إن مرّ بي هذا الغلام لأثكلنّ به أباه ، فقلت : لا تقل ، يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه. فقال : لأفعلنّ ، ومرّ بنا عليّ وهو يطرد كتيبة فطعنه برمحه فانقلب على قربوس فرسه فاعتنق فرسه فكرّ به على الأعداء فاحتووه بسيوفهم فقطّعوه (١). فصاح قبل أن يفارق الدنيا : السلام عليك يا أبتي ، هذا جدّي المصطفى قد سقاني بكأسه الأوفى وهو ينتظرك الليلة ، فشدّ الحسين عليهالسلام حتّى وقف عليه وهو مقطّع فقال : « قتل الله قوما قتلوك يا بنيّ ، فما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول » ، ثمّ استهلت عيناه بالدموع ، وقال : « على الدنيا بعدك العفا » (٢).
وروى أبو مخنف ، وأبو الفرج عن حميد بن مسلم الأزدي أنّه قال : وكأنّي أنظر إلى امرأة قد خرجت من الفسطاط وهي تنادي : يا حبيباه يا ابن أخيّاه ، فسألت عنها ، فقالوا : هذه زينب بنت علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فجاءت حتّى انكبّت عليه ، فجاء الحسين عليهالسلام إليها وأخذ بيدها إلى الفسطاط ، ورجع فقال لفتيانه : « احملوا أخاكم » فحملوه من مصرعه ، ثمّ جاءوا به فوضعه بين يدي فسطاطه (٣). وقتل ولا عقب له.
وفيه أقول :
بأبي أشبه الورى برسول |
|
الله نطقا وخلقة وخليقه |
قطعته أعداؤه بسيوف |
|
هي أولى بهم وفيهم خليقه |
ليت شعري ما يحمل الرهط منه |
|
جسدا أم عظام خير الخليقة |
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ١١٥.
(٢) راجع مقاتل الطالبيين : ١١٥ ، واللهوف : ١٦٧.
(٣) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٣١ بتفاوت في بعض الكلمات.