لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه (١).
أقول : الاشتهاء هو الجوع أي طلب البدن للطعام عن حاجة ، او هو الرغبة والميل إلى الأكل ، والمراد من قوله «ع» مالا تشتهيه أي ما لا تميل إليه ولا ترغب به فان ما أكل خلاف الرغبة أورث في البدن عكس المطلوب ومنها النفرة والانقلاب والمزاج كما ينفر من الدواء البشع ، وبذلك يختل نظام البدن فلا يحصل من الغذاء ذلك الوقود اللازم وهنا تضعف الاعصاب وتضطرب وقد يسري هذا الضعف العصبي إلى الدماغ بالمداومة لأنه المنشأ للاعصاب فيحصل الخطر فيه وهو المشار إليه بقوله «ع» يورث الحماقة والبله ، وقد قال بعض الحكماء : ما أكلته وأنت تشتهيه فقد أكلته وما أكلته وأنت لا تشتهيه فقد أكلك أي أمرضك وأسقمك.
أما قوله «ع» : فكل حلالاً وسم بالله ، فذلك لأن وسائل الصحة وسلامة الأبدان لو تأملتها تجدها غير منحصرة في الماديات فقط بل أن للمعنويات والروحيات اليد الطولى في ذلك وأهمها الاطمينان النفسي والسكون القلبي اللذان بهما تستقر النفوس وترتاح القلوب ، ولما كان الغذاء الحلال مما يرضي النفس والروح ويملأ القلب إطميناناً وسكوناً كان للقمة الحلال والتسمية التي تنهض العقيدة والايمان أهمية كبرى في نشاط البدن وإرتياحه بخلاف الحرام الذي يضطرب منه القلب ويفلق الروح ، لذلك عالج الامام «ع» أو بالأحرى حفظ الصحة بهذه الوصية الروحية وإنهاض العقيدة الساكنة.
أما قول النبي (ص) : ما ملأ آدمي وعاء شراً إلخ. فانه أمر واضح لا يحتاج إلى شرح وهو كقوله (ص) المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء لأنها إذا ملئت ثقل عملها وإذا ثقل العمل تصاعدت الابخرة والغازات إلى الأعلى أي إلى الدماغ فوقف الفكر ، لذلك يمنع الاطباء المطالعة بعد الطعام بلا فاصلة ثم يعتري الدماغ الفتور والميل إلى النوم والدعة كما قد يحدث لممتلئ المعدة عند النوم رؤيا مخيفة
__________________
(١) البحار ج ١ وفي الكنى والالقاب للقمي في ترجمة البصري.