مضافاً إلى ما يرد على استصحاب النجاسة الاستصحابية ، من كون الحكم محرزاً لموضوعه ، فإنّ الاستصحاب الذي هو عبارة عن المنع عن نقض اليقين بالشكّ يتوقّف على تحقّق اليقين ، والمفروض أنّ اليقين بالنجاسة الاستصحابية لا يحصل إلاّبهذا الحكم ، أعني المنع عن نقض اليقين بالشكّ. وهذا الإشكال نظير الإشكال في سلسلة الرواية بالنسبة إلى لزوم تصديق العادل ، وهذا الإشكال وإن أُجيب عنه في محلّه كما عرفته في محلّه (١) إلاّ أنه لا داعي للايقاع في هذه المضايق بعد سهولة الأمر بالركون إلى استصحاب نفس النجاسة السابقة الواقعية المتيقّنة عند حصول التغيّر. لكن سيأتي (٢) أنّ مقتضى تعدّد الشكّ هو عدم إمكان الرجوع في الآن الثالث إلى استصحاب النجاسة السابقة المتيقّنة عند حصول التغيير ، لعدم اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، وأنّه لابدّ من الرجوع إلى استصحاب النجاسة المستصحبة.
واعلم أنّ الصور الأربع التي عرفتها في استصحاب المستصحب تجري في استصحاب الحكم الظاهري الثابت بقاعدة الطهارة ، فإنّ قاعدة الطهارة قد تجري في الشبهات الحكمية كما في عرق الجنب من الحرام ، وقد تجري في الشبهات الموضوعية كما في الماء المشكوك النجاسة مع فرض عدم العلم بحالته السابقة ، ثمّ بعد الحكم بالطهارة في الصورتين المذكورتين قد يحصل الشكّ في بقائها إمّا لأجل الشبهة الحكمية ، كأن يقع فيه ماء الاستنجاء المفروض كونه مشكوك النجاسة على نحو الشبهة الحكمية ، أو على نحو الشبهة الموضوعية كأن يشكّ في وقوع قطرة بول فيه ، فهل المرجع في ذلك هو استصحاب الطهارة الظاهرية الثابتة
__________________
(١) راجع المجلّد السادس من هذا الكتاب ، الصفحة : ٤٢٧ وما بعدها.
(٢) في الصفحة : ٢٤٥ وما بعدها.