تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) مع شدة حاجته عجيب في اقتصاره على هذا القدر حتى دعاه شعيب وأمّنه وكفاه وأنكحه ابنته وقضى له موسى بعد ذلك أحسن الأجلين. فالمروي عن المفسرين أنه قضى الاجل الأكمل وقوله بعد ( نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) أحد ما يدل على حدوث كلام الله تعالى وإلا كان يجب أن يكون أبدا قائلا لموسى هذا القول.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى ) كيف يصح على فرعون أن يظن هذا الظن مع كمال عقله ومعرفته بأن القصور وإن بنيت أطول منها فلا يصح فيها ذلك وكيف يصح ان يقول هذا القول مع قوله تعالى في سورة بني اسرائيل ( لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فان كان عالما بذلك فكيف يصح ان يظن الاطلاع إلى إله موسى؟ وجوابنا ان فرعون لما ادعى الالهية وصدقه قومه لجهلهم كان يظهر القدرة ويدعيها وإن كان في الباطن يعلم خلاف ذلك وعلى هذا الوجه قال ما علمت لكم من إله غيري مع علمه باحتياجه الى الاكل والشرب ودفع المضار وعلى هذا الوجه أيضا قال لهامان وذلك لا يمنع من ان يكون في الحقيقة عالما بالله تعالى على ما يدل عليه قوله ( لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ ) فليس بين الآيتين اختلاف.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ ) أليس يدل على شك منه في النبوة؟ وجوابنا انه تعالى قال ذلك على وجه الحجاج ولذلك قال بعده ( إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ