ما بدا لك » ، فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال : أيّها القوم ألا تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه؟ قالوا : فكلّم الأمير عمر ، فكلّمه بما قال له قبل ، وقال لأصحابه ، فقال عمر : قد حرصت ، ولو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت ، فالتفت الحرّ إلى القوم وقال : يا أهل الكوفة ، لأمّكم الهبل والعبر دعوتم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب ، لتمنعوه (١) التوجّه إلى بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته ، فأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ، ولا يدفع ضرّا ، حلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّدا في ذريّته! لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه. فحملت عليه رجال ترميه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين (٢).
وروى أبو مخنف أن يزيد بن أبي سفيان الثغري من بني الحرث بن تميم قال : أما والله لو رأيت الحرّ حين خرج لأتبعته السنان ، قال : فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحرّ بن يزيد يحمل على القوم مقدما ويتمثّل قول عنترة :
ما زلت أرميهم بثغرة نحره |
|
ولبانه حتّى تسربل بالدّم |
وإنّ فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه ، وإنّ دمائه لتسيل ، فقال الحصين بن تميم التميمي ليزيد بن سفيان : هذا الحرّ الذي كنت تتمنّى. قال : نعم. وخرج إليه فقال له : هل لك يا حرّ في المبارزة؟ قال : نعم ، قد شئت ، فبرز له ، قال الحصين : وكنت
__________________
(١) في المصدر : فمنعتموه.
(٢) تاريخ الطبري : ٣ / ٣٢٠ بتفاوت.