المؤمنين اُمّ سَلَمة ، ذلك يوم الحديبية ، بعد إمضاء الصلح ، إذ أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه أن ينحروا ما معهم من الهدي الذي ساقوه ، فلم ينحر أحد ، فبان الغضب بوجه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعاد إلىٰ خيمته ، فقالت له اُمّ سَلَمة ، لو نحرتَ يا رسول الله ، لنحروا بعدك.. فنحر صلىاللهعليهوآلهوسلم هديه ، فنحروا بعده (١).
هذه هي أشهر نماذج الشورىٰ التي يعرضها التاريخ ، بغضّ النظر عن صحّة أسانيدها أو ضعفها ، منذ نزلت آية الشورىٰ هذه حتّىٰ قُبض النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.. فليس هناك شيء أكثر ممّا كان قبل نزولها.. وليس هناك نظام محدّد ، ولا أشخاص معيّنون.. ليس هناك أثر لما دعاه البعض ( هيئة العشرة )..
تلك هيئة ليس لها أثر أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّها ، ولا استطاع مدّعيها (٢) أن يأتي بشاهد تاريخي واحد علىٰ وجودها في أيام النبيّ ، ولا يستطيع أن يأتي بشاهد واحد يؤيّدها من حياة أبي بكر كلّها وحياة عمر كلّها ، حتّىٰ اختياره الستة المعروفين لشورىٰ الخلافة !
وأضعف من هذه الدعوىٰ ما جاء في محاولة البرهنة عليها من أشياء متكلَّفة ، واُخرىٰ لا واقع لها ، واُخرىٰ تفيد نفيها بدلاً من إثباتها !
ومن أنكر وأغرب ما استدلّ به ، وهو يراه أقوىٰ أدلّة الإثبات ، ثلاثة أشياء ، هي :
__________________
(١) تاريخ الطبري ٢ : ٦٣٧ عن الزهري.
(٢) محمد عمارة ، الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية : ٥٤.