وغيب الغيوب وسرّ الهوية الاحدية وأعماق الابدية وأمواج العناية الازلية ، هناك فى غسق الليالى المدلهمة وحنادس الجهل والجاهلية هناك في الوسط الذي أماته الجهل وأعياه الهوى وسخره سلطان الشهوات واستحكمت فيه غرائز الرذيلة.
هناك انبثق بركان (١) من النور الالهي والقبس الربوبي فبزغت أنوار شمس المحمدية صلىاللهعليهوآله وهبت في الاكوان نسمات البشرى بحامل مشعل السعادة الابدية.
ها ان محمّداً صلىاللهعليهوآله ( ولذكره المجد والشرف ) قد وجد وولد ونمى ونشأ يمثل روح الاخلاق الفاضلة في ابّان صباه ، وريعان شبيبته وفي جميع أطواره وأدواره منيعا وديعا ، أمينا ورزينا ، عفيفا شريفا ، فكوراً وقوراً ، قوي الارادة عظيم الهمة ، فحل العزيمة ، دقيق الاحساس رقيق العواطف ، رحيم القلب حليم النفس ، جميل الصورة حسن السيرة ، مغناطيس النفوس محبوب القلوب ما كذب قط ولاخان و لامان ، ولامكر ولاغدر ، ولاسجد لصنم ولا انثنى لوثن كل ذلك وما اليها من السجايا الغالية والمزايا الباهرة والمعارف السامية كانت طباعا لاتطبعا ومواهب لامكاسب ، من غير معلم ولامرشد ، ولامربّ ولامدرّب ، ولامدرسة ولامدرّس ، ولامطالعة كتب ولامراجعة صحف وكانّه قبل أن يتجاوز شعوب مكة قد عرف كل الشعوب وخبر أحوال الامم وسبر طبقات البشر. ودرس نفسيات الخلائق وقلبها بحثا وعلما فعلم ما هي ادواء البشرية وما عللها وامراضها ، وما هو دوائها وعلاجها وما هو السبيل الى رحمة تلك الانسانية المعذّبة وتخليصها من قديم شقائها ومزمن دائها.
ثم ان محمّداً ( خلد الله شريعته وأعلى كلمته ) عند ما بلغ أشده واستوى جدّه وشاع في أحياء العرب اريج ذكره ، واستبحر في الارض خليج فخره ، وبدا
__________________
(١) البركان جبل النار انظر المنجد ، ص ٣٣ ، ط ـ ٩.