ثم هب اننا أغمضنا النظر عن الكتاب والسنة وتلك الادلة الباهرة فلنرجع الى الحس والوجدان ، فانه أقوى شاهد وبرهان ، لنرجع الى الامر الواقع والقضية الراهنة ، أرأيت لو وجدت شخصين يختصمان في أمر معين حتى تبلغ بهما الخصومة الى حد أن يستحل أحدهما قتل الاخر فهل تجد بعقلك مالا للحكم بأن الحق مع كل واحد منهما ؟ اي أن الحق في جهتين متناقضتين في السلب والايجاب ، كلا ، فالحق لا يتناقض والسلب والايجاب نقيضان ، والنقيضان لا يجتمعان كما لا يرتفعان ، أليس الخليفة عثمان من الصحابة المبرّزين والمهاجرين الاولين ؟ أليس قد اجتمع على قتله أهل المدينة ؟ وكلّهم او جلّهم من الصحابة بالضرورة ، ومعهم جمع من رجال الاقطار الاسلامية ، ثم قتلوه تلك القتلة الشنيعة ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في حديث متواتر لا يحل قتل المسلم الا بواحدة من ثلاث : ردّة عن ايمان ، او زنيّة من احصان ، او قصاص في قتل نفس محترمة ، وأنا لا أدرى بأي واحدة من هذه الثلاث استحلوا قتل الخليفة ، ولعل أهل المدينة أعلم وأدرى.
ثم أليس طلحة والزبير من أخصّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ومن المجاهدين السابقين والمهاجرين الأولين وسيف الزبير هو السيف الذي طالما كشف به الكرب من وجه رسول الله ؟ ثم ألم يخرجا على أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ؟ وخدعا المرأة المسكينة عايشة أم المؤمنين التي تجمّلت ثم تبغّلت ، وقد قتلا في تلك الحرب الضروس ، وما قتلا حتى قتل بسبب بغيهما على امام زمانهما الذي بايعاه ثم نكثا بيعته بغيا عليه ، ما قتلا الا بعد أن قتل في تلك الوقعة اكثر من عشرة آلاف قتيل تقريباً أو تحقيقاً ، وقد قال سبحانه وتعالى : وإِنْ طائِفَتانَ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي (١) وما أدرى هل
__________________
(١) سورة ٤٩ آية : ٩.