فبينما كان يؤكد
افتقارهم إلى أدنى حجّة ذات قيمة في ما يعتقدون من عبادة الأوثان والعقائد الزائفة
، ركّز على أنَّ كلّ ما يمتلكونه من حجّة هو أنّهم وجدوا آباءهم على ذلك ، فتمسّكوا
به .. « بَل
قالُوا إنّا وجَدَنا آباءَنا على أُمّةٍ وإنَّا على آثارِهِم مُهتَدُون »
.
ثم يؤكد أنّ هذا هو ديدن هذا الصنف من
الناس الذي أغلق على ذهنه المنافذ .. ( وكذَلِكَ ما أرسلنَا
مِنْ قَبلِكَ في قَرَيةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلاّ قالَ مُترفُوها إنّا وجدَنا آباءَنا
على أُمّةٍ وإنّا على آثارِهِم مُقتَدُون )
. وهكذا يسوق
مقولتهم هذه مرتين في آيتين متتابعتين ليجسّد ما تنطوي عليه هذه المقولة من تهافت
، وما يغيب فيه هؤلاء من جهل متجذّر موروث لا يصغي لدعوة حق ولا لبرهان ساطع بل
ليس لديهم أكثر من ترديد مقولتهم تلك (
أجِئتَنا
لتَلفِتنا عمّا وجَدنا عليهِ آباءَنَا
) ؟! حتى لو جاءهم متحديا لما وجدوا عليه
آباءهم مبيّنا فساده .. (
قال أوَلو
جِئتُكُم بأهدى ممَّا وجدتُم عليهِ آباءَكُم
)؟ حتى مع مثل
هذه الاستثارة لا يبحثون عن برهان ، ولا يفتحون نافذة للنظرة ، بل وقفوا دائما
بتحجرّهم الأوّل ، و (
قالُوا
إنّا بِما أُرسِلتُم بهِ كافِرُونَ
) ، و (
قَالُوا
حَسبُنَا ما وَجَدنَا عَليه آباءَنا
) !! ويكرّر القرآن النكير على هؤلاء في
مواضع آخر ، لأنّه إنما يواجه في مشروعه المعرفي نظريات استحكمت وترسخت لدى أُمم
متتابعة ، لا يستبعد أن يكون لها
__________________