وتبلورت من تلك المدرسة مدرسة كبرى الا وهي مدرسة الشيخ الطوسي الذي يعد مجددا للمذهب ورافعا لراية الإسلام ، حيث كان متبحرا في فنون المعرفة وملما بفقه المذاهب الإسلامية ، عارفا به ويشهد لذلك كتابه القيم « مسائل الخلاف ».
وجاء من بعده تلامذته المتأثرون بأفكاره وإراءة ، والذين لم يستطيعوا غالبا في صياغة تأسيس جديد أو مستقل في الفقه والأصول يتجاوزوا به مدرسة الشيخ حتى ظهور ابن إدريس الذي استطاع بمناقشة الكثير من اراء الشيخ ان يحرك الأجواء العلمية التي سكنت الى اراء الشيخ.
هذا وكان الفقه الشيعي ـ في هذه المرحلة وحتى عصر العلامة الحلي وما بعده ـ يدرس جنبا الى جنب مع فقه بقية المذاهب. ويظهر ذلك جليا في الكثير من كتب القدماء كالغنية لابن زهرة وتذكرة الفقهاء ومنتهى المطلب للعلامة الحلي.
وكان هناك اتجاه أخر هو الابتعاد عن الغور في المسائل الخلافية. والخوض في الأبحاث الفقهية عند العامة ، بل تهدف التمحض بالفقه الإمامي دون غيره كالمحقق الآبي في كتابه كشف الرموز حيث خصص كتابه للفقه الشيعي ، ومنح اراء علماء الفقه الإمامي أهمية خاصة. وكذلك فخر المحققين في كتابه إيضاح الفوائد الذي ينقل الفتاوى والاستدلالات الفقهية الشيعية فقط.
* * *
بعد أقول نجم معهد بغداد العلمي وظهور الجامعة العلمية الكبرى في النجف الأشرف ـ التي كنا وما نزال ندين بالفضل لها ـ ومن ثم معهد الحلة الفيحاء بأعلامها ومفكريها وفقهائها. بدأ يظهر اسم معهد علمي آخر يضاهي هذه المعاهد آنذاك ـ الا وهو معهد جبل عامل الذي اغدق على الطائفة الشيء الكثير واروى الفقه الشيعي ما يعجز القلم عن ذكره.