وجوابنا انه أراد أنه كذلك في زعمه. فان قيل ( يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ) كيف عرف فرعون ذلك؟ وجوابنا انه أراد بالقائه العداوة بينكم أنه ينحاز بعضكم الى بعض. فان قال فكيف قال ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ) وهم في تلك الحال مؤمنون؟ وجوابنا الذين كانوا سحرة.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ) أليس ذلك يدل على أنه نفسه في زبر الانبياء والمعلوم خلاف ذلك؟ وجوابنا أن ذكره ووصفه في زبر الاوّلين بين ذلك أنه عربي وسائر كتب الانبياء بخلافه ومعنى قوله من بعد ( كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) يعني القرآن أي جعلناه بحيث يعلم ويقرأ فلم يقع منهم الانتفاع بذلك.
[ مسألة ] ومتى قيل ما معنى قوله ( وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ ) كيف يصح أن يصير ذلك سبب هلاكهم وهو بأن يكون سببا لنجاتهم أقرب؟ وجوابنا أن المراد ما أهلكنا أهل قرية إلا بعد ازاحة العلة بالمنذرين الذين هم الانبياء وبعد كفرهم بهم ونصبهم العداوة لهم فلذلك قال بعده ( ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ ) وفي قوله من بعد ( وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ ) دلالة على اعجاز القرآن لانه لو جاز أن يقدر العباد عليه لجاز مثل ذلك في الشياطين الذين لمخالطتهم بنا يعرفون هذه اللغات وأدّبه الله تعالى بقوله ( وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) بعد قوله تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) وقبل قوله تعالى ( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ) فلم يأمره من هذا القول في الكفار وأمره في المؤمنين بما ذكره ومن تأمل ذلك وتمسك بمثله في العدو والوليّ فله الحظ الكثير في استعمال الاخلاق الحسنة ثمّ قال تعالى ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي