ثم نادى خزيمة ، قتلت راشدا ، ورب الكعبة ، فانهزم القوم ، وانكسروا ، وجفلوا ، إجفال النعام ، وأطلوا عليهم كقطع الغمام واستبشر أصحاب المختار وحملوا على أهل الكوفة ، وواصلوا سوقهم ، حتى أوصلوهم إلى السكك ، وادخلوهم الجامع ، وحاصروا الأمير ابن مطيع ثلاثا في القصر ، ونزل المختار بعد هذه الواقعة جانب السوق ، وولي حصار القصر إبراهيم بن الأشتر.
فلما ضاق الحصار عليه وعلى أصحابه وعلموا أنه لا تعويل لهم على مكر ، ولا سبيل للمفرّ ، أشاروا عليه أن يخرج ليلاً في زي امرأة ، ويستتر في بعض دور الكوفة ، ففعل ، وخرج حتى صار إلى دار الحقود أبي موسى الأشعري ، فآواه.
وأما جماعته فإنهم طلبوا الأمان ، فآمنهم ، وخرجوا ، وبايعوه ، وصار يُمنّيهم ، ويحسن السيرة فيهم (١).
قد يفسر البعض ، أن تصرّف المختار هذا ، مع أعدائه على أنه نوع من أنواع الخدعة ، أو المجاملة ، فهو يريد من خلال ذلك كسب ودّ أعدائه بهذه الطريقة الغريبة نوعا ما ، لكن هذه هي حقيقة أخلاق المختار ، رجل رحوم حتى مع ألدّ أعدائه ، وإن لم يكن في كسب ودّ الأعداء ، وتحييدهم ضير ، بل هو بحدّ ذاته هدف يسعى إليه كل صاحب دعوة على مرّ التاريخ ، وقد مارس رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ذلك بقدر ما حينما جعل لأبي سفيان منزلة عند دخوله صلىاللهعليهوآلهوسلم مكة منتصرا ، كما جعل اللّه سبحانه وتعالى للمؤلّفة قلوبهم حصّة من الصدقات ، حيث قال تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ
__________________
(١) البحار ٤٥ : ٣٦٩.