ولو أردنا إخراجها من عمومات حرمة العمل بالظنّ لا يبقى عندنا ما يصلح لانطباق هذه العمومات عليه ممّا يستحقّ الذكر ، فيبقى النهي عن الظنّ بلا موضوع ، ومن البديهيّ عدم جواز تخصيص الأكثر ؛ على أنّه قد أوضحنا ـ فيما سبق في الدليل العقليّ (١) ـ أنّ الأحكام وملاكاتها لا يستقلّ العقل بإدراكها ابتداء ، ـ أي ليس من الممكن للعقول أن تنالها ابتداء من دون السماع من مبلّغ الأحكام ، إلاّ بالملازمة العقليّة ـ. وشأنها في ذلك شأن جميع المجعولات ، كاللغات ، والإشارات ، والعلامات ، ونحوها ؛ فإنّه لا معنى للقول بأنّها تعلم من طريق عقليّ مجرّد ، سواء كان من طريق بديهيّ ، أم نظريّ.
ولو صحّ للعقل هذا الأمر لما كان هناك حاجة لبعثة الرسل ، ونصب الأئمّة ؛ إذ يكون ـ حينئذ ـ كلّ ذي عقل متمكّنا بنفسه من معرفة أحكام الله (تعالى) ، ويصبح كلّ مجتهد نبيّا ، أو إماما. ومن هنا تعرف السرّ في إصرار أصحاب الرأي على قولهم بأنّ كلّ مجتهد مصيب ، وقد اعترف الإمام الغزاليّ بأنّه لا يمكن إثبات حجّيّة القياس إلاّ بتصويب كلّ مجتهد ، وزاد على ذلك قوله بـ «أنّ المجتهد وإن خالف النصّ فهو مصيب ، وأنّ الخطأ غير ممكن في حقّه». (٢)
ومن أجل ما ذكرناه من عدم إمكان إثبات حجّيّة مثل هذه الأدلّة رأينا الاكتفاء بذلك عن شرح هذه الأدلّة ، ومرادهم منها ، ومناقشة أدلّتهم. ونحيل الطلاّب على محاضرات «مدخل الفقه المقارن» (٣) التي ألقاها أستاذ المادّة في كلّيّة الفقه ، الأخ السيد محمّد تقيّ الحكيم ؛ فإنّ فيها الكفاية.
__________________
(١) راجع الصفحة : ٤٧٨ ـ ٤٨٠.
(٢) المستصفى ٢ : ٢٣٩.
(٣) المدخل للفقه المقارن «الأصول العامّة للفقه المقارن» : ٣٠٣ ـ ٤٠٤.