بني هاشم كاد أن يقطع ، اوشك على الإنفصام ، ولكنه يستمسك بطرف يمتد إلى زعيم الهاشميين ، ويستلهم من حكمته وأصالته ما يدير به دفة الحكم بأناة وروية ، وقطعت صيحة عمر كل صوت ، واسكتت مقولته كل خطيب ، إذ يلتفت إلى جمهور الصحابة واثقاً قائلاً :
« لا يفتين أحدكم في المسجد وعلي حاضر » وتقتصر الفتوى على علي عليهالسلام.
وتتواكب المسائل المعقدة ، وديوان الخلافة في غير أهبة لمجابهتها ، فيحكم فيها حيناً بغير ما أنزل الله ، ويتجافى بها المجيبون سنن الصواب ، فيتداركها عليُّ بما انطوى عليه صدره من علم ، فيصرخ عمر بصيحته الثانية :
« لولا عليّ لهلك عمر » ويكررها في أكثر من عشرين مرة.
وتتوسع رقعة الدولة الإسلامية ، وتترامى أقطار السلطان ، وتنهال الرسائل من كل صوب وحدب لا يعلم متأخرها من متقدمها ، وتكتب الصكوك ولا يعرف تأريخها ، وتدوّن المعاملات ولا يفهم أوانها ، وتبرم المعاهدات ولا يميز أمدها ، فيحتاج المسلمون إلى أن يؤرخوا ، وتختلف الآراء ، ويضطرب الصحابة بين أخذ ورد :
التأريخ زمن الاسكندر.
التأريخ بمولد الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
التأريخ بالبعثة النبوية.
وإذا بعلي يشير : نؤرخ من يوم هاجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أرض الشرك ، فإنه أظهر من المولد والمبعث.