ولا بدَّ من الإشارة إلى أنّ العقيدة لا
تحبذ اتّباع الوسائل الملتوية من أجل السيطرة على النفس ، فعن طلحة قال : انطلق
رجل ذات يوم فنزع ثيابه وتمرّغ في الرمضاء ، وكان يقول لنفسه : ذوقي ، وعذاب جهنّم
أشد حرّا ، أجيفة باللّيل بطّالة بالنّهار؟!
قال : فبينا هو كذلك إذ أبصره النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في ظل شجرة فأتاه ، فقال : غلبتني نفسي
، فقال له النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
: « ألم يكن
لك بدٌّ من الذي صنعته؟ » .
من هذا التوجه النبوي ، نجد أنّه في
الوقت الذي تشجّع فيه العقيدة كلّ محاولة صادقة من الإنسان للسيطرة على نفسه ، نجد
أيضا أنّها لا تُحبّذ اتّباع الأساليب غير العقلانية للسيطرة على النفس ، فالنفس
تحتاج إلى صبر وسياسة طويلة ورياضة خاصة لتقلع عن ضراوة عاداتها ، كتلك الرياضة
التي أقسم أمير المؤمنين عليهالسلام
على اتّباعها مع نفسه : «
... وأيم اللّه ـ يمينا أستثني فيها بمشئية اللّه ـ لأروضنَّ نفسي رياضة تَهشُ
معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما ، وتقنع بالملح مأدوما ... »
.
وإنّ الإنسان ليقف مبهورا أمام قدرة
الإمام عليهالسلام في السيطرة
على نفسه ، رغم أنّ الأموال كانت تجبى إليه من مختلف بلدان الخلافة الإسلامية أيام
خلافته ، ولقد أبرَّ بقسمه الذي قطعه على نفسه ، عن حبة العرني قال : أُتي أمير
المؤمنين عليهالسلام بخوان
فالوذج فوضع بين يديه ونظر إلى صفائه وحسنه فوجى باصبعه فيه حتى بلغ أسفله ثمَّ
سلّها ولم يأخذ منه شيئا ، وتلمّظ اصبعه وقال : « إنَّ الحلال طيّب ، وما هو بحرام ، ولكنّي
أكره أن أعوّد
__________________