وأجريت على فاعله أحكام مخصوصة ، فمرتكب الكبيرة عندهم ليس بمؤمن ولا كافر بل هو فاسق .
وقالت الخوارج قريباً من قول المعتزلة إلا أنهم لا يسمون الكبائر كلها كفراً ، وفيهم من يسميها شركاً .
والفضيلية منهم تسمي كل معصية كفراً صغيرة كانت أو كبيرة .
والزيدية من كان منهم على مذهب الناصر يسمون الكبائر كفر نعمة ، والباقون يذهبون مذهب المعتزلة .
والذي يدل على ما قلناه : أولاً ، هو أن الإيمان في اللغة هو التصديق ، ولا يسمون أفعال الجوارح إيماناً ، ولا خلاف بينهم فيه .
ويدل عليه أيضاً قولهم : فلان يؤمن بكذا وكذا وفلان لا يؤمن بكذا . وقال تعالى : يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ . وقال : وما أنت بمؤمن لنا ، أي بمصدق ، وإذا كان فائدة هذه اللفظة في اللغة ما قلناه وجب إطلاق ذلك عليها إلا أن يمنع مانع ، ومن ادعى الإنتقال فعليه الدلالة ، وقد قال الله تعالى : بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ . وقال : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ . وقال : إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا . وكل ذلك يقتضي حمل هذه اللفظة على مقتضى اللغة . وليس إذا كان هاهنا ألفاظ منتقلة وجب أن يحكم في جميع الألفاظ بذلك ، وإنما ينتقل عما ينتقل بدليل يوجب ذلك . وإن كان في المرجئة من قال ليس هاهنا لفظ منتقل ولا يحتاج إلى ذلك .
ولا يلزمنا أن نسمي كل مصدق مؤمنا لأنا إنما نطلق ذلك على من صدق بجميع ما أوجبه الله عليه . والإجماع مانع من تسمية من صدق بالجبت والطاغوت مؤمناً ، فمنعنا ذلك بدليل وخصصنا موجب اللغة ، وجرى ذلك مجرى تخصيص العرف لفظ الدابة ببهيمة مخصوصة ، وإن كان موجب اللغة يقتضي تسمية كل ما دب دابة ، ويكون ذلك تخصيصاً لا نقلاً . فعلى موجب هذا ، يلزم من ادعى انتقال هذه اللفظة إلى أفعال الجوارح أن يدل عليه .