إلا ما دخل القلب . ولا ريب أن ما دخل القلب يحصل به الإطمئنان ، ولا اطمئنان في الظن وشبهه لتجويز النقيض معه ، فيكون الثبات والجزم معتبراً في الإيمان .
فإن قلت : قوله تعالى حكاية عن إبراهيم : أو لم تؤمن ؟ قال بلى ، ولكن ليطمئن قلبي ، يدل على أن الجزم والثبات غير معتبر في الإيمان ، وإلا لما أخبر عليهالسلام عن نفسه بالإيمان ، بقوله بلى مع أن قوله ( وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) يدل على أنه لم يكن مطمئناً فلم يكن جازماً .
قلت : يمكن الجواب بأنه عليهالسلام طلب العلم بطريق المشاهدة ، ليكون العلم بإحياء الموتى حاصلاً له من طريق الأبصار والمشاهدة ، ويكون المراد من اطمئنان قلبه عليهالسلام استقراره وعدم طلبه لشئ آخر بعد المشاهدة ، مع كونه موقناً بإحياء الموتى قبل المشاهدة . أيضاً وليس المراد أنه لم يكن متيقناً قبل الإرائة ، فلم يكن مطمئناً ليلزم تحقق الإيمان مع الظن فقط .
وأيضاً إنما طلب عليهالسلام كيفية الإحياء ، فخوطب بالإستفهام التقريري على الإيمان بالكيف الذي هو نفس الإحياء ، لأن التصديق به مقدم على التصديق بالكيفية فأجاب عليهالسلام بلى آمنت بقدرة الله تعالى على الإحياء ، لكني أريد الإطلاع على كيفية الإحياء ، ليطمئن قلبي بمعرفة تلك الكيفية الغريبة ، البديعة ، ولا ريب أن الجهل بمعرفة تلك الكيفية لا يضر بالإيمان ، ولا يتوقف على معرفتها . وأما سؤال الله سبحانه عن ذلك مع كونه عالماً بالسرائر ، فهو من قبيل خطاب المحب لحبيبه .
إن قلت : فما الجواب أيضاً عن قوله تعالى : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ، فإنه يفهم من الآية الكريمة وصف الكافر المشرك بالإيمان حال شركه ، إذ الجملة الإسمية حالية ، فضلاً عن الإكتفاء بالظن وما في حكمه في الإيمان ، وهو ينافي اعتبار اليقين .
قلت :
لا ، فإن الآية الكريمة إنما دلت على إخباره تعالى عنهم بالإيمان بالصانع والتصديق بوجوده ، لكنهم لم يوحدوه في حالة تصديقهم به ، بل اعتقدوا له شريكاً