عليها ثواب .
فقلت : وإذا كانت المعرفة باللّه جلّ جلاله بنظر العبد فيلزم عليها أيضا أنّه لا ثواب عليها ، فاستعظم ذلك وقال : كيف قلت ؟
فقلت ما معناه : لأنّك قبل أن تعرفه وشرعت تنظر في المعرفة بنظرك في الجواهر والأجسام والأعراض ، ما تدري نظرك هل يفضي إلى الإقبال على تصديق المعرفة ، أو الإدبار عنها أو الإعراض ، فلا تكون قاصدا بنظرك التقرّب إلى اللّه جلّ جلاله لأنّك ما تعرفه (١) ، وإنّما تعرفه على قولك في آخر جزء من أجزاء نظرك ، وقد فات نظرك كلّه بغير معرفة وغير ثواب ، فانقطع عن الجواب .
وقلت له : إنّ المعرفة باللّه جلّ جلاله سواء كانت من اللّه جلّ جلاله أو من العبد أو منهما ، فإنّما يكون الثواب على استمرار العبد عليها ، ولزوم ما يراد منه بها ولها .
وقد كان ينبغي يا ولدي محمد إذا أراد العالم باللّه جلّ جلاله وبرسوله صلّى اللّه عليه وآله وبالأئمة من عترته وبشريعته أن يعرّف المبتدي ممّن ولد على فطرة الإسلام ما يقوّي عنده ما في فطرته ، ويوثقه بكرم (٢) اللّه جلّ جلاله ورحمته ، وتعلّق أمله بفضله ، ويدخله تحت ظلّه ، يقول له : قد عرفت محققا قبل بلوغك وبعد بلوغك أنّك عالم ببديهيات ، وعالم بكليات وجزئيات ما سعيت في تحصيلها ، ولا عرفت كيف كان تدبير اللّه جلّ جلاله في وصولها إلى عقلك وقلبك وحلولها ، ولا ساعة ورودها على سرائرك ولا بأيّ الطرق سلك اللّه جلّ جلاله بها إلى ضمائرك ، فكن واثقا بذلك الواهب ، وعلّق آمالك وسؤالك به في طلب المواهب ، وقل له : يا من أنعم عليّ بنور العقل قبل سؤاله ، وابتدأني بنواله وأفضاله ، هب لي مع السؤال والوفادة بالآمال ما تريد منيّ من معرفتك ولزوم حرمتك ، وشرّفني بمراقبتك ، وعرّفني أنّ ذلك صادر عن ابتدائك لي برحمتك ونعمتك ، حتى أنهض بك إليك ، وأقف بك بين يديك ، وأقبل بك عليك ، وأقدم بك إليك (٣) » (٤) .
ثمّ قال رحمه اللّه : « واعلم يا ولدي محمد ومن يقف على هذا الكتاب ، أنّني ما قلت هذا جهلا بعلم الكلام وما فيه من السؤال والجواب بل قد عرفت ما كنت محتاجا (٥) إلى معرفته
______
( ١ ) ـ في « ح » : لا تعرفه .
( ٢ ) ـ في « ر » من كرم .
( ٣ ) ـ في « ر » : عليك .
( ٤ ) ـ كشف المحجة : ٨ ـ ١٥ .
( ٥ ) ـ في « ر » : أحتاج .