي ، ويروضّها اعنف الترويض عزيمة ، ويمعن في المواساة إمعانا في شتى الميادين.

    وتفكر قريش في مصيرها على يد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصير آلهتها من دعوته هذه ، فلا يهدأ لها جنان ، ولا يقر لها قرار ، ويجتمع علية القوم ، وتجيل الرأي فيما بينها ، فيستقّر الأمر : أن تنتدب لذلك ممثلا من كل قبيلة ، لتقتل في زعمها محمداً ، ويضيع دمه هدراً بين العرب ، وكان أبو جهل قد تولى كبر هذا الأمر ، ومن حوله أعيان الناس وزعماء الجاهلية يباركون سعيه ويترسمون كيده ، فينذر الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالهجرة إلى يثرب ، المدينة المنورة فيما بعد ، فيخلو النبي بعلي عليه‌السلام ، ويطرح عليه الأمر ، ويرغب إليه بمواساته بهذه المحنة فيرّد بالإيجاب ، وينيمه النبي بفراشه ، ويشتمل هو ببرده الحضرمي ، ويعهد إليه بوصاياه ، ويسلمه ودائع الناس وأمانات العرب ، ليؤديها كما هي لأهلها ، وليسير أليه بعد ذلك بالفواطم. وعند منتصف الليل من ربيع الأول للسنة الثالثة عشرة من البعثة الشريفة ينسّل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الدار إنسلالا ، ويسلك من خلال القوم ، وهم يتأهبون للبيات ، وهو يتلو قوله تعالى :

    ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) (١).

    ويرمي وجوه القوم بحفنه من الحصى أو التراب « شاهت الوجوه ذلا » ويخرج من مكة هو وصاحبه أبو بكر الصديق ، وأفاق المشركون عند الفجر ، ليهجموا على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فراشه ، وإذا بعليّ عليه‌السلام

    ____________

    (١) سورة يس ، الآية : ٩.