السنة التي توفي فيها معز الدولة وولي بختيار ، وكانت لأبيه حال كبير ومنزلة من الدولة ورتبة ، وكان الفتى في نهاية من الحسن وسلاسة الخلق وكرم الطبع يحب الأدب ويميل إلى أهله ، ومضت لي معه سير لو حفظت لكانت كتاباً مفرداً ، وقد كنت آتي إليه فيدخلني إلى حجرة لطيفة كانت مفردة له فنجتمع على الشراب والشطرنج وما أشبههما فأتيته يوماً وجلس على دكة بباب داره منتظراً له ولما أبطأ عليّ قمت لأجل لقاء صديق ثم أعود ، فهجس لي أن كتبت على الحائط الذي كنا نستند عليه .
يا من أظل بباب داره |
|
ويطول حبسي لانتظاره |
وحياة طرفك واحوراره |
|
ومجال صدغك في مداره |
لا حلت عمري عن هواك |
|
ولو صليت بحرِّ ناره |
فلما عاد ووقف على الأبيات غضب من فعلي لئلا يقف عليه من يحتشمه وكان شديد الكتمان خصوصاً من أبيه فكتب تحتها :
( ما هذه الشناعة ومن فسح لك هذه الإذاعة وما أوجب خروجك عن الطاعة ، ولكن أنا جنيت على نفسي وعليك ملكتك فطغيت وأطعتك فتعديت ما أحتشم أن أقول هذا تعرض للإعراض عنك والسلام ) .
فعلمت أنني قد أخطأت وسقطت ـ شهد الله ـ قوتي فأخذتني الندامة والحيرة ثم أذن لي فدخلت فقبلت يده فمنعني وقلت يا سيدي غلطة غلطتها وهفوة هفوتها فإن لم تتجاوز عنها وتعف هلكت فقال لي : أنت في أوسع العذر بعد أن لا يكون لها أخت .
ولم تمض إلا مديدة
حتى قبض على أبيه وهرب فاحتاج إلى الاستتار فلم يأنس هو ولا أهله إلا أن يكون عندي فأنا على غفلة إذ