مسألة ١٣: الواهب بعد العقد بالخيار إن شاء أقبض و إن شاء منع،
فإن قبض المتّهب بغير إذن الواهب لم يصح القبض و لم تتمّ الهبة؛ لأنّ التسليم غير مستحقّ عليه، فلا يصحّ إلاّ بإذنه، كما لو أخذ المشتري المبيع من يد البائع قبل تسليم الثمن، بخلاف ما إذا قبضه المشتري بعد تسليم الثمن؛ لأنّه مستحقّ للقبض، فلا يعتبر فيه إذن المستحقّ عليه، أمّا هنا فإنّه غير مستحقّ عليه، فلا يصحّ بدون إذنه، فإن قبضه بدون إذنه دخل في ضمانه، فإن أذن له في القبض و قبضها تمّت الهبة، و إن رجع عن الإذن قبل أن يقبض المتّهب بطل الإذن، و إن رجع بعد القبض لم يبطل القبض؛ لتمام الهبة قبل رجوعه، و به قال الشافعي(١).
و قال أبو حنيفة: إذا قبضه في المجلس بغير إذن الواهب، صحّ القبض، و إذا قام من المجلس لم يجز قبضه إلاّ بإذن الواهب؛ لأنّ الإيجاب تضمّن الإذن في القبول و القبض جميعا، فإذا قبض صحّ، كما إذا قبل، و إنّما اختصّ بالمجلس لأنّ الإيجاب تضمّنه، و ما تضمّنه الإيجاب اختصّ(٢) بالمجلس، كالقبول(٣).
و ليس بجيّد؛ لأنّ الواهب لم يأذن له بعد العقد في القبض، فلا يصحّ قبضه، كما لو كان بعد المجلس، و لا نسلّم أنّ القبض و القبول تضمّنهما
١- نهاية المطلب ٤١٠:٨، الوسيط ٢٧٠:٤، حلية العلماء ٤٩:٦، البيان ٨: ٩٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٤٣٨:٤.
٢- في الطبعة الحجرية: «يختصّ» بدل «اختصّ».
٣- مختصر القدوري: ١٢٤، المبسوط - للسرخسي - ٥٧:١٢، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٤:٣، الاختيار لتعليل المختار ٦٩:٣، المغني ٢٧٧:٦، الشرح الكبير ٦: ٢٧٩، نهاية المطلب ٤١٠:٨، الوسيط ٢٧٠:٤، حلية العلماء ٤٩:٦، البيان ٩٨:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦.
الإيجاب، و إنّما القبول أثبته الشرع، و القبض لم يوجد في لفظه، و لو وجد في تلفّظه لم يبطل بالقيام من المجلس، كما لو أذن له بعد العقد، على أنّ الإيجاب جوابه [القبول](١) فاقتضاه، بخلاف القبض.
مسألة ١٤: إذا وهب شيئا و قبل
مسألة ١٤: إذا وهب شيئا و قبل(٢) المتّهب فباع الواهب العين أو وهبها أو عقد عليها أحد العقود قبل القبض،
قال الشيخ رحمه اللّه: يصحّ البيع، و تنفسخ الهبة(٣).
و هو جيّد؛ لأنّ البيع صادف ملكا للبائع لم يزل عنه بالهبة، فاقتضى حكمه، و تترتّب(٤) عليه أحكامه، و هو معنى الصحّة.
و قال الشافعي: إن كان الواهب يعتقد أنّ الهبة ما تمّت و أنّه باع ما لم يهبه، فالبيع صحيح، و قد بطلت الهبة، و إن كان يعتقد أنّ الهبة قد تمّت و انتقل الملك بنفس العقد و أنّه ليس له البيع، ففي صحّة البيع قولان:
أحدهما: لا يصحّ؛ لأنّه يعتقد أنّه متلاعب، و أنّه ليس ببيع.
و الثاني: يصحّ؛ لأنّه بيع صادف ملكه الذي له تمليكه فصحّ(٥).
و أصل هذين القولين: إذا باع مال مورّثه و هو غائب بغير إذنه إلاّ أنّه بان أنّه كان قد مات و أنّه حين باع كان قد ورثه، فهل يصحّ البيع ؟ قولان(٦).
١- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
٢- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فقبل» بدل «و قبل».
٣- المبسوط - للطوسي - ٣٠٤:٣.
٤- في «ص، ع»: «ترتّبت».
٥- حلية العلماء ٤٩:٦، البيان ٩٩:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٤٣٩:٤.
٦- الوسيط ٢٣:٣، العزيز شرح الوجيز ٣٣:٤، و ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٣: ٢٢-٢٣، و ٤٣٩:٤، المجموع ٢٦١:٩.