وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ ) فبين انهم لا ينتفعون ويؤذون ولذلك قال من بعد ( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً ) ثمّ قال ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا ).
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) أما يدل ذلك على أنهم لا يقدرون على خلاف هذا الضلال. وجوابنا انهم لا سبيل لهم بالطعن في نبوّتك إلى تحقيق ما نسبوه إليك من سحر وغيره وليس المراد أنهم لا يقدرون على الطاعة.
[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى ( وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ) كيف يجوز في تكذيبهم من قبل أن يكون مانعا لذلك. وجوابنا أن المراد الآيات التي لا ينتفع القوم باظهارها فقد كانوا يطلبون عين المعجزات الظاهرة على الأنبياء كقوله تعالى ( وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) الى غير ذلك فبين تعالى أن جرى العادة بتكذيب الامم بمثل ذلك يمنع من أن يفعله تعالى ويحتمل أن يريد بذلك اهلاك المكذبين الذين لا يؤمنون كما جرت به عادته تعالى فيمن يكذب الأنبياء من الغرق وغيره من ضروب الاهلاك ولذلك قال بعده ( وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ) فأما قوله تعالى ( قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً ) فالامر فيه ظاهر أنه ليس بأمر وكذلك قوله ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) أنه تهديد وزجر فليس لأحد أن يسأل عن ذلك ولذلك قال بعده ( وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً ) وبيّن من بعد أنه لا سلطان للشيطان إلا من جهة الوسوسة الضعيفة فقال ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ) ويحتمل أنه يريد تعالى بذلك أهل الايمان والصلاح من حيث لا تؤثر فيهم وسوسة الشيطان.