القبور ، خصوصاً إذا كان السفر دينياً ومنسوباً إلى الشرع ، فإنّ الإفتاء بجوازه بما أنّه عمل يؤتى به لأجل كونه أمراً دينياً يحتاج إلى الدليل ، وإلى الجواب :
يدل على جواز السفر لفيف من الدلائل ، وإليك بيانها :
الأول : ما ورد من الحث على زيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وستوافيك نصوصها فإنّها بين صريح في جواز السفر أو مطلق يعم المقيم والمسافر ، فقول النبي وفعله حجتان ، أمّا قوله :
فقد روي عن عبداللّه بن عمر أنّه قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : من جاءني زائراً لا تعمله ( تحمله ) إلاّ زيارتي كان حقاً علىّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة.
روي أيضاً عن عبداللّه بن عمر عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي.
والثاني صريح في جواز السفر ، والأول مطلق يعم المسافر والمقيم في المدينة ، وستوافيك هذه النصوص عن أعلام المحدثين.
وأمّا فعله ، فقد روي عن طلحة بن عبداللّه قال : خرجنا مع رسول اللّه يريد قبور الشهداء ـ إلى أن قال ـ : فلمّا جئنا قبور الشهدا ، قال : هذه قبور إخواننا (١).
الثاني : الإجماع ، لإطباق السلف والخلف ، لأنّ الناس لم يزالوا في كل عام إذا قضوا الحج يتوجهون إلى زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن منهم من يفعل ذلك قبل الحج ، قال السبكي : هكذا شاهدناه ، وشاهده من قبلنا وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة ، وكلهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه وإن لم يكن طريقهم ، ويقطعون فيه مسافة بعيدة ، وينفقون فيه الأموال ، ويبذلون فيه المهج ، معتقدين أنّ ذلك قربة وطاعة ، وإطباق هذا الجمع العظيم من
__________________
١ ـ أخرجه أبو داود في سننه ج ١ ص ٣١١ ، والبيهقي في السنن الكبرى ج ٥ ص ٢٤٩ والمراد من الشهداء شهداء أحد ، كما هو مورد الحديث.