قوله ( وَجَعَلْنا ) على ان المراد حكمنا بذلك كما يقال جعلت الرجل بخيلا اذا سألته فظهر بخله ويحتمل ان يريد تعالى أنه جعل قلبهم على صفة يحتاجون معها الى مزيد تكليف في الطاعة ومثل ذلك يكون من قبل الله تعالى كما تقول في الجبن والشجاعة والذكاء والبلادة ولفظة الجعل وان دلت على الفعل فقد يراد بها غير ذلك كقوله تعالى ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) والمراد اعتقدوا ذلك فسموهم وكقوله في القصاص ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) والمراد حكمنا بذلك وقد قيل ان المراد به انا خليناهم وقد يقال للرجل اذا ترك ان يعمر أرضه قد جعله خرابا واذا لم يؤدب ولده يقال قد جعله فاسدا الى غير ذلك ولو لا صحة ما ذكرناه لما قال بعده ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) فذمهم على ذلك.
[ مسألة ] وربما قيل كيف يجوز أن يقول تعالى ( فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ) والله تعالى لا يغري بالعداوة ولا يبعث عليها. وجوابنا أن الله تعالى ذكر بني اسرائيل ووعدهم بشرط أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويؤمنوا بالرسول ثمّ قال ( فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ) ثمّ قال ( فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ ) ثمّ قال من بعد ( وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ ) ثمّ قال ( فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ ) لما لم يتمسكوا بالميثاق والمراد بذلك انه خلاهم عن الالطاف التي لو تمسكوا بطاعة الله لكان يفعلها بهم فلما لم يتمسكوا بها لم يكن ذلك اللطف لطفا لهم فجائز أن يقال أغرى بينهم وهذا كقوله تعالى ( أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) لما لم يلطف بهم وهذا كما يقال فلان يرسل كلبه اذا لم يمنعه وقد قيل ان ذم اليهود والنصارى على التثليث وذم النصارى لليهود على تكذيب عيسى مما يحسن فاذا أغرى تعالى بينهم في ذلك حسن وعلى هذا