اتّصاليّة باقية لليقين ، ولا لمتعلّقه بعد الشكّ في بقائه واستمراره.
فيتعيّن أن يكون إسناد النقض إلى اليقين على نحو المجاز ، ولكن هذا المجاز له معنيان يدور الأمر بينهما ، وإذا تعدّدت المعاني المجازيّة فلا بدّ أن يحمل اللفظ على أقربها إلى المعنى الحقيقيّ. وهذا (١) يكون قرينة معيّنة للمعنى المجازيّ. وهنا المعنيان المجازيّان أحدهما أقرب من الآخر ، وهما :
١. أن يراد من النقض مطلق رفع اليد عن الشيء ، وترك العمل به ، وترتيب الأثر عليه ولو لعدم المقتضي له ، فيكون المنقوض عامّا شاملا لكلّ يقين.
٢. أن يراد منه رفع الأمر الثابت.
وهذا المعنى الثاني هو الأقرب إلى المعنى الحقيقيّ ، فهو الظاهر من إسناد النقض.
وحينئذ فيختصّ متعلّقه بما من شأنه الاستمرار المختصّ بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى.
والظاهر رجحان هذا المعنى الثاني على الأوّل ؛ لأنّ الفعل الخاصّ يصير مخصّصا لمتعلّقه إذا كان متعلّقه عامّا ، كما في قول القائل : «لا تضرب أحدا» ، فإنّ الضرب يكون قرينة على اختصاص متعلّقه بالأحياء ، ولا يكون عمومه للأموات قرينة على إرادة مطلق الضرب.
هذه خلاصة ما أفاده الشيخ قدسسره ، وقد وقعت فيه عدّة مناقشات نذكر أهمّها ، ونذكر ما عندنا ليتّضح مقصوده ، وليتجلّى الحقّ إن شاء الله (تعالى) :
١. المناقشة الأولى (٢) : أنّ النقض يقابل الإبرام. (٣) والنقض ـ كما فسّروه في اللغة (٤) ـ : «إفساد ما أبرم من عقد ، أو بناء ، أو حبل ، أو نحو ذلك». وعليه ، فتفسيره من الشيخ قدسسره برفع
__________________
(١) أي كون أحدها أقرب إلى المعنى الحقيقي.
(٢) كما في درر الفوائد ٢ : ١٦١.
(٣) وذهب المحقّق الخراسانيّ وتلميذه المحقّق الحائريّ إلى أنّ تقابلهما تقابل التضادّ.
ومختار المحقّق الأصفهانيّ أنّ تقابلهما ليس تقابل التضادّ ؛ لأنّه ليس هناك صفتان ثبوتيّتان تتعاقبان على موضوع واحد ، بل تقابلهما تقابل العدم والملكة ، فالنقض هو عدم الإبرام عمّا من شأنه أن يكوم مبرما. نهاية الدراية ٣ : ٥١.
(٤) راجع قاموس اللغة ، مادّة (النقض).