« أما والله لقد تقمّصها فلان ، وإنّه لَيعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقىٰ إليَّ الطير..
فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويت عنها كَشحاً ، وطفقتُ أرتئي بين : أن أصولَ بيدٍ جذّاء ، أو أصبر علىٰ طخيةٍ عمياء !... فرأيتُ أنّ الصبر علىٰ هاتا أحجىٰ ، فصبرتُ وفي العين قذىً ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نَهْبا !
حتّىٰ مضىٰ الأوّل لسبيله ، فأدلىٰ بها إلىٰ فلان بعده..
فيا عجباً ! بينا هو يستقيلها (١) في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته !!
لشدَّ ما تشطّرا ضَرعيها !..
فصبرتُ علىٰ طول المدّة ، وشدّة المحنة.. حتّىٰ إذا مضى لسبيله جعلها في جماعةٍ زَعَم أنّي أحدهم ! فيالله وللشورىٰ ! متىٰ اعترضَ الريبُ فيَّ مع الأوّل منهم حتّىٰ صرتُ أُقرن إلىٰ هذه النظائر ؟!.. » (٢).
إذن أبو بكر أيضاً كان يعلم أنّ محلّ عليٍّ من الخلافة محلَّ القطب من الرحىٰ !
وقد يبدو هذا في منتهىٰ الغرابة لمن أَلِفَ التصوّر القدسي لتعاقب الخلافة ، ذاك التصوّر الذي صنعه التاريخ وفق المنهج الذي قرأناه في البحوث المتقدّمة ، ومن هنا استنكروه ، كما استنكروا سائر كلامه في الخلافة ، وقبله استنكروا جملة من الحديث النبوي الشريف الذي يصدم
__________________
(١) إشارة إلىٰ قول أبي بكر : أقيلوني ، أقيلوني.
(٢) نهج البلاغة ـ تحقيق د. صبحي الصالح ـ : الخطبة ٣.