موارد الدوران بين التقييد والتقيّد لعدم الفرق في ملاك البحث ، فانَّ ملاكه إمكان التمسك بالأصل اللفظي وهو الظهور في الدليل المتكفّل لقضية كلية لإثبات عكس نقيضه وهذا لا يفرق فيه بين أَنْ يكون الظهور وضعياً أو حكمياً.
وقد مال جملة من العلماء في بعض التطبيقات والاستدلالات إلى التمسك بالظهورات في مثل هذه الموارد فمثلاً قد وقع من قبل بعض الأصوليين الاستدلال على عدم كون الاستحباب امراً بعموم قوله تعالى ( فليحذر الذين يخالفون عن امره ) حيث يعلم بعدم لزوم الحذر في الطلب الاستحبابي فيكون مقتضى عموم الآية عدم صدق مادة الأمر عليه.
ومن قبيل ما ورد من الاستدلال في الفقه على عدم نجاسة ماء الاستنجاء الّذي ثبت عدم نجاسة ملاقيه تمسكاً بعموم أو إطلاق أدلة تنجيس المائع المتنجس وكلا هذين الموردين من موارد التمسك بالعامّ أو المطلق لإثبات التخصص كما هو واضح.
والتقريب الّذي يخطر في الأذهان لإثبات حجية العام أو المطلق لإثبات التخصص أو التقيّد واضح ، حيث انَّ مقتضى أصالة العموم أو الإطلاق في القضية الكلية ثبوت عكس نقيضها وهو انتفاء موضوعها عند انتفاء محمولها فإذا ثبت بدليل انتفاء المحمول في مورد ثبت بالملازمة انتفاء الموضوع وهو معنى التخصص.
وإِنْ شئت قلت : انَّ كل قضية حقيقية وإِنْ كانت حملية إِلاَّ انها في قوة قضية شرطية مفادها انه كلّما صدق الموضوع ثبت المحمول وانتفاء الشرط عند انتفاء الجزاء لازم عقلي لا محالة. فإذا ثبت بدليل انتفائه ثبت انتفاء الموضوع.
وهذا المدلول وإِنْ كان التزامياً بالنسبة لظهور العام أو المطلق إِلاَّ انَّ المفروض حجية مثبتات الظهور لكونه من الأمارات وعدم اختصاص حجيته بالمداليل المطابقية خاصة.
إِلاَّ انَّ جمهور المحققين من علماء الأصول عند تحريرهم لهذه المسألة بنوا على عدم حجية الأصول اللفظية في أمثال المقام ، وقد حاول صاحب الكفاية ( قده ) أَنْ يُخرج هذا الموقف على أساس انَّ مدرك حجية الأصول اللفظية هو السيرة العقلائية وهو دليل لبّي يقتصر فيه على المقدار المتيقن من مورده الّذي هو صورة الجزم بدخول الفرد