وذهب اتّجاه ثالث إلىٰ
أنّ في آيات القرآن الكريم ما يُضاد القول بالجبر صراحةً ، كقوله تعالىٰ : (
كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )
وقوله تعالىٰ : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ
السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )
وقوله تعالىٰ : (
إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا )
.
وفي آيات اُخرىٰ
ما يبطل الاختيار ، كقوله تعالىٰ : (
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ ) وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ )
.
ولهذا ، فقد اعتقد
أصحاب هذا الاتجاه بقول ثالث وسط بين الجبر والاختيار ، وهو ما يعرف ـ أخذاً من كلمات أئمة أهل البيت عليهمالسلام الذين هم الأصل فيه ـ بـ ( الأمر بين الأمرين ) ، وهو في الوقت نفسه لا يمس قضاء الله تعالىٰ وقدره وسلطانه وعدله ، كما يحافظ أيضاً علىٰ نسبة الفعل الصادر
عن الإنسان إلى الله تعالى وإلى الإنسان أيضاً ، وأفادوا من بعض الآيات الكريمة كقوله تعالىٰ : (
مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ) ، فلو لم تكن هناك صلة بين الخالق وفعل
العبد لما صح معنىٰ نسبة الحسنة الصادرة من العبد إلىٰ الله عزّ وجلّ .
وعن الإمامين الباقر
والصادق عليهماالسلام : « إنّ الله أرحم بخلقه من أنْ يجبر خلقه علىٰ الذنوب ثم يعذبهم عليها ، والله أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون » .
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : « لا جبر ولا تفويض بل أمرٌ بين أمرين » .
وعن الإمام الرضا عليهالسلام وقد سمع في مجلسه كلاماً حول الجبر والتفويض فقال : « إنّ الله عزّ وجل لم يطع بإكراه ، ولم يعصَ بغلبة ، ولم يُهمِل العباد في ملكه ، وهو المالك لما ملّكهم ، والقادر علىٰ ما أقدرهم عليه ،