والصفات والسنة ، والردود على أهل النظر ، يشكر اللّه سبحانه على النور الّذي افاضه على عقله ، حتّى نبذ مثل تلك الطامات بأول نظرة.
وقد استمرّت فتن المخدوعين من الرواة على طول القرون مجلبة لسخط اللّه تعالى ، ولاستسخاف العقلاء ، من غير أن يخطر ببال عاقل أن يناضل عن سخافات هؤلاء ، إلى أن نبغ في أواخر القرن السابع بدمشق ، حرّاني تجرّد للدعوة إلى مذهب هؤلاء الحشوية السخفاء ، متظاهراً بالجمع بين العقل والنقل على حسب فهمه من الكتب ، بدون أُستاذ يرشده في مواطن الزلل ، وحاشا العقل الناهض والنقل الصحيح أن يتضافرا في الدفاع عن تحريف السخفاء إلاّ إذا كان العقل عقل صابئي والنقل نقل صبي ، وكم انخدع بخزعبلاته أُناس ليسوا من التأهّل للجمع بين الرواية والدارية في شيء ، وله مع خلطائه هؤلاء ، موقف في يوم القيامة لا يغبط عليه.
ومن درس حياته يجدها كلها فتناً لا يثيرها حافظ بعقله ، غير مصاب في دينه ، وأنّى يوجد نصّ صريح منقول أو برهان صحيح معقول يثبت الجهة والحركة والثقل والمكان ونحوها للّه سبحانه؟.
وكل ما في الرجل أنّه كان له لسان طلق ، وقلم سيال ، وحافطة جيدة ، قلّب ـ بنفسه بدون أُستاذ رشيد ـ صفحات كتب كثيرة جداً من كتب النحل الّتي كانت دمشق امتلأت بها بواسطة الجوافل من استيلاء المغول على بلاد الشرق ، فاغترّبما فهمه من تلك الكتب من الوساوس والهواجس ، حتى طمحت نفسه إلى أن تكون قدوة في المعتقد والأحكام العملية ، ففاه في القبيلين بما لم يفه به أحد من العالمين ، مما هو وصمة عار وأمارة مروق في نظر الناظرين ، فانفضّ من حوله أُناس كانوا تعجّلوا في إطرائه ـ بادىء بدء ـ قبل تجريبه ، وتخلّوا عنه واحداً إثر واحد على تعاب فتنة المدونة في كتب التاريخ ، ولم يبقَ (١) معه إلاّ أهل مذهبه في الحشو من جهلة المقلدة ، ومن ظن أن علماء
____________
١ ـ وقال في التعليق : وثناء بعض المتأخرين عليه لم يكن إلا عن جهل بمضلات الفتن في كلامه ، ووجوه الزيغ في مؤلفاته ، ومنهم من ظن أنه دام على توبته بعد ما استتيب فدام على الثناء ، ولا حجة في مثل تلك الأثنية ، وأقواله الماثلة أمامنا في كتبه لا يؤيدها إلاّ غاو غوى ، نسأل اللّه السلامة.