بعدما ربطت قلبه
باللّه والدار الآخرة ، ولم تربطه بأهوائه ونزواته ، لقد زودت العقيدة عقل المسلم
وإرادته بالحصانة الواقية من الانحراف أو إيثار العاجل الفاني على الآجل الباقي ، والنَّفس
ـ في توجهات آل البيت عليهمالسلام
ـ هي منطقة الخطر ، لذلك تصدّرت أولى اهتماماتهم.
ومن هنا نجد أنّ حديث النفس وضرورة
السيطرة عليها يحتل مساحةً كبيرةً من أقوال وحكم ومواعظ أمير المؤمنين عليهالسلام ، فلم يترك مناسبة إلاّ واغتنمها في
الحديث عن النفس لكونها قطب الرَّحى في عملية بناء الإنسان.
لقد أخبرنا الذكر الحكيم : ( .. بأنَّ اللّه لم يكُ مُغَيِّرا نِعمةً أنعَمَها
على قومٍ حتَّى يُغيِّرُوا ما بأنفُسِهِم
) ولذلك فإنَّ ما يلفت نظر الباحث أنّ
الإمام عليا عليهالسلام ـ أيام
حكومته العادلة ـ كان يوصي عماله على الأقاليم وكبار قادته بالسيطرة على النفس ، على
الرغم من انتقائه الدَّقيق لهم ، وكون أكثرهم من ذوي الفضائل العالية والسَّجايا
الحميدة ، فمن كتاب له عليهالسلام
للأشتر لمّا ولاّه مصر : « هذا
ما أمر به عبدُ اللّه عليّ أمير المؤمنين ، مالك بن الحارث الأشتر ... أمَرَهُ
بتقوى اللّه ، وإيثار طاعته ... وأمَرَه أن يكسر نفسهُ من الشهوات ... فإنّ النّفس
أمّارة بالسوء ، إلاّ ما رحم اللّه ... فاملك هواك ، وشحَّ بنفسك عمّا لا يحلَّ لك
، فإنّ الشُّحَّ بالنفسِ الإنصافُ منها فيما أحبَّت أو كرهت وأشعر قلبك الرحمة
للرعية » .
ومن وصية له لشريح بن هاني أحد قادته
العسكريين ، لمّا جعله على
__________________