لكن بعد هذا جاء دور المتكلّمين ، فبذلوا جهودا مضنيةً في تأويله وصرفه عن معناه ، بل تجريده من كلّ معنىً !!
فحين رأوا أنّ الإقرار بدلالته علىٰ الولاية العامّة يفضي إلىٰ إدانة التاريخ وتخطئة كثير من الصحابة ، ذهبوا إلىٰ تأويله بمجرّد النصرة والمحبّة ، فيكون معنىٰ الحديث : يا معشر المؤمنين ، إنّكم تحبّونني أكثر من أنفسكم ، فمن يحبّني يحبّ عليّاً ، اللّهمّ أحبّ من أحبّه ، وعادِ من عاداه (١) !.
وحين رأوا أنّ جماعة من الصحابة قد عادَوه وحاربوه ، ومنهم : عائشة وطلحة والزبير ، وأنّ آخرين قد أسّسوا دينهم ودنياهم علىٰ بغضه ، ومنهم : معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة ومروان وعبد الله بن الزبير.. ذهبوا إلىٰ حقّ هؤلاء في الاجتهاد مقابل ذلك النصّ ، فهم معذورون وإن أخطأوا ، بل مأجورون أجراً واحداً لأجل اجتهادهم (٢) !!.
وهكذا أصبح الخروج علىٰ نصوص الشريعة حتّىٰ في مثل تلك الطرق السافرة ، اجتهاداً يُثاب صاحبه ، وليس بينه وبين الآخر الذي تمسّك بالشريعة وقاتل دونها إلاّ فرق الأجر ! فالذي قاتل الشريعة له نصف أجر الذي قاتل دونها !!
لقد كان الأوْلىٰ بهم أن يتابعوا سُنّة الرسول ، ويوقِّروا نصّه الشريف الثابت عنه ، بدلاً من إفراطهم في متابعة الأمر الواقع الذي ظهر فيه اختلاف كثير..
__________________
(١) الآلوسي ، روح المعاني ٦ : ١٩٥ وما بعدها.
(٢) أُنظر : الفصل في الملل والنحل ٤ : ١٦١ و ١٦٣ ، البداية والنهاية ٧ : ٢٩٠ ، الباعث الحثيث : ١٨٢.