الثالث : وهو أكثرها نكارة ، ما نقله عن المستشرق فان فلوتن ، بعد أن قدّم له بسؤال مثير ، فقال : ( ولكن هل خرجت الشورىٰ علىٰ عهد رسول الله من النطاق الفردي غير المنظّم ، إلىٰ نطاق التنظيم المحكوم بمؤسّسة من المؤسّسات ) ؟
فلمّا لم يجد لهذا التساؤل الهام جواباً من التاريخ ، تعلّق بالخطأ الذي وقع فيه فان فلوتن لسوء فهمه لمفردات العربية ، فحين قرأ عن أصحاب الصفّة وهم المقيمون في المسجد علىٰ صفّة كبيرة فيه ، والبالغ عددهم سبعين رجلاً ، ظن أنّ الصفّة تعني ( الصفوة ) ! فظنّ أنّ صفوة الصحابة كانوا سبعين رجلاً لا يفارقون المسجد كمؤسّسة استشارية تتّخذ من المسجد مقرّاً لها ، ولم يفهم أنّ أصحاب الصفة هؤلاء هم أضعف المسلمين حالاً ، لا يملكون مأوىً لهم فاتخذوا المسجد مأوىٰ !!
وليس هذا بمستغرب من مستشرق لا يتقن العربية ، ولا تعنيه فداحة الخطأ العلمي بقدر ما يعنيه الادلاء برأيه.. لكنّ المستغرب أن يأتي باحث كبير كالشيخ محمد عمارة فيعتمد هذا الخطأ العلمي مصدراً لتثبيت قضية هامّة كهذه ، قائلاً : ( نعم ، فهناك ما يشير إلىٰ وجود مجلس للشورىٰ في عهد الرسول كان عدد أعضائه سبعين عضواً ) ويصرّح أن مصدره فان فلوتن (١) !
أنتم أعلم باُمور دنياكم !
هذا وجه آخر من وجوه تفسير مشاورة الرسول أصحابه : إنّ علوم الخلق متناهية ، فلابدّ أن يخطر ببال إنسان من وجوه المصالح مالا يخطر
__________________
(١) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية : ٥٣.