وأصحابه حتّى ابرد وكان يوم قائظ شديد حرّه.
فلمّا قام من رقدته دعا بماء ، فغسل يديه فانقاهما ثمّ مضمض فاه ، ومجه إلى عوسجة كانت إلى جنب خالته ثلاث مرّات ، واستنشق واستنثر ثلاثا ثلاثا إلى أن قالت : ثمّ مسح رأسه ما أقبل منه وأدبر مرّة واحدة ، ثمّ غسل رجليه ظاهرهما وباطنهما ، والله ما عاينت أحدا فعل ذلك قبله ، وقال : « إنّ لهذه العوسجة لشأنا »!
ثمّ فعل ذلك من كان معه من أصحابه مثل ذلك ، ثمّ قام فصلّى ركعتين ، فعجبت وفتيات الحي من ذلك ، وما كان عهدنا بالصلاة ولا رأينا مصلّيا قبله!
فلمّا كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عادية قامتها [٨٩] وخضد الله شوكها ، وساحت عروقها ، وكثرت أفنانها ، واخضرت ساقها وورقها ، واثمرت بعد ذلك واينعت بثمر كأعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ، ورائحة العنبر وطعم الشهد ،
والله ما أكل منه ـ يعني جائع ـ إلاّ شبع ، ولا ظمآن إلاّ روي ، ولا سقيم إلاّ برئ ، ولا ذو حاجة وفاقة إلاّ استغنى ، ولا أكل من ورقها ناقة ولا شاة إلاّ درّ لبنها ، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل بنا ، واخصبت بلادنا وامرعت!
فكنّا نسمّي تلك الشجرة « المباركة » ، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستشفون بها ، ويتزوّدون في الأسفار ، ويحملون معهم في الأرضين القفار ، فتقوم لهم مقام الطعام والشراب ،
__________________
وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ، ثمّ تسقي وتطعم ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد خرج من الغار ليلة الاثنين في السحر ، وقال يوم الثلاثاء بقديد. وحلب الرسول صلّى الله عليه وسلّم شاة لها فشربوا من لبنها وذبحت لهم وطحنت لهم فأكلوا. وقدمت أم معبد بعد ذلك إلى المدينة فأسلمت ، وكانت فصيحة بليغة.
انظر طبقات ابن سعد : ٨ / ٢١١ ، والاصابة : ٨ / ٢٨١ ، والاستيعاب : ١٩٥٨.
وقديد ـ بالتصغير ـ موضع قريب من مكة على طريق المدينة كان ينزل فيه قوم من بني خزاعة. نقلا من كلام المحقق الدكتور سليم النعيمي في هامش ربيع الأبرار.