ان ليس في المكلفين الا كافر ومؤمن بخلاف قولكم ان بينهما فاسقا لا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر. فجوابنا ان ذلك ان دل على ما قلت فيجب أن يدل على أن ليس فيهم الا كافر مرتد لقوله ( أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) وقد ثبت خلاف ذلك واذا جاز اثبات كافر أصلي لم يذكره تعالى جاز اثبات فاسق لم يذكره تعالى ومعلوم ان الموحد المصدق بالله ورسوله اذا أقدم على شرب الخمر والسرقة والزنا لا يوصف بأنه مؤمن مطلقا لأن المؤمن هو الذي يمدح ويعظم وهؤلاء يلعنون. ولا يوصف بأنه كافر لأن الكافر هو الذي يختص بأحكام من قبله وغيره وليس في اثبات وصفين دلالة على نفي ثالث واتبعه تعالى بقوله ( تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) فبين انه لا يريد الا الحق ونزّه نفسه عن ارادة الظلم.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) كيف يصح ذلك وفي جملة أمته الفساق ومن يفسد في الأرض ومن هذا حاله لا يوصف بهذا الوصف. وجوابنا ان ذلك اشارة الى أمة الرسول صلّى الله عليه وسلم في أيامه والمراد ان الخيار فيهم أكثر والتفاضل اذا كان في جميع لا يراد به كل عين فمتى قيل ان أهل بلد أصلح من أهل بلد آخر لا يراد به ذكر كل واحد بل المراد ما يرجع الى جماعتهم من كثرة خيارهن وبيّن ذلك بقوله ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) وذلك لا يرجع الى كل واحد. وقد قيل أراد تعالى أهل الصلاح فيهم فلا يدخل من عداهم فيه بدليل قوله من بعد ( وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ ) فبين في هذه الآية انها خالصة عن الشر بخلاف أهل الكتاب وفي قوله ( وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ ) ما يدل على صحة الجواب الاول فنبه بأن الاكثر منهم فساق بخلاف هذه الامة التي الاكثر منها أهل الخير ويقوى من يقول بالوجه الآخر قوله تعالى ( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ